رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
بالرغم من انهماكه وانشغاله ليل نهار وهو هلوع متوتر قلق لم تفته فكرة أن ينفذ من بين كل هذا الزحام ليخصص وقتاً يلتقي فيه مع من يسميهم وهم يتشرفون بذلك رجال الدين على مائدة الإفطار في العشر الأواخر من هذا الشهر الفضيل المعظم، ولعلها فكرة لفت نظره إليها أحد مستشاريه الدينيين الذين يجعلون منه حامي حمى الإسلام كالمفتي أو بعض الدكاترة المنافقين، لذا اتخذها بشار الأسد القاتل السفاح فرصة كي يجلس مع هؤلاء الإمعات الخاوين من أي ضمير حي أو إحساس بالمصائب المدلهمة التي حلت وتحل بساح الشام الحبيب وتقتل فيها العظمة والعظماء ويسيل الدم أنهاراً من إخوة الإيمان والعقيدة والوطن والدين والإنسانية يجعل رئيسهم رئيس الحزب والعصابة وليس الوطن سوريا ليلقي فيهم كلمة بحفل الإفطار الذي أقامه في القاعة الدمشقية تكريماً لهؤلاء، وكأنه الرجل المقدر والمحترم لأرباب الشعائر الدينية والذي يبدو أنه على تواصل دائم معهم للتشاور من أجل مصلحة البلد الذي هشمه وحطم كل معنى نفيس فيه، في الحقيقة مهما تبجح وادعى وقال في خطاباته وكلماته، إن أهم ما يلفت النظر في هذه الكلمة أنه قال: إن الأزمة في سوريا سببها أخلاقي، وهكذا رمتني بدائها وانسلت هل يجوز لمن فقد الإنسانية تماماً وقمع شعبه بمنتهى الوحشية والبربرية والهمجية قتلاً وجرحاً وتعذيباً واعتقالاً واختطافاً واغتصاباً وتهجيراً لم يستثن فيه رجلاً ولا شيخاً ولا عجوزاً ولا امرأة ولا طفلاً، وسلط كلابه المسعورة تنهب ممتلكات المواطنين في المدن والقرى والأرياف وتحرق ما لم تستطع سرقته وينزل الجيش والأمن والشبيحة بقضهم وقضيضهم لتنفيذ كل هذه الجرائم، هل يحق لمثله إن كان رجلاً أن يتحدث عن الأخلاق، ثم لا تنس أن التصعيد الأخير في كل هذه الجرائم إنما جاء ليصبه موتاً شديداً أو بلا أدنى رحمة من جنوده البواسل في شهر الرحمة والرفق واللين والتسامح، بل وفي ليلة القدر بالذات إذ عكر بهاءها ونورها وأفسد اعتكاف المعتكفين العابدين البكائين من خشية الله بالدم والضرب والإهانة وانتهاك حرمات المساجد كمسجد الشيخ العالم الرباني أسامة الرفاعي نجل العلامة المربي الكبير الشيخ عبدالكريم الرفاعي رحمه الله، حيث تم الهجوم على الإخوة المصلين المسالمين ووصل الاعتداء على الشيخ أسامة فجرح ولولا أن حماه الله والتف حوله تلامذته لتمكن الشبيحة الذين يأتمرون بأوامر الكبار من الرئيس فمن تحته أن يقتلوه إذ كان هذا هو الهدف والصيد الثمين المطلوب، ولماذا يا ترى، الكل يعرف لأن فضيلة الشيخ خطب خطبة وزعت على الإنترنت يدافع فيها عن الدين، بل عن الله تعالى إذ يرد على من يهتف من المؤيدين بالقول لا إله إلا بشار الأسد، هذه العبارة وعبارة ربهم بشار ولا إله إلا ماهر الأسد، بل كتبوا هذا على الجدران في عدد من المدن ومنها حماه لما انسحبوا منها انسحاباً تكتيكياً أمام الإعلام والسفير التركي وغيره، ثم تبين للجميع أنهم وضعوا الدبابات والمدرعات والأسلحة الثقيلة على الأطراف بهدف التهديد للتدخل بكل سرعة لقمع الاحتجاجات ولذبح الشعب واعتقاله وتعذيبه وتهجيره، بل وكتبوا رب العرب بشار بل ثبت بما لا يقبل الشك أن أزلام بشار في السجون يجبرون المعتقلين على أن يرددوا لا إله إلا بشار ويرفض الكل إلا النادرون خوفاً ولو سيموا أشد العذاب – وأيم الله إنه كفر بواح مضاف إلى ظلم لا شبهة فيه، وقد نقل خاتمة المحققين في المذهب الحنفي العلامة ابن عابدين في حاشيته رد المحتار في كتاب البغاة المجلد الثالث أنه إذا خرج جماعة على الإمام لظلم نزل بهم لا شبهة فيه وجب على الناس معاونتهم، هذا في حال الظلم فكيف في حال الكفر البواح، لكن قد يقول قائل إن بشار في مجلسه مع العلماء على مائدة الإفطار قال إن السجود على صورته غير مقبول وكذلك قول من قال: لا إله إلا بشار فلماذا تجرمونه، والجواب، إن الذي قاله مخاطباً صحون العلم كما قال الغزالي لا العلماء فالعالم ما لم يكن عاملاً بعلمه فلا يعتبر عالماً أي ربانياً وإنما هو قد يوصف بهذا الوصف مجازاً لا حقيقة ولذلك لم يناقشه منهم أحد بذلك والجدير بالذكر أنه لو كان مستنكراً حقاً على هؤلاء وهو رئيس كما يزعمون ويدعون محبته فلماذا لا يأمرهم ويصدر قراراً بذلك أن هذا الكلام خط أحمر لأن له مساساً بعقيدة الأمة ويظهر من امتناعهم بعد ذلك أنهم سمعوا وأنه أمر، فإذا لم يحصل هذا ولم تحصل أي متابعة لمحاسبة هؤلاء وإنزال أشد العقاب الشرعي والقانوني بهم فما الفائدة من كلام بشار أمام المحتفى بهم وعبر عدسة التليفزيون السوري ذي الإعلام المخادع وقد دلت الدلائل والقرائن على أن بشار وشلته قوالون لا فعالين فعلى من يضحكون، وإذ التزم من يسمون برجال الدين الصمت فلا يعتبر ذلك أمام الشعب حجة لأنهم ليسوا بقدوة مخلصة للناس.
ثم من ناحية أخرى ماذا أفطر هؤلاء العلماء هل أكلوا من لحم حمزة الخطيب أم هاجر أم تامر أم أكثر من 120 طفلاً وطفلة ذبحوا خلال الانتفاضة وهل شربوا من دم بعض أكثر من ثلاثة آلاف شهيد وكيف كانت قلوبهم وهي تعرف حقاً ولكنها تتناسى آلاف آلاف المعتقلين الذين وصل عددهم على إحصائيات تقريبية إلى أكثر من خمسين ألفاً، وأين مشاعرهم من الشهيدات الحرائر واعتقال واغتصاب من ظفر جنود الأسد بهن، كان المفروض على هؤلاء الذين يدعون العلم والقدوة ألا يقبلوا دعوة القاتل السفاك ولا يتعاطوا أبداً معه ولا مع زمرته إن كانوا يخشون يوماً تشخص فيه الأبصار وإن كانوا يحبون وطنهم حقاً وينحازون إلى الشعب لا إلى الحاكم الظالم وكم أحسن عبدالرحمن الكواكبي في كتابه طبائع الاستبداد عندما تحدث عن أمثالهم بقوله: وكم من عالم انحاز إلى السلطان الظالم فجر على الأمة ويلات جسيمة.
أما من الناحية الثالثة في ختام المطاف فأين شيخ الأزهر وأين المؤسسات الدينية العربية والإسلامية وهي ترى عبر الفضائيات كيف يجبر المعتقل بالتكلم بإلهية بشار؟ أين منظمة التعاون الإسلامي؟ لماذا كانت الثورة على من رسم الكاريكاتير هزءاً بالرسول أو تجاه القس الذي أراد حرق القرآن وما شابه ذلك ولماذا الصمت حتى في تطاول جنود بشار على الذات الإلهية؟ ألا تباً لمن سكت عن هذا من العلماء والله من ورائهم محيط.
Khaled_hindawi@hotmail.com
مكافحة الفساد مسؤولية عالمية
تعكس جائزة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الدولية للتميز في مكافحة الفساد والتي دخلت عامها العاشر، الأهمية... اقرأ المزيد
87
| 15 ديسمبر 2025
كأس العرب من منظور علم الاجتماع
يُعَدّ علم الاجتماع، بوصفه علمًا معنيًا بدراسة الحياة الاجتماعية، مجالًا تتفرّع عنه اختصاصات حديثة، من أبرزها سوسيولوجيا الرياضة،... اقرأ المزيد
93
| 15 ديسمبر 2025
في زحمة الصحراء!
يُخطئ كثيرون في الظنّ بأن الصحراء مجرد رمال وحصى وحرارة تُنهك الجلد وتخدع الروح، كأنها مكان مُفرغ من... اقرأ المزيد
132
| 15 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2325
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1227
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
798
| 10 ديسمبر 2025