رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة
الأمير يرسم خريطة واضحة المعالم لمعالجة قضايا العالم وأزمات المنطقة
خطاب الأمير شخَّص الواقع ومآلاته وجذور مشاكله وطرح حلولاً جذرية لقضاياه
الأمير الناقل الأمين لقضايا المنطقة والمعبِّر بصدق عن تطلعات الشعوب
بأي وجه يقابل المجتمع الدولي الطفل السوري الذي فقد كل شيء في هذه الحياة
بالعودة إلى الوراء قليلاً نجد أن منطقتنا لم تكن تعاني بالفعل من أزمات أو حروب أو صراعات بل هي نتاج سياسات غربية دعمت أنظمة مستبدة وزرعت كيانات أخرى بالمنطقة
رسم سمو الأمير المفدى في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة خريطة طريق واضحة المعالم لمعالجة حقيقية لقضايا العالم وملفات المنطقة المتفجرة منذ سنوات ، دون أن تجد لها حلولا جذرية، بل تتفاقم ؛ عاماً بعد آخر، بسبب غياب التوافق الدولي - كما أشار اليه سموه - الذي بات يشكل عقبة أمام إيجاد حلول للقضايا الهامة في أكثر من منطقة ، فكان أن أصبحت الشعوب هي الضحية لذلك الغياب ، وما الشعب السوري الشقيق الذي يكتوي بنيران أبشع نظام عرفه العصر الحديث إلا خير شاهد على ذلك.
لم يتحدث سمو الأمير عن تلك القضايا فقط ، ولم يجمّل الواقع المرير الذي تعيشه شعوب حُرِمت الحرية والكرامة، وعانت - ومازالت - من القمع والاستبداد ومصادرة الحريات .. ، بل شخَّص الواقع ومآلاته وأسبابه وجذور مشاكله .. ، وطرح حلولاً جذرية إذا ما أراد العالم بمنظماته الدولية معالجة تلك القضايا ، بعيداً عن الترقيع ، أو الملامسة السطحية لتلك القضايا.
ربما الصراع المحتدم اليوم تقع جغرافيته في الشرق الأوسط ، وتحديداً في عالمنا العربي ، ولكن بالعودة الى الوراء قليلا نجد أن منطقتنا لم تكن تعاني بالفعل من أزمات أو حروب أو صراعات ، بل هي نتاج سياسات غربية دعمت أنظمة مستبدة ، وزرعت كيانات أخرى بالمنطقة، فإسرائيل التي احتلت أرضاً ليست بأرضها ، وطردت شعباً ، هي اليوم تُمارس جرائم على أكثر من صعيد ، ليس فقط جرائم ضد الشعب الفلسطيني ، بل جرائم ضد الانسانية ، وتعتدي على مقدسات أمة بأكملها ، دون أن يلجمها قرار ، أو توقفها منظمة دولية ، فهي تُمارس كل الجرائم على مرأى ومسمع من العالم ، وما اعتداءاتها الأخيرة على المسجد الأقصى ومحاولات اقتحامه يومياً ، ومنع المصلين من الوصول اليه ، وطرد المرابطين والمرابطات ، ومنع مصاطب العلم ، ومحاولة تغيير معالم الأقصى والمدينة المقدسة .. القدس .. عبر الاستيطان ، الذي يمثل سرطاناً يسري في القدس ومدن فلسطين .. كل ذلك يمثل دليلاً واضحاً على تقاعس المجتمع الدولي عن القيام بواجباته ومسؤولياته تجاه ما يحدث للشعب الفلسطيني ، الذي يعاني احتلالاً وآخر استعمار في العصر الحديث.
وكما أكد سمو الأمير فانه لا طائل من البيانات في ظل غياب أفعال على الأرض تحقق العدالة والسلام للشعب الفلسطيني ، ولا يمكن إيجاد استقرار بالمنطقة طالما لم يتم إيجاد حل جذري للقضية الفلسطينية ، التي هي أم القضايا.
إن المجتمع الدولي يتنصل عن التزاماته تجاه الشعب الفلسطيني في أكثر من مجال ، وقد ذكّر سموه بالمؤتمر الذي دعت اليه النرويج بشأن إعمار غزة بعد العدوان الاسرائيلي في العام الماضي ، والذي أعلنت فيه قطر عن تبرعها بمليار دولار لإعادة إعمار غزة ، فيما دول أخرى أعلنت خلال المؤتمر عن تبرعات لكنها لم تف بذلك.
وكما حيا سمو الأمير المفدى مقاومة أهل غزة أمام العدوان الاسرائيلي في العام الماضي وعلى منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة ، فإنه اليوم يؤكد المضي قدماً في دعم إعادة إعمار غزة ، وهو التزام أخلاقي وإنساني وديني تجاه شعب محاصر منذ أكثر من ثمانية أعوام ، دون ان يفلح المجتمع الدولي ومنظماته المختلفة من رفع الحصار الجائر عن هذا الشعب ، وإلزام إسرائيل بتنفيذ المقررات الدولية ، ومنعها من الاعتداء على هذا الشعب ، الذي من حقه أن يتمتع بما تتمتع به شعوب العالم من حرية وكرامة بعيداً عن الاحتلال البغيض.
لقد أكد سمو الأمير حفظه الله أن استمرار القضية الفلسطينية دون حل دائم وعادل يعد وصمة عار في جبين الإنسانية.
وإذا كانت قضية فلسطين ومقدساتها تصدرت خطاب سمو الأمير المفدى حفظه الله ، فإن قضايا الشعوب العربية الأخرى كانت حاضرة وبقوة ، فلم يخيّب سموه تطلعات وآمال تلك الشعوب التي تعاني القمع والاستبداد ، فقد عرفت هذه الشعوب سموه أنه ناقل أمين لقضاياها في مختلف المنابر الإقليمية منها والدولية ، فكان لسان حالها ، والمعبّر عن تطلعاتها على الدوام ، والداعي إلى رفع الوصاية عنها ، كونها تمثل صمام أمان لتعزيز الأمن والاستقرار ، ولا استقرار يدوم دون أن تكون هناك تنمية وعدالة اجتماعية ، وهو ما تبحث عنه اليوم العديد من شعوب المنطقة ، التي بدلاً من أن تمنحها أنظمتها تنمية وعدالة اجتماعية وكرامة بشرية .. أصبحت تتلقى هذه الشعوب المغلوب على أمرها الصواريخ الموجهة ، والبراميل المتفجرة ، التى تمطرها ليل نهار.
لقد تحدث سمو الأمير المفدى حفظه الله عن الشعب السوري وما يلاقيه من قبل نظام متوحش ، يمارس القتل ضد شعبه في عامه الخامس ، دون أن يتحرك العالم لإنقاذ هذا الشعب وثورته اليتيمة ، التي تخلى عنها المجتمع الدولي ، بل وقف البعض من القوى الكبرى ودوّل إقليمية الى صف النظام ، ولم يكتفوا بإمداده بالسلاح والذخيرة ، بل وصل العالم الى إرسال الجيوش النظامية للقتال الى جانبه ، ليس لمواجهة عدو خارجي ، بل لقتل شعبه ، أي نظام هذا الذي يستعين بالأجانب لقتل شعبه ، وأي دول تلك التي تخلت عن إنسانيتها لترسل السلاح والجنود لقتل شعب أعزل ..! .
وكان سمو الأمير محقا عندما قال " عندما يعاني شعب من حرب إبادة وتهجير ، يكون أسوأ قرار هو عدم إتخاذ قرار ، والخطر الأدهى هو تجاهل الخطر " ، مضيفا سموه " إن تقاعس المجتمع الدولي عن إتخاذ القرارات والتدابير اللازمة لإنهاء الكارثة يعد جريمة كبرى ويكشف عن فشل وعجز المنظومة الدولية ويؤدي إلى فقدان الثقة بالقانون والمجتمع الدوليين ".
وبالفعل اليوم الشعب السوري حزم أمره في انه لا خلاص له من هذا النظام الذي يمارس أبشع أنواع الإجرام إلا بالمواجهة المباشرة ، والاعتماد على النفس ، فقد شبع كلاما وتهديدات عن نظام فاقد الشرعية ، لكن هذا النظام الذي يتحدث الجميع انه فاقد للشرعية لم تطلق باتجاهه رصاصة واحدة ، في حين شكلت غرف عمليات ، ونظمت تحالفات دولية من أجل تنظيمات خارجة من رحم هذا النظام ، ثم يتحدث المجتمع الدولي عن الاٍرهاب.
بأي وجه يقابل المجتمع الدولي الطفل السوري الذي فقد كل شيء في هذه الحياة .. والديه .. أقاربه .. بيته .. لعبته التي يلهو بها .. صديقه الذي يتسامر معه .. مدرسته التي يتعلم بها .. لم يبق له شيء في هذه الحياة يخاف عليه ، او حريص للبقاء من أجله .. .
طبيعي أنه يتحوّل إلى " قنبلة " موقوتة قد تنفجر في أي لحظة ، وغير مستبعد الإلتحاق بأي تنظيم إرهابي وعده - وإن كان كذبا - بأخذ حقه، والقصاص لوالديه ووطنه من عدوه .. .
في العام الماضي نبه سمو الأمير المفدى لضرورة بحث الأسباب الحقيقية لظهور التنظيمات الإرهابية ، والبيئات الحاضنة لها ، فلا يمكن معالجة هذا الإرهاب المرفوض دون معرفة تلك الأسباب ومعالجتها جذرياً ، فهذه التنظيمات التي تُمارس إرهاباً هي في معظمها نتاج بيئات قمع واستبداد وإذلال وتعذيب في السجون ومصادرة الحريات والدوس على كرامة الشعوب .. فماذا ينتظر من شعوب تسام الخسف والنسف والقتل والتهجير .. من الطبيعي أن تنتقل إلى الطرف الآخر ، خاصة في ظل تفرّج المجتمع الدولي على معاناتها دون ان ينهض للانتصار لها.
إن العالم لن يسلم من تبعات السكوت على الجرائم البشعة التي يرتكبها النظام السوري ، حتى تلك التي تعتقد أنها بمنأى عما يدور في سوريا، فالنظام السوري يمثل قمة الإرهاب ، وبقاؤه سيولد المزيد من المنظمات المتطرفة ، وسيدفع هذا النظام نحو خلط الأوراق للإفلات من المحاسبة على الجرائم التي ارتكبها بحق الإنسانية جمعاء ، وليس فقط بحق الشعب السوري المغلوب على أمره ، والذي في نهاية المطاف سينتصر ، وسيحاسب كل الذين شاركوا في قتله ، أو الذين صفقوا للنظام المجرم ، فحياة الشعوب أطول من جلاديها ، وثورات الشعوب لا يمكن إخمادها ، قد تخبو لفترة ، لكنها تتأجج في أي لحظة ، والشعب السوري الذي بدأ ثورته بسلمية قد يتأخر انتصاره ، لكنه من المؤكد أنه سينتصر ، وتاريخ الشعوب شاهد على ذلك .. لا يمكن كسر عزيمة الشعوب ، مهما استخدمت الأنظمة القمعية من أدوات قتل واستبداد ، ومهما ارتكبت من مجازر ، ومهما بنت من سجون .. ، لكن الأنظمة القمعية لطالما حفرت قبورها بنفسها ، والنظام السوري مهما طال الزمن أو قصر فإن مصيره " مزبلة " التاريخ ، بل انه انتهى منذ أن سمح لنفسه بإطلاق رصاصة واحدة على شعبه.
إن شعوب المنطقة تتطلع الى العيش بأمن وسلام واستقرار ، بعيداً عن النزاعات والحروب ، التي لا تجلب إلا الدمار للدول ، والشعوب ضحاياها ، ولا يمكن لهذه المنطقة التي تتجاور جغرافياً إلا أن تتحاور إذا ما ظهرت بوادر خلافات فيما بينها ، فالحوار هو الطريق الوحيد للعيش بأمن وأمان ، ولا يمكن لطرف أن يفرض إرادته على الطرف الآخر بالقوة ، وعلى ذلك كانت مبادرة سمو الأمير المفدى حفظه الله لاستضافة قطر حواراً خليجياً - إيرانياً ، لحل المشاكل العالقة بين الجانبين ، بعيداً عن استخدام لغة القوة.
لقد تعايشت شعوب هذه المنطقة قروناً من الزمن ، بعيداً عن التدخلات ، وبعيداً عن تدخل كل طرف في شؤون الطرف الآخر ، وهو ما ينبغي العودة إليه ، وأن نرجح العقل والحكمة في حل ما قد يطرأ من خلافات بين دول هذا الإقليم ، فلا يمكن لطرف أن ينقل الطرف الآخر إلى كوكب آخر ، وليس أمامنا إلا خيار الحوار ، لترسيخ الأمن والاستقرار بالمنطقة ، فاشتعالها - لا قدر الله - لن يكتوي بنارها طرف دون آخر ، بل ستصيب الذين يشعلونها قبل الآخرين ، وهو ماينبغي التنبه إليه ، وعدم المضي بارتكاب مخالفات خاصة تلك التي تمس سيادة الدول ، أو التدخل في شؤونها ، أو محاولة استقطاب شرائح وأفراد منها ، أو خلق حالة من الشحن غير المقبول .. .
إننا بحاجة إلى تحكيم العقل في حل قضايا هذه المنطقة ، وكما قال سمو الأمير " آن الأوان لإجراء حوار هادف من هذا النوع بين دول تبقى دائما دولاً جارة ، ولا تحتاج لوساطة أحد " .. .
نعم هناك خلافات عربية - إيرانية في عدد من الملفات ، ربما أبرزها الملف السوري والعراقي واليمني .. ، وهو ما يستوجب عقد لقاءات حوارية بنوايا خالصة ، ويجب عدم الإنتظار في هذا الجانب ، والفرصة سانحة اليوم بالمبادرة التي طرحها سمو الأمير حفظه الله باستعداد قطر - التي عرفت بأنها منبر للحوار والمصالحات - لاستضافة هذا الحوار ، وهي فرصة ليست فقط للحوار ، بل لبناء لمرحلة جديدة من العلاقات ، وبناء الشراكات ، بعيداً عن التوتر الحاصل بين الجانبين ، والذي لا يخدم الطرفين أبداً.
ولم يغب اليمن والعراق وليبيا وقضاياها عن خطاب سمو الأمير المفدى ، الذي يتطلع دائما إلى رؤية وطن عربي معافى ، وشعوبه تنعم بالأمن والأمان والإستقرار والوحدة الوطنية ، مؤكداً سموه ان الميليشيات الخارجة عن الشرعية لا تهدد الدولة فحسب ، بل تمثل حرباً أهلية كامنة ، تتحوَّل الى حرب أهلية فعلية عاجلاً أم آجلاً ، وقال سموه " أي حل في العراق أو اليمن أو سورية أو ليبيا يجب أن يتضمن إنهاء الحالة الميليشاوية خارج مؤسسات الدولة الشرعية ".
ودعا سمو الأمير إلى نبذ الطائفية ، التي إذا ما غُذيت فإنها تتحول وبالاً على المجتمعات ، وفي مجتمعاتنا العربية لطالما تعايشت كل الطوائف بأمن وأمان واحترام بين الجميع ، بعيداً عن الإحتراب ، الذي يؤدي إلى تدمير المجتمعات.
ونبه سمو الأمير " القوى السياسية في منطقتنا إلى ظاهرة خروج آلاف الشباب في أكثر من دولة عربية للمطالبة بالمواطنة أساسا للشراكة ، رافضين تمثيلهم على أساس طائفي ، وأن يشكّل التمثيل الطائفي غطاء للفساد ".
لقد وضع سمو الأمير المفدى حفظه الله ورعاه في خطابه يده على الجرح ، وطرح كل المشاكل والأزمات التي يعاني منها اليوم العالم ، وتحديداً منطقتنا ، التي تئن تحت وطأة هذه الأزمات منذ زمن ، دون أن يتم معالجتها بشكل جذري ، فكان أن قدم سموه معالجات حقيقية ، بعد أن عرض تلك المشاكل والأزمات بكل شفافية ، مقدماً حلولاً تجتث تلك المشاكل من جذورها إذا ما كانت هناك نية جادة من المجتمع الدولي ، الذي مطالب اليوم بإثبات مصداقيتها أمام الشعوب التي تتعرض لحروب إبادة وتهجير ، دون أن تجد هذه الشعوب نصرة حقيقية من المجتمع ومنظماته المختلفة ، قبل أن تتحول هذه المنظمات الى مجرد كيانات " إسمنتية " ، ليس لها على أرض الواقع أي تأثير ، بعد أن تكون قد فقدت ما تبقى من مصداقية لها عند الشعوب المكلومة.
صيف سويسري ضائع
«سأعود مُعافَى من الشعارات المخزونة في طيات لساني، أترك التعصب الذي يستولي عليَّ ويحيلني ببغاء تكرر المحفوظات. تطرفت... اقرأ المزيد
39
| 06 نوفمبر 2025
بين الصحافة التقليدية ووسائل التواصل المتجددة
كانت المقالات في الصحف من أكثر الأشياء المؤثرة في صناعة الرأي العام والتوجيه المجتمعي، وكان كاتب المقال صاحب... اقرأ المزيد
27
| 06 نوفمبر 2025
مؤتمر الأمم المتحدة الثلاثون للأطراف بشأن تغيرات المناخ.. لحظة الحقيقة
تبدأ اليوم في منطقة الأمازون البرازيلية «قمة بيليم» التي تسبق مؤتمر الأمم المتحدة الثلاثين للأطراف بشأن تغير المناخ... اقرأ المزيد
33
| 06 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية



مساحة إعلانية
حينَ شقَّ الاستعمار جسدَ الأمة بخطوطٍ من حديد وحدودٍ من نار، انقطعت شرايين الأخوة التي كانت تسقي القلوب قبل أن تربط الأوطان. تمزّقت الخريطة، وتبعثرت القلوب، حتى غدا المسلم يسأل ببرودٍ مريب: ما شأني بفلسطين؟! أو بالسودان ؟! أو بالصين ؟! ونَسِيَ أنَّ تعاطُفَه عبادةٌ لا عادة، وإيمانٌ لا انفعال، وأنّ مَن لم يهتمّ بأمر المسلمين فليس منهم. لقد رسم الاستعمار حدودهُ لا على الورق فحسب، بل في العقول والضمائر، فزرعَ بين الإخوة أسوارا من وهم، وأوقد في الصدورِ نارَ الأحقادِ والأطماع. قسّم الأرضَ فأضعفَ الروح، وأحيا العصبيةَ فقتلَ الإنسانية. باتَ المسلمُ غريبًا في أرضه، باردًا أمام جراح أمّته، يشاهدُ المجازرَ في الفاشر وغزّة وفي الإيغور وكأنها لقطات من كوكب زحل. ألا يعلم أنَّ فقدَ الأرضِ يسهلُ تعويضُه، أمّا فقد الأخِ فهلاكٌ للأمّة؟! لقد أصبح الدينُ عند كثيرين بطاقة تعريفٍ ثانوية بعدَ المذهبِ والقبيلةِ والوطن، إنّ العلاجَ يبدأُ من إعادةِ بناءِ الوعي، من تعليمِ الجيلِ أنّ الإسلام لا يعرف حدودًا ولا يسكنُ خرائطَ صمّاء، وأنّ نُصرةَ المظلومِ واجبٌ شرعيٌّ، لا خِيارٌا مزاجيّا. قال النبي صلى الله عليه وسلم (مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمِهم «وتعاطُفِهم» كمثلِ الجسدِ الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائرُ الجسدِ بالسهرِ والحمّى). التعاطف عبادة، التعاطف مطلب، التعاطف غاية، التعاطف هدف، التعاطف إنسانية وفطرة طبيعية، لذلك فلننهضْ بإعلامٍ صادقٍ يذكّرُ الأمةَ أنّها جسدٌ واحدٌ لا أطرافا متناحرة، وبعمل جماعي يترجمُ الأخوّةَ إلى عطاءٍ، والتكافلَ إلى فعلٍ لا شعار. حين يعودُ قلبُ المسلم يخفقُ في المغربِ فيسقي عروقَه في المشرق، وتنبضُ روحهُ في الشمالِ فتلهم الجنوبَ، حينئذٍ تُهدَمُ حدودُ الوهم، وتُبعثُ روحُ الأمةِ من رمادِ الغفلة، وتستعيدُ مجدَها الذي هو خير لها وللناس جميعاً قال تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ). عندها لن تبقى للأمّة خرائط تُفرّقها،. وتغدو حدود وخطوط أعدائنا التي علينا سرابًا تذروه الرياح، وتتقطع خيوطُ العنكبوتِ التي سحروا أعيننا بوهم قيودها التي لا تنفك. فإذا استيقظَ الوجدان تعانقَ المشرقُ والمغربُ في جسدٍ واحد يهتفُ بصوتٍ واحد فداك أخي.
3354
| 04 نوفمبر 2025
كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق بالحياة، تملؤه الأصوات وتشتعل فيه الأرواح حماسةً وانتماء. اليوم، صار صامتًا كمدينةٍ هجرتها أحلامها، لا صدى لهتاف، ولا ظلّ لفرح. المقاعد الباردة تروي بصمتها حكاية شغفٍ انطفأ، والهواء يحمل سؤالًا موجعًا: كيف يُمكن لمكانٍ كان يفيض بالحب أن يتحول إلى ذاكرةٍ تنتظر من يوقظها من سباتها؟ صحيح أن تراجع المستوى الفني لفرق الأندية الجماهيرية، هو السبب الرئيسي في تلك الظاهرة، إلا أن المسؤول الأول هو السياسات القاصرة للأندية في تحفيز الجماهير واستقطاب الناشئة والشباب وإحياء الملاعب بحضورهم. ولنتحدث بوضوح عن روابط المشجعين في أنديتنا، فهي تقوم على أساس تجاري بدائي يعتمد مبدأ المُقايضة، حين يتم دفع مبلغ من المال لشخص أو مجموعة أشخاص يقومون بجمع أفراد من هنا وهناك، ويأتون بهم إلى الملعب ليصفقوا ويُغنّوا بلا روح ولا حماسة، انتظاراً لانتهاء المباراة والحصول على الأجرة التي حُدّدت لهم. على الأندية تحديث رؤاها الخاصة بروابط المشجعين، فلا يجوز أن يكون المسؤولون عنها أفراداً بلا ثقافة ولا قدرة على التعامل مع وسائل الإعلام، ولا كفاءة في إقناع الناشئة والشباب بهم. بل يجب أن يتم اختيارهم بعيداً عن التوفير المالي الذي تحرص عليه إدارات الأندية، والذي يدل على قصور في فهم الدور العظيم لتلك الروابط. إن اختيار أشخاص ذوي ثقافة وطلاقة في الحديث، تُناط بهم مسؤولية الروابط، سيكون المُقدمة للانطلاق إلى البيئة المحلية التي تتواجد فيها الأندية، ليتم التواصل مع المدارس والتنسيق مع إداراتها لعقد لقاءات مع الطلاب ومحاولة اجتذابهم إلى الملاعب من خلال أنشطة يتم خلالها تواجد اللاعبين المعروفين في النادي، وتقديم حوافز عينية. إننا نتحدث عن تكوين جيل من المشجعين يرتبط نفسياً بالأندية، هو جيل الناشئة والشباب الذي لم يزل غضاً، ويمتلك بحكم السن الحماسة والاندفاع اللازمين لعودة الروح إلى ملاعبنا. وأيضاً نلوم إعلامنا الرياضي، وهو إعلام متميز بإمكاناته البشرية والمادية، وبمستواه الاحترافي والمهني الرفيع. فقد لعب دوراً سلبياً في وجود الظاهرة، من خلال تركيزه على التحليل الفني المُجرّد، ومخاطبة المختصين أو الأجيال التي تخطت سن الشباب ولم يعد ممكناً جذبها إلى الملاعب بسهولة، وتناسى إعلامنا جيل الناشئة والشباب ولم يستطع، حتى يومنا، بلورة خطاب إعلامي يلفت انتباههم ويُرسّخ في عقولهم ونفوسهم مفاهيم حضارية تتعلق بالرياضة كروح جماهيرية تدفع بهم إلى ملاعبنا. كلمة أخيرة: نطالب بمبادرة رياضية تعيد الجماهير للمدرجات، تشعل شغف المنافسة، وتحوّل كل مباراة إلى تجربة مليئة بالحماس والانتماء الحقيقي.
2580
| 30 أكتوبر 2025
اطلعت على الكثير من التعليقات حول موضوع المقال الذي نشرته الأسبوع الماضي بجريدة الشرق بذات العنوان وهو «انخفاض معدلات المواليد في قطر»، وقد جاء الكثير من هذه التعليقات أو الملاحظات حول أن هذه مشكلة تكاد تكون في مختلف دول العالم وتتشابه الى حد كبير، والبعض أرجعها الى غلاء المعيشة بشكل عام في العالم، وهذه المشكلة حسبما أعتقد يجب ألا يكون تأثيرها بذات القدر في دول أخرى؛ لأن الوضع عندنا يختلف تماما، فالدولة قد يسرت على المواطنين الكثير من المعوقات الحياتية وتوفر المساكن والوظائف والرواتب المجزية التي يجب ألا يكون غلاء المعيشة وغيرها من المتطلبات الأخرى سببا في عدم الاقبال على الزواج وتكوين أسرة أو الحد من عدد المواليد الجدد، وهو ما يجب معه أن يتم البحث عن حلول جديدة يمكن أن تسهم في حل مثل هذه المشكلة التي بدأت في التزايد. وفي هذا المجال فقد أبرز معهد الدوحة الدولي للأسرة توصيات لرفع معدل الخصوبة والتي تساهم بدورها في زيادة المواليد ومن هذه التوصيات منح الموظفة الحامل إجازة مدفوعة الاجر لـ 6 اشهر مع اشتراط ان تعود الموظفة الى موقعها الوظيفي دون أي انتقاص من حقوقها الوظيفية، وكذلك الزام أصحاب العمل الذين لديهم 20 موظفة بإنشاء دار للحضانة مع منح الأب إجازة مدفوعة الأجر لا تقل عن أسبوعين، وإنشاء صندوق لتنمية الطفل يقدم إعانات شهرية وتسهيل الإجراءات الخاصة بتأمين مساكن للمتزوجين الجدد، وكذلك إنشاء صندوق للزواج يقدم دعما ماليا للمتزوجين الجدد ولمن ينوي الزواج مع التوسع في قاعات الافراح المختلفة، وهذه الاقتراحات هي في المجمل تسهل بشكل كبير العقبات والصعاب التي يواجهها الكثير من المقبلين على الزواج، وبتوفيرها لا شك ان الوضع سيختلف وستسهم في تحقيق ما نطمح اليه جميعا بتسهيل أمور الزواج. لكن على ما يبدو ومن خلال الواقع الذي نعيشه فإن الجيل الحالي يحتاج الى تغيير نظرته الى الزواج، فالكثير اصبح لا ينظر الى الزواج بالاهمية التي كانت في السابق، ولذلك لابد ان يكون من ضمن الحلول التي يجب العمل عليها، إيجاد أو إقرار مواد تدرس للطلاب خاصة بالمرحلة الثانوية وتتمحور حول أهمية تكوين وبناء الاسرة وأهمية ذلك للشباب من الجنسين، والعمل على تغيير بعض القناعات والاولويات لدى الشباب من الجنسين، حيث أصبحت هذه القناعات غير منضبطة أو غير مرتبة بالشكل الصحيح، والعمل على تقديم الزواج على الكثير من الأولويات الثانوية، وغرس هذه القيمة لتكون ضمن الأولويات القصوى للشباب على أن يتم مساعدتهم في ذلك من خلال ما تم ذكره من أسباب التيسير ومن خلال أمور أخرى يمكن النظر فيها بشكل مستمر للوصول الى الهدف المنشود. وفي ظل هذا النقاش والبحث عن الحلول، يرى بعض المهتمين بالتركيبة السكانية ان هناك من الحلول الاخرى التي يمكن أن تكون مؤثرة، مثل التشجيع على التعدد ومنح الموظفة التي تكون الزوجة الثانية أو الثالثة أو حتى الرابعة، علاوة مستحدثة على أن تكون مجزية، الى جانب حوافز أخرى تشجع على ذلك وتحث عليه في أوساط المجتمع، حيث يرى هؤلاء أن فتح باب النقاش حول تعدد الزوجات قد يكون إحدى الأدوات للمساهمة في رفع معدلات الإنجاب، خصوصًا إذا ما اقترن بدعم اجتماعي ومؤسسي يضمن كرامة الأسرة ويحقق التوازن المطلوب.
2097
| 03 نوفمبر 2025