رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

سعدية مفرح

كاتبة كويتية

مساحة إعلانية

مقالات

627

سعدية مفرح

لم القلق؟

27 يناير 2025 , 02:00ص

قرأت قبل أيام في منصة إكس تغريدة للكاتبة سلمى بوخمسين أثارت مشاعري وكأنها كانت موجهة لي في مفصل من مفاصل حياتي مع بداية هذا العام الجديد. كتبت سلمى في تغريدتها اللافتة:

«لم أصبغ شعري منذ ١٢ عامًا ولم أغيّر طريقة تصفيفه من عشرة. لم أجرب الفيلر أو التاتو أو أي صرعة تجميل جديدة. لا أزال أكتحل بالإثمد كل صباح. انتقلت من منزل إلى آخر فصبغت الجدران بذات اللون السماوي الهادئ. زرت مقاهي في أكثر قارات العالم وتبقى قهوتي المفضلة قهوة الكادحين في مقهى المشفى حيث أعمل. ‏مهما تلد السينما لا أعترف بغير عمر الشريف وفاتن. مهما تكن المناسبة أكتفي بدهن العود، ‏وعلى العديد من الأصعدة لا أزال كما أنا قبل عام، قبل خمسة أعوام، قبل عشرة أعوام.

‏لا أدري هل هذه أصالة أم تحجر؟

‏هل أصبحت «دقة قديمة»؟ أم أني كلاسيك؟

‏هل أنا حبيسة خيارات منتهية الصلاحية؟ أم صادقة لما أحب غير مكترثة بكل التيارات حولي؟!

أصالة الحنين أم تحجُّر الذات؟»..

* انتهت التغريدة، وابتدأت محاولاتي للإجابة على أسئلة لم نكن موجهة لي لكنني شعرت أنني معنية بها أنا أيضا!

هناك أشياء تنطبع في الروح كالحبر على ورق لا تمحوه السنوات ولا تغيّره الفصول. كأننا نحمل في دواخلنا ماضٍ صغير نلجأ إليه حين تشتد علينا عواصف الحاضر، أو حين تغرينا تيارات جديدة لا تبدو متوافقة مع إيقاع أرواحنا. لكن، هل التمسك بالعادات والأشياء القديمة هو تعبير عن الأصالة، أم أنه هروب من مواجهة التحوّل الذي لا يرحم؟

لطالما كان الحديث عن «الحداثة» و»التجديد» مثار جدل، فكلما طُرحت فكرة جديدة أو ظهرت صيحة عصرية، وُجد من يصفق لها، كما وُجد من يشهر رايات التمسك بالماضي. ولكن حين يصبح التغيير سيفًا مسلّطًا علينا، هل نحن مضطرون حقًا إلى الانصياع له؟

هناك من لا يرى بأسًا في الاحتفاظ باللون القديم للجدران أو برائحة دهن العود التي تصاحب مناسباته السعيدة، وكأنها توقيع الزمن على ملامح ذاكرته. هذا التمسك ليس مجرد عناد، بل هو وفاء لصورة الذات التي ألفها، تلك التي يعيد بناءها كل يوم بتفاصيل صغيرة: فنجان قهوة بسيط، تسريحة شعر لا تتغير، أو حتى فيلم كلاسيكي يعيد مشاهدته رغم مرور عقود على إنتاجه.

ولكن، هل يعني هذا أن صاحب هذه العادات «دقة قديمة»؟

ربما نعم، وربما لا. الأمر يتوقف على تعريفنا لهذه الكلمة. «دقة قديمة» في لغة البعض تعني شخصًا عالقًا في الماضي، غير قادر على التحرر منه. لكنها قد تعني أيضًا شخصًا يجد في الماضي ملاذًا للأصالة، ودرعًا يحميه من سطحية المتغيرات العابرة.

* في المقابل، قد تُفسَّر هذه النزعة إلى الثبات بوصفها نوعًا من التصالح مع الذات. فأن تكون صادقًا لما تحب، غير متأثر بالتيارات التي تدفع الجميع نحو الاندفاع الأعمى، هو بحد ذاته شجاعة لا يُتقنها إلا قلة.

ربما نحن في حاجة إلى وقفة مع النفس: لماذا نغيّر الأشياء من حولنا؟ هل نغيّرها لأننا نحتاج فعلاً إلى التغيير؟ أم لأن الآخرين يفعلون ذلك؟ هل هناك خطأ في البقاء أو الاستمرار؟ أم أن الخطأ يكمن في شعورنا الدائم بأننا مطالبون بمجاراة العالم مهما كان الثمن؟

حسناً.. لا بأس في أن تحمل بعض الألوان القديمة معك، ولا بأس في أن تتشبث بما يجعلك تشعر بأنك أنت، من دون أن تهدر طاقتك في محاولة فهم تصنيف الآخرين لك. كن أصيلًا إن شئت، «كلاسيكيًا» إن رغبت، أو حتى «دقة قديمة» إن أحببت، المهم أن تكون صادقًا مع ما يمنحك الطمأنينة، فلا تكسر شيئًا داخل روحك لمجرد أن العالم يركض نحو جديد لا تعرف إن كان يناسبك.

ولعل المسألة ليست في الأصالة أو التحجر، بل في قدرتنا على أن نحيا بما نحب، أن نجد أنفسنا في التفاصيل التي تبهجنا، مهما بدت بسيطة أو قديمة. فما دامت القهوة تبعث الدفء في صباحك، وما دامت الألوان على جدرانك تمنحك السلام، وما دام دهن العود هو رفيق احتفالاتك.. فلِمَ القلق؟

مساحة إعلانية