رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مر هذان اليومان ممزوجين ومليئين بمختلف المشاعر للحظات تاريخية لم نتوقعها، بل إنها تحدث لأول مرة في تاريخ الأمة، وإن حدثت من قبل في تاريخ قطر. فقد تنازل الشيخ عبدالله الذي تسلم الحكم في عام 1900م، عن الحكم لابنه الأكبرالشيخ علي (36 سنة) في 9/9/1949م، فالأمر ليس بجديد أن يسلم أب لابنه مقاليد الحكم. هدوء تملكنا مترقبين ومنتظرين ما سيقال، وكنا بين الحلم والواقع.
لقد هزتنا رؤيتك قبل أن تنطق شفتاك، وأبكانا موقفك وشجاعتك، وأدمعت قلوبنا كلماتك المباشرة واعتزازك بنا، قال الحسن البصري: "الإمام العادل كالأب الحاني على ولده، يسعى لهم صغارا ويعلمهم كبارا.." هذا هو أنت يا سيدي صاحب السمو حفظك الله. كلمتك كانت كلمة الوطن للشعب، كلمة الأمير لمواطنية، المحب لمحبيه، جاءت من أب حنون لأبناء بارين أحبوه.
أثلجت صدورنا بقولك: "لن أنسى ما حييت وقفتكم يا أبناء وطني" وكيف لنا أن ننسى يا صاحب السمو تفانيك بالعمل من أجل رفعة الوطن والمواطن، وكيف ننسى ما نعيشه اليوم بفضل الله ثم بفضل سموكم من أمن وأمان ورخاء. لله درك من أمير كريم أكرم شعبه وأوفى بوعده. وقد أديت الأمانة وأوفيت بكل ما قلت يا بطل الأمة.
سطرت لنا أقوال سموك واقعا، وشملت تغيرات وتطورات ورفعة للوطن والمواطن، والتنمية والتعليم والشورى والديمقراطية، حتى الأمة الإسلامية حملت همها. لله درك يا بطل هذه الأمة، لم يقدر الحكام على مجاراتك يا أميرنا
"لم أسع لهذا المنصب حبا فيه، فهو مسؤولية وأمانة ثقيلة، أسأل الله أن يعينني." قلتها عند استلامك للسلطة في 1995م وصدقت بها، وقد كفيت ووفيت بحمل الأمانة، فرفعت من شأن بلادنا عاليا، وعززت مواطنيك أعزك الله ورفع قدرك بالآخرة، وها هو يتجلى صدق سموك الكريم بتسليم مقاليد الحكم لولي عهدك غير آبه إلا بمصلحة البلد والمواطن، وقد تحملت عناء المسؤولية وصبرت عليها، وأخلصت فيها وأديت الأمانة على أكمل وجه. وجئت لتعيد ماقلته: "والله يعلم أني ما أردت السلطة غاية في حد ذاتها ولا سعيت لها من دوافع شخصية، بل هي مصلحة الوطن أملت علينا أن نعبر إلى مرحلة جديدة" لله درك من أمير لم يأت من هو مثلك بعد.
قلت: "إن المواطن القطري يحتل مكان الصدارة فيما يتعلق بأهداف وغايات خطتنا الشاملة" لذا جعلتنا من أولوياتكم ورفعت من قدرنا وعرفت شعوب العالم بقطر ومواطنيها، وجعلت لنا مكانة رفيعة الكل يحسدنا عليها، سلمت يا حمدنا.
"إنني أعاهدكم على أن أبذل كل ما أستطيع من جهد لرفعة هذا الوطن وتقدمه ورفاهة مواطنية" كفيت ووفيت بكل ما عاهدتنا.
"إن وضع القواعد الصلبة لاقتصاد وطني قوي سيحقق لمواطنينا ما ننشده من مستوى معيشي مرتفع للحاضر والمستقبل" سلمت يا أميرنا. "إن التنمية الشاملة هي هدفنا الأساسي لتحقيق التقدم لبلادنا والرخاء لشعبنا"
"إن دولة قطر تتجه نحو دعم الاقتصاد وتنويعه والارتقاء بمستوى الخدمات الاجتماعيه".
"إن دولة قطر عازمة على تطوير النظام التعليمي والسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والنظام الدستوري".
"إن ما ننشده لبلادنا من تقدم ورفعة مرهون بقدراتنا"، وقد حققت الكثير لبلادنا، لم يحب حاكم الخير لشعبه كما أحببته لنا، أتعبت حكام العرب يا والدنا.
"إن الفكر والابداع لا يزدهر الا في ظل مناخ يكفل حرية التعبير ولا يضع قيوداً على الفكر" صدقت سموك فيما قلت ولتحقيق ذلك فقد ألغيت وزارة الإعلام في خطوة غير مسبوقة بالعالم العربي، وحررت الصحافة، وأوجدت قناة الجزيرة التي تحولت لمتنفس لجميع الشعوب العربية.
*"إن تصميمنا على تطوير روح المشاركة الشعبية في صنع وتحمل المسؤولية هو تصميم ثابت لا تراجع عنه" بهكذا أحييت الحماس في قلوبنا يا أميرنا.
*"إننا نعمل لتحقيق انطلاقة تشريعية تحرر العمل الحكومي والنشاط الخاص من كل المعوقات" سلمت يا أميرنا.
حققت ما قلته يا أميرنا، فشعبك في رخاء ولله الحمد، ووطنك في ازدهار وارتقاء بفضل حنكة سموك وإخلاصك وحبك لوطنك ومواطنيك، وزينت هذا كله بالأمن والأمان، سلمت يا بطل أمتنا العربية.
حملت همنا ولم تنس الأمة العربية والإسلامية بهمومها ومصائبها، بل شملت يدك الكريمة شعوب العالم البائس، دافعت وناصرت الضعفاء في كل مكان، ساعدت الشعوب المنكوبة، أحللت السلام بين الشعوب، وكنت واسطة الخير والمحبة والسلام، سلمت يا شيخنا، تفوقت على حكام العرب وحصدت حب شعبك وحب الشعوب العربية.
وها نحن نأتي مع سموك لنهاية الختام، وقلوبنا حزينة على فراقك، وسعيدة بأنك راض به، وقد تركت لنا شبلا ربته يداك على الدين والتقوى ثم حب الوطن والمواطنين، فمرحبا بمن أحببت لنا، واخترته لنا ليكمل مشواركم الطيب، ونحن على نفس العهد والولاء.
همسة لقلب سموك
لتعلم حفظك الله ان إخلاصك لوطنك ومواطنيك، وإفراحك لهم وتيسير أمورهم، والرفاهية التي نعيشها، والازدهار الذي يشهده بلدنا، وغلاف الأمن والأمان الذي نحاط به، قد جعل لك حبا دفينا في قلوبنا، ووفاء لا حدود له، ولا نملك إلا الدعاء لك بالخير بالدنيا والآخرة ولن ينقطع بإذن الله، ثق يا أميرنا أننا على عهدك نسير، وعلى رؤيتك نمضي حبا لله ثم الوطن ثم الأمير، ولأميرنا الجديد الولاء والسمع والطاعة.
دمتم في حفظ الله ورعايته.
خطاب سمو الأمير.. دعم أسس الدولة الحديثة
في خطابه السنوي أمام مجلس الشورى استهل حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد... اقرأ المزيد
198
| 22 أكتوبر 2025
حين تضعف منظومة الحكم الرشيد
لم يعد مشهد الاحتجاجات والحراك الشبابي مفاجئًا لنا وللمراقبين في عالمٍ يتغير بسرعة مذهلة، وحيث تتقاطع الأزمات الاقتصادية... اقرأ المزيد
276
| 22 أكتوبر 2025
خطاب سمو الأمير.. رؤية واضحة ومسار وطني راسخ
جاء خطاب حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، في افتتاح دور الانعقاد... اقرأ المزيد
114
| 22 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية



مساحة إعلانية
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين لم يتقنوا الجلوس في أماكنهم. كم من مقعدٍ امتلأ جسدًا، وظلّ فارغًا فكرًا، وإحساسًا، وموقفًا. الكرسي لا يمنح الهيبة، بل من يجلس عليه هو من يمنح المكان معناه. المدرب… حين يغيب التأثير: المدرب الذي لا يملأ مقعده، هو من يكرّر المعلومات دون أن يُحدث تحولًا في العقول. يشرح بجمود، ويتحدث بثقة زائفة، ثم يغادر دون أن يترك بصمة. الحل أن يفهم أن التدريب رسالة لا مهنة، وأن حضوره يقاس بتغيير الفكر والسلوك بعده. وعندما يغيب هذا الإدراك، يتحول التدريب إلى ترفٍ ممل، ويفقد المجتمع طاقاته الواعدة التي تحتاج إلى من يشعل فيها شرارة الوعي. المدير… حين يغيب القرار: المدير الذي لا يملأ كرسيه، يهرب من المسؤولية بحجة المشورة، ويُغرق فريقه في اجتماعات لا تنتهي. الحل: أن يدرك أن القرار جزء من القيادة، وأن التردد يقتل الكفاءة. وعندما يغيب المدير الفاعل، تُصاب المؤسسة بالجمود، وتتحول بيئة العمل إلى طابور انتظار طويل بلا توجيه. القائد… حين يغيب الإلهام: القائد الذي لا يملك رؤية، لا يملك أتباعًا بل موظفين. الحل: أن يزرع في فريقه الإيمان لا الخوف، وأن يرى في كل فرد طاقة لا أداة. غياب القائد الملهم يعني غياب الاتجاه، فتضيع الجهود، ويضعف الولاء المؤسسي، ويختفي الشغف الذي يصنع التميز. المعلم… حين يغيب الوعي برسالته: المعلم الذي يجلس على كرسيه ليؤدي واجبًا، لا ليصنع إنسانًا، يفرغ التعليم من رسالته. الحل: أن يدرك أنه يربّي أجيالًا لا يلقّن دروسًا. وحين يغيب وعيه، يتخرّج طلاب يعرفون الحروف ويجهلون المعنى، فيُصاب المجتمع بسطحية الفكر وضعف الانتماء. الإعلامي… حين يغيب الضمير: الإعلامي الذي لا يملأ كرسيه بالمصداقية، يصبح أداة تضليل لا منبر وعي. الحل: أن يضع الحقيقة فوق المصلحة، وأن يدرك أن الكلمة مسؤولية. وعندما يغيب ضميره، يضيع وعي الجمهور، ويتحول الإعلام إلى سوقٍ للضجيج بدل أن يكون منارة للحق. الطبيب… حين يغيب الإحساس بالإنسان: الطبيب الذي يرى في المريض رقمًا لا روحًا، ملأ كرسيه علمًا وفرّغه إنسانية. الحل: أن يتذكر أن الطب ليس مهنة إنقاذ فقط، بل مهنة رحمة. وحين يغيب هذا البعد الإنساني، يفقد المريض الثقة، ويصبح الألم مضاعفًا، جسديًا ونفسيًا معًا. الحاكم أو القاضي… حين يغيب العدل: الحاكم أو القاضي الذي يغفل ضميره، يملأ الكرسي رهبة لا هيبة. الحل: أن يُحيي في قراراته ميزان العدالة قبل أي شيء. فحين يغيب العدل، ينهار الولاء الوطني، ويُصاب المجتمع بتآكل الثقة في مؤسساته. الزوج والزوجة… حين يغيب الوعي بالعلاقة: العلاقة التي تخلو من الإدراك والمسؤولية، هي كرسيان متقابلان لا روح بينهما. الحل: أن يفهما أن الزواج ليس عقداً اجتماعياً فحسب، بل رسالة إنسانية تبني مجتمعاً متماسكاً. وحين يغيب الوعي، يتفكك البيت، وينتج جيل لا يعرف معنى التوازن ولا الاحترام. خاتمة الكرسي ليس شرفًا، بل تكليف. وليس مكانًا يُحتل، بل مساحة تُملأ بالحكمة والإخلاص. فالمجتمعات لا تنهض بالكراسي الممتلئة بالأجساد، بل بالعقول والقلوب التي تعرف وزنها حين تجلس… وتعرف متى تنهض.
4803
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل في ترتيبِ الأولويات؛ لأن المفارقةَ تجرحُ الكرامةَ وتؤلمُ الروحَ أكثرَ من الموت. ففي الوقتِ الذي كانتْ فيهِ الأمهاتُ يبحثنَ بينَ الركامِ عن فلذاتِ أكبادِهِنَّ أو ما تبقّى منهُم، كانتْ إسرائيلُ تُحصي جثثَها وتُفاوِضُ العالمَ لتُعيدَها قبلَ أن تسمحَ بعبورِ شاحنةِ دواءٍ أو كيسِ طحينٍ. وكأنَّ جُثثَ جنودِها تَستحقُّ الضوء، بينما أَجسادُ الفلسطينيينَ تُدفنُ في العتمةِ بلا اسمٍ ولا وداعٍ ولا حتى قُبلةٍ أَخيرةٍ. فكانتِ المفاوضاتُ تُدارُ على طاولةٍ باردةٍ، فيها جُثثٌ وجوعٌ وصُراخٌ ودُموعٌ، موتٌ هنا وانتظارٌ هناك. لم يكنِ الحديثُ عن هدنةٍ أو دواءٍ، بل عن أشلاءٍ يُريدونَها أولًا، قبلَ أن تَعبُرَ شُحنةُ حياةٍ. أيُّ منطقٍ هذا الذي يجعلُ الجُثّةَ أَكثرَ استحقاقًا من الجائعِ، والنّعشَ أسبقَ من الرّغيف؟ أيُّ منطقٍ ذاك الذي يُقلِبُ موازينَ الرحمةِ حتى يُصبحَ الموتُ امتيازًا والحياةُ جريمةً؟ لقد غدتِ المساعداتُ تُوزَّعُ وفق جدولٍ زمنيٍّ للموتى، لا لاحتياجاتِ الأحياء، صارَ من يُدفنُ أَسرعَ ممن يُنقذُ، وصارتِ الشواهدُ تُرفَعُ قبلَ الأرغفةِ. في غزّةَ لم يَعُدِ الناسُ يَسألونَ متى تَصلُ المساعداتُ، بل متى تُرفَعُ القيودُ عن الهواء. فحتى التنفّسُ صارَ ترفًا يَحتاجُ تصريحًا. في كلِّ زُقاقٍ هناكَ انتظارٌ، وفي كلِّ انتظارٍ صبرُ جبلٍ، وفي كلِّ صبرٍ جُرحٌ لا يندملُ. لكنَّ رغمَ كلّ ذلك ما زالتِ المدينةُ تَلِدُ الحياةَ من قلبِ موتِها. هُم يَدفنونَ موتاهم في صناديقِ الخشبِ، ونحنُ نَدفنُ أحزانَنا في صدورِنا فتُزهِرُ أملًا يُولَدُ. هُم يَبكونَ جُنديًّا واحدًا، ونحنُ نَحمِلُ آلافَ الوُجوهِ في دَمعَةٍ تُسقي الأرضَ لتَلِدَ لنا أَحفادَ من استُشهِدوا. في غزّةَ لم يكنِ الوقتُ يَتَّسِعُ للبُكاءِ، كانوا يَلتقطونَ ما تَبقّى من الهواءِ لِيَصنَعوا منه بروحِ العزِّ والإباء. كانوا يَرونَ العالمَ يُفاوِضُ على موتاهُ، ولا أَحدَ يَذكُرُهم بكلمةٍ أو مُواساةٍ، بينما هُم يُحيونَ موتاهُم بذاكرةٍ لا تَموتُ، ومع ذلك لم يَصرُخوا، لم يَتوسَّلوا، لم يَرفَعوا رايةَ ضعفٍ، ولم يَنتظروا تلكَ الطاولةَ أن تَتكلَّمَ لهم وعَنهُم، بل رَفَعوا وُجوهَهم إلى السماء يقولون: إن لم يكن بك علينا غضبٌ فلا نُبالي. كانتِ إسرائيلُ تَحصُي خَسائِرَها في عَدَدِ الجُثَث، وغزّة تَحصُي مَكاسِبَها في عَدَدِ مَن بَقوا يَتَنفَّسون. كانت تُفاخر بأنها لا تَترُكُ قَتلاها، بينما تَترُكُ حياةَ أُمّةٍ بأَكملها تَختَنِقُ خلفَ المَعابِر. أيُّ حضارةٍ تلكَ التي تُقيمُ الطقوسَ لِموتاها، وتَمنَعُ الماءَ عن طفلٍ عطشان؟ أيُّ دولةٍ تلكَ التي تُبجِّلُ جُثَثَها وتَتركُ الإنسانيّةَ تحتَ الرُّكام؟ لقد كانتِ المفاوضاتُ صورةً مُكثَّفةً للعالمِ كُلِّه؛ عالمٍ يَقِفُ عندَ الحدودِ يَنتظر “اتِّفاقًا على الجُثَث”، بينما يَموتُ الناسُ بلا إِذنِ عُبورٍ. لقد كشفوا عن وجوهِهم حينَ آمَنوا أن عودةَ جُثّةٍ مَيتةٍ أَهمُّ من إِنقاذِ أرواحٍ تَسرِقُ الأَنفاس. لكن غزّة كالعادة كانتِ الاستثناءَ في كلِّ شيءٍ وصَدمةً للأعداءِ قبل غيرِهم، وهذا حديثهم ورأيهم. غزّة لم تَنتظر أَحدًا ليُواسيَها، ولم تَسأَل أَحدًا ليَمنَحَها حَقَّها. حينَ اِنشَغَلَ الآخرونَ بعدَّ الجُثَث، كانت تُحصي خُطواتها نحو الحياة، أَعادت تَرتيبَ أَنقاضِها كأنها تَبني وطنًا جديدًا فوقَ عِظامِ مَن ماتوا وُقوفًا بشموخ، وأَعلَنَت أنَّ النَّبضَ لا يُقاس بعددِ القلوبِ التي توقَّفَت، بل بعددِ الذين ما زالوا يَزرَعونَ المستقبل، لأنَّ المستقبل لنا. وهكذا، حين يَكتُب التاريخُ سطره الأخير، لن يَقول من الذي سلّم الجُثَث، بل من الذي أَبقى على رُوحه حيّة. لن يَذكُر عددَ التوابيت، بل عددَ القلوب التي لم تَنكسِر. دولةُ الكيان الغاصب جَمَعَت موتاها، وغزّة جمَعَت نَفسها. هم دَفَنوا أَجسادَهم، وغزّة دَفَنَت بُذورَ زيتونِها الذي سَيُضيء سَنا بَرقه كل أُفق. هم احتَفلوا بالنِّهاية، وغزّة تَفتَح فَصلًا من جديد. في غزّة، لم يَكُنِ الناس يَطلُبون المعجزات، كانوا يُريدون فقط جُرعةَ دواءٍ لِطفلٍ يحتضر، أو كِسرةَ خُبزٍ لامرأةٍ عَجوز. لكن المعابِر بَقِيَت مُغلَقة لأن الأَموات من الجانب الآخر لم يُعادوا بعد. وكأنَّ الحياة هُنا مُعلَّقة على جُثّة هناك. لم يَكُن العالم يسمع صُراخَ الأَحياء، بل كان يُصغي إلى صَمتِ القُبور التي تُرضي إسرائيل أكثر مما تُرضي الإنسانية.
3561
| 21 أكتوبر 2025
المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء. فالتعليم يمنح الإطار، بينما التدريب يملأ هذا الإطار بالحياة والفاعلية. في الجامعات تحديدًا، ما زال كثير من الطلاب يتخرجون وهم يحملون شهادات مليئة بالمعرفة النظرية، لكنهم يفتقدون إلى الأدوات التي تمكنهم من دخول سوق العمل بثقة. هنا تكمن الفجوة بين التعليم والتدريب. فبدلاً من أن يُترك الخريج يبحث عن برامج تدريبية بعد التخرج، من الأجدى أن يُغذّى التعليم الجامعي بجرعات تدريبية ممنهجة، وأن يُطرح مسار فرعي بعنوان «إعداد المدرب» ليخرّج طلابًا قادرين على التعلم وتدريب الآخرين معًا. تجارب ناجحة: - ألمانيا: اعتمدت نظام التعليم المزدوج، حيث يقضي الطالب جزءًا من وقته في الجامعة وجزءًا آخر في بيئة العمل والنتيجة سوق عمل كفؤ، ونسب بطالة في أدنى مستوياتها. - كوريا الجنوبية: فرضت التدريب الإلزامي المرتبط بالصناعة، فصار الخريج ملمًا بالنظرية والتطبيق معًا، وكانت النتيجة نهضة صناعية وتقنية عالمية. -كندا: طورت نموذج التعليم التعاوني (Co-op) الذي يدمج الطالب في بيئة العمل خلال سنوات دراسته. هذا أسهم في تخريج طلاب أصحاب خبرة عملية، ووفّر على الدولة تكاليف إعادة التأهيل بعد التخرج. انعكاسات التعليم بلا تدريب: 1. اقتصاديًا: غياب التدريب يزيد الإنفاق الحكومي على إعادة التأهيل. أما إدماج التدريب، فيسرّع اندماج الخريج في السوق ويضاعف الإنتاجية. 2. مهنيًا: الطالب المتدرب يتخرج بخبرة عملية وشبكة علاقات مهنية، ما يمنحه ثقة أكبر وفرصًا أوسع. 3. اجتماعيًا: حين يتقن الشباب المهارات العملية، تقل مستويات الإحباط، ويتحولون من باحثين عن وظيفة إلى صانعين للفرص. حلول عملية مقترحة لقطر: 1. دمج التدريب ضمن المناهج الجامعية: أن تُخصص كل جامعة قطرية 30% من الساعات الدراسية لتطبيقات عملية ميدانية بالتعاون مع المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص واعتماد التدريب كمتطلب تخرج إلزامي لا يقل عن 200 ساعة. 2. إنشاء مجلس وطني للتكامل بين التعليم والتدريب: يضم وزارتي التعليم والعمل وممثلي الجامعات والقطاع الخاص، ليضع سياسات تربط بين الاحتياج الفعلي في السوق ومخرجات التعليم. 3. تفعيل مراكز تدريب جامعية داخلية: تُدار بالشراكة مع مراكز تدريب وطنية، لتوفير بيئات تدريبية تحاكي الواقع العملي. 4. تحفيز القطاع الخاص على التدريب الميداني. منح حوافز ضريبية أو أولوية في المناقصات للشركات التي توفر فرص تدريب جامعي مستدامة. الخلاصة التعليم بلا تدريب يظل معرفة ناقصة، عاجزة عن حمل الأجيال نحو المستقبل. إنّ إدماج التدريب في التعليم الجامعي، وإيجاد تخصصات فرعية في إعداد المدربين، سيضاعف قيمة التعليم ويحوّله إلى أداة لإطلاق الطاقات لا لتخزين المعلومات. فحين يتحول كل متعلم إلى مُمارس، وكل خريج إلى مدرب، سنشهد تحولًا حقيقيًا في جودة رأس المال البشري في قطر، بما يواكب رؤيتها الوطنية ويقودها نحو تنمية مستدامة.
2871
| 16 أكتوبر 2025