رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
من المؤكد أن اللغة العربية تُعدّ من أعرق اللغات الإنسانية وأكثرها اتصالًا بتاريخ حضاري طويل يمتد لقرون عديدة، وقد شكّلت هذه اللغة أداة أساسية في بناء المعرفة الإنسانية في مجالات عديدة أبرزها الدين والإسلام بالتحديد، والفلسفة، والعلوم، والآداب وغيرها كثير.
ومع هذا الامتداد الزمني الهائل، شهدت اللغة العربية تطوّرًا دلاليًا وصوتيًا وتركيبيًا واسعًا، الأمر الذي استدعى في زماننا بالتحديد وجود مشروع علمي موسوعي يُعنى بتوثيق هذا التطوّر توثيقًا دقيقًا.
ومن هنا تبرز أهمية معجم الدوحة التاريخي للغة العربية الذي أطلقته قطر قبل يومين برعاية وحضور أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الذي سجّل اسمه في اللائحة الذهبية لكبار شخصيات التاريخ المهتمة باللغة العربية وعراقتها.
وبوصف معجم الدوحة التاريخي للغة العربية مشروعًا معرفيًا غير مسبوق، يهدف هذا المشروع كما هو واضح إلى تأريخ الألفاظ العربية وتتبع مساراتها الدلالية عبر العصور المختلفة، وتمتد فائدته إلى تركيا والأتراك خاصة، وإلى العجم عمومًا، نظرًا لعمق الصلة التاريخية والثقافية واللغوية التي ربطت هذه الشعوب.
أولًا: مفهوم المعجم التاريخي وخصوصيته
المعجم التاريخي يختلف عن المعاجم التقليدية؛ إذ لا يكتفي بتقديم تعريف ثابت للكلمة، وإنما يسعى إلى تتبّع نشأة اللفظ وتطوّر معانيه واستعمالاته في سياقات زمنية محددة.
ويُعدّ هذا النوع من المعاجم من أعلى مستويات العمل المعجمي، لما يتطلّبه من جهد جماعي، ومنهج علمي صارم، وقاعدة نصية واسعة.
وفي هذا السياق، يمثّل معجم الدوحة التاريخي نقلة نوعية في صناعة المعاجم العربية، إذ وضع اللغة العربية في مصاف اللغات العالمية التي تمتلك معاجم تاريخية كبرى.
ثانيًا: المنهج العلمي لمعجم الدوحة التاريخي
وفق ما تابعنا، يعتمد معجم الدوحة التاريخي على منهج وصفي تاريخي يقوم على الاستقراء والتحليل، مستندًا إلى مدوّنة لغوية ضخمة تشمل نصوصًا من عصور مختلفة، مثل النقوش القديمة، والشعر الجاهلي، والقرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، وكتب التراث الأدبي والعلمي.
ويقوم المعجم بتأريخ كل لفظ وفق أقدم شاهد موثوق، ثم يرصد تحوّلاته الدلالية عبر المراحل الزمنية المتعاقبة، مع توثيق ذلك بالشواهد النصية الدقيقة، وإنه لأمر رائع في غاية الإتقان والأهمية.
ثالثًا: إسهامه في الدراسات اللغوية والمعجمية
من المؤكد أن معجم الدوحة التاريخي سيساهم إسهامًا بالغ الأهمية في تطوير البحث اللغوي العربي، إذ سيتيح للباحثين أداة علمية دقيقة لدراسة التطوّر الدلالي، والتغيّر اللغوي، والعلاقات بين الألفاظ ومعانيها، وسيفتح آفاقًا جديدة أمام الدراسات المقارنة بين العربية واللغات الأخرى، وسيسهم في إعادة قراءة التراث اللغوي العربي قراءة علمية حديثة، قائمة على البيانات الموثقة لا على الانطباعات العامة.
رابعًا: دوره في فهم النصوص التراثية
سيساعد المعجم على فهم النصوص التراثية فهمًا أدق، إذ يبيّن المعنى الذي كان شائعًا للكلمة في زمن معيّن، بعيدًا عن إسقاط الدلالات الحديثة عليها، وهذا الأمر بالغ الأهمية في مجالات مثل التفسير، والفقه، والنقد الأدبي، وتحقيق المخطوطات، حيث يؤدي الخلط الدلالي إلى سوء الفهم أو الخطأ في التأويل.
خامسًا: الحفاظ على الهوية اللغوية والحضارية
يُسهم معجم الدوحة التاريخي في صون الهوية اللغوية العربية من خلال توثيق تاريخ الألفاظ بوصفها جزءًا من الذاكرة الحضارية للأمة، فاللغة ليست مجرد وسيلة تواصل، بل هي مستودع للفكر والتجربة الإنسانية، ومن هنا، فإن توثيق اللغة تاريخيًا يُعدّ حفاظًا على التراث الثقافي العربي في مواجهة العولمة والتحديات اللغوية المعاصرة، وهذا ما يصب في مصلحة حتى غير الناطقين باللغة العربية، والراغبين بتعلم هذه اللغة والتحدث بها.
وهذه الشريحة من الأمة موجودة عندنا في تركيا، حيث تشهد تركيا المعاصرة ثورة حقيقية بتعلم اللغة العربية، فقد تم إدخال هذه اللغة حديثا إلى المدارس والجامعات فضلا عن فتح مراكز خاصة لتعليمها بشكل مباشر أو حتى عبر الطرق الإلكترونية الحديثة، أي أن الأتراك الراغبين بالاطلاع على اللغة العربية وتعلمها والتّبحّر بها سيستفيدون كثيرا من معجم الدوحة التاريخي للغة العربية.
إن هذا المعجم خدمة كبيرة ليس للأمة العربية فحسب بل للأمة الإسلامية، ويمكننا القول أنه أيضا سيعزز مكانة اللغة العربية حتى عند غير العرب وغير المسلمين.. لقد قامت قطر بقيادة أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بخطوة جبارة تاريخية مع اللغة العربية.
سادسًا: توظيف التقنية الحديثة
يتميّز معجم الدوحة التاريخي بتوظيفه التقنيات الرقمية الحديثة في بناء قواعد البيانات النصية، وتحليلها، وإتاحتها للباحثين عبر منصات إلكترونية، الأمر الذي سيساهم في تسهيل البحث المعجمي، وتسريع الوصول إلى المعلومات، وجعل المعجم أكثر مرونة وتفاعلًا مع متطلبات العصر الرقمي.
ثامنًا: أثره في التعليم والمناهج الدراسية
يمثّل المعجم مرجعًا مهمًا لتطوير مناهج تعليم اللغة العربية، إذ يقدّم فهمًا عميقًا لتاريخ الألفاظ ودلالاتها، ما يساعد على بناء وعي لغوي سليم لدى المتعلمين من عرب وعجم، كما يمكن الاستفادة منه في تعليم العربية للناطقين بغيرها، من خلال إبراز البعد التاريخي والدلالي للغة.
تاسعًا: العربية في التاريخ الثقافي والعلمي لتركيا
ارتبط الأتراك باللغة العربية ارتباطًا وثيقًا منذ دخولهم في الإسلام، حيث أصبحت العربية لغة الدين والعلوم الشرعية، مثل التفسير والحديث والفقه وأصوله، وقد ألّف علماء الدولة السلجوقية ثم العثمانية آلاف الكتب بالعربية، أو اعتمدوا عليها اعتمادًا أساسيًا في تكوينهم العلمي.
ومن هنا، فإن معجم الدوحة التاريخي يمكّن الباحث التركي من فهم دقيق للألفاظ العربية في سياقها الزمني الصحيح، وهو أمر ضروري لفهم المؤلفات الإسلامية والتراثية التي شكّلت أساس الثقافة العثمانية.
عاشرًا: خدمة الدراسات العثمانية والتركية
تحتوي اللغة العثمانية على كمٍّ هائل من المفردات العربية التي دخلت في مجالات الإدارة، والفقه، والأدب، والفلسفة، والعلوم، لذلك نرى أن معجم الدوحة التاريخي سيساهم في توضيح الأصول الدلالية لهذه المفردات، وبيان معانيها الأصلية وتحولاتها عبر الزمن، مما يساعد الباحثين الأتراك على فهم النصوص العثمانية فهمًا أدق، وتجنّب إسقاط المعاني الحديثة على ألفاظ قديمة، وإعادة قراءة التراث العثماني قراءة علمية رصينة.
ختامًا، يمكن القول إن معجم الدوحة التاريخي للغة العربية يشكّل علامة فارقة في تاريخ الدرس اللغوي العربي، لما يحمله من قيمة علمية وثقافية وحضارية، فهو لا يوثّق الكلمات فحسب، بل يوثّق مسيرة أمة بأكملها عبر لغتها.
ومن هنا، فإن دعم هذا المشروع والتعريف به والاستفادة منه يُعدّ واجبًا علميًا وثقافيًا على العرب وعلى غير العرب، يسهم في حفظ اللغة العربية وتطويرها، وتمكينها من مواصلة دورها في بناء المعرفة الإنسانية.
لوبيتيغي بيدخلنا بالطوفة
أسدل الستار على مونديال العرب بإبداع تنظيمي خيالي ومستويات فنية رفيعة المستوى وحضور جماهيري فاق كل التوقعات يضاف... اقرأ المزيد
75
| 25 ديسمبر 2025
اتفاق تبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن
انطلاقاً من دعمها المستمر للشعب اليمني الشقيق، جاء ترحيب دولة قطر باتفاق تبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن، الذي... اقرأ المزيد
81
| 25 ديسمبر 2025
لغة خير أمة لغة الحياة
لغتنا تحدثنا وتقول لنا: أنا لغة خير أمة.. أنا لغة القرآن الكريم.. أنا لغة الإسلام لا دين غيره..... اقرأ المزيد
69
| 25 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يترقّب الشارع الرياضي العربي نهائي كأس العرب، الذي يجمع المنتخبين الأردني والمغربي على استاد لوسيل، في مواجهة تحمل كل مقومات المباراة الكبيرة، فنيًا وبدنيًا وذهنيًا. المنتخب الأردني تأهل إلى النهائي بعد مشوار اتسم بالانضباط والروح الجماعية العالية. كما بدا تأثره بفكر مدربه جمال السلامي، الذي نجح في بناء منظومة متماسكة تعرف متى تضغط ومتى تُغلق المساحات. الأردن لم يعتمد على الحلول الفردية بقدر ما راهن على الالتزام، واللعب كوحدة واحدة، إلى جانب الشراسة في الالتحامات والقتالية في كل كرة. في المقابل، يدخل المنتخب المغربي النهائي بثقة كبيرة، بعد أداء تصاعدي خلال البطولة. المغرب يمتلك تنوعًا في الخيارات الهجومية، وسرعة في التحولات، وقدرة واضحة على فرض الإيقاع المناسب للمباراة. الفريق يجمع بين الانضباط التكتيكي والقوة البدنية، مع حضور هجومي فعّال يجعله من أخطر منتخبات البطولة أمام المرمى. النهائي يُنتظر أن يكون مواجهة توازنات دقيقة. الأردن سيحاول كسر الإيقاع العام للمباراة والاعتماد على التنظيم والضغط المدروس، بينما يسعى المغرب إلى فرض أسلوبه والاستفادة من الاستحواذ والسرعة في الأطراف. الصراع في وسط الملعب سيكون مفتاح المباراة، حيث تُحسم السيطرة وتُصنع الفوارق. بعيدًا عن الأسماء، ما يجمع الفريقين هو الروح القتالية والرغبة الواضحة في التتويج. المباراة لن تكون سهلة على الطرفين، والأخطاء ستكون مكلفة في لقاء لا يقبل التعويض. كلمة أخيرة: على استاد لوسيل، وفي أجواء جماهيرية منتظرة، يقف الأردن والمغرب أمام فرصة تاريخية لرفع كأس العرب. نهائي لا يُحسم بالتوقعات، بل بالتفاصيل، والتركيز، والقدرة على الصمود حتى اللحظة الأخيرة.
1137
| 18 ديسمبر 2025
في هذا اليوم المجيد من أيام الوطن، الثامن عشر من ديسمبر، تتجدد في القلوب مشاعر الفخر والولاء والانتماء لدولة قطر، ونستحضر مسيرة وطنٍ بُني على القيم، والعدل، والإنسان، وكان ولا يزال نموذجًا في احتضان أبنائه جميعًا دون استثناء. فالولاء للوطن ليس شعارًا يُرفع، بل ممارسة يومية ومسؤولية نغرسها في نفوس أبنائنا منذ الصغر، ليكبروا وهم يشعرون بأن هذا الوطن لهم، وهم له. ويأتي الحديث عن أبنائنا من ذوي الإعاقة تأكيدًا على أنهم جزء أصيل من نسيج المجتمع القطري، لهم الحق الكامل في أن يعيشوا الهوية الوطنية ويفتخروا بانتمائهم، ويشاركوا في بناء وطنهم، كلٌ حسب قدراته وإمكاناته. فالوطن القوي هو الذي يؤمن بأن الاختلاف قوة، وأن التنوع ثراء، وأن الكرامة الإنسانية حق للجميع. إن تنمية الهوية الوطنية لدى الأبناء من ذوي الإعاقة تبدأ من الأسرة، حين نحدثهم عن الوطن بلغة بسيطة قريبة من قلوبهم، نعرّفهم بتاريخ قطر، برموزها، بقيمها، بعَلَمها، وبإنجازاتها، ونُشعرهم بأنهم شركاء في هذا المجد، لا متلقّين للرعاية فقط. فالكلمة الصادقة، والقدوة الحسنة، والاحتفال معهم بالمناسبات الوطنية، كلها أدوات تصنع الانتماء. كما تلعب المؤسسات التعليمية والمراكز المتخصصة دورًا محوريًا في تعزيز هذا الانتماء، من خلال أنشطة وطنية دامجة، ومناهج تراعي الفروق الفردية، وبرامج تُشعر الطفل من ذوي الإعاقة أنه حاضر، ومسموع، ومقدَّر. فالدمج الحقيقي لا يقتصر على الصفوف الدراسية، بل يمتد ليشمل الهوية، والمشاركة، والاحتفال بالوطن. ونحن في مركز الدوحة العالمي لذوي الإعاقة نحرص على تعزيز الهوية الوطنية لدى أبنائنا من ذوي الإعاقة من خلال احتفال وطني كبير نجسّد فيه معاني الانتماء والولاء بصورة عملية وقريبة من قلوبهم. حيث نُشرك أبناءنا في أجواء اليوم الوطني عبر ارتداء الزي القطري التقليدي، وتزيين المكان بأعلام دولة قطر، وتوزيع الأعلام والهدايا التذكارية، بما يعزز شعور الفخر والاعتزاز بالوطن. كما نُحيي رقصة العرضة القطرية (الرزيف) بطريقة تتناسب مع قدرات الأطفال، ونُعرّفهم بالموروث الشعبي من خلال تقديم المأكولات الشعبية القطرية، إلى جانب تنظيم مسابقات وأنشطة وطنية تفاعلية تشجّع المشاركة، وتنمّي روح الانتماء بأسلوب مرح وبسيط. ومن خلال هذه الفعاليات، نؤكد لأبنائنا أن الوطن يعيش في تفاصيلهم اليومية، وأن الاحتفال به ليس مجرد مناسبة، بل شعور يُزرع في القلب ويترجم إلى سلوك وهوية راسخة. ولا يمكن إغفال دور المجتمع والإعلام في تقديم صورة إيجابية عن الأشخاص ذوي الإعاقة، وإبراز نماذج ناجحة ومُلهمة منهم، مما يعزز شعورهم بالفخر بذواتهم وبوطنهم، ويكسر الصور النمطية، ويؤكد أن كل مواطن قادر على العطاء حين تتوفر له الفرصة. وفي اليوم الوطني المجيد، نؤكد أن الولاء للوطن مسؤولية مشتركة، وأن غرس الهوية الوطنية في نفوس أبنائنا من ذوي الإعاقة هو استثمار في مستقبل أكثر شمولًا وإنسانية. فهؤلاء الأبناء ليسوا على هامش الوطن، بل في قلبه، يحملون الحب ذاته، ويستحقون الفرص ذاتها، ويشاركون في مسيرته كلٌ بطريقته. حفظ الله قطر، قيادةً وشعبًا، وجعلها دائمًا وطنًا يحتضن جميع أبنائه… لكل القدرات، ولكل القلوب التي تنبض بحب الوطن كل عام وقطر بخير دام عزّها، ودام مجدها، ودام قائدها وشعبها فخرًا للأمة.
1107
| 22 ديسمبر 2025
في منتصف العام الدراسي، تأتي الإجازات القصيرة كاستراحة ضرورية للطلبة والأسر، لكنها في الوقت ذاته تُعد محطة حساسة تتطلب قدراً عالياً من الوعي في كيفية التعامل معها. فهذه الإجازات، على قِصر مدتها، قد تكون عاملاً مساعداً على تجديد النشاط الذهني والنفسي، وقد تتحول إن أُسيء استغلالها إلى سبب مباشر في تراجع التحصيل الدراسي وصعوبة العودة إلى النسق التعليمي المعتاد. من الطبيعي أن يشعر الأبناء برغبة في كسر الروتين المدرسي، وأن يطالبوا بالسفر والتغيير، غير أن الانصياع التام لهذه الرغبات دون النظر إلى طبيعة المرحلة الدراسية وتوقيتها يحمل في طياته مخاطر تربوية لا يمكن تجاهلها. فالسفر إلى دول تختلف بيئتها ومناخها وثقافتها عن بيئتنا، وفي وقت قصير ومزدحم دراسياً، يؤدي غالباً إلى انفصال ذهني كامل عن أجواء الدراسة، ويضع الطالب في حالة من التشتت يصعب تجاوزها سريعاً عند العودة. توقيت الإجازة وأثره المباشر على المسار الدراسي التجربة التربوية تؤكد أن الطالب بعد الإجازات القصيرة التي تتخلل العام الدراسي يحتاج إلى قدر من الاستقرار والروتين، لا إلى مزيد من التنقل والإرهاق الجسدي والذهني. فالسفر، مهما بدا ممتعاً، يفرض تغييرات في مواعيد النوم والاستيقاظ، ويُربك النظام الغذائي، ويُضعف الالتزام بالواجبات والمتابعة الدراسية، وهو ما ينعكس لاحقاً على مستوى التركيز داخل الصف، ويجعل العودة إلى الإيقاع المدرسي عملية بطيئة ومجهدة. وتكمن الخطورة الحقيقية في أن هذه الإجازات لا تمنح الطالب الوقت الكافي للتكيّف مرتين: مرة مع السفر، ومرة أخرى مع العودة إلى المدرسة. فيضيع جزء غير يسير من زمن الفصل الدراسي في محاولة استعادة النشاط الذهني والانخراط مجدداً في الدروس، وهو زمن ثمين كان الأولى الحفاظ عليه، خصوصاً في المراحل التي تكثر فيها الاختبارات والتقييمات. قطر وجهة سياحية غنية تناسب الإجازات القصيرة في المقابل، تمتلك دولة قطر بيئة مثالية لاستثمار هذه الإجازات القصيرة بشكل متوازن وذكي، فالأجواء الجميلة خلال معظم فترات العام، وتنوع الوجهات السياحية والترفيهية، من حدائق ومتنزهات وشواطئ ومراكز ثقافية وتراثية، تمنح الأسر خيارات واسعة لقضاء أوقات ممتعة دون الحاجة إلى مغادرة البلاد. وهي خيارات تحقق الترفيه المطلوب، وتُشعر الأبناء بالتجديد، دون أن تخلّ باستقرارهم النفسي والتعليمي. كما أن قضاء الإجازة داخل الوطن يتيح للأسرة المحافظة على جزء من الروتين اليومي، ويمنح الأبناء فرصة للعودة السلسة إلى مدارسهم دون صدمة التغيير المفاجئ. ويمكن للأسر أن توظف هذه الفترة في أنشطة خفيفة تعزز مهارات الأبناء، مثل القراءة، والرياضة، والأنشطة الثقافية، وزيارات الأماكن التعليمية والتراثية، بما يحقق فائدة مزدوجة: متعة الإجازة واستمرارية التحصيل. ترشيد الإنفاق خلال العام الدراسي ومن زاوية أخرى، فإن ترشيد الإنفاق خلال هذه الإجازات القصيرة يمثل بُعداً مهماً لا يقل أهمية عن البعد التربوي. فالسفر المتكرر خلال العام الدراسي يستهلك جزءاً كبيراً من ميزانية الأسرة، بينما يمكن ادخار هذه المبالغ وتوجيهها إلى إجازة صيفية طويلة، حيث يكون الطالب قد أنهى عامه الدراسي، وتصبح متطلبات الاسترخاء والسفر مبررة ومفيدة نفسياً وتعليمياً. الإجازة الصيفية، بطولها واتساع وقتها، هي الفرصة الأنسب للسفر البعيد، والتعرف على ثقافات جديدة، وخوض تجارب مختلفة دون ضغط دراسي أو التزامات تعليمية. حينها يستطيع الأبناء الاستمتاع بالسفر بكامل طاقتهم، وتعود الأسرة بذكريات جميلة دون القلق من تأثير ذلك على الأداء المدرسي. دور الأسرة في تحقيق التوازن بين الراحة والانضباط في المحصلة، ليست المشكلة في الإجازة ذاتها، بل في كيفية إدارتها، فالإجازات التي تقع في منتصف العام الدراسي ينبغي أن تُفهم على أنها استراحة قصيرة لإعادة الشحن، لا قطيعة مع المسار التعليمي. ودور الأسرة هنا محوري في تحقيق هذا التوازن، من خلال توجيه الأبناء، وضبط رغباتهم، واتخاذ قرارات واعية تضع مصلحة الطالب التعليمية في المقام الأول، دون حرمانه من حقه في الترفيه والاستمتاع. كسرة أخيرة إن حسن استثمار هذه الإجازات يعكس نضجاً تربوياً، ووعياً بأن النجاح الدراسي لا يُبنى فقط داخل الصفوف، بل يبدأ من البيت، ومن قرارات تبدو بسيطة، لكنها تصنع فارقاً كبيراً في مستقبل الأبناء.
1023
| 24 ديسمبر 2025