رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ماذا بعد المونديال؟ لم يكن هذا السؤال البديهي حاضرا بقوة قبل سنوات وحتى أيام قليلة من إطلاق صافرة نهاية المباراة الأخيرة. لم نفكّر كثيرًا فيما بعد نجاح قطر في تنظيم نسخة استثنائية لكأس العالم 2022، كنا نعلم مثلاً مصير تلك الملاعب الأيقونات التي شدت أنظار المليارات وعشقها المشجعون واللاعبون الخاسرون والرابحون، فملعب 974 صمّم منذ البداية ليفكَّك بالكامل، وسيقدَّم للدول التي تحتاج ملاعبها للمقاعد في إطار تنميتها، وأمَّا الملاعب الأخرى فستُفكَّك الآلاف من مقاعدها لتُخفَّض طاقتها الاستيعابية بما يكفي احتياجات الرياضة في قطر، ولتوفير جزء من البنية التحتية الرياضية للدول النامية، بالإضافة إلى أن بعض الملاعب ستشهد تغييرات إضافية، فملعب لوسيل سيُحوَّل إلى وجهة مجتمعية تضم مدارس ومتاجر ومقاهي وعيادات طبية، بينما سيضم ملعب الثمامة فرعا آخر لمستشفى «سبيتار» وفي مكان المدرجات العليا سيبنى فندق صغير، وبعد أن تُخفَّض الطاقة الاستيعابية لملعب المدينة التعليمية سيكون وجهة رياضية وترفيهية، هكذا يكون مصيرُ الملاعب التي شهدت أروع المباريات وصولات نجوم كرة القدم وأهازيج المشجعين وآمالهم، وإذا كنا نعلمُ ما ستؤول إليه هذه المعالم التي تحوَّلت إلى جزء من الذاكرة الرياضية العالمية، فإننا نُمعن النظر في مكاسب المونديال الأخرى.
إنني لا أنكر ذلك الشعور الغريب الذي أحسست به كلَّما كنَّا نقترب من نهاية المونديال، فرقٌ تخسر فتغادر قطر ويُغادر عقبها أغلب مشجّعيها وفرقٌ تنتصر لتظلّ إلى آخر مباراةٍ، ومع كلّ موجة مغادرين تنتابني قشعريرة وداعٍ. حقّا، لقد ألِفت مثلما ألِف القطريون والمقيمون على أرض قطر ذلك الوئام بيننا وبين مرتادي كأس العالم، خلال شهر كامل نمَت بين الجميع صلات نفسية وثقافية راقية، لم تكن الأعلام المميزة لمنتخبات الدول المشاركة تمنعُ ذلك التواصل الخلاَّق بين الجميع، ولم تمنع الاختلافات الثقافية من تواجد الجميع على أرضية الاحترام والتقارب. لقد أفقنا جميعا بُعيْد ساعات من نهاية كأس العالم بشعور من يودِّع أحبابهُ من الأسرة الإنسانية الواسعة، بعد أن نلنا تجربة مُثلى في العيش المشترك، فقد مرَّ كأس العالم دون ذلك الشَّغَب الذي اعتدنا مشاهدته في نسخ أخرى منه في بلدان أخرى، لا عراك في الشوارع ولا مضايقات للنساء في المدرجات أو في أي مكان، ولا كلام فاحش أو سباب بين المشجعين المتنافسين، مرّ كلّ شيء بسلاسة وسلامٍ، كأنّه حلمٌ. وليس المهمّ أنّ تنظيم كأس العالم في قطر سفَّه أقوال المناوئين لهُ، ولكنَّ المهم هو ذلك الرصيد الرمزي من التجربة الاجتماعية التي استفاد منها المجتمع القطريّ أولا وقدّمت للعالم صورةً مختلفة عن الرياضة لجميع أبناء المعمورة. لقد كان الشعور بالأمان لدى كلّ مشجّع دافعا للتعرّف على ثراء المجتمع القطري وثقافته العربية الإسلامية، فقد رأى العالم كيفَ تفاعلت جماهير المشجّعين مع العلامات الثقافية القطرية من لباس وأكل ولهجة وعادات وتقاليد، بل إنني أكاد أجزم بأن هذه التجربة النفسية والفكرية التي عاشها المشجعون ستقلب الكثير من الأفكار في المستقبل عن الشّرق الأوسط وعن العرب المسلمين تخصيصًا، وسيستيقظ العديدون على خداع الأباطيل الإعلاميّة التي حاولت التشويش على سير المونديال، بذلك تسقط أقنعة الإعلام أمام انكشاف الحقائق، فلا يُمكن استبلاه العالم وشهود العيان من كلّ مكان أقروا بمتعة نجاح التجربة القطرية في تنظيم الكأس.
لا أخفي على أحد أنني كنتُ أتابع خلال فترة كأس العالم، المباريات في الملاعب، ومباريات أخرى تقع خارجها بين المشجعين والقطريين والمقيمين هدفها الأساسي هو التنافس في إبداء المودَّة الإنسانية وتحقيق التقارب الثقافي وكأنه خيار الشعوب منذ القديم، أو هو قدرٌ في الجينات البشرية، ولأقل إنه من فطرة الله التي فطر عليها عباده ليتعارفوا.
هكذا كسبنا التجربة المجتمعية التي سيكون لها تبعات إيجابية على المجتمع الآن وغدا، وستسم تكوين الأجيال القطرية والعربية على السواء وتهبها الأمل والتفاؤل في مستقبل أفضل، إنّني أذكر قول نيلسون مانديلا: «يمكن للرياضة أن تُحقّق الأمل حيثُ كان هناك يأس فقط»، ولا أحد ينكرُ أن اليأس كاد يلتهم الشّعوب العربيّة في إمكانية استئناف «اللعب» الحضاري والمساهمة في بناء الحضارة الإنسانيّة، فقد أعادت هذه النسخة من كأس العالم الأمل من جديد في قدرة العرب على مجاراة نسق الحضارة، ولأكن أكثر جرأة في القول بأنّ هذا النجاح المستفزّ لكلّ العنصريين في العالم، مكَّن العرب والمسلمين من التخلي عن تلك الصورة التي كست تفكيرهم بشأن دورهم في العالم، وهي صورة استشراقية تعمَّد الغرب الاستعماري تصويرها لنا وإرغامنا على الاقتناع بأنها «حقيقتنا»، ولكن بئس ما كانوا يفعلون!
دبلوماسية رياضية مُبهرة
أكدنا في أكثر من مناسبة على عناية دولة قطر بالدبلوماسيّة الرياضيّة منذ سنوات، وأبرزنا أهمية ذلك في نطاق الدبلوماسيّة التقليديّة ومكانتها في الدبلوماسيّة الثقافيّة عموما، لإيماننا بأنّ هذه الوسائل لها نجاعة خاصّة في تأهيل الدول للعب أدوار كبرى في العالم، وإذا كان كأس العالم لكرة القدم هو المرآة الأكثر انعكاسًا لتجربة الدّول في الدبلوماسيّة الرياضيّة، فإنّ قطر سجّلت بنجاحها في التنظيم هدفًا في مرمى التقدّم. ليست الرياضة قطاعا هامشيّا أو رهينة مناسبات، بل هي في رؤية دولة قطر مجالٌ أساسيّ في نمط العيش قبل أن تكون مجالَ تأثير في العلاقات الدوليّة، فالمجتمع الآمن الذي أُعجب به العالم هو وليد تلك النظرة للرياضة المجتمعيّة، حيثُ أصبحت الرياضة في قطر شعارا للتعاون وليس شعارا للتنافس.
لقد ظلّ العرب بعيدين عن لعب الأدوار الكبرى في الرياضة، لذلك لم تكن لديهم دبلوماسيّة رياضيّة مؤثّرة، علاوة على ضعف الدبلوماسيّة الثقافيّة، ولعلّ الدرس القطري يفتح باب التفكير من جديد في هذه الوسيلة، خاصّة بعدما أيقنت الشّعوب قبل الدّول بأنّ مكاسبها لا تُعدُّ، فقد اعتدنا أن نُرجع قوّة الدول العظمى إلى ما هو عسكري أو اقتصادي متناسين ما توليه من أهمية للقوّة الناعمة، إنّني ما زلت أذكر أحداثًا لعبت فيها الدبلوماسيّة الرياضيّة ما لم تقم به الدبلوماسيّة السياسيّة من دور في إحلال السّلام أو التقارب بين الشّعوب أو الخروج من الأزمات السياسيّة الدوليّة، ففي عام 2002 غرقت ساحل العاج في حرب أهليّة، وحين تأهّل منتخبها إلى كأس العالم لكرة القدم عام 2006 استغلّ الحدث لإطلاق نداء للسّلام، وناشد قائد الفريق ديدييه دروغبا، وكان لاعبا محترفا في صفوف نادي تشيلسي اللندني، أن يسود السّلام أبناء شعبه، قائلا: «يا رجال ونساء ساحل العاج، في الشمال والجنوب والوسط والغرب، أثبتنا اليوم أن بإمكان العاجيين أن يتعايشوا في سبيل هدف مشترك ألا وهو التأهل لكأس العالم، لقد تعاهدنا أن الاحتفال سيوحّد الناس. اليوم، نتوسّل إليكم ونحن جاثون على ركابنا، مقابل السّماح والعفو والصّفح»، ولا شكّ أنّ كلمات «دروغبا» ليست عصا سحريّة لتغيير الأوضاع في بلد نهشته الصّراعات الدمويّة، ولكنها عبّرت عن الضّمير الحيّ في الشّعب الإيفواري، ولا أحد يُنكر ما لذلك النّداء من أثرٍ في تحقيق ما فشل في تحقيقه السياسيّون الأفارقة آنذاك.
لنتمعَّن في المكسب الكبير الذي حققته القضيّة الفلسطينية من جديد بفضل كأس العالم، لقد نجحت الرياضة في تذكير الرأي العالمي بعدالة القضيّة الفلسطينيّة كقضيّة إنسانيّة بشكل مبهر، فالرياضة كلّما أخلصت للمبادئ التي نهضت عليها فإنّها تكون وفيّة لكلّ قضيّة إنسانيّة، فكان رفع الراية الفلسطينيّة من قبل المشجّعين بمختلف جنسياتهم دليلاً على حضور فلسطين في الضّمائر الحية في العالم، فرفرف العلم الفلسطيني جنب الأعلام الأخرى في علامة رمزيّة لتوافق إنساني على أنّ الرياضة ليست «أفيونًا» يُلهي الشعوب عن قضايا البشر، وهذه رسالةٌ عميقة من رسائل كأس العالم قطر 2022.
كأس العالم ليس التحدي الأخير
نظر القطريون إلى كأس العالم باعتباره تحديا عندما أعلن الفوز بملفّ الترشّح منذ 2010، إذ تندرج استضافة المونديال في «وسم» الدولة وصورتها في العالم، فقد أخذت السياسة الخارجية القطرية الحكيمة في لعب دورٍ كبير خلال السنوات الأخيرة في جهود الوساطة المتعددة في ملفات سياسية ساخنة وشائكة من قبيل اتفاق السودان ولبنان 2008، وأفغانستان 2022، والتشاد 2022، وقد منح نجاحها كوسيط دولي في إظهار صورتها كدولة تؤمن بالسلام الدولي وتحث الأمم على تحقيقه، وليست الرياضة غير جزء من هذا الاتجاه الإستراتيجي العام لدولة قطر. ومما زاد في توسيع انتشار صورة قطر دون شك في نسخة هذه الكأس هو التطور التكنولوجي الكبير لوسائل الاتصال، حيثُ نجحت قطر في توظيف هذه الوسائل لتقديم أفضل صورة عن المونديال أوَّلا ولتقديم ثقافتها ثانيًا، فقد تناقلت جميع الوسائط الإعلامية التقليدية والجديدة وبكلّ لغات العالم ما يحدث من حلقات «المعجزة القطرية» التي سطرها القطريون فأعادت الثقة للعرب في إمكانياتهم وقدراتهم، وعاشها المتطوعون الذين قُدِّر عددهم بعشرين ألف متطوع، عن قرب وهم سيكونون سفراء للثقافة العربية.
لقد استطاعت قطر أن تقدِّم الثقافة العربية خير تقديم بإنقاذها من النمطية المجحفة التي كرَّسها الغرب في إعلامه وأفلامه السينمائية، ويبدو أنّ ما حدث سيعطِّل لوقت طويل الآلة الجهنمية لفبركة الصورة الزائفة عن العرب، ولكن ينبغي استثمار هذه المكتسبات، فهي بذرة طيبة لوجهة جديدة، تحتاج إلى رعاية حتى تنمو وتتطور، فقد صار بالإمكان إيقاف تلك الآلة عن إفراز الأباطيل حول صورتنا، ليكون كأس العالم هو المرآة الحقيقية التي نرى من خلالها صورتنا، إذ نحتاج إلى نجاحات وطعم للانتصارات بعد قرون من التراخي الحضاري، وكل هذه النتائج المبهرة يمكن أن تتلاشى أو أن تدخل «متحف التاريخ» إن لم تتبعها جهود تبني على الإنجازات، فالنجاح الكبير الذي يشهد به القاصي والداني بقدر ما هو مصدر سرور وفرح فإنه يعني مزيدا من تحمُّل المسؤولية على الناجح لاستمرار النجاح واستثماره.
لقد توفَّرت لبلدنا الرؤية والشجاعة لتحدي طلب استضافة المونديال، ثم تطلَّب ذلك العمل ليل نهار لبلوغ قمة النجاح المبهر، فمررنا جميعًا بتجربة ثرية بالتحديات، وقد أصبح لدولة قطر التي تميَّزت قيادتها الحكيمة بالوضوح والصبر، خبرة كبيرة لتدرك ثمن النجاح وتعرف أعداء النجاح أيضا، لذلك فإن المسيرة مستمرة للمحافظة على النجاح والانتقال إلى مراحل أخرى لمزيد كسب النجاحات، وهذا يتطلَّب خطة متكاملة واضحة المعالم للتعامل مع النجاح واستمرار تحصيله في المراحل القادمة، وشعار اليوم الوطني هذا العام منطلق وقاعدة ذهبية لاستمرار هذا النجاح (وحدتنا مصدر قوتنا).
ماذا بعد المونديال؟
مسيرة النجاح والتحديات مستمرة
لنتحل بآداب جميلة في الطريق
إن شريعة الإسلام شاملة لكل مجالات الحياة ونواحيها وشؤونها، حيث تنظم كل أفعال العباد جميعا بمختلف أجناسهم وألوانهم... اقرأ المزيد
54
| 28 نوفمبر 2025
الفنون البصرية تبني الحصانة النفسية للأطفال في قطر
تتزايد الحاجة إلى وسائل تربوية ونفسية فعالة لحماية الأطفال من تبعات النزاعات المسلحة، خاصة في مناطق قريبة من... اقرأ المزيد
75
| 28 نوفمبر 2025
التفكير البصري وأساليب تنميته في العملية التعليمية
يمثل التفكير البصري أداة جوهرية في العملية التعليمية؛ لأنّه يُسخّر حواسنا للتفاعل مع المعلومات وفهمها بشكلٍ أعمق، وبواسطته... اقرأ المزيد
63
| 28 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في قلب الإيمان، ينشأ صبر عميق يواجه به المؤمن أذى الناس، ليس كضعفٍ أو استسلام، بل كقوة روحية ولحمة أخلاقية. من منظور قرآني، الصبر على أذى الخلق هو تجلٍّ من مفهوم الصبر الأوسع (الصبر على الابتلاءات والطاعة)، لكنه هنا يختصّ بالصبر في مواجهة الناس — سواء بالكلام المؤذي أو المعاملة الجارحة. يحثّنا القرآن على هذا النوع من الصبر في آيات سامية؛ يقول الله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ (المزمل: 10). هذا الهجر «الجميل» يعني الانسحاب بكرامة، دون جدال أو صراع، بل بهدوء وثقة. كما يذكر القرآن صفات من هم من أهل التقوى: ﴿… وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ … وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (آل عمران: 134). إن كظم الغيظ والعفو عن الناس ليس تهاونًا، بل خلق كريم يدل على الاتزان النفسي ومستوى رفيع من الإيمان. وقد أبرز العلماء أن هذا الصبر يُعدُّ من أرقى الفضائل. يقول البعض إن كظم الغيظ يعكس عظمة النفس، فالشخص الذي يمسك غضبه رغم القدرة على الردّ، يظهر عزمًا راسخًا وإخلاصًا في عبادته لله. كما أن العفو والكظم معًا يؤدّيان إلى بناء السلم الاجتماعي، ويطفئان نيران الخصام، ويمنحان ساحة العلاقات الإنسانية سلامًا. من السنة النبوية، ورد عن النبي ﷺ أن من كظم غيظه وهو قادر على الانتقام، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فكم هو عظيم جزاء من يضبط نفسه لصالح رضا الله. كما تبيّن المروءة الحقيقية في قوله ﷺ: ليس الشديد في الإسلام من يملك يده، بل من يملك نفسه وقت الغضب. أهمية هذا الصبر لم تذهب سدى في حياة المسلم. في مواجهة الأذى، يكون الصبر وسيلة للارتقاء الروحي، مظهراً لثقته بتقدير الله وعدله، ومعبّراً عن تطلع حقيقي للأجر العظيم عنده. ولكي ينمّي الإنسان هذا الخلق، يُنصح بأن يربّي نفسه على ضبط الغضب، أن يعرف الثواب العظيم للكاظمين الغيظ، وأن يدعو الله ليساعده على ذلك. خلاصة القول، الصبر على أذى الخلق ليس مجرد تحمل، بل هو خلق كرامة: كظم الغيظ، والعفو، والهجر الجميل حين لا فائدة من الجدال. ومن خلال ذلك، يرتقي المؤمن في نظر ربه، ويَحرز لذاته راحة وسموًا، ويحقّق ما وصفه الله من مكارم الأخلاق.
1818
| 21 نوفمبر 2025
عندما أقدم المشرع القطري على خطوة مفصلية بشأن التقاضي في مجال التجارة والاستثمارات وذلك بإصدار القانون رقم 21 لسنة 2021 المتعلق بإنشاء محكمة الاستثمار مختصة للنظر في الدعاوى المتعلقة بالاستثمار والأعمال التجارية لتبت فيها وفق إجراءات وتنظيم يتناسب مع طبيعة هذه النوعية من القضايا. وتعكس هذه الخطوة القانونية الهامة حرص المشرع القطري على تطوير المناخ التشريعي في مجال المال والأعمال، وتيسير الإجراءات في القضايا التجارية التي تتطلب في العادة سرعة البت بها مع وجود قضاة متخصصين ملمين بطبيعتها، وهذه المميزات يصعب للقضاء العادي توفيرها بالنظر لإكراهات عديدة مثل الكم الهائل للقضايا المعروضة على المحاكم وعدم وجود قضاة وكادر إداري متخصص في هذا النوع من الدعاوى. وجاء القانون الجديد مكونا من 35 مادة نظمت المقتضيات القانونية للتقاضي أمام محكمة الاستثمار والتجارة، ويساعد على سرعة الفصل في القضايا التجارية وضمان حقوق أطراف الدعوى كما بينت لنا المادة 19 من نفس القانون، أنه يجب على المدعى عليه خلال ثلاثـين يوماً من تـاريخ إعلانه، أن يقدم رده إلكترونياً وأن يرفق به جميع المستندات المؤيدة له مع ترجمة لها باللغة العربية إن كانـت بلغة أجنبية، من أسماء وبيانات الشهود ومضمون شهاداتهم، وعناوينهم إذا كان لذلك مقتضى، ويجب أن يشتمل الرد على جميع أوجه الدفاع والدفوع الشكلية والموضوعية والطلبات المقابلة والعارضة والتدخل والإدخال، بحسب الأحوال. وعلى مكتب إدارة الدعوى إعلان المدعي أو من يمثله إلكترونياً برد المدعى عليه خلال ثـلاثـة أيام ولكن المادة 20 توضح لنا أنه للمدعي أن يُعقب على ما قدّمه المدعى عليه من رد وذلك خلال (خمسة عشر يوماً) من تاريخ إعلان المدعي برد المدعى عليه إلكترونياً. ويكون للمدعى عليه حق التعقيب على تعقيب المدعي (خلال عشرة أيام على الأكثر) من تـاريخ إعلانه إلكترونياً وبعدها يُحال ملف الدعوى إلكترونياً للدائرة المختصة في أول يوم . لانتهاء الإجراءات المنصوص عليها في المواد (17)، (19)، (20) من هذا القانون، وعلى الدائرة إذا قررت إصدار حكم تمهيدي في الدعوى أن تقوم بذلك خلال مدة لا تتجاوز عشرة أيام من تاريخ الإحالة، ليتضح لنا اهتمام المشرع بضمان تحقيق العدالة الناجزة. وتتألف هذه المحكمة من دوائر ابتدائية واستئنافية، وهيئ لها مقر مستقل ورئيس ذو خبرة في مجال الاستثمار والتجارة كما هيئ لها موازنة خاصة وهيكل إداري منظم، وسينعقد الاختصاص الولائي لها حسب المادة 7 في نزاعات محددة على سبيل الحصر تدور كلها في فلك القطاع التجاري والاستثماري. وإيمانا منه بطابع السرعة الذي تتطلبه النزاعات التجارية كما حدد هذا القانون مددا قصيرة للطعون، إذ بخلاف المدد الزمنية للطعن بالاستئناف في القضايا العادية أصبح ميعاد الاستئناف أمام هذه المحكمة (15 يوما) من تاريخ الإعلان، و7 أيام بالنسبة للمسائل المستعجلة والتظلم من الأوامر على العرائض والأوامر الوقتية، (و30 يوما بالنسبة للطعن بالتمييز). ومن أهم الميزات التي جاء بها أيضا قانون إنشاء محكمة الاستثمار والتجارة ما سمته المادة 13 «النظام الإلكتروني» والذي بموجبه سيكون أي إجراء يتخذ في الدعوى يتم إلكترونيا سواء تعلق بتقييد الدعوى أو إيداع طلب أو سداد رسوم أو إعلان أو غيره، وذلك تعزيزا للرقمنة في المجال القضائي التجاري، وتحقيقا للغاية المنشودة من إحداث قضاء متخصص يستجيب لرؤية قطر المستقبلية. ونؤكد ختاما أن فكرة إنشاء محكمة خاصة بالمنازعات الاستثمارية والتجارية في دولة قطر يعطي دفعة قوية للاقتصاد الوطني منها العوامل التي جعلت دولة قطر وجهة استثمارية مميزة على مستوى المنطقة والعالم وجعلها تتمتع ببيئة تشريعية قوية متقدمة تدعم الاستثمارات وتحمي حقوق المستثمرين. وتساهم في جلب الاستثمارات الأجنبية الكبرى، وتعزز من مكانتها الدولية في المجال الاقتصادي لكن هذا المولود القضائي يجب أن يستفيد من التجارب المقارنة في المحاكم التجارية بالبلدان الأخرى لتفادي الإشكالات والصعوبات التي قد تطرح مستقبلاً ليكون رمزاً للعدالة الناجزة التي تسعى إليها الدولة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
1500
| 25 نوفمبر 2025
أصبحت قطر اليوم واحدة من أفضل الوجهات الخليجية والعربية للسياحة العائلية بشكل خاص، فضلاً عن كونها من أبرز الوجهات السياحية العالمية بفضل ما تشهده من تطور متسارع في البنية التحتية وجودة الحياة. ومع هذا الحضور المتزايد، بات دور المواطن والمقيم أكبر من أي وقت مضى في تمثيل هذه الأرض الغالية خير تمثيل، فالسكان هم المرآة الأولى التي يرى من خلالها الزائر انعكاس هوية البلد وثقافته وقيمه. الزائر الذي يصل إلى الدوحة سواء كان خليجياً أو عربياً أو أجنبياً، هو لا يعرف أسماءنا ولا تفاصيل عوائلنا ولا قبائلنا، بل يعرف شيئاً واحداً فقط: أننا قطريون. وكل من يرتدي الزي القطري في نظره اسمه «القطري”، ذلك الشخص الذي يختزل صورة الوطن بأكمله في لحظة تعامل، أو ابتسامة عابرة، أو موقف بسيط يحدث في المطار أو السوق أو الطريق. ولهذا فإن كل تصرّف صغير يصدر منا، سواء كان إيجابياً أو سلبياً، يُسجَّل في ذاكرة الزائر على أنه «تصرف القطري”. ثم يعود إلى بلده ليقول: رأيت القطري … فعل القطري … وقال القطري. هكذا تُبنى السمعة، وهكذا تُنقل الانطباعات، وهكذا يترسّخ في أذهان الآخرين من هو القطري ومن هي قطر. ولا يقتصر هذا الدور على المواطنين فقط، بل يشمل أيضاً الإخوة المقيمين الذين يشاركوننا هذا الوطن، وخاصة من يرتدون لباسنا التقليدي ويعيشون تفاصيل حياتنا اليومية. فهؤلاء يشاركوننا المسؤولية، ويُسهمون مثلنا في تعزيز صورة الدولة أمام ضيوفها. ويزداد هذا الدور أهمية مع الجهود الكبيرة التي تبذلها هيئة السياحة عبر تطوير الفعاليات النوعية، وتجويد الخدمات، وتسهيل تجربة الزائر في كل خطوة. فبفضل هذه الجهود بلغ عدد الزوار من دول الخليج الشقيقة في النصف الأول من عام 2025 أكثر من 900 ألف زائر، وهو رقم يعكس جاذبية قطر العائلية ونجاح سياستها السياحية، وهو أمر يلمسه الجميع في كل زاوية من زوايا الدوحة هذه الأيام. وهنا يتكامل الدور: فالدولة تفتح الأبواب، ونحن نُكمل الصورة بقلوبنا وأخلاقنا وتعاملنا. الحفاظ على الصورة المشرّفة لقطر مسؤولية مشتركة، ومسؤولية أخلاقية قبل أن تكون وطنية. فحسن التعامل، والابتسامة، والاحترام، والإيثار، كلها مواقف بسيطة لكنها تترك أثراً عميقاً. نحن اليوم أمام فرصة تاريخية لنُظهر للعالم أجمل ما في مجتمعنا من قيم وكرم وذوق ونخوة واحترام. كل قطري هو سفير وطنه، وكل مقيم بحبه لقطر هو امتداد لهذه الرسالة. وبقدر ما نعطي، بقدر ما تزدهر صورة قطر في أعين ضيوفها، وتظل دائماً وجهة مضيئة تستحق الزيارة والاحترام.
1473
| 25 نوفمبر 2025