رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. محمد علي الهرفي

د. محمد علي الهرفي

مساحة إعلانية

مقالات

564

د. محمد علي الهرفي

قطر ولغتنا العربية !!!

24 ديسمبر 2013 , 12:00ص

** ابتداء أهنئ كل القطريين حكومة وشعبا بعيدهم الوطني وأسأل الله لهم التوفيق والسداد، كما أسأله أن يجعل غدهم خيرا من يومهم وأن يسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة.

ثم إن لغتنا العربية - كما نعتقد - ليست مجرد وسيلة للتعبير وإنما هي جزء من ديننا، يقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - (تعلموا العربية فإنها جزء من دينكم)، ومعروف أن المسلم لايمكنه فهم مصادر دينه دون فهمه للغته التي نزل بها ذلك الدين، ومن هنا فإننا نجد تلازما كبيرا بين اللغة والدين، ولغتنا العربية تعد من أقدم اللغات السامية، وهي من اللغات السبع الأكثر انتشارا في العالم، وقد ألفت بها ومنذ مئات السنين كتب مرجعية في غاية الأهمية للنصارى واليهود وكان لهذه الكتب أثر على الأدب والدين اليهودي لاسيَّما وأن الدولة الإسلامية في العصر الأموي ضمت أعدادا كبيرة من اليهود والنصارى الذين كان لهم حضور كبير في المجتمع من خلال مشاركتهم في معظم أنواع العلوم والآداب وكذلك من خلال توليهم وظائف هامة في الدولة، ومعروف كذلك أن اللغة العربية تتميز عن غيرها من اللغات الأخرى بقدرتها الفائقة على احتواء الألفاظ والتعريب كما أنها تتميز بظاهرة المجاز والطباق والسجع وغيرها من أنواع البلاغة التي تفتقد اللغات الأخرى كثيرا منها. يقول المستشرق الألماني فريتاج نيدل: اللغة العربية أغنى لغات العالم، واعتقادي أنها كذلك.

وقد لقيت لغتنا إهمالا كبيرا من القائمين على المحافل الدولية - وربما كان أبناؤها سببا في ذلك الإهمال - ولكن وبعد جهود كبيرة من المملكة العربية السعودية ومن المغرب أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي الثامن عشر من ديسمبر قرارا يقضي باعتبار اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة، ومنذ ذلك التاريخ أصبح الثامن عشر من ديسمبر هو اليوم العالمي للغة العربية ولهذا فقد احتفلت كثير من بلاد العالم وكذلك الجمعيات ذات الصلة باللغة العربية بهذا اليوم عبر كثير من الوسائل التي تصب كلها في محاولة إبراز دور اللغة على ثقافة الإنسان وتكوينه العلمي والعملي والنفسي ودوره في هذه الحياة.

وفي هذا السياق لا بد من الإشارة للجهود المتميزة التي قام بها الدكتور زياد الدريس سفير المملكة العربية السعودية لدى منظمة اليونسكو في هذا المجال؛ فالدكتور زياد يرأس حاليا الهيئة الاستشارية للخطة الدولية لتنمية الثقافة العربية (آرابيا) التابعة لليونسكو، وهذه الهيئة هي التي قررت اعتماد اليوم العالمي للغة العربية واحدا من عناصرها الأساسية في برنامج عملها كل سنة، وهذا يعني أن هناك أعمالا أخرى تتعلق بخدمة اللغة تقوم بها تلك المنظمة نرجو أن نراها قريبا، والذي نأمله أن تتعاون كل الدول التي تؤمن بأهمية اللغة العربية لإنجاح كل المساعي التي تساعد على انتشار اللغة العربية في شتى أنحاء العالم، وأعتقد أن لغتنا تستحق كل مايبذل من أجلها.

لغتنا كما نعلم تلاقي عنتا كبيرا في معظم المؤسسات الأهلية وكذلك الشركات التجارية في دول الخليج؛ فمعظم هذه المؤسسات تستخدم اللغة الانجليزية في مكاتباتها وفواتيرها التجارية وهذا يجب أن يتوقف وأن يطلب من تلك المؤسسات استخدام اللغة الرسمية للدولة كما هو المشاهد في كل أنحاء العالم، وهنا يثور سؤال رددته مرارا: لماذا أسمع من يجيبني بلغة أجنبية إذا اتصلت بأي فندق في بلادنا العربية؟ أليس هذا استهتارا بلغتنا وثقافتنا وهويتنا؟ أين الجهات المسؤولة عن إيقاف هذا العبث؟ ومن المؤسف أنني سمعت أن تلك الجهات هي التي تلزم موظفي الفنادق بالحديث بلغة أجنبية مع أنهم عرب ويتحدثون مع عرب مثلهم!!

ومن الأشياء التي يجب الحديث عنها في هذا الصدد هي لغة التعليم في جامعاتنا وفي بعض المدارس دون الجامعة، فمن المعروف أن كل البلاد العربية تستخدم لغة أجنبية في التعليم الجامعي ماعدا سوريا التي اعتمدت العربية في كل التخصصات الجامعية دون استثناء وقد نجحت في ذلك كثيرا، وقد أثبت الواقع أن الطالب يستفيد أكثر إذا درس بلغته الأصلية هذا فضلا عن الانتماء العاطفي تجاه لغته، ويحار المرء في هذه الظاهرة التي لاتوجد إلا عند العرب وحدهم!! الصهاينة أحيوا لغتهم العبرية التي لم تكن معروفة قبل احتلالهم لفلسطين وجعلوها لغة الدراسة في جامعاتهم مع أنهم لا يزيدون عن ستة ملايين، وكذلك فعلت دول أخرى لايزيد عدد سكانها عن ثلاثة ملايين، هذا فضلا عن دول تعد لغتها شديدة التعقيد مثل كوريا واليابان ومع هذا جعلت لغتها هي لغة التعليم وكل ذلك احتراما للغتهم وكيانهم ووجودهم، فإذا كانت كل الدول تفعل ذلك فما بال دولنا مع كثرتها وكثرة سكانها وقدسية لغتها لاتفعل ذلك بل ونشعر أنها تحتقر لغتها وتاريخها؟!!

وإذا كانت بعض المدارس الابتدائية الأهلية تدرس طلبتها العرب باللغة الانجليزية فلنا أن نتخيل كيف يستطيع طفل عربي لايعرف الحديث ولا القراءة بلغته أن يتعايش مع مجتمعه وعاداته وتقاليده بل وكيف يستطيع فهم دينه وعقيدته وتاريخه!!

وهنا أضع أملا كبيرا على حكومة قطر وعلى أميرها الكريم فقد علمت أن توجيها صدر قبل فترة بجعل العربية هي لغة التعليم في الجامعة وهذا يؤكد أن قطر أدركت أهمية ربط الطلاب بلغتهم التي تصلهم بدينهم وتراثهم وولائهم لوطنهم، والأمل متابعة ذلك لكي تكون اللغة العربية هي لغة التعليم في كل الكليات بمن فيها الطب والهندسة وغيرهما، وقد علمت شخصيا بمدى فرح الطلاب الشديد من ذلك القرار وكانوا حينها يتساءلون: متى سيطبق وهل في كل الكليات؟ كما أتمنى على سمو أمير قطر أن يتبنى إنشاء مركز رفيع المستوى يهدف إلى وضع خطط لنشر اللغة العربية في شتى أنحاء العالم خاصة في الجامعات ودور العلم والجهات ذات الصلة بالعرب ولغتهم وكذلك بعض الجهات التي لها أعمال اقتصادية في العالم العربي وما أكثرهم خاصة في دول الخليج، وهذا المركز - في حالة قيامه - لن يتوقف تأثيره عند حدود تعلم اللغة فقط بل سيتعدى ذلك إلى ربط متحدثي اللغة بالعرب وقضاياهم السياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها وسيكونون من أكبر مسانديهم فيها، وسيعود الفضل في ذلك كله لمن كان وراء ذلك العمل الكبير.

لغتنا هي عنوان حضارتنا وتقدمنا ونجاحنا ومالم نعتن بها فإننا سنفقد هويتنا شيئا فشيئا وسيواصل الضعف عمله في أجسادنا حتى نسقط صرعى في نهاية المطاف وأملي كبير ألا يحصل ذلك على الإطلاق.

مساحة إعلانية