رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

سعدية مفرح

كاتبة كويتية

مساحة إعلانية

مقالات

237

سعدية مفرح

من يوميات غزة العادية!

26 أغسطس 2024 , 02:00ص

هل تباد غزة فعلا ونحن الشهود؟ أم أنها تحيا وتنتصر ونحن الشهود أيضاً؟

يوميات غزة الدامية تبدو متشابهة لنا نحن الذين نتابعها عن بعد، لكنها ليست كذلك بالنسبة لها ولأهلها. كل يوم هو فرصة جديدة للحياة أو للموت.

صحيح أن هذه هي يوميات البشر جميعا منذ أن وجدت الحياة على هذه الأرض لكننا ننسى! نغادر لحظاتنا ونحن نعيشها بكل ما فيها من احتمالات، أما غزة فهي على موعد مستمر وأفق مفتوح للموت الآتي عبر طلقة أو قذيفة أو شظية أو سقف يتهدم فوق الرؤوس أو حتى جوع وعطش!

والموت لأهل غزة لم يعد بذات الرهبة التي يستشعرها البشر تجاهه. إنه احتمال قريب جدا بل هو الاحتمال الأقرب حتى لمن للتو ولدوا.

تخبرني زميلة غزية أتواصل معها، قدر المستطاع من الكهرباء والإنترنت، أنها لم تعد تسأل عن أقربائها أو أهلها في أرجاء قطاع غزة المختلفة كما كانت تفعل في الأشهر الأولى من الحرب. لقد توقفت عن تفقدهم أو حتى السؤال عنهم، وقررت أنهم موتى بالفعل، وهي ترجو أنهم قرروا كذلك بالنسبة لها ولمن معها من الأهل. هي ترى أن هذا أريح بكثير من احتمال الانتظار، وتسارع الأخبار وكلها تقريبا سيئة، حتى إذا ما اكتشفت في لحظة ما قبل أو بعد انتهاء العدوان، إن قدر لها أن تعيش، أن أحدهم أو كلهم أحياء ستكون مفاجأة جميلة جدا وربما ستعتبرها مكافأة نهاية الحرب!

لم أستطع الرد عليها أو حتى تحمل بقية كلامها عن الموت والفقد والغياب.. ففي كل كلمة جديدة تودي بي إلى زمن سحيق جدا من الوجود كله!

لم أستطع حتى التفكير في ما قالته إلا بعد أيام كنت فيها أراجع كل مشاعري تجاه هذا الحدث المستمر في غزة! والنتيجة شعور عارم بالذنب لم أحاول حتى دفعه عني!

لماذا نحن هنا إذن؟

ما الذي نفعله بكل خذلاننا هذا وكيف سنواجههم ذات يوم لا بد أنه آت؟

تؤذيني جدا الاحتمالات حتى بنهاية هذه المأساة، فليس لي نصيب منها سوى هذا الأذى الذي ينهش روحي بصمت وأنا أتابع الأخبار وأشاهد المقاطع. دعاء مستمر وكلمات أقولها وأكتبها وأسى يتبدى في أنحائي حتى وإن تجاهلته كثيرا وأنا أعيش في ما اعتدت عليه.

ثم ماذا؟

لا شيء حقيقي سوى الإصرار على إيماني الراسخ بقوة هذه القضية، وهؤلاء الذين قدر لهم أن يكونوا أهلها وعنوانها في زمنها السرمدي!

أصر دائما في كل نقاش حول طوفان الأقصى وما تلاه من تداعيات أن غزة هي التي انتصرت، وأن استمرار العدوان عليها وعلى أهلها منذ السابع من أكتوبر وحتى الآن، أي حتى بعد مرور أكثر من 300 يوم، لا يعني سوى توكيد لانتصارها الكبير، ليس على العدو الصهيوني وآلته القبيحة ومن يسانده من القوى الكبرى في العالم وحسب ولكن أيضا وقبل كل شيء على نفسها.

نعم غزة انتصرت على نفسها منذ اللحظة الأولى التي أدرك فيها ناسها أن المعركة الحقيقية قد بدأت وأن وقودها سيكون من الناس والحجارة، وأن التضحية خيار لا بد منه للاستمرار في مقاومة الموت الصهيوني.. وهنا تكمن واحدة من مفارقات كل حروب التحرير على مدى التاريخ؛ الموت دفعاً للموت، أي أن يختار المقاوم أن يضحي بنفسه وأن يموت، في سبيل ألا يكون هذا الموت هو مصيره بيد المحتل في نهاية الأمر، وإن كان موتاً معنوياً. وهذا واحد من أسرار التحرر الحتمي للأمم والشعوب دائماً.

مساحة إعلانية