رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

سعدية مفرح

كاتبة كويتية

مساحة إعلانية

مقالات

609

سعدية مفرح

جمهور التفاهة!

20 أكتوبر 2025 , 03:25ص

لم نكن لنتخيل أن الغباء له هذا الحضور الطاغي بيننا، وأن التفاهة تملك هذا العدد الهائل من الأنصار. كنا نظنها حالات فردية تمرّ في الهامش، لا أثر لها سوى بعض الضحك العابر، حتى جاءت وسائل التواصل الاجتماعي وكشفت ما كنا نغضّ الطرف عنه طويلاً. أخرجت الناس من صمتهم، لكنها في الوقت نفسه أخرجت أسوأ ما فيهم.

فجأة صار السخف مادة يومية، وصار الصوت الأعلى هو الذي يربح دائمًا، لا لأنه أذكى أو أصدق، بل لأنه أكثر ضجيجًا. لم تعد هناك حاجة للفكر أو المعرفة أو حتى الذوق، بل يكفي أن تثير ضجة صغيرة كي تتحول إلى “مؤثر”، ويكفي أن تقلد غيرك أو تسخر من شيء ما لتصبح “ترندًا”. تلك المنصات التي وُعدنا بأنها ستمنح الجميع فرصة التعبير، تحولت إلى مسرح كبير للعبث، يصفق فيه الجمهور لكل ما يثير الغرائز أو يقتل الوقت.

لكن المشكلة ليست في التقنية نفسها، بل فينا نحن. في جوعنا للانتباه، وفي رغبتنا أن نُرى مهما كان الثمن. كل شخص يحمل هاتفًا صار يظن أنه يملك جمهورًا ينتظره، وأن من حقه أن يملأ الفضاء بالكلام. ومع الوقت، تلاشت الحدود بين ما يستحق أن يُقال وما يجب أن يُترك في الصمت. صارت التفاهة أسلوب حياة، وصار الغباء خيارًا يُمارَس بوعي!.

من يتأمل هذا المشهد لا يمكنه إلا أن يشعر بالأسى. لأن هذا الطوفان من اللاجدوى ليس مجرد تسلية، بل هو إضعاف حقيقي للوعي العام. حين يتعوّد الناس على المحتوى الفارغ، يصعب عليهم تذوّق أي شيء آخر. وحين يصبح المعيار الوحيد هو عدد المتابعين، تضيع القيمة، ويصبح كل شيء قابلًا للاستبدال، حتى العقل نفسه.

تلك المنصات التي بدأت كمساحة للتواصل، تحولت إلى ساحة منافسة محمومة على الظهور. لم يعد المحتوى يعني شيئًا، بل المهم أن تكون حاضرًا، مهما كان ثمن الحضور. نرى أشخاصًا يبنون شهرتهم على الإساءة، أو على تقليد الآخرين، أو على عرض تفاصيل لا تخص أحدًا، ثم يتعاملون مع كل ذلك كأنه إنجاز. ومع الوقت، يصبح المشهد مألوفًا إلى حد الخطر، حتى لم نعد نستغربه.

ورغم كل ذلك، لا بد من الاعتراف بأن وسائل التواصل لم تخلق هذه الحالة من العدم، بل كشفتها فقط. كانت موجودة منذ زمن، لكنها لم تكن تملك منبرًا بهذا الاتساع. ما نراه اليوم هو انعكاس لما كنا نرفض الاعتراف به: أن الثقافة العامة تعاني هشاشة حقيقية، وأننا تركنا الذوق الجمعي يتراجع حتى صارت الرداءة عادية، بل ومحبوبة أحيانًا.

ربما نحتاج إلى شجاعة مضاعفة لنقول إن المشكلة ليست فيهم فقط، بل فينا أيضًا. في صمتنا الطويل، وفي تهاوننا مع القبح حين كان صغيرًا. كل مرة سكتنا فيها عن السخف، ساهمنا في تضخيمه. وكل إعجاب نضغطه بلا تفكير، يمنح الغباء عمرًا أطول.

ومع ذلك، لا ينبغي أن نفقد الأمل. فكما أن هذه المنصات جعلت التفاهة مرئية، فقد منحت الوعي أيضًا فرصة لأن يُسمع. الفرق أن الوعي لا يصرخ، ولا يستعجل النتيجة، ولا يبحث عن تصفيق. الوعي يزرع، حتى في أرض صلبة. هناك دائمًا من يبحث عن المعنى وسط هذا الضجيج، ومن يقدّر الكلمة الصادقة حين يجدها.

نعم، لولا وسائل التواصل الاجتماعي لما صدقنا أن جمهور التفاهة بهذا الحجم وهذه القوة وهذا الإصرار على ممارسة الغباء. لكنها في الوقت نفسه منحتنا فرصة نادرة لنرى حجم ما ينتظرنا من عمل طويل وشاق لاستعادة الذوق والعقل والاتزان. لا سبيل لذلك إلا أن نتوقف عن المشاركة في الكرنفال اليومي للسطحية، وأن نحمي أنفسنا من أن نصبح جزءًا من هذا الجمهور الذي يصفق لما يطفو، لا لما يستحق أن يبقى.

اقرأ المزيد

alsharq خطاب سمو الأمير.. رؤية واضحة ومسار وطني راسخ

جاء خطاب حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، في افتتاح دور الانعقاد... اقرأ المزيد

42

| 22 أكتوبر 2025

alsharq الجعفراوي.. شهادة سبقت الرحى

في آخر مشاهد حياته، ظهر صحفي الجزيرة صالح الجعفراوي في مقطع مصور تداولته وسائل التواصل الاجتماعي، ممددا على... اقرأ المزيد

21

| 22 أكتوبر 2025

alsharq الخطاب السامي.. ملامح الطريق لوطن قوي متماسك

قدّم حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، في خطابه أمام دورة الانعقاد... اقرأ المزيد

36

| 22 أكتوبر 2025

مساحة إعلانية