رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
قبل ربع قرن، ومع بداية الألفية الجديدة، كانت العولمة تقترب من ذروتها مع انتهاء فصول الحرب الباردة، وقبول الصين في منظمة التجارة العالمية، وتشجيع التجارة الحرة وحرية تنقل الأشخاص إلى حدٍ ما. وقتها، بدت العملة القديمة المتمثلة في الذهب عتيقة الطراز، فقد تخلى الدولار الأمريكي عن معيار ربط العملة بالذهب في عام 1971، وانخفضت نسبة احتياطيات البنوك المركزية التي تحتفظ بها في هيئة سبائك ذهبية من 40 % في عام 1970 إلى 6 % بحلول عام 2008.
وقد بدأت العديد من البنوك المركزية، لا سيَّما في المملكة المتحدة، في بيع احتياطياتها من الذهب بهدف تنويع الأصول والسعي إلى تحقيق عوائد أفضل. وأدى هذا التوجه إلى إبرام اتفاق دولي عُرِف باتفاقية واشنطن بشأن الذهب، حيث وافقت البنوك المركزية الرائدة على وضع حد أقصى سنوي لمبيعات الذهب. ومنذ ذلك الحين، بات المعدن النفيس يُنظر إليه باعتباره الملاذ الآمن النهائي، حيث يرتفع سعره مع زيادة التضخم وتفاقم المخاطر الجيوسياسية. وبدأ الاتجاه نحو التخلص من الذهب في التراجع مع اندلاع الأزمة المالية في عام 2008. ومنذ عام 2022، ارتفعت أسعار الذهب، عندما بلغ التضخم ذروته في معظم أنحاء العالم مع تصاعد الصراع بين روسيا وأوكرانيا، وإن لم يحدث ذلك على الفور. فقد حافظت أسعار الذهب على استقرارها لمدة عام تقريبًا. وحدث ارتفاع في الأسعار بين بداية عام 2021 ومنتصف عام 2023 من أقل من 1,900 دولار للأوقية إلى 1,960 دولارًا، بزيادة قدرها 3 ٪ فقط.
ولكن منذ عام 2024، ارتفع سعر الذهب إلى نحو 2,900 دولار للأوقية (45 %)، وهو ما يشير إلى أن هناك ما هو أكثر من التحوط التقليدي الذي يتبعه المستثمرون عبر التحول إلى أصول آمنة. وعادةً ما تتحرك أسعار الذهب في ارتباط عكسي مع العائدات على السندات الحكومية، ولكن في عام 2021 انهارت هذه العلاقة؛ حيث واصلت أسعار الذهب ارتفاعها مع ارتفاع العائدات على السندات الحكومية. وتتجاوز الأسباب الأساسية وراء حدوث ذلك حدود المخاطر الاقتصادية الدورية، وتتعلق بتراجع الثقة في الولايات المتحدة باعتبارها شريكًا تجاريًا، بالإضافة إلى تراجع الثقة في الدولار، والتفتت الجزئي للنظام التجاري العالمي، الذي قد يكون مؤقتا أو ربما يُعد بدايةً لاتجاه طويل الأجل أكثر جوهرية.
وتسير التحركات العالمية نحو تعزيز حرية حركة التجارة والأشخاص التي سادت في وقت مبكر من القرن الحالي في الاتجاه المعاكس، حيث يسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى فرض الرسوم الجمركية على الواردات وترحيل المهاجرين غير الشرعيين، بالإضافة إلى تهديده للاقتصادات الناشئة في حال إذا ما ابتعدت عن التجارة بالدولار الأمريكي. ومن المرجح أن تؤدي سياساته إلى زيادة نسبة التضخم في الولايات المتحدة، واستمرار ارتفاع مستويات الدين والعجز في القطاع العام. وقد تسبب ترامب في إضعاف الثقة في الاتفاقيات الدولية بتراجعه عن اتفاقيات التجارة الحرة، أو تهديده بالتراجع عنها، مثل تلك الاتفاقيات التي أبرمها مع جارتيه المكسيك وكندا. وقد دأبت البنوك المركزية، ولا سيما في الصين والهند وتركيا ودول مجلس التعاون، على شراء الذهب، حيث تجاوز صافي مشتريات البنوك المركزية حاجز الألف طن في عامي 2022 و2023. وبلغت نسبة احتياطيات البنوك المركزية المحتفظ بها على هيئة سبائك ذهبية 11 %، واستثمرت حوالي ثلثي المكاتب العائلية في الذهب.
ويرغب العديد من المشترين في الاحتفاظ بالسبائك الذهبية في خزائنهم، بدلاً من الاعتماد على الالتزامات التعاقدية، التي قد تخضع لقيود مستقبلية مثل العقوبات. وتوجد نسبة كبيرة من الذهب العالمي في لندن، وهناك فترة انتظار تتراوح بين أربعة وثمانية أسابيع لسحب الذهب. وقد جاء ذلك في أعقاب حدوث زيادة في شحنات الذهب الواردة إلى نيويورك، حيث جمع التجار مخزونًا تجاوزت قيمته 80 مليار دولار. وهناك عامل آخر يتمثل في سهولة نقل الذهب، وإمكانية إذابته وإعادة تشكيله دون أن يترك ذلك أي أثر يذكر. ومنذ تخلي العملات الرئيسية عن معيار الذهب في سبعينيات القرن العشرين، تحولت إلى عملات نقدية إلزامية. وأصبحت تعتمد على الثقة. وتبدأ هذه الثقة في التآكل عندما ترتفع معدلات التضخم والديون، والحروب التجارية، وانتهاكات المعاهدات، وهي العناصر التي باتت تميز الاقتصاد العالمي في الوقت الحالي. ومن الطبيعي أن يلجأ البشر في مثل هذه الظروف إلى التجارة أو الاستثمار في الأصول الملموسة.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تويتر @Fahadbadar
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم، باتت القيم المجتمعية في كثيرٍ من المجتمعات العربية أقرب إلى «غرفة الإنعاش» منها إلى الحياة الطبيعية. القيم التي كانت نبض الأسرة، وعماد التعليم، وسقف الخطاب الإعلامي، أصبحت اليوم غائبة أو في أحسن الأحوال موجودة بلا ممارسة. والسؤال الذي يفرض نفسه: من يُعلن حالة الطوارئ لإنقاذ القيم قبل أن تستفحل الأزمات؟ أولاً: التشخيص: القيم تختنق بين ضجيج المظاهر وسرعة التحول: لم يعد ضعف القيم مجرد ظاهرة تربوية؛ بل أزمة مجتمعية شاملة فنحن أمام جيلٍ محاط بالإعلانات والمحتوى السريع، لكنه يفتقد النماذج التي تجسّد القيم في السلوك الواقعي. ثانياً: الأدوار المتداخلة: من المسؤول؟ إنها مسؤولية تكاملية: - وزارة التربية والتعليم: إعادة بناء المناهج والأنشطة اللاصفية على قيم العمل والانتماء والمسؤولية، وربط المعرفة بالسلوك. - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: تجديد الخطاب الديني بلغة العصر وتحويل المساجد إلى منصات توعية مجتمعية. - وزارة الثقافة: تحويل الفنون والمهرجانات إلى رسائل تُنعش الوعي وتُعيد تعريف الجمال بالقيمة لا بالمظهر. - وزارة الإعلام: ضبط المحتوى المرئي والرقمي بما يرسّخ الوعي الجمعي ويقدّم نماذج حقيقية. - وزارة التنمية الاجتماعية: تمكين المجتمع المدني، ودعم المبادرات التطوعية، وترسيخ احترام التنوع الثقافي باعتباره قيمة لا تهديدًا. ثالثاً: الحلول: نحو حاضنات وطنية للقيم: إن مواجهة التراجع القيمي لا تكون بالشعارات، بل بإنشاء حاضنات للقيم الوطنية تعمل مثل حاضنات الأعمال، لكنها تستثمر في الإنسان لا في المال. هذه الحاضنات تجمع التربويين والإعلاميين والمثقفين وخبراء التنمية لتصميم برامج عملية في المدارس والجامعات ومراكز الشباب تُترجم القيم إلى ممارسات يومية، وتنتج مواد تعليمية وإعلامية قابلة للتكرار والقياس. كما يمكن إطلاق مؤشر وطني للقيم يُقاس عبر استطلاعات وسلوكيات مجتمعية، لتصبح القيم جزءًا من تقييم الأداء الوطني مثل الاقتصاد والتعليم. رابعا: تكامل الوزارات:غرفة عمليات مشتركة للقيم: لا بد من إطار حوكمة ؛ • إنشاء مجلس وطني للقيم يُمثّل الوزارات والجهات الأهلية، يضع سياسة موحّدة وخطة سنوية ملزِمة. مؤشرات أداء مشتركة • تُدرج في اتفاقيات الأداء لكل وزارة • منصة بيانات موحّدة لتبادل المحتوى والنتائج تُعلن للناس لتعزيز الشفافية. • حملات وطنية متزامنة تُبث في المدارس والمساجد والمنصات الرقمية والفنون، بشعار واحد ورسائل متناسقة. • عقود شراكة مع القطاع الخاص لرعاية حاضنات القيم وبرامج القدوة، وربط الحوافز الضريبية أو التفضيلية بحجم الإسهام القيمي. الختام..... من يُعلن حالة الطوارئ؟ إنقاذ القيم لا يحتاج خطابًا جديدًا بقدر ما يحتاج إرادة جماعية وإدارة محترفة. المطلوب اليوم حاضنات قيم، ومجلس تنسيقي، ومؤشرات قياس، وتمويل مستدام. عندها فقط سننقل القيم من شعارات تُرفع إلى سلوك يُمارس، ومن دروس تُتلى إلى واقع يُعاش؛ فيحيا المجتمع، وتموت الأزمات قبل أن تولد.
6354
| 24 أكتوبر 2025
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين لم يتقنوا الجلوس في أماكنهم. كم من مقعدٍ امتلأ جسدًا، وظلّ فارغًا فكرًا، وإحساسًا، وموقفًا. الكرسي لا يمنح الهيبة، بل من يجلس عليه هو من يمنح المكان معناه. المدرب… حين يغيب التأثير: المدرب الذي لا يملأ مقعده، هو من يكرّر المعلومات دون أن يُحدث تحولًا في العقول. يشرح بجمود، ويتحدث بثقة زائفة، ثم يغادر دون أن يترك بصمة. الحل أن يفهم أن التدريب رسالة لا مهنة، وأن حضوره يقاس بتغيير الفكر والسلوك بعده. وعندما يغيب هذا الإدراك، يتحول التدريب إلى ترفٍ ممل، ويفقد المجتمع طاقاته الواعدة التي تحتاج إلى من يشعل فيها شرارة الوعي. المدير… حين يغيب القرار: المدير الذي لا يملأ كرسيه، يهرب من المسؤولية بحجة المشورة، ويُغرق فريقه في اجتماعات لا تنتهي. الحل: أن يدرك أن القرار جزء من القيادة، وأن التردد يقتل الكفاءة. وعندما يغيب المدير الفاعل، تُصاب المؤسسة بالجمود، وتتحول بيئة العمل إلى طابور انتظار طويل بلا توجيه. القائد… حين يغيب الإلهام: القائد الذي لا يملك رؤية، لا يملك أتباعًا بل موظفين. الحل: أن يزرع في فريقه الإيمان لا الخوف، وأن يرى في كل فرد طاقة لا أداة. غياب القائد الملهم يعني غياب الاتجاه، فتضيع الجهود، ويضعف الولاء المؤسسي، ويختفي الشغف الذي يصنع التميز. المعلم… حين يغيب الوعي برسالته: المعلم الذي يجلس على كرسيه ليؤدي واجبًا، لا ليصنع إنسانًا، يفرغ التعليم من رسالته. الحل: أن يدرك أنه يربّي أجيالًا لا يلقّن دروسًا. وحين يغيب وعيه، يتخرّج طلاب يعرفون الحروف ويجهلون المعنى، فيُصاب المجتمع بسطحية الفكر وضعف الانتماء. الإعلامي… حين يغيب الضمير: الإعلامي الذي لا يملأ كرسيه بالمصداقية، يصبح أداة تضليل لا منبر وعي. الحل: أن يضع الحقيقة فوق المصلحة، وأن يدرك أن الكلمة مسؤولية. وعندما يغيب ضميره، يضيع وعي الجمهور، ويتحول الإعلام إلى سوقٍ للضجيج بدل أن يكون منارة للحق. الطبيب… حين يغيب الإحساس بالإنسان: الطبيب الذي يرى في المريض رقمًا لا روحًا، ملأ كرسيه علمًا وفرّغه إنسانية. الحل: أن يتذكر أن الطب ليس مهنة إنقاذ فقط، بل مهنة رحمة. وحين يغيب هذا البعد الإنساني، يفقد المريض الثقة، ويصبح الألم مضاعفًا، جسديًا ونفسيًا معًا. الحاكم أو القاضي… حين يغيب العدل: الحاكم أو القاضي الذي يغفل ضميره، يملأ الكرسي رهبة لا هيبة. الحل: أن يُحيي في قراراته ميزان العدالة قبل أي شيء. فحين يغيب العدل، ينهار الولاء الوطني، ويُصاب المجتمع بتآكل الثقة في مؤسساته. الزوج والزوجة… حين يغيب الوعي بالعلاقة: العلاقة التي تخلو من الإدراك والمسؤولية، هي كرسيان متقابلان لا روح بينهما. الحل: أن يفهما أن الزواج ليس عقداً اجتماعياً فحسب، بل رسالة إنسانية تبني مجتمعاً متماسكاً. وحين يغيب الوعي، يتفكك البيت، وينتج جيل لا يعرف معنى التوازن ولا الاحترام. خاتمة الكرسي ليس شرفًا، بل تكليف. وليس مكانًا يُحتل، بل مساحة تُملأ بالحكمة والإخلاص. فالمجتمعات لا تنهض بالكراسي الممتلئة بالأجساد، بل بالعقول والقلوب التي تعرف وزنها حين تجلس… وتعرف متى تنهض.
5103
| 20 أكتوبر 2025
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
4008
| 27 أكتوبر 2025