رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
من يريد أن يفهم ما يجري في إسرائيل فعليه تحليل ما يقوله قياديوها في مثل هذه الأوقات العصيبة، فكل ما ينطقون به كفر وكذب وإفك، وكل ما يهمم هو تبرير تصرفاتهم البربرية أمام شعبهم في الداخل ثم الولايات المتحدة وأوروبا اللتين للأسف الشديد أعلنا تفهمهما لما يجري في قطاع غزة من قتل وتدمير وتشريد، ثم يخرج علينا الرئيس الأمريكي في بداية ولايته الثانية ليبرر الحرب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل ويكتفي بمطالبة إسرائيل بعدم شن حرب برية ضد قطاع غزة.. حقا، منتهى الرقة والإحساس والإنسانية من رئيس دولة تدعي أنها دولة عظمى، ولكنها للأسف دولة تطير إلى الحضيض بتصرفاتها وعدم وقوفها مع الحق.
نعود إلى التصريحات الإسرائيلية والموجهة في الأصل للداخل، ومن هؤلاء الذين نتحدث عنهم الإرهابي الإسرائيلي الكبير شيمون بيريز الذين رتبوا له على العجل مقابلة مع مجموعة منتقاة من الأطفال الإسرائيليين ليتحدث أمامهم عن أحداث الساعة ومن ثم الحرب على الفلسطينيين، وهي فرصة لبث السموم على أسماع هؤلاء الأطفال الذين سيشبون يوما ما ليكونوا شبانا ثم يتجندون في الجيش الوحشي ليمارسوا فيما بعد الحرب ضد الفلسطينيين. ولم لا؟ فطفولتهم كانت مليئة بالأكاذيب، فلم لا يكذبون هم أيضاً على أبنائهم في المستقبل؟
ويدعي الإرهابي شيمون بيريز ردا على سؤال أمام الأطفال لماذا الرد على هجمات حماس بشن نحو 1000 غارة خلال عدة أيام فقط؟ بأن إسرائيل ليست معنية بالحرب" العرب والمسلمون ليسوا أعداءنا وأنا أكرر بأننا نرغب بتجديد المفاوضات مع الفلسطينيين على أساس مبدأ دولتين لشعبين. مع ذلك، أريد أن أوضح، خاصة للفلسطينيين في قطاع غزة وفي الضفة الغربية وللعالم العربي على وجه العموم أن حماس والمنظمات الأخرى في غزة تطلق الصواريخ على بلدات إسرائيلية بشكل يومي. حماس هي من بادر إلى جولة القتال الحالية. لا توجد أي دولة أخرى في العالم مستعدة لأن تتحمل أن يُطلق عليها وعلى قراها ومدنها وعلى رياض الأطفال وعلى المدارس الموجودة فيها صواريخ لفترة طويلة من الزمن. هذا وضع لا يحتمل ولا يطاق، وكان ينبغي على القيادة الإسرائيلية أن تتخذ قراراً لوضع حد ونهاية لهذا الأمر".
ونترك هذه الإجابة للإرهابي بيريز ليرد بدهاء أكثر على سؤال آخر عن أن توقيت العملية الحالية يتعلق بالانتخابات في إسرائيل ولكي يكسب الثلاثي نتنياهو وليبرمان وباراك جولة الانتخابات من جديد، من منطلق أن الغاية تبرر الوسيلة؟ والرد التالي يؤكد لنا أن الذكاء اليهودي لا يفلح، فالإرهابي ينفي هذا الادعاء، ويقول " لا يوجد أي رجل سياسة في إسرائيل يخاطر بأبنائنا من أجل الحصول على مقعد في الكنيست. لقد خرجنا للحملة - ولم يكن أمامنا خيار آخر - من أجل حماية مواطنينا، كما لو كانت ستفعل أي دولة أخرى تحت تهديد إطلاق صواريخ".
نترك الإرهابي صاحب مجزرة قانا والخليل لنتطرق إلى شق آخر في هذه الحرب المدمرة التي أرادت بها إسرائيل العرب والفلسطينيين ولتضع الرئيس الأمريكي في حيرة في بداية ولايته الجديدة، خاصة وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يدعمه أثناء الانتخابات إنما وقف مع منافسه الجمهوري ميت رومني. الأمر الجديد هذه المرة هو زيادة الدعم الدبلوماسي المصري والعربي في مجمله للشعب الفلسطيني في محنته، ففي الحروب السابقة، لم نر أن وفدا عربيا قد توجه إلى قطاع غزة والتقى مسؤوليها وشعبها المنكوب، ولكن هذه المرة ارتفعت الروح المعنوية للفلسطينيين بالزيارات العربية خاصة الوفد الوزاري العربي تضامنا مع أهل القطاع في مواجهة الهجوم الإسرائيلي الأخير، كما تم تكليف لجنة مبادرة السلام العربية بإعادة تقييم الموقف العربي إزاء مجريات عملية السلام المعطلة من مختلف جوانبها. فالوفد كان قريبا من احتياجات الفلسطينيين عن قرب لتقدير المتطلبات، ومن ثم التعامل الفوري مع احتياجاته الإنسانية ومتابعة الموقف وما يستجد من تطورات. ومن مستجدات الموقف هنا ما صرح به وزير الخارجية المصري أثناء الاجتماع الوزاري العربي بأن عملية السلام أصبحت فقط عملية وليس سلاما، فكل ما يقال ويتردد هو عمل من دون فائدة والأرض الفلسطينية يتم التهامها يوما بعد يوم، وبالتالي، فإن سنوات قليلة قادمة لن يكون هناك أرض للتفاوض بشأنها.
ونأتي للشق الثالث من الموضوع، ويتعلق بالمطالب الفلسطينية والإسرائيلية لإنهاء تلك الحرب الغاشمة، فحماس باعتبارها المسؤولة عن قطاع غزة تضع شروطها قبل التوصل إلى هدنة جديدة ومعها كل الحق فيما تطلبه، وبالمناسبة ما تضعه على الطاولة ليس جديدا ولكنه حيوي. ممثل في ضرورة أن ترفع القوات الإسرائيلية الحصار عن القطاع بالكامل وعن المعابر وعن المياه الفلسطينية، فمن غير المعقول ونحن نتحدث عن هدنة ألا يستطيع المواطن الغزاوي أن يذهب إلى البحر ليصطاد قوت يومه هو وأسرته، وكذلك المزارع الفلسطيني لا يستطيع الآن الذهاب إلى أرضه لاستزراعها لأنها محاصرة بالجيش الإسرائيلي الذي يستقطع مساحات كبيرة من القطاع الضيق جدا ووضعها تحت إطار محاصر بحجة أنها منطقة أمنية، ويضيع بالتالي مساحات كبيرة من أراضي المزارعين الفلسطينيين.
ثم الشرط الثاني لحماس ولديها أيضاً كل الحق فيه وهو الحصول على تعهدات إسرائيلية بضمانات أمريكية بعدم اللجوء إلى خيار الاغتيالات السياسية. وحتى وإن لم تقبل إسرائيل هذين الشرطين الضروريين لحماس، فإن أمام المفاوض الفلسطيني والأطراف الراعية لأي هدنة معرفة أنه من حق الفلسطينيين العيش في سلام وأمن ككل شعب في العالم حتى يستطيعوا إعادة إعمار القطاع.
ورغم تزايد الجهود للتوصل إلى وقف إطلاق النار وهدنة بين الفلسطينيين وإسرائيل، يخرج علينا إرهابي إسرائيلي آخر هو نتنياهو ليتفوه بعبارات غبية يتعالى فيها على جهود التهدئة ويهدد بأن العملية في قطاع غزة مستمرة ونحن نستعد إلى توسيع رقعتها، في إشارة إلى الهجوم البري.
والسؤال.. هل يعقل والأجواء هكذا أن يستدعي الجيش الإسرائيلي نحو 40 ألف جندي في الاحتياط؟ طبعا في دولة تعشق الحرب والإرهاب والقتل، فإن هذا الأمر يكون عاديا جدا وإلا لما تمادى نتنياهو في صلفه ليضرب شعبا أعزل بأحدث الأسلحة الأمريكية بحجة الدفاع عن مواطنيه.
لقد حاول نتنياهو التأثير على قرارات حماس بتصريحاته المتعالية من أجل التقليل من طلباتها، ولكنه فشل، كما يحاول الإسرائيليون تحميل حماس مسؤولية كل ما يجري داخل القطاع، وفي هذا ظلم لها، لأن القطاع يمتلأ بمنظمات أخرى غيرها وعلى رأسها الجهاد، وبالتالي فإن حماس لا تتحمل المسؤولية لوحدها. ومن الظلم تحميلها مسؤولية كافة العمليات، والإسرائيليون يعلمون هذا تماما. ونرى طلبات تعسفية أيضاً من قبل الإسرائيليين مقابل مطالب حماس الطبيعية والقانونية، وكل مطالب إسرائيل غير واقعية، فمثلا كيف يطلبون وقفا تاما لعمليات إطلاق الصواريخ من قطاع غزة نحو المدن والبلدات الإسرائيلية وعدم استهداف وحدات الجيش الإسرائيلي التي تنتشر على الحدود والتوقف التام عن العمليات العسكرية وبعث المجموعات لتنفيذ العمليات ضد إسرائيل!!. فمن الطبيعي إذا كنت تطالبني بالتقيد بكل هذا، أن تجعلني قادرا على حماية شعبي وأهلي في قطاع غزة وإلا انقلبوا ضدي ليكون الأمر سهلا للاجتياح مرة أخرى، وهذا ما ترغب فيه إسرائيل للأسف الشديد.
كيف يُساهم المجتمع في بناء نفسه؟
اهتمت الدول الغربية بنظام الوقف، وقد ساهم ذلك بفعالية في بناء المجتمع واستقلاله في إدارة شؤونه عن الدولة؛... اقرأ المزيد
87
| 08 ديسمبر 2025
اليوم الوطني.. مسيرة بناء ونهضة
أيام قليلة تفصلنا عن واحدٍ من أجمل أيام قطر، يومٌ تتزيّن فيه الدوحة وكل مدن البلاد بالأعلام والولاء... اقرأ المزيد
177
| 08 ديسمبر 2025
أنصاف مثقفين!
حسناً.. الجاهل لا يخدع، ولا يلبس أثواب الحكمة، ولا يطالبك بأن تصفق له. أما نصف المثقف فيقف بينك... اقرأ المزيد
225
| 08 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4143
| 05 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1740
| 04 ديسمبر 2025
في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه أكثر مما ينظر إلى ما يملكه. ينشغل الإنسان بأمنياته المؤجلة، وأحلامه البعيدة ينشغل بما ليس في يده، بينما يتجاهل أعظم ما منحه الله إياه وهي موهبته الخاصة. ومثلما سأل الله موسى عليه السلام: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى﴾، فإن السؤال ذاته موجّه لكل إنسان اليوم ولكن بطريقة أخرى: ما هي موهبتك؟ وما عصاك التي بيدك؟ جوهر الفكرة ان لكل إنسان عصا. الفكرة الجوهرية لهذا المفهوم بسيطة وعميقة، لا يوجد شخص خُلق بلا قدرة وبلا موهبة وبلا شيء يتميز به، ولا يوجد إنسان وصل الدنيا فارغ اليدين. كل فرد يحمل (عصاه) الخاصة التي وهبه الله ليتكئ عليها، ويصنع بها أثره. المعلم يحمل معرفته. المثقف يحمل لغته. الطبيب يحمل علمه. الرياضي يحمل قوته. الفنان يحمل إبداعه. والأمثلة لا تنتهي ….. وحتى أبسط الناس يحملون حكمة، أو صبرًا، أو قدرة اجتماعية، أو مهارة عملية قد تغيّر حياة أشخاص آخرين. الموهبة ليست مجرد ميزة… إنها مسؤولية في عالم الإعلام الحديث، تُقدَّم المواهب غالبًا كوسيلة للشهرة أو الدخل المادي، لكن الحقيقة أن الموهبة قبل كل شيء أمانة ومسؤولية. الله لا يمنح إنسانًا قدرة إلا لسبب، ولا يضع في يدك عصا إلا لتفعل بها ما يليق بك وبها. والسؤال هنا: هل نستخدم مواهبنا لصناعة القيمة، وترك الأثر الجميل والمفيد أم نتركها مدفونة ؟ تشير الملاحظات المجتمعية إلى أن عددًا كبيرًا من الناس يهملون مواهبهم لعدة أسباب، وليس ذلك مجرد انطباع؛ فبحسب تقارير عالمية خلال عام 2023 فإن نحو 80% من الأشخاص لا يستخدمون مواهبهم الطبيعية في حياتهم أو أعمالهم، مما يعني أن أغلب البشر يعيشون دون أن يُفعّلوا العصا التي في أيديهم. ولعل أهم أسباب ذلك هو التقليل من قيمة الذات، ومقارنة النفس بالآخرين، والخوف من الفشل، وأحيانا عدم إدراك أن ما يملكه الشخص قد يكون مهمًا له ولغيره، بالإضافة إلى الاعتقاد الخاطئ بأن الموهبة يجب أن تكون شيئًا كبيرًا أو خارقًا. هذه الأسباب تحوّل العصا من أداة قوة… إلى مجرد منحوتة معلقة على جدار الديوان. إن الرسالة التي يقدمها هذا المقال بسيطة ومباشرة، استخدم موهبتك فيما يخدم الناس. ليس المطلوب أن تشق البحر، بل أن تشقّ طريقًا لنفسك أو لغيرك. ليس المطلوب أن تصنع معجزة، بل أن تصنع فارقًا. وما أكثر الفروق الصغيرة التي تُحدث أثرًا طويلًا، تعلُم وتعليم، أو دعم محتاج، خلق فكرة، مشاركة خبرة، حل مشكلة… كلها أعمال نبيلة تُجيب على السؤال الإلهي حين يُسأل الإنسان ماذا فعلت بما أعطيتك ومنحتك؟ عصاك لا تتركها تسقط، ولا تؤجل استخدامها. فقد تكون أنت سبب تغيير في حياة شخص لا تعرفه، وقد تكون موهبتك حلًّا لعُقدة لا يُحلّها أحد سواك. ارفع عصاك اليوم… فقد آن لموهبتك أن تعمل.
1596
| 02 ديسمبر 2025