رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
"عامان تامان مرا منذ أحداث الربيع العربي شهد العالم العربي خلالها عددا من المتغيرات والتحديات، وأنها رغم اتخاذها أشكالا سياسية في ظاهرها، فإن مسبباتها الحقيقية لا يمكن أن تخطأها العين بأي حال من الأحوال.. ولا يمكن إغفال الأسباب التنموية أو تجاهل الطموحات التي تتطلع إليها الشعوب العربية وآمالها نحو حاضر مشرق ومستقبل مزدهر".. هذا ما أكده الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي أمام الجلسة الافتتاحية للاجتماع المشترك لوزراء الخارجية ووزراء المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالدول العربية للتحضير لأعمال القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية الثالثة التي شهدتها الرياض. ولم يكن غريبا على الفيصل أن يطالب بان تكون القمة عاكسة للموضوعات والقضايا الرئيسة التي تلامس حياة الشعوب العربية مما يتطلب الارتقاء بقرارات القمة لتكون على مستوى تطلعات الشعوب.
فالواقع الذي أراد الفيصل التنويه إليه هو أن الأزمة الحقيقية التي تواجه العرب هي التعامل مع التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لأن هذا يتطلب المعالجة من منظور شامل يغطي جميع الجوانب بما يتوجب معه تفعيل ومتابعة مسيرة التكامل الاقتصادي العربي والمراجعة الشاملة والدقيقة لما سبق اتخاذه من قرارات في القمتين السابقتين لتكون منطلقا أساسيا للمضي في البناء وتحقيق الأهداف المنشودة. وأعتقد أن الفيصل وضع يده على الآمال بما يمكننا من دراسة أساليب واليات استغلالها الاستغلال الأمثل، ومن دواعي الآمال هو ما يزخر به الوطن العربي من ثروات متعددة من موارد طبيعية وبشرية ورؤوس أموال وموقع استراتيجي.. والأمل هنا ينحصر في ضرورة تيسير تدفقات الاستثمار والتجارة العربية البينية في سبيل بناء تكامل اقتصادي عربي قائم على أساس المنفعة المشتركة.
ولهذا، كان من بين إنجازات قمة الرياض اعتماد الاتفاقية الموحدة المعدلة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية، بما يؤدي إلى تعزيز دور القطاع الخاص كشريك رئيس يسهم في رسم وتنفيذ مسار مستقبل التنمية الاقتصادية والاجتماعية العربية.. فالتنمية الاقتصادية الشاملة بما تمثله من تحديات وفرص تتطلب في البداية وضوح الرؤية والأهداف، ومن ثم العمل المتواصل اعتمادا على الموارد المتاحة لبلوغ الغايات المنشودة في النمو والازدهار. وهنا نشير إلى مكون آخر غاية في الأهمية يتعلق بتوفير موارد جديدة إضافية لدعم جهود الدول العربية الأقل نموا لتحقيق تلك الأهداف.. وهو ما يسمى في علم الاقتصاد بتعظيم الموارد.
وإذا كانت السعودية أشارت بوضوح إلى المكونات أو الموارد الطبيعية، فثمة معطيات أخرى تمثل عاملا مهما في نفس الوقت، فدول المنطقة العربية تمتلك جميع المقومات الجغرافية والمناخية والاقتصادية المثلى لتطوير صناعة محلية مستدامة ورائدة في مجال الطاقة المتجددة. ولهذا، فإن اعتماد قمة الرياض للإستراتيجية العربية لتطوير استخدامات الطاقة المتجددة خلال الفترة من 2010 إلى 2030، يعد إنجازا للآمال العريضة، لأن تلك الإستراتيجية ستفتح المجال أمام إقامة سوق عربية لأجهزة ومعدات الطاقة المتجددة، التي تعمل على توفير فرص عمل جديدة بمشاركة فاعلة من القطاع الخاص. وبالتالي يمكن استغلال مصادر الطاقة المتجددة المتاحة ونقل التقنيات الخاصة بتصنيع معداتها إلى الدول العربية، وهذا أيضاً يعد خيارا استراتيجيا للدول العربية لضمان تأمين وتنويع مصادر الطاقة وإرساء قواعد صناعة أنظمتها عربيا، سعيا إلى تسويقها على المستوى الإقليمي في بادئ الأمر ومن ثم على المستوى العالمي في مرحلة لاحقة. ثم نأتي إلى مكون مهم أيضاً ويتمثل في توفير الآليات اللازمة لمشاركة القطاع الخاص بشكل أكثر فاعلية في الاستثمار في مشاريع البنية التحتية.
نحن لا ننكر كشعوب خليجية وعربية ما حققته الدول العربية من مكتسبات على صعيد العمل العربي المشترك خلال السنوات الماضية، بيد أنه من المهم التأكيد على أن واقع هذا التعاون وما حققه من إنجازات ملموسة على الأرض لا يزال قاصرا عن تلبية طموحات شعوبنا التي تدرك تماما أن لديها من الموارد والمقدرات ما يكفل لها حاضرا أفضل ومستقبلا أكثر إشراقا. وهذا يتطلب كما فعل الأمريكيون والأوروبيون والآسيويون قبلنا، الاعتماد على طرح الأفكار الخلاقة والرؤى الحديثة التي تكفل المضي قدما لهذه المسيرة والتصدي بكفاءة وفعالية لما يعترض طريقها من صعوبات وتحديات، حتى تستعد القيادات العربية بقوة لمواجهة التحولات الكبرى التي تعيشها الشعوب، وما أفرزته من تداعيات وتحديات غير مسبوقة، الأمر الذي تطلب من هؤلاء القادة اتخاذ المواقف المطلوبة لمواجهة هذه التحديات والتعامل معها وتعزيز التضامن والتكاتف العربي لتجاوزها.
كما أننا لا ننكر أهم إفرازات القمة وهي التأكيد على أهمية الاستثمار في الوطن العربي كأحد الحلول الجذرية لمواجهة ارتفاع معدلات البطالة وضعف نتائج برامج التشغيل والعمل في معظم الدول العربية.. أما إذا تحدثنا عن أهمية تعديل الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال بالدول العربية، فنقول هنا أنها ركيزة أساسية للموائمة مع المتغيرات الجديدة على الساحتين الدولية والإقليمية لتوفير المناخ الملائم لزيادة الاستثمارات العربية البينية والمساهمة في توجيه الاستثمارات العربية إلى داخل المنطقة العربية بدلا من إهدارها في الخارج، بهدف الحد من البطالة والفقر وزيادة رفاهية المواطن العربي.
وعلى سبيل المثال، كان ثمة تصريحات مهمة لعدنان القصار رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة العربية، أشار فيها إلى أن مصير الحلم العربي بالتكامل الاقتصادي يعتمد على إقامة السوق العربية المشتركة، وتأمين الغذاء ومعالجة البطالة، وتسهيل التجارة البينية والاستثمارات العربية. لم يكن هذا هو المطلب الوحيد للقصار، فثمة مطلب آخر وهو ضرورة تحقيق الوحدة الاقتصادية العربية الحقيقية، ينتظر قرارات سياسية نافذة مشفوعة بآلية عمل فاعلة من القمة.. وعليه، فإن القمة الاقتصادية كانت منبرا هاما لإصدار القرار السياسي، الذي يتم من خلاله معالجة كافة العقبات التي تواجه حركة الاستثمار في البلاد العربية، وحرية التجارة العربية البينية، وقضايا النقل والتنقل، والمشروعات العربية، لتحقيق مشاركة فاعلة للقطاع الخاص في مبادرات التنمية والتكامل الاقتصادي العربي.
إذًا.. نحن أمام السوق العربية المشتركة، وبدونها، سينهار الحلم العربي وتصبح التوصيات مجرد فقاعات أطلقت في الهواء. والأمل، أن يكون القادة على قدر المسؤولية ويعملون بكل ما أوتوا من قوة وعزم على تبني القرارات الكفيلة لمعالجة كافة العقبات التي تواجه حركة الاستثمار في البلاد العربية، وتفعيل التجارة العربية البينية، ودعم حرية التنقل والمشروعات العربية، وصولا إلى إقامة السوق العربية المشتركة، خاصة أن هناك وقتا كافيا حتى عام 2020، سيما وأن القطاع الخاص ومؤسسات الغرف التجارية والصناعية العربية، مستعدة للعمل معا لبلوغ التكامل الاقتصادي.
وإذا عرجنا على القطاع الخاص، فقد تعرض لظلم بين، بسبب تباين واختلاف الأنظمة العربية وتغير السياسات الاقتصادية والعلاقات العربية - العربية، ما انعكس سلبا على ميلاد هذا الحلم، وبالتالي عدم تمكن القطاع الخاص العربي من تنفيذ أي خطة عملية بهذا الشأن، رغم ما يتمتع به القطاع الخاص على المستوى العربي من الإمكانات، بما يمكنه من تحقيق هذا الحلم، بهدف إحداث نهضة الأمة العربية من خلال تنشيط التجارة البينية وغيرها.
إجمالا.. كانت القمة لحظة فارقة وتحديدا في حياة ومستقبل مجلس التعاون الخليجي ومستقبل التكتل الاقتصادي العربي. فكان أمام الزعماء قوائم طويلة من آمال وطموحات الشعوب، خاصة وأن الواقع يؤكد أن معظم بلدان العالم العربي يأتي في موقع متأخر جدا على مستوى التقدم الحضاري والاقتصادي والعلمي، هذا رغم ما أسلفناه بأن العالم العربي ليس فقيرا في الموارد ولكنه فقير في حسن إدارة الثروات وفي عبقرية التعاون والتكامل بين بلدانه وحكوماته، وتوجد كثير من الموارد الاقتصادية المهمة في العالم العربي عاطلة وتحتاج فقط إلى إدارة اقتصادية حكيمة لتفعيلها لتسهم في تنمية بلدانها ورقي مواطنها.
ولهذا، مثلت قمة الرياض أملا عربيا عريضا لإنعاش الاقتصاد العربي، الذي أصابه التقهقر والوهن، نتيجة لعوامل متعددة من أبرزها تراجع الأداء في أكثر من دولة نتيجة تفاعلات الثورات العربية..سيما وأن قمة الرياض الاقتصادية أخذت على عاتقها تحدي الواقع، لتضع معالم الخروج من الوضع الراهن إلى عالم الواقع الجديد المليء بالخير لشعوب تنتظر التقدم والرقي، وهذا ما تستحقه في الوقت نفسه، لتكون بمنزلة التحدي الحقيقي لتداعيات الربيع العربي.
وكلمة أخيرة نوجهها إلى المملكة العربية السعودية، فهي وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز تبقى الدولة الأم المؤهلة لقيادة العمل المشترك بعد التداعيات المتواصلة والسريعة التي أشغلت العقل العربي بهموم ضاعفت منها الاضطرابات السياسية التي تعيشها الشعوب العربية. فالسعودية تتسم بعلاقة متوازنة تجعلها تقف على مسافة واحدة من مختلف الأطراف، وفق سياسة متزنة تحكمها ثوابت المملكة.
في منتدى الدوحة 2025 وسط حضور كبير تجاوز ستة آلاف شخص وفي التنوع في الجلسات الحوارية التي ناقشت... اقرأ المزيد
141
| 17 ديسمبر 2025
تحسبونه هينا وهو عند الله عظيم
وصلت صباحا وكلي همة وتفكير من أين سوف أبدأ، فإذا بي أدخل المكتب وأجد مكتب زميلتي ليس على... اقرأ المزيد
162
| 17 ديسمبر 2025
قطر.. قصة وطن يتألّق في يومه الوطني
في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، تكون دولة قطر على موعدٍ مع ذاكرتها الوطنية، وتفتح صفحات... اقرأ المزيد
102
| 17 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية



مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2328
| 10 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
828
| 10 ديسمبر 2025
هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل التطوير مجرد عنوان جميل يتكرر على الورق، لكنه لا يعيش على الأرض (غياب النضج المهني) لدى القيادات. وهذا الغياب لا يبقى وحيدًا؛ بل ينمو ويتحوّل تدريجيًا إلى ما يمكن وصفه بالتحوّذ المؤسسي، حالة تبتلع القرار، وتحدّ من المشاركة، وتقصي العقول التي يُفترض أن تقود التطوير. تبدأ القصة من نقطة صغيرة: مدير يطلب المقترحات، يجمع الآراء، يفتح الباب للنقاش… ثم يُغلقه فجأة. يُسلَّم له كل شيء، لكنه لا يعيد شيئًا، مقترحات لا يُرد عليها، أفكار لا تُناقش، وملاحظات تُسجَّل فقط لتكملة المشهد، لا لتطبيقها. هذا السلوك ليس مجرد إهمال، بل علامة واضحة على غياب النضج المهني في إدارة الحوار والمسؤولية. ومع الوقت، يصبح هذا النمط قاعدة: يُطلب من المختصين أن يقدموا رؤاهم، لكن دون أن يكونوا جزءًا من القرار. يُستدعون في مرحلة السماع، ويُستبعدون في مرحلة الفعل. ثم تتساءل القيادات لاحقًا: لماذا لا يتغير شيء؟ الجواب بسيط: التطوير لا يتحقق بقرارات تُصاغ في غرف مغلقة، بل بمنظومة تشاركية حقيقية. أحد أكثر المظاهر خطورة هو إصدار أنظمة تطوير بلا آلية تنفيذ، تظهر اللوائح كأحلام مشرقة، لكنها تُترك دون أدوات تطبيق، ودون تدريب، ودون خط سير واضح. تُلزم بها الجهات، لكن لا أحد يعرف “كيف”، ولا “من”، ولا “متى”. وهنا، يتحول النظام إلى حِمل إضافي بدل أن يكون حلاً تنظيميًا. في كثير من الحالات، تُنشر أنظمة جديدة، ثم يُترك فريق العمل ليخمن طريقة تطبيقها، وعندما يتعثر التطبيق، يُحمَّل المنفذون المسؤولية وتصاغ خطابات الإنذار. هذا المشهد لا يدل فقط على غياب النضج المهني، بل على عدم فهم عميق لطبيعة التطوير المؤسسي الحقيقي. ثم يأتي الوجه الأوضح للخلل: المركزية المفرطة، مركزية لا تُعلن، لكنها تُمارس بصمت. كل خطوة تحتاج موافقة عليا، كل فكرة يجب أن تُصفّى، وكل مقترح يمر عبر «فلترة» شخصية، لا منهجية. في هذا المناخ، يفقد الناس الرغبة في المبادرة، لأن المبادرة تصبح مخاطرة، لا قيمة. وهنا تتحول المركزية تدريجيًا إلى تحوّذ مؤسسي كامل. القرار محتكر. المبادرات محجوزة. المعرفة مقيّدة. والنظام الإداري يُدار بعقلية الاستحواذ، لا بعقلية التمكين. التحوّذ المؤسسي هو الفخ الذي تقع فيه الإدارات حين يغيب عنها النضج. يبدأ من عقلية مدير، ثم ينتقل إلى أسلوب إدارة، ثم يتحول إلى ثقافة صامتة في المؤسسة. والنتيجة؟ - تجميد للأفكار. - هروب للعقول. - فقدان للروح المهنية. - تطوير شكلي لا يترك أثرًا. أخطر ما في التحوّذ أنه يرتدي ثياب التنظيم والجودة واللوائح، بينما هو في جوهره خوف مؤسسي من المشاركة، ومن نجاح الآخرين، ومن توزيع الصلاحيات. القيادة غير الناضجة ترى الأفكار تهديدًا، وترى الكفاءات منافسة، وترى التغيير خطرًا، لذلك تفضّل أن تُبقي كل شيء في يدها حتى لو تعطلت المؤسسة بأكملها. القيادة الناضجة لا تعمل بهذه الطريقة. القيادة الناضجة تستنير بالعقول، لا تستبعدها. تسأل لتبني، لا لتجمّل المشهد. تُصدر القرار بعد فهم كامل لآلية تطبيقه. وتعرف أن التطوير المؤسسي الحقيقي لا يقوم على السيطرة، بل على الثقة، والتفويض، والوضوح، وبناء أنظمة تعيش بعد القائد لا معه فقط. ويبقى السؤال الذي يجب أن يُطرح بصراحة لا تخلو من الجرأة: هل ما نراه هو تطوير مؤسسي حقيقي… أم تحوّذ إداري مغطّى بشعارات التطوير؟ المؤسسات التي تريد أن ترتقي عليها أن تراجع النضج المهني لقياداتها قبل أن تراجع خططها، لأن الخطط يمكن تعديلها… لكن العقليات هي التي تُبقي المؤسسات في مكانها أو تنهض بها.
702
| 11 ديسمبر 2025