رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

خولة البوعينين


Khawla.life@outlook.com
@Khawlalbu3inain

مساحة إعلانية

مقالات

600

خولة البوعينين

الأناقة حضور لا تحتاج إلى صخب

22 يوليو 2025 , 02:00ص

ليست الأناقة ظلاً يمرّ على الجلد، ولا قماشًا يكسو الجسد، ولا شكلًا يُعرض ليرضي العين، ولا رداءً يُلقى على البدن! 

بل هي ذلك الحضور الذي لا يحتاج إلى صخب، وهي ذاك الوجود الذي لا يحتاج إلى زينة، هي تلك الزخرف الخفّي عن الناظرين، اللامع للمبصرين! 

 هي سكينة الروح التي تنعكس في كل حركة، وفي كل كلمة تُنطق دون تكلف، وفي كل فعل دون تصنّع ! هي احترام الذات المبطن، وصدق النية الذي لا يُعلل.

هي حين تنجح في تنظيم أفكارك، وتُفلح في ترتيب مشاعرك، وتُحافظ على اتزانك، وتوهب حكمة الاختيار، فلا تقول ولا تفعل إلا ما يناسب موضعه، ويلائم وقته ومكانه، حينها تُدرك حتماً أنك تسير بأناقةٍ لا يضاهيها بريق!

ولعل من المكرمات الظاهرة لهذا الفيض المُبارك، أنه ليس بوسع أحد أن يمنحك هذه الأناقة، فهي هبة من الداخل، ثراء لا يزول، وجمال لا يبهت.

فالأناقة الحقيقية هي في الصمت حين يُفضّل أن تُقال ألف كلمة، وهي في انتقائك للكلمة التي تلامس دون أن تؤذي، وفي الابتسامة الهادئة التي تفتح أبواب القلوب.

هي في بصمة حضورك، وفي طريقة إنصاتك، وفي نمط تحدثك ونبرة صوتك، في تلك العناية التي تزرعها في كل تفاصيل حياتك أينما حللت فزهرها فوّاح ينثر عبيره.

وليس لمعظّمي شأن المظاهر من سبيل ينقذهم من الانخداع بزيف الاختزال للأناقة في مظهرٍ مرتب، وهندام مصقول، وثياب موشاّة، و ظهور برّاق آسر، فكل ذلك زائل، وكل قائمٍ راحل، وكل عينٍ إلى زوال مهما طال لها البقاء.

أما الأناقة التي تنبع من الجوهر فتظلّ شمّاء أبيّة، باسقة سامقة، تبقى مع المرء حيثما حل وارتحل، في أعماق من حوله، وفي ذاكرة من يحيطون به.

تلك الأناقة التي تُكتب في سطور حياتك اليومية، لا في صورٍ تُلتقط للحظات، وهي التي تجعل من كل لقاء، وكل كلمة، وكل تصرف قصيدة حية تُتلى ولو في مرافئ السكون الخالية.

ولعل من مباهج تلك الأناقة الندّية، أن تجد ثمّة أناس لا تعرفهم من مظهرهم، ولكن حضورهم يملأ المكان، ويزرع الهدوء في النفوس يفيض منهم رقي الشعور، وصدق التعبير، وغدق العطاء.

وهذا - لعمري- ما يمكن للمرء أن يعدّه فلسفة حياة أصيلة، تتجلى في كل تصرف، وتظهر في كل اختيار، وتنسج بين تفاصيله قصص شتى تستحق أن تُخلّد عبر الزمن.

لحظة إدراك: 

ليس منا من اكتفى ببهرجة الأردية، وتلميع الأغشية، وتباهى على كل شاهد ليشهد تلؤلؤ هيئته، وبريق ثيابه! 

فأناقة الداخل باذخة، مترفة لا تُكتشف إلا بعين البصيرة، فيها هدوءٌ يشبه النُبل، وسكونٌ يتجاوز الزينة، واتّساقٌ خفيّ بين الداخل والخارج، لا يلبث أن يصبح برهاناً دالاً على وجوده وإن سكن. 

مساحة إعلانية