رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

سعدية مفرح

كاتبة كويتية

مساحة إعلانية

مقالات

861

سعدية مفرح

هدنة بطعم الانتصار

27 نوفمبر 2023 , 02:00ص

أخيرا.. فرح مؤقت وصغير في سياق الآلام التي تعيشها غزة. وغزة التي تعرف كيف تعيش الحزن تعرف أيضا كيف تعيش الفرح ولو لأيام معدودات، لكنها كافية جدا على الأقل لإعلان أنها ما زالت على قيد الحياة من دون التخلي عن مبدأ أو الانهزام أمام القوة الغاشمة بسمتها الصهيوني.

صحيح أن الحرب ما زالت تنوخ بظلالها على الحياة في القطاع كله، وأن شبح الموت يحيط بكل الأمكنة أشلاء ودماء، وأن الفقد أصبح هو العنوان الكبير في حياة الفلسطينيين مجددا، إلا أن الفرح الصغير صار كبيرا ما دام الفلسطيني قادرا كعادته على الانبثاق من بين رماد الواقع الأسود ليصنع واقعه الجديد انتصارا حقيقيا على الاحتلال بكل أشكاله.

احتاج الأمر تسعة وأربعين يوما قبل أن تكون الهدنة بين المقاومة الفلسطينية وقوات الكيان الصهيوني حقيقة. لقد نجحت أخيرا جهود الوسطاء الشاقة والمستمرة، في حصد ثمار صمود المقاومة الباسلة وصبر الشعب الفلسطيني في غزة ليرضخ الصهاينة أخيرا ويوافقوا على هدنة لمدة أربعة أيام فقط.

من المفترض ان موعد نشر هذا المقال سيكون هو اليوم الأخير من أيام الهدنة التي شهدنا في ساعاتها الأولى عودة مجموعة كبيرة من الأسرى الفلسطينيين بمقابل الإفراج عن عدد أقل من الأسرى الصهاينة لدى المقاومة الفلسطينية، ما أشعر العالم كله بانفراجة حقيقية منتظرة منذ يوم السابع من أكتوبر الماضي. صحيح أنها هدنة قصيرة جدا بقياساتنا العادية ولكنها قابلة للتمديد، وهي تبدو كافية لأن يستعيد أهل غزة أنفاسهم بعد أن عاشوا تحت وطأة القصف المستمر ليلا ونهارا طوال تسعة وأربعين يوما، كما أنها توكيد كان لا بد منه لإعلان قوة المقاومة الجبارة، والتي احتملت حربا غير متكافئة في العدة والعتاد والعدد والتكوين لصالح الصهاينة، بشكل غير مسبوق على هذا النحو في تاريخ المواجهات العربية الصهيونية منذ الاحتلال في عام 1948 وحتى الآن.

وهذا يعني أن الحكومة «الإسرائيلية» التي رفضت في البداية وبإصرار كبير أي حديث عن هدنة محتملة أو فكرة لتبادل الأسرى، رضخت أخيرا للأمر الذي فرضته قوة المقاومة ونفسها الطويل.

لقد يئس الصهاينة من الوصول الى أسراهم عبر القصف المستمر ومحاولة التهجير وهدم البيوت والمنشآت العامة والخاصة والمدارس والمساجد بل وحتى اقتحام المستشفيات وارتكاب المجازر فيها، فكان لا بد لهم من الاعتراف بأنهم غير قادرين على تتمة الأمر كما كانوا يحلمون ويخططون. وأن أسراهم سيعودون لهم فقط إذا قررت المقاومة ذلك بعد عودة ما يقرب من ثلاثة أضعافهم من الأسرى الفلسطينيين من الرجال والنساء والأطفال في السجون والمعتقلات الإسرائيلية. كما أن شروط دخول الشاحنات المحملة بأطنان من المساعدات والتي كانت في محطة الانتظار المصرية عبر بوابة رفح الى القطاع شرط آخر لم يكن يتحقق بهذه السرعة، ووفقا لاحتياجات أهل غزة لولا صمودهم ومقاومتهم وصبرهم. ولذلك فهذه الهدنة هي جائزتهم الصغيرة المستحقة على ما كابدوا طوال ما يقرب من خمسين يوما، وفرصتهم للأخذ بالأسباب على سبيل مواصلة الحياة والمقاومة والبقاء في أراضيهم، بدلا مما كان يخطط لهم من تهجير قسري الى بلدان أخرى.

على أن هذا ليس كل ما تحقق للمقاومة في هدنة الأيام الأربعة وحسب، فقد فرضت نفسها كقوة حقيقية لا يمكن تجاوزها في أي مفاضات تخص مستقبل هذا القطاع كما كان يظن الصهاينة وحلفاؤهم في بداية الحرب عندما كان الحديث يدور، بغرور، عن مستقبل غزة بعد القضاء على المقاومة.

أما وقد تحققت الهدنة بمفاوضات مباشرة مع المقاومة نفسها وبشروطها وبتوقيتها أيضا، فهو دليل جديد على أن هناك ما هو أكبر من هذه الهدنة قد تحقق بفضل الصمود والتصدي، وأن ثمار السابع من أكتوبر لم تحصدها المقاومة ولا الشعب الفلسطيني بعد، فهي نصر حقيقي أعلن عنه لتبدأ مرحلة جديدة بعده من دون إحصاء مكاسبه على الأرض حتى الآن!.

مساحة إعلانية