رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يروي تاريخنا أن ملك فارس أرسل الهرمزان إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ليفاوضه وكان على رأس وفد يلبسون أغلى الثياب وأفخرها، وكان الهرمزان متهيبا من مقابلة عمر، فلما وصل إلى المدينة سأل عن قصر عمر فقيل له: لا قصر له، فقال: أين حرسه؟ قالوا: لا حرس له. قال: أين مكانه؟ قالوا: هذا بيته، فأتوا بيته فإذا هو من طين، فسألوا عنه، فقال ابن له صغير: إنه خرج وقد يكون نائما في المسجد، فخرج معهم للبحث عنه فوجدوه نائما تحت شجرة وقد وضع حجرا تحت رأسه، فقال لهم: هذا عمر، فتعجب الهرمزان وقال وهو لا يكاد يصدق: أهذا عمر الخليفة؟ أهذا أمير المؤمنين؟ قالوا: نعم. فقال: حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر.
أثبت التاريخ أن الحاكم العادل لا يحتاج إلى قمع شعبه وظلمه لكي يبقى حاكما، كما لا يحتاج إلى مئات الحراس للحفاظ على حياته، فالعدل الذي قيل عنه إنه أساس الملك هو القادر على حماية الحاكم لأنه في الوقت نفسه هو القادر على حماية الشعب من الظلم والقهر والاستبداد، وقد أثبت التاريخ ذلك في كثير من فتراته القديمة والحديثة.
ولأن عدل الحكام ليس هو الأصل - على تفاوت بينهم في مقدار الظلم وأسبابه - فإن مطلب العدالة أصبح مطلبا ملحا عند الشعوب التي تشعر بالظلم، وقد عبرت الشعوب عن هذا المطلب بطرق متنوعة وما زالت تفعل ذلك.
بعض الحكام لم يكتفوا بظلم شعوبهم بطريقة واحدة وإنما فعلوها مرتين؛ المرة الأولى عندما حكموهم بغير إرادتهم ومارسوا عليهم أنواعا من الظلم، والمرة الثانية، وهي الأسوأ، عندما قتلوا مجموعة منهم ظلما وعدوانا ثم اتهموا مناوئيهم بقتلهم ليبرروا لأنفسهم الاستمرار في قتل المناوئين الذين خرجوا على القانون واعتدوا على المواطنين وأساءوا إلى الدين الحنيف - كما زعموا.
الخليفة العباسي المهدي هو من بدأ هذه العملية عندما أنشأ ديوانا للزنادقة كان هدفه محاربة الماجنين، ثم اتسعت أهداف الديوان ليشمل محاربة الخارجين على الدولة، ثم اتسع النطاق - بحسب الحاجة - فأصبح هذا المصطلح تهمة سياسية يطلقها الخصوم بعضهم على بعض والرابح منهم من يستطيع إقناع الخليفة بصحة رأيه، وبطبيعة الحال لابد أن يكون المتهم عدوا للخليفة لكي ينال العقوبة التي غالبا ما تكون القتل والتكفير!! وقد ذكرتني هذه التهمة بتهمة (الإخوان) هذه الأيام، أو تهمة العمالة للخارج، أو إحداث الفتنة في المجتمع!! وقد قتل بسبب هذه التهمة أعداد كبيرة كان منهم بعض المقربين للخليفة، منهم الشاعر المشهور (بشار بن برد)، وقد كان هدف الخليفة قتل المعارضين أو إسكاتهم على أقل تقدير.
وعندما نصل إلى تاريخنا المعاصر نجد أن عددا من حكام العرب لجأ إلى الأسلوب نفسه مع بعض التحسينات التي تتطلبها ظروف المرحلة مع التقدم العلمي في وسائل الإجرام والقتل!! ففي مصر - مثلا - ومنذ عهد جمال عبد الناصر بدأ استخدام هذه التكتيكات وكان أولها مسرحية اغتيال عبد الناصر في 26 أكتوبر 1954 الذي اتهم فيها أحد الإخوان المسلمين، وقيل إنه كان من أفضل الرماة وأنه أطلق على جمال ثماني طلقات من على بعد سبعة أمتار لكنه لم يصبه على الإطلاق!! ولست أدري كيف يكون ماهرا وفي الوقت نفسه يكون قريبا جدا ويطلق ثماني رصاصات وتخطئه جميعها!! ردة الفعل العادلة أن يحاكم الفاعل محاكمة عادلة ثم ينفذ فيه الحكم، لكن لأن الهدف من العملية كان شيئا آخر، فقد تم اعتقال آلاف المعارضين من الإخوان والشيوعيين (ما علاقة الشيوعيين إذا كان الفاعل إخوانيا!!)، كما تم فصل مئات الضباط، وحكم على ثمانية من قادة الإخوان بالإعدام، وتكملة للهدف من العملية تمت إزاحة محمد نجيب - الحاكم الرسمي - ووضع في الإقامة الجبرية!! ولكي يحقق عبد الناصر أهدافه في ظل الشحن العاطفي للعملية المزعومة أوقف كل الصحف المعارضة، لأنها تسبب الفتنة!! كما أشرف بنفسه على حملة تحث المغنين والمسرحيين على عمل أغان ومسرحيات تمجده وتنتقص من خصومه.
الفريق السيسي - الذي أشيع أنه يشبه عبد الناصر - حاول فعل الشيء نفسه ولكن بطريقة أكثر بشاعة؛ انقلب على رئيسه ولكنه أخفاه أشهرا ثم لفق له العديد من التهم ولست أدري بأي طريقة يريد التخلص منه، لاسيَّما وهو يرى حجم الرفض الشعبي لفعله وتعلق الكثير من المصريين، إما برئيسهم الشرعي وإما بفكرة إنكار الخروج على الشرعية.
السيسي لم يكتف بقتل الآلاف في الميادين وإنما لجأ أيضا إلى استخدام مسلسل التفجيرات واتهام الإخوان بها ليتسنى له إسكات كل المعارضين أو سجنهم!! لكن الفرق بين عبد الناصر والسيسي أن المواطن العربي اليوم لم تعد تنطلي عليه تلك الألاعيب التي كانت تنطلي عليه زمن عبد الناصر، فالوعي اليوم ازداد كثيرا، كما أن وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي تراقب الأحداث أولا بأول وتحللها ولا تسمح بتزييف الوعي المجتمعي، وهذا كله لم يسمح للسيسي بتمرير مشروعه كما رغب.
مسلسل التفجيرات التي جرت في أكثر من مكان في مصر كان المتهم فيها مباشرة هم الإخوان وبطريقة فجة ومضحكة!! فعندما جرى الحديث عن محاولة اغتيال وزير الداخلية استعانوا بشاهد عيان قال: إنه رأى ثلاثة من الإخوان واقفين إلى جانب السيارة وهم المتهمون!! ولكن لم يقل كيف عرف أنهم من الإخوان إلا إذا كان الله قد ميز الإخوان بخلقة خاصة تختلف عن غيرهم! ومثلها حكاية تفجير مبنى مديرية أمن القاهرة المفترض أنه شديد التحصين، خاصة في مثل الظروف التي تمر بها مصر وحديث الدولة عن محاولات التخريب التي سيقوم بها الإخوان وأنصارهم بهذه المناسبة، وقد ثبتت أدلة كثيرة تنفي رواية وزارة الداخلية حول الحدث، فقد ذكرت جريدة الشعب الجديد الصادرة يوم الجمعة 24 يناير أن النيابة العامة كذبت رواية وزارة الداخلية وقالت إن التفجير تم بواسطة ريموت كنترول وعن بعد، كما أن العميد طارق الجوهري قائد الحراسة الليلية لمنزل الرئيس المخلوع قال في اتصال هاتفي مع الجزيرة مباشر: إن التفجير يعد تكرارا لسيناريو تفجير أمن القليوبية من أجل التلاعب بمقدرات الدولة وأرواح المصريين، ووصف العملية بالمسرحية الهزلية.
في سوريا بدأ الأسد وعصابته بنفس الطريقة ومنذ الأيام الأولى للثورة التي انطلقت من درعا، حيت سارعت السلطة باتهام جماعات مندسين بتدبير المظاهرات، ثم أصبحوا جماعات إرهابية تقتل المواطنين، ثم سارع هؤلاء المواطنون فطلبوا من الدولة حمايتهم ففعلت!! وبنفس أساليب الحكام الظلمة تم إسكات كل الأصوات المعارضة، إما بالسجن وإما بالقتل. الشيء الجديد الذي جاء به بشار وزمرته أنهم تعاونوا مع جماعات إرهابية لكي تتولى قتل البعض والإساءة للبعض الآخر باسم الإسلام، وهذا الاتفاق أتاح لهم ادعاء أنهم يقاتلون الإرهاب وأن على العالم الوقوف إلى جانبهم في محاربته وكذلك توقف الدول التي تساعده لأنها تساعد الإرهاب!! وتناسى هؤلاء عشرات الآلاف الذين قتلوهم والملايين الذين شردوهم في مشارق الأرض ومغاربها.
نفس التمثيليات تكررت في العراق وبكثرة، كما رأيناها في اليمن قبل الثورة وفي الجزائر على فترات متفرقة - وقد شاهدت لقاء أجرته قناة الجزيرة مع أحد رجال الأمن الجزائريين تحدث فيه عن الفظاعات التي كان يقوم بها هو ومجموعة معه ثم يتم اتهام المجموعات الإسلامية المعارضة بها لتتم تصفيتهم فيما بعد بصفتهم إرهابيين وأعداء للشعب الجزائري!!
الشعوب العربية تعاني من أنواع متعددة من الظلم والمقال الواحد لا يستطيع استيعابها، ولكن الذي أود أن يفهمه هذا النوع من الحكام أن الشعوب العربية ما عادت تنطلي عليها تلك الأكاذيب، بل إنها تزيدها كراهية لحكامها الظلمة، كما تزيدها حماسهم للمطالبة بحقوقها مهما ازدادت التضحيات ومهما طال الوقت.
إن وقوف الإعلام الرسمي إلى جانب الحكام قد يجد ما يبرره، لأنه يفعل ذلك مرغما ولكن الذي يستحيل تبريره وقوف من يسمون أنفسهم ليبراليين أو علمانيين أو إسلاميين إلى جانب من يودع المطالبين بحقوقهم في السجون أو يقتلهم، مخالفين بذلك أبسط القواعد الأخلاقية التي يتحدثون عنها، وقد أثبتت الأحداث الأخيرة براءتهم منها!! هل يمكن أن نتخيل أن مفتيا يكفر المتظاهرين ويطالب بقتلهم ويرميهم بالكفر!! وهل يمكننا تخيل أن أحد رموز الليبراليين ودعاة الحرية يطالب باستخدام المدارس والمساجد سجونا عندما تضيق السجون؟!! وهل نتصور أن علمانيين وليبراليين يكتبون عشرات المقالات تحرض ضد طائفة أخرى في بلدهم لأنها تخالف مذهبهم؟!! كل ذلك ومثله رأيناه لنكتشف كثيرا من الزيف والأكاذيب عند هؤلاء القوم الذين جعلوا مصالحهم الخاصة أهم بكثير من مصلحة وطنهم ومواطنيهم، بل وحكامهم أيضا!!
التاريخ يؤكد لنا أن الظلم لا يمكن أن يدوم، كما يؤكد أن العدالة وحدها هي التي تجعل الحاكم محبوبا وقريبا عند مواطنيه، أما ما يفعله بعض الحكام فهو طريقهم الأسرع للزوال.
عينُ المحتل الثالثة
(قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ).. هذه الآية الكريمة كانت أول ما قفز... اقرأ المزيد
156
| 10 ديسمبر 2025
ترسيخ العدالة.. من الوعود إلى واقع ملموس 1 - 2
العنوان كان شعار “منتدى الدوحة“ الأخير في دورته 23، وأحيي نباهة الاخوة المسؤولين في دولة قطر وحكمتهم في... اقرأ المزيد
171
| 10 ديسمبر 2025
ومرت سنة على سـوريا
سنة منذ أن خُلع بشار الأسد، وسنة منذ أن تنفس السوريون الحياة، وسنة منذ أن ظهر للعالم بأن... اقرأ المزيد
96
| 10 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4302
| 05 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
2058
| 07 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1788
| 04 ديسمبر 2025