رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

فالح حسين الهاجري

فالح حسين الهاجري

مساحة إعلانية

مقالات

1762

فالح حسين الهاجري

مدينة "الشيخ جاسم" في "منار" السريلانكية تستحق الإشادة

24 نوفمبر 2014 , 01:31ص

في زيارة إلى سريلانكا برفقة مؤسسة جاسم وحمد بن جاسم الخيرية، تم افتتاح المرحلة الأولى من مشروع مدينة الشيخ جاسم في محافظة "منار" الإسلامية في سريلانكا، وبلغ عدد الوحدات السكنية في المرحلة الأولى 446 وحدة سكنية، وتم توزيعها على 6 قرى منها قرية نورة بنت محمد محمود وتضم 100 وحدة سكنية عن طريق مؤسسة الشيخ ثاني بن عبدالله للخدمات الإنسانية "راف"، و150 وحدة سكنية عن طريق منظمة الأمم المتحدة للإسكان، و17 وحدة سكنية عن طريق وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الدولة، وذلك بالتعاون مع سفارة قطر في العاصمة السريلانكية كولومبو، ونصيب الأسد قامت به مؤسسة جاسم وحمد بن جاسم الخيرية حيث تبرعت بـ 179 وحدة سكنية بمجموع يصل لـ 446 وحدة سكنية هي نتاج المرحلة الأولى من مشروع مدينة الشيخ جاسم السكنية النموذجية في سريلانكا.

كان السفر يوم الخميس الموافق الثالث عشر من الشهر الجاري، واليوم الذي يليه الجمعة كان موعد الافتتاح حيث قامت مؤسسة جاسم وحمد بن جاسم الخيرية باستئجار هليكوبتر لتقوم بنقلنا إلى محافظة "منار" ذات الغالبية المسلمة، والتي قام نمور التاميل بتشريد أهلها وطردهم من بيوتهم ومزارعهم وممتلكاتهم، ولم يستطيعوا أن يأخذوا معهم أبسط الأمور كالملابس الخاصة بهم، وأُذكِّر حتى يعي القارئ الكريم حجم الظلم والذل الذي وقع بإخواننا المسلمين هناك أنها تمّت في عام 1990م حتى عام 2009م، أي ما يقارب العشرين عاما وهم يتوسدون الأرض ويلتحفون السماء ويغتسلون بماء المطر، ولم تقف معهم لا حكومات ولا منظمات إلا ما ندر، وبعد أن تولى الرئاسة الرئيس الحالي، حاول القضاء على المتمردين، وإدخال الأمن والأمان إلى كل فئات الشعب السريلانكي بكل أطيافه، وعند عودة معظم اللاجئين لم يجدوا لهم بيوتا أو ممتلكات أو أي شيء يمكن أن يدل على مسكن أو مسجد أو أي شيء آخر، بل وصل الأمر إلى طمس معظم المعالم للقرى والمناطق، فكانت الوقفة العظيمة للجمعيات الخيرية القطرية وعلى رأسها مؤسسة جاسم وحمد بن جاسم الخيرية، التي قامت بأخذ المبادرة والعمل على إعادة المسلمين إلى ديارهم ومناطقهم، والمساهمة في أن تدب الحياة مرة أخرى في نفوس أهل المناطق والقرى، ولتكون رسالة لمن تخلّف للعودة إلى دياره بكل أريحية ويسر وسهولة، وقد كان لمؤسسة "راف" دور ومساهمة فعالة في البناء وإعادة الإعمار أيضا، وقد كانت جمعية الشيخ عيد حاضرة في محاولة منها لدراسة الأوضاع لتحديد نوعية المشاركة في المستقبل، وكذلك مؤسسة الأصمخ للأعمال الخيرية، وكان هناك حضور لمنظمة الدعوة الإسلامية، وجميعها تصب في المشاركة والاحتفال بافتتاح المرحلة الأولى، والتي امتزجت فيها الدموع بالضحك عند كل مشروع على حدة، فمن افتتاح للوحدات السكنية للمساجد والمدارس والمراكز الصحية، وكان الاستقبال عند كل مشروع بالورود كما هي العادة السريلانكية في كل فعالية للترحيب بالضيوف، والأجمل أن المشروع كما أوضح السيد سعيد مذكر الهاجري الرئيس التنفيذي لمؤسسة جاسم وحمد بن جاسم الخيرية، يأتي انطلاقا من توجهات القيادة الرشيدة وما أخذته دولة قطر على عاتقها من مساعدة ومساندة الشعوب التي عانت من ويلات الحروب والصراعات، التي ألحقت الضرر بالجميع في المناطق المنكوبة، وهذا ما تم العمل عليه وذلك بالتنسيق مع الحكومة السريلانكية في محاولة من المؤسسة في إعادة إسكان ما يقارب عشرين ألف نازح سريلانكي شردتهم الحروب من مناطقهم في محافظة "منار"، كما أكّد على أن التعاون الذي حصل بين مؤسسة جاسم وحمد بن جاسم الخيرية والجمعيات الأخرى، انطلاقة نحو ترسيخ قواعد العمل الخيري المشترك بين مؤسسات المجتمع المدني وبين الحكومات والجهات الرسمية بهدف تحقيق التنمية المستدامة للشعوب، خاصة تلك المناطق التي تحتاج إلى مد يد العون إليها.

والجميل الذي أفرحني ما وجدته من فرح وسرور على ملامح أهل محافظة "منار" حصول العائلة على مسكن خاص بها ومزرعة بمساحة 2500م، حتى تستغل كل عائلة هذه المساحة للزراعة أو الاستثمار، ويكون لها مصدر دخل ثابت تستطيع من خلاله العيش والاعتماد على نفسها دون مد اليد للآخرين، وقد أوضح الهاجري أن هذا المشروع والمساحة التي تم طلبها من الحكومة للعوائل المسلمة، هي في الأساس المشروع الرئيسي، لأنه وكما أوضح أن رؤية المؤسسة تتمثل في (التمكين والبناء والتنمية) حتى تتحقق الحياة الكريمة نحو مستقبل أفضل، فمن خلال هذه الرؤية أستطيع أن أقول بكل ثقة هذا هو المطلوب من الجمعيات الخيرية القطرية، فليس المطلوب أن تقدم مأوى دون أن تحاول أن تضمن مصدر دخل ثابت؛ حتى تستفيد العوائل من المِنح التي حصلت عليها، وإن لم تتوافر فمن المؤكد أن هناك من المتربصين بهم من يحاولون شراء منازلهم ومزارعهم بأبخس الأثمان، وبالتالي تذهب جميع هذه الأعمال هباء منثورا، ولكن عند العمل والمحاولة على إيجاد فرص السكن مع فرص ربطها بمصدر دخل ثابت سيجعل كل عائلة استفادت من هذه المشاريع الخيرية تتمسك بما حصلت عليه، فقد أوضح السيد الهاجري أن التفاوض تم مع الحكومة السريلانكية بأن يتم تخصيص 2500م لكل عائلة، وأن تستفيد من الأرض بزراعتها أو استثمارها، كما تم التوصل مع الحكومة السريلانكية أيضا إلى أن تقوم ببناء المدارس والمراكز الصحية والبنية التحتية، وتتحمل المؤسسة وبعض الجمعيات الأخرى بناء الوحدات السكنية، وهذا ما تم بالفعل تنفيذه، كما أن التوزيع تم ترتيبه بين الحكومة والمؤسسة، وقامت الحكومة بتسجيلها بأسماء المستفيدين وتسلمت المؤسسة صور شهادات التسجيل حفاظا على حقوق المستفيدين.

انتهت المرحلة الأولى بتسليم 446 وحدة سكنية لمستحقيها، وتم التوقيع بعد حفل الافتتاح بيوم على المرحلة الثانية والتي ستشمل بإذن الله 554 وحدة سكنية، والعدد الإجمالي سيتم تنفيذه على أربع مراحل ليصل عدد الوحدات السكنية في نهاية المشروع إلى 2000 وحدة سكنية، وقد لمس أعضاء الوفد المشارك فرحة الشعب السريلانكي، وكما قال لي خطيب صلاة الجمعة بعد الافتتاح: أشكر قطر دولة وحكومة وشعبا ولا ننسى الدور المهم للجمعيات الخيرية القطرية التي أصبحت مضربا للمثل فيما تقدمه وتعمل عليه، وأريد أن أقول لك إن كل وحدة سكنية بالنسبة لنا أهم من بناء المساجد والخدمات، لأن من تتوافر لهم المساكن يستطيعون الصلاة في أي مكان، كما أن المدارس والمراكز الصحية تأتي في المرتبة الثانية حتى يتعلم أبناؤنا وبناتنا ويتسلحوا بالعلم والعمل، ويكون لهم دور مثل السيد إرشاد بدرالدين.

والسيد إرشاد بدرالدين هو وزير التجارة والصناعة في الحكومة السريلانكية، وهو أحد أبناء المنطقة الذين تم طردهم منها، ولكنه بالعلم والعمل أصبح عضوا في مجلس البرلمان ووزيرا للتجارة والصناعة، وقد كان في استقبالنا منذ اللحظة الأولى، وملازما لنا في جميع تحركاتنا حتى توديعنا مرة أخرى في المطار، وكان نشيطا وحيويا لدرجة أنني أشك أنه لم ينم منذ وصلنا حتى عودتنا إلا ساعات معدودة، وقد شاهدت سعادة الوزير ودموعه تنهمر عند افتتاح بعض المشاريع في ذلك اليوم.

كلما أحاول أن أنهي المقال أتذكر بعض الصور المؤثرة والتي أُحب أن أذكرها جميعا، لكن المجال لا يتسع، وسوف أسرد هنا قصة للعبرة، فعند حفل الافتتاح ألقى كل من السيد إرشاد بدرالدين وزير التجارة والصناعة كلمة ثم تحدث السيد سعيد الهاجري الرئيس التنفيذي لمؤسسة جاسم وحمد بن جاسم الخيرية، ثم الدكتور عايض القحطاني مدير عام مؤسسة (راف)، ولا تسمع إلا التكبير والتصفيق من الحضور، وشد انتباهي إحدى السيدات التي لم أستطع رؤية وجهها لتغطيتها بيديها من شدة البكاء، وعند سؤالي للشيخ السريلانكي، الذي يجيد اللغة العربية عن سبب بكائها وقد تبادر إلى ذهني أنها تريد مساعدة ولم يسمح لها الحرس بالاقتراب نحونا، قلت له انظر ما بها، وعند عودته أخبرني أنها لا تريد شيئا بل أخذت تدعو لكم بالخير والبركة وأن يحفظ الله قطر وأهلها من كل سوء، وهي تبكي فرحة بأنها رأت بأم عينيها إخوانها العرب والمسلمين ماثلين أمامها، وهي التي اعتقدت أنهم نسوهم في سريلانكا!! فكم كانت فرحتي بهذه الكلمات التي سمعتها وحزني أيضا لما كانت تشعر به!! لدرجة أنني كنت أتساءل مع نفسي هل كانت تشعر بهذه المشاعر منذ سنة؟ أم أكثر من ذلك بقليل؟ أم منذ تهجيرهم وتشريدهم عام 1990!!

قصة أخرى وأخيرة، فعند الانتهاء من الاحتفال التقيت أحد الإخوة السريلانكيين، ويتحدث العربية بطلاقة، وقد زار دول الخليج كثيرا، وقال بما معناه أُحب أن أشكر دولة قطر ومؤسسة جاسم وحمد بن جاسم الخيرية على ما قاموا به وسيقومون به لاحقا، ويكفينا شرفا أن تكون المدينة باسم عربي هو "مدينة الشيخ جاسم" فقد فرحنا وبكينا كثيرا بهذا الاسم العربي على إحدى مناطقنا السريلانكية، والتي تم تغيير أسماء كثير من مناطقنا بأسماء لا صلة لنا بها، أسماء مخالفة لديننا ومعتقداتنا، واليوم بعد أن تم إطلاق اسم الشيخ جاسم عليها، تم نسف جميع الأسماء السابقة ويبقى اسم مدينة جاسم محليا ورسميا من الجهات الحكومية، وهو ما يؤكد هويتنا الإسلامية بإطلاق الأسماء العربية، وفعلا فترديد اسم الشيخ جاسم كثيرا بلغتهم وفي خطاباتهم سوف يعمل على ترسيخ الاسم والمعتقد والدين أيضا.

الأهم من ذلك أن هذه الأعمال الخيرية عندما تكون في الدول التي تستحق وفيها من الإخوة والأخوات الذين يشاركوننا الدين والإنسانية، تكون ذات وقع في نفوس المستضعفين فيدعون من قلوب نظيفة بأن يحرس الله دولة قطر قيادة وحكومة وشعبا من كل سوء ومكروه... ونحن نُردد معهم آمين، فشكرا لمؤسسة جاسم وحمد بن جاسم الخيرية على هذه المشاريع الضخمة والكبيرة والمُختارة بعناية ودراسة؛ حتى يكون نفعها لهم ولمن بعدهم إن شاء الله، والشكر موصول لمؤسسة (راف) ولجميع الجمعيات الخيرية لما تقوم به من مشاريع خيرية لا تملك إلا أن تفتخر بها وبمن وراءها والعامل عليها.

مساحة إعلانية