رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
خرج فيروس كورونا (كوفيد 19) من مدينة أوهان الصينية، وسُرعانَ ما انتشر في مناطقَ كثيرةٍ من العالم، وقد تأخَّرَ كثيرا في وصوله إلى تركيا؛ حتّى إنّه في وقتٍ من الأوقات عندما كان “كوفيد 19” يتمدَّدُ ويرسُمُ خريطةً حمراءَ في كل الدول المحيطةِ بتركيا، في ذلك الوقت كانت تركيا تبدو كأنّها جزيرةٌ صغيرة بيضاءُ في وسط تلك الخريطة الحمراء.
لم تمتنع المعارضة التركية عن تحويل هذه القضية إلى مصدر قلق جدّيّ، وقالوا: إن هذا الفيروس انتشر في معظم الأماكن ولكن لم يصل إلينا! لماذا؟ وجعلُوها مشكلة جدّيّة. في حين أنَّ السببَ الأساسيَّ لتأخُّر قدوم فيروس “كوفيد 19” إلى تركيا هو أن وزارة الصحة التركية بدأت - في وقت مبكِّر- اتّخاذ التدابير الفعّالة اللازمة، ومن دون ضجّة.
ففي بداية ملاحظة انتشار المرض خارج تركيا؛ اتُّخذ قرارٌ فوري بتعليق جميع الرحلات الجويّة والبرّيّة مع الصين وإيران، وبالنسبة للمسافرين القادمين من خارج تركيا فقد تمّ تطبيق نظامِ مراقبة تلقائيّ لضمان سلامتهم الصحية باستخدام الكاميرات الحرارية المثبَّتة في المطارات.
وبهذه المناسبة؛ فإنه عندما انتقد أحدُ نوّاب المعارضة دخول وزير الصحة العائد من خارج البلاد وهو يلوّح بيديه دون أيّ فحص أو مراقبة، ردّ وزير الصحة بطريقة فكاهية، مشيرًا إلى تدابير السلامة المتَّخذة في المطار بقوله: "إذا رغب هذا النائب فيمكنه أن يعرف درجة حرارته من الكاميرات الحرارية المثبّتة وهو يمرّ في مدخل عبور المسافرين، وأن يشاركها مع الرأي العام".
ولكنْ في 11 مارس/آذار شُخِّصت أوّلُ إصابةٍ وظهرت أولُ نتيجةٍ إيجابية لتحليل “كوفيد 19”، ومنذ ذلك الوقت أصبحت تركيا كباقي بقاع الكرة الأرضية على تعارف مع فيروس “كوفيد 19”، وإن وصل إليها متأخِّرًا.
ومنذ اليوم الأول، ورغم أنّ سير المرض كان بطيئا؛ فإنّه حصل في تركيا ما حصل في باقي دول العالَم، فبدأنا نرى عددَ الإصابات يتضاعف لا وفق متتالية حسابية، بل وفق متتالية هندسية. فعدد الإصابات الذي كان (5) في اليوم الثالث، أصبح في الأيام اللاحقة 18، 45، 98، 191، وفي مساء 21 مارس/آذار كان الرقم 947 إصابةً.
في الواقع، ورغم هذا السير المتسارع لفيروس “كوفيد 19”؛ فإنّ التدابير الفعّالة والاستثنائية التي اتخذتها وزارةُ الصحة منذ ظهور هذا الفيروس أصبحت الآن مرئيّةً بوضوح أكثر.
ليقُل مَن شاء ما شاء؛ لكنّ هذه الحادثة (كوفيد 19) - وقد زاد الطلب على القطاع الصحي- أظهرت واحدةً من أكبر إنجازات تركيا خلال 18 عاما من العمل على تقوية نظام الرعاية الصحية، وقد تم اختبار هذا النظام فأثبت قدرةً وكفاءةً عالية. وأظهرت هذه التجاربُ أن نظام الرعاية الصحية في تركيا واحدٌ من أقوى الأنظمة الصحية في العالَم.
إن النظام الصحي الذي كان مطبَّقا في تركيا قبل 18 عاما يمكن نسيانه؛ فاليوم كلُّ العالَم يُدرِكُ مدى تقدُّمنا في نظام الرعاية الصحية، وحتّى المعارضة نفسها كان هذا محلَّ تقديرها وإعجابها.
نظام الرعاية الصحية في تركيا يُعَدّ من أكبر المجالات الناجحة في مسيرة حزب العدالة والتنمية الحاكم، فالنظام الصحي في تركيا قبل 18 عاما كان يمثل فاجعة حقيقية. فرغم التكلفة المالية الباهظة التي كان تُخصَّص للنظام الصحي في تركيا؛ فإنّه كان بعيدا جدا عن خدمة المواطنين، لأنّ طريقة الإدارة كانت سيئة للغاية، وكان قطاعا مبعثَرا تسوده الفوضى، فضلا عن قضايا الفساد.
ومع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة؛ تمّ تجميع النظام الصحي بأكمله تحت سقف واحد، وتم القضاء على الفساد بصرامة، وأُنشئت استثمارات مهمة من الأموال الفائضة بسبب القضاء على الفساد، وخلال مدّة قصيرة أصبحت خدمات النظام الصحي متاحةً لجميع المواطنين، ويمكنهم تلقّي الخدمات بالجودة والسرعة نفسها دون أيّ تمييز بين الأغنياء والفقراء.
اليوم؛ لا يحتاج المواطن التركي لأجل الاستفادة من خدمات نظام الرعاية الصحية في بلاده سوى أن يبرز هويته الشخصيّة، وأصبحت خِدمات الرعاية الصحية التركية الأفضلَ جودةً والأرخصَ في العالم. وعلاوةً على ذلك؛ فإن الرعاية الصحية مع الزمن أصبحت أحدَ بنود التصدير في تركيا.
كما أصبحت السياحة العلاجية الآن مجالا هاما من مجالات قِطاع السياحة في تركيا، لدرجة أن أشخاصا كثيرين في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، أو من المواطنين الأتراك الذين يعيشون في الخارج؛ صاروا يتوجّهون إلى تركيا لأنّهم يجدون الخدمة الصحية التي يتلقَّونها فيها أرخصَ وأكثرَ جودةً من الخِدمات الصحيّة في بُلدانهم.
وفي السنوات الأخيرة؛ توجّه حزب العدالة والتنمية الحاكم في مجال الصحة إلى إنشاء مُدُن طبية ضخمة، وكانت خطوة جادّة نحو تقليل عدد المرضى والأسِرّة لكل طبيب، لكنّ المعارضة رأت أنّ هذه الطاقة الاستيعابية العالية غير ضرورية، بل إنها رأت أن هذه المشاريع إسراف وإضاعة للمال.
ولكن الحقائق التي تبدّت مع فيروس كورونا أظهرت أن تركيا كانت ذات نظرة بعيدة جدًّا في هذا المجال، فالعالم كلّه يعيش حالة عجز تامّ في مواجهة فيروس كورونا “كوفيد 19”؛ حيث ظهر أول مرة في الصين ثم إيران، ثم بدأ ينتشر بسرعة وبشكل يبدو خارجا عن السيطرة.
اتُخذت في إيطاليا وإسبانيا وهولندا وألمانيا - وفي غيرها من الدول الأوروبية- إجراءاتٌ وتدابير لمواجهة الفيروس، ولكن إذا نظرنا إلى تركيا - مع أن السياحة تُشكِّل شطرًا موفورا من اقتصادها- فإننا نجد أنّ الأداء والإجراءات التي اتُّخذت فيها - حتى الآن- تُعدّ ناجحة للغاية. وبفضل هذه التدابير؛ كان دخولُ الفيروس إلى تركيا متأخِّرا، ولكن يبدو أن نموّ انتشاره في تركيا لن يأخذ مسارا مختلفا.
في الوقت الحاضر؛ تهدف تركيا إلى محاربة هذا الفيروس المُعْدِي، الذي يتضاعف عددُ الأشخاص المصابين به بمتتالية هندسية، كما حصل في كل مكانٍ شوهِد فيه لأول مرة، وتقوم وزارة الصحة التركية بجهود منظّمة تهدف إلى منع وصول عدد المرضى إلى حدٍّ يتجاوزُ قدراتها العلاجية؛ وذلك باعتماد تدابير تؤدي إلى تخفيض سرعة انتشار الفيروس.
إنّ خطاب الرئيس أردوغان في هذا الموضوع يمنح الجماهير الروحَ المعنوية العالية، على عكس القادة الأوروبيين الآخرين. وإن الفلسفة المتبعة في السياسات الصحية في تركيا تؤكد مرة أخرى مقولة: اجعل الناس يعيشون كي تعيش الدولة؛ ولذا فإنّ الهدف النهائي للدولة هو إبقاء الناس على قيد الحياة، ومن ثَمّ توفير الحياة الكريمة.
مستشار الرئيس التركي
المصدر: الجزيرة
لم يعد مشهد الاحتجاجات والحراك الشبابي مفاجئًا لنا وللمراقبين في عالمٍ يتغير بسرعة مذهلة، وحيث تتقاطع الأزمات الاقتصادية... اقرأ المزيد
264
| 22 أكتوبر 2025
جاء خطاب حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، في افتتاح دور الانعقاد... اقرأ المزيد
114
| 22 أكتوبر 2025
في آخر مشاهد حياته، ظهر صحفي الجزيرة صالح الجعفراوي في مقطع مصور تداولته وسائل التواصل الاجتماعي، ممددا على... اقرأ المزيد
177
| 22 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين لم يتقنوا الجلوس في أماكنهم. كم من مقعدٍ امتلأ جسدًا، وظلّ فارغًا فكرًا، وإحساسًا، وموقفًا. الكرسي لا يمنح الهيبة، بل من يجلس عليه هو من يمنح المكان معناه. المدرب… حين يغيب التأثير: المدرب الذي لا يملأ مقعده، هو من يكرّر المعلومات دون أن يُحدث تحولًا في العقول. يشرح بجمود، ويتحدث بثقة زائفة، ثم يغادر دون أن يترك بصمة. الحل أن يفهم أن التدريب رسالة لا مهنة، وأن حضوره يقاس بتغيير الفكر والسلوك بعده. وعندما يغيب هذا الإدراك، يتحول التدريب إلى ترفٍ ممل، ويفقد المجتمع طاقاته الواعدة التي تحتاج إلى من يشعل فيها شرارة الوعي. المدير… حين يغيب القرار: المدير الذي لا يملأ كرسيه، يهرب من المسؤولية بحجة المشورة، ويُغرق فريقه في اجتماعات لا تنتهي. الحل: أن يدرك أن القرار جزء من القيادة، وأن التردد يقتل الكفاءة. وعندما يغيب المدير الفاعل، تُصاب المؤسسة بالجمود، وتتحول بيئة العمل إلى طابور انتظار طويل بلا توجيه. القائد… حين يغيب الإلهام: القائد الذي لا يملك رؤية، لا يملك أتباعًا بل موظفين. الحل: أن يزرع في فريقه الإيمان لا الخوف، وأن يرى في كل فرد طاقة لا أداة. غياب القائد الملهم يعني غياب الاتجاه، فتضيع الجهود، ويضعف الولاء المؤسسي، ويختفي الشغف الذي يصنع التميز. المعلم… حين يغيب الوعي برسالته: المعلم الذي يجلس على كرسيه ليؤدي واجبًا، لا ليصنع إنسانًا، يفرغ التعليم من رسالته. الحل: أن يدرك أنه يربّي أجيالًا لا يلقّن دروسًا. وحين يغيب وعيه، يتخرّج طلاب يعرفون الحروف ويجهلون المعنى، فيُصاب المجتمع بسطحية الفكر وضعف الانتماء. الإعلامي… حين يغيب الضمير: الإعلامي الذي لا يملأ كرسيه بالمصداقية، يصبح أداة تضليل لا منبر وعي. الحل: أن يضع الحقيقة فوق المصلحة، وأن يدرك أن الكلمة مسؤولية. وعندما يغيب ضميره، يضيع وعي الجمهور، ويتحول الإعلام إلى سوقٍ للضجيج بدل أن يكون منارة للحق. الطبيب… حين يغيب الإحساس بالإنسان: الطبيب الذي يرى في المريض رقمًا لا روحًا، ملأ كرسيه علمًا وفرّغه إنسانية. الحل: أن يتذكر أن الطب ليس مهنة إنقاذ فقط، بل مهنة رحمة. وحين يغيب هذا البعد الإنساني، يفقد المريض الثقة، ويصبح الألم مضاعفًا، جسديًا ونفسيًا معًا. الحاكم أو القاضي… حين يغيب العدل: الحاكم أو القاضي الذي يغفل ضميره، يملأ الكرسي رهبة لا هيبة. الحل: أن يُحيي في قراراته ميزان العدالة قبل أي شيء. فحين يغيب العدل، ينهار الولاء الوطني، ويُصاب المجتمع بتآكل الثقة في مؤسساته. الزوج والزوجة… حين يغيب الوعي بالعلاقة: العلاقة التي تخلو من الإدراك والمسؤولية، هي كرسيان متقابلان لا روح بينهما. الحل: أن يفهما أن الزواج ليس عقداً اجتماعياً فحسب، بل رسالة إنسانية تبني مجتمعاً متماسكاً. وحين يغيب الوعي، يتفكك البيت، وينتج جيل لا يعرف معنى التوازن ولا الاحترام. خاتمة الكرسي ليس شرفًا، بل تكليف. وليس مكانًا يُحتل، بل مساحة تُملأ بالحكمة والإخلاص. فالمجتمعات لا تنهض بالكراسي الممتلئة بالأجساد، بل بالعقول والقلوب التي تعرف وزنها حين تجلس… وتعرف متى تنهض.
4803
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل في ترتيبِ الأولويات؛ لأن المفارقةَ تجرحُ الكرامةَ وتؤلمُ الروحَ أكثرَ من الموت. ففي الوقتِ الذي كانتْ فيهِ الأمهاتُ يبحثنَ بينَ الركامِ عن فلذاتِ أكبادِهِنَّ أو ما تبقّى منهُم، كانتْ إسرائيلُ تُحصي جثثَها وتُفاوِضُ العالمَ لتُعيدَها قبلَ أن تسمحَ بعبورِ شاحنةِ دواءٍ أو كيسِ طحينٍ. وكأنَّ جُثثَ جنودِها تَستحقُّ الضوء، بينما أَجسادُ الفلسطينيينَ تُدفنُ في العتمةِ بلا اسمٍ ولا وداعٍ ولا حتى قُبلةٍ أَخيرةٍ. فكانتِ المفاوضاتُ تُدارُ على طاولةٍ باردةٍ، فيها جُثثٌ وجوعٌ وصُراخٌ ودُموعٌ، موتٌ هنا وانتظارٌ هناك. لم يكنِ الحديثُ عن هدنةٍ أو دواءٍ، بل عن أشلاءٍ يُريدونَها أولًا، قبلَ أن تَعبُرَ شُحنةُ حياةٍ. أيُّ منطقٍ هذا الذي يجعلُ الجُثّةَ أَكثرَ استحقاقًا من الجائعِ، والنّعشَ أسبقَ من الرّغيف؟ أيُّ منطقٍ ذاك الذي يُقلِبُ موازينَ الرحمةِ حتى يُصبحَ الموتُ امتيازًا والحياةُ جريمةً؟ لقد غدتِ المساعداتُ تُوزَّعُ وفق جدولٍ زمنيٍّ للموتى، لا لاحتياجاتِ الأحياء، صارَ من يُدفنُ أَسرعَ ممن يُنقذُ، وصارتِ الشواهدُ تُرفَعُ قبلَ الأرغفةِ. في غزّةَ لم يَعُدِ الناسُ يَسألونَ متى تَصلُ المساعداتُ، بل متى تُرفَعُ القيودُ عن الهواء. فحتى التنفّسُ صارَ ترفًا يَحتاجُ تصريحًا. في كلِّ زُقاقٍ هناكَ انتظارٌ، وفي كلِّ انتظارٍ صبرُ جبلٍ، وفي كلِّ صبرٍ جُرحٌ لا يندملُ. لكنَّ رغمَ كلّ ذلك ما زالتِ المدينةُ تَلِدُ الحياةَ من قلبِ موتِها. هُم يَدفنونَ موتاهم في صناديقِ الخشبِ، ونحنُ نَدفنُ أحزانَنا في صدورِنا فتُزهِرُ أملًا يُولَدُ. هُم يَبكونَ جُنديًّا واحدًا، ونحنُ نَحمِلُ آلافَ الوُجوهِ في دَمعَةٍ تُسقي الأرضَ لتَلِدَ لنا أَحفادَ من استُشهِدوا. في غزّةَ لم يكنِ الوقتُ يَتَّسِعُ للبُكاءِ، كانوا يَلتقطونَ ما تَبقّى من الهواءِ لِيَصنَعوا منه بروحِ العزِّ والإباء. كانوا يَرونَ العالمَ يُفاوِضُ على موتاهُ، ولا أَحدَ يَذكُرُهم بكلمةٍ أو مُواساةٍ، بينما هُم يُحيونَ موتاهُم بذاكرةٍ لا تَموتُ، ومع ذلك لم يَصرُخوا، لم يَتوسَّلوا، لم يَرفَعوا رايةَ ضعفٍ، ولم يَنتظروا تلكَ الطاولةَ أن تَتكلَّمَ لهم وعَنهُم، بل رَفَعوا وُجوهَهم إلى السماء يقولون: إن لم يكن بك علينا غضبٌ فلا نُبالي. كانتِ إسرائيلُ تَحصُي خَسائِرَها في عَدَدِ الجُثَث، وغزّة تَحصُي مَكاسِبَها في عَدَدِ مَن بَقوا يَتَنفَّسون. كانت تُفاخر بأنها لا تَترُكُ قَتلاها، بينما تَترُكُ حياةَ أُمّةٍ بأَكملها تَختَنِقُ خلفَ المَعابِر. أيُّ حضارةٍ تلكَ التي تُقيمُ الطقوسَ لِموتاها، وتَمنَعُ الماءَ عن طفلٍ عطشان؟ أيُّ دولةٍ تلكَ التي تُبجِّلُ جُثَثَها وتَتركُ الإنسانيّةَ تحتَ الرُّكام؟ لقد كانتِ المفاوضاتُ صورةً مُكثَّفةً للعالمِ كُلِّه؛ عالمٍ يَقِفُ عندَ الحدودِ يَنتظر “اتِّفاقًا على الجُثَث”، بينما يَموتُ الناسُ بلا إِذنِ عُبورٍ. لقد كشفوا عن وجوهِهم حينَ آمَنوا أن عودةَ جُثّةٍ مَيتةٍ أَهمُّ من إِنقاذِ أرواحٍ تَسرِقُ الأَنفاس. لكن غزّة كالعادة كانتِ الاستثناءَ في كلِّ شيءٍ وصَدمةً للأعداءِ قبل غيرِهم، وهذا حديثهم ورأيهم. غزّة لم تَنتظر أَحدًا ليُواسيَها، ولم تَسأَل أَحدًا ليَمنَحَها حَقَّها. حينَ اِنشَغَلَ الآخرونَ بعدَّ الجُثَث، كانت تُحصي خُطواتها نحو الحياة، أَعادت تَرتيبَ أَنقاضِها كأنها تَبني وطنًا جديدًا فوقَ عِظامِ مَن ماتوا وُقوفًا بشموخ، وأَعلَنَت أنَّ النَّبضَ لا يُقاس بعددِ القلوبِ التي توقَّفَت، بل بعددِ الذين ما زالوا يَزرَعونَ المستقبل، لأنَّ المستقبل لنا. وهكذا، حين يَكتُب التاريخُ سطره الأخير، لن يَقول من الذي سلّم الجُثَث، بل من الذي أَبقى على رُوحه حيّة. لن يَذكُر عددَ التوابيت، بل عددَ القلوب التي لم تَنكسِر. دولةُ الكيان الغاصب جَمَعَت موتاها، وغزّة جمَعَت نَفسها. هم دَفَنوا أَجسادَهم، وغزّة دَفَنَت بُذورَ زيتونِها الذي سَيُضيء سَنا بَرقه كل أُفق. هم احتَفلوا بالنِّهاية، وغزّة تَفتَح فَصلًا من جديد. في غزّة، لم يَكُنِ الناس يَطلُبون المعجزات، كانوا يُريدون فقط جُرعةَ دواءٍ لِطفلٍ يحتضر، أو كِسرةَ خُبزٍ لامرأةٍ عَجوز. لكن المعابِر بَقِيَت مُغلَقة لأن الأَموات من الجانب الآخر لم يُعادوا بعد. وكأنَّ الحياة هُنا مُعلَّقة على جُثّة هناك. لم يَكُن العالم يسمع صُراخَ الأَحياء، بل كان يُصغي إلى صَمتِ القُبور التي تُرضي إسرائيل أكثر مما تُرضي الإنسانية.
3519
| 21 أكتوبر 2025
المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء. فالتعليم يمنح الإطار، بينما التدريب يملأ هذا الإطار بالحياة والفاعلية. في الجامعات تحديدًا، ما زال كثير من الطلاب يتخرجون وهم يحملون شهادات مليئة بالمعرفة النظرية، لكنهم يفتقدون إلى الأدوات التي تمكنهم من دخول سوق العمل بثقة. هنا تكمن الفجوة بين التعليم والتدريب. فبدلاً من أن يُترك الخريج يبحث عن برامج تدريبية بعد التخرج، من الأجدى أن يُغذّى التعليم الجامعي بجرعات تدريبية ممنهجة، وأن يُطرح مسار فرعي بعنوان «إعداد المدرب» ليخرّج طلابًا قادرين على التعلم وتدريب الآخرين معًا. تجارب ناجحة: - ألمانيا: اعتمدت نظام التعليم المزدوج، حيث يقضي الطالب جزءًا من وقته في الجامعة وجزءًا آخر في بيئة العمل والنتيجة سوق عمل كفؤ، ونسب بطالة في أدنى مستوياتها. - كوريا الجنوبية: فرضت التدريب الإلزامي المرتبط بالصناعة، فصار الخريج ملمًا بالنظرية والتطبيق معًا، وكانت النتيجة نهضة صناعية وتقنية عالمية. -كندا: طورت نموذج التعليم التعاوني (Co-op) الذي يدمج الطالب في بيئة العمل خلال سنوات دراسته. هذا أسهم في تخريج طلاب أصحاب خبرة عملية، ووفّر على الدولة تكاليف إعادة التأهيل بعد التخرج. انعكاسات التعليم بلا تدريب: 1. اقتصاديًا: غياب التدريب يزيد الإنفاق الحكومي على إعادة التأهيل. أما إدماج التدريب، فيسرّع اندماج الخريج في السوق ويضاعف الإنتاجية. 2. مهنيًا: الطالب المتدرب يتخرج بخبرة عملية وشبكة علاقات مهنية، ما يمنحه ثقة أكبر وفرصًا أوسع. 3. اجتماعيًا: حين يتقن الشباب المهارات العملية، تقل مستويات الإحباط، ويتحولون من باحثين عن وظيفة إلى صانعين للفرص. حلول عملية مقترحة لقطر: 1. دمج التدريب ضمن المناهج الجامعية: أن تُخصص كل جامعة قطرية 30% من الساعات الدراسية لتطبيقات عملية ميدانية بالتعاون مع المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص واعتماد التدريب كمتطلب تخرج إلزامي لا يقل عن 200 ساعة. 2. إنشاء مجلس وطني للتكامل بين التعليم والتدريب: يضم وزارتي التعليم والعمل وممثلي الجامعات والقطاع الخاص، ليضع سياسات تربط بين الاحتياج الفعلي في السوق ومخرجات التعليم. 3. تفعيل مراكز تدريب جامعية داخلية: تُدار بالشراكة مع مراكز تدريب وطنية، لتوفير بيئات تدريبية تحاكي الواقع العملي. 4. تحفيز القطاع الخاص على التدريب الميداني. منح حوافز ضريبية أو أولوية في المناقصات للشركات التي توفر فرص تدريب جامعي مستدامة. الخلاصة التعليم بلا تدريب يظل معرفة ناقصة، عاجزة عن حمل الأجيال نحو المستقبل. إنّ إدماج التدريب في التعليم الجامعي، وإيجاد تخصصات فرعية في إعداد المدربين، سيضاعف قيمة التعليم ويحوّله إلى أداة لإطلاق الطاقات لا لتخزين المعلومات. فحين يتحول كل متعلم إلى مُمارس، وكل خريج إلى مدرب، سنشهد تحولًا حقيقيًا في جودة رأس المال البشري في قطر، بما يواكب رؤيتها الوطنية ويقودها نحو تنمية مستدامة.
2871
| 16 أكتوبر 2025