رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. بثينة محمد الجناحي

مساحة إعلانية

مقالات

6650

د. بثينة محمد الجناحي

تناقضات التقدم الثقافي: بين التمدن والتأصيل

25 يناير 2022 , 01:35ص

قد يكون في مقالي هذا نوع من التناقض، ولا تلوموني على هذا الاضطراب الفكري، فالوضع على المستوى الثقافي ومدى تقدمه وتأخره في آن واحد يحير الكثير من العقول ويعيق تحليل واقعها إن كان مواكباً حقا مع المجتمع المدني، أم انه متأصل وراسخ في محوره التقليدي السابق. وهذا ظاهرة ثنائية نتعايش معها دائماً ونمر في تناقضاتها ومستويات الخلل على الانسان بشكل متكرر. فلا ينبغي أن نتأمل المستقبل لنصلح الثقافة، خاصة إن كانت الثقافة تستنجد من عدة أحمال كنا سببا فيها وأصبحنا نتعايش معها يومياً من دون أن نرسم لها الخرائط الواضحة للمستقبل. فالمستقبل لا شيء من دون نظرة التيقن والتخطيط بتأمل وتطلع مشرق، أو التخطيط للمستقبل بأسوأ التوقعات، إذ يعود الأمر في النهاية على العقلاني الذي يتيقن ما يراه في مستقبله وما يحتاج إليه من مشروعه الثقافي.

بالتالي، من هذا التناقض أجد علامات استفهام متعددة لم تفسر بعد ولم نحصل على إجابتها على قدر حملها على عاتقنا، فالعيش في الواقع يعني التعايش مع الحقبة كاملة ومراقبة المشهد الذي قد يحمل عبئاً ثقافياً أكثر من ملاحظة الارتقاء والتقدم الثقافي فيه ومن نفس المشهد. وهذا الأمر يقلقني كثيراً، خاصة عندما يكون الشأن الثقافي أقل وزناً من الشأن المادي، وعندما يتم تفضيل ما هو غير الثقافة والتنازل عما يعتبر رفاهية ثقافية لإقصائه لأنه أقل تفضيلاً. كما يحزنني التجرد الفعلي من جوهر الثقافة عندما تكون غير واقعية ولا تصلح للواقع الجديد، على قدر كونها ثقافة مشوهة أو حتى قشرة ثقافية نتبناها لفترة وجيزة ومن ثم نتركها للاهتمام في الأمور الأخرى. فيحيل على الثقافة الحول وتموت في أغلب أوقاتها.

ومن هذا المنطلق، يجب ألا تكون الثقافة إلا وازعاً فردياً يأتي نتيجة اجتماعية تكتشف حاجة المجتمع له، وتساهم في تنميته بحسب نظرتها إلى نفسها وللآخر على القدر الذي تستحقه الثقافة بمعناها الذي يرسم المشروع الذي يحتاج إليه المجتمع كي يتقدم، ولكن يظل بناء تلك الحاجة التنموية على المستوى الاجتماعي بطيئا، وهنا أتوقع أني سأبدأ التناقض مع نفسي.

ولكن تناقضاتي في هذه الحال لن تتعارض مع مبدأ يقر بأن لا البطء ولا السرعة سمات يجب أن تغلب على الأخرى، فكلتا السمتين تهتم في دعم الحاجة والمواكبة، وكلتا السمتين أيضاً تحددان الخلل الذي قد تخلفانه من وراء سرعة التقدم، والتمييز الزمني الذي قد تخلفانه من سرعة الحداثة.

وهنا عدة أسئلة أطرحها على نفسي كي أتمكن من استيعاب هذا الكم من التناقض الذي نتعايش معه من دون الخروج منه بسهولة. ما هي الثقافة الخاصة التي نعتمد عليها وتساعدنا على التقدم، وما هي تلك الأسس الثقافية التي من الممكن طرحها كي تتماشي مع الواقع الجديد. الخوف من أن تكون الأجوبة مكررة حيث تعيد نفس الإجابة، والرجوع لنفس النظرة الثقافية التقليدية، لأنه سينبع شعور الخوف في الإدلاء والتعبير في رغبة التقدم. بل وسيتم التيقن العمومي حول مصير أجيال بالانهيار، كما سيتم التعبير عن تلك الأسئلة بالموجات العمومية، إما مع أو ضد، وننتج في نهاية الأمر معوقات التطور الثقافي بأنفسنا.

ولا شك أن تظل هناك عدة مؤثرات على تطور المشروع الثقافي، تمثل ظواهر الافرازات التي أثرت على التحولات الثقافية الجوهرية وابقائها في سطحيتها وقشرتها المحدودة، وما انعكس عليه من تفضيل مالي وشكلي. ولكن يظل الانتقال من الثقافة التقليدية إلى مواكبة الدولة الحديثة يعني مشروع النهضة الثقافية الذي لا بد أن ينقل الانسان إلى اكتساب المفهوم الثقافي بما يتناسب مع طبيعته المدنية المعاصرة.

ولا شك بأن علامة الاستفهام للسؤال الأكبر حول ماهية الثقافة لن تكون الإجابة عليها سهلة، ولن تخرج منها بسهولة من دون تناقضات المع والضد لأسس تجديدها، فلا تزال أنت مسؤولاً عن تقدم الثقافة كما تظل مسؤولاً عن تراجعها.

ستشعر بالتناقض أيضاً، أنا متأكدة!

baljanahi86@gmail.com

مساحة إعلانية