رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

المهندس إبراهيم بن هاشم السادة

ialsada63@gmail.com

مساحة إعلانية

مقالات

678

المهندس إبراهيم بن هاشم السادة

بعد آخر توقيع... تبدأ الحكاية

29 أكتوبر 2025 , 03:41ص

ليست كل النهايات نهاية، فبعضها بداية في ثوب مختلف، وحين يتقاعد الإنسان بعد عقود من العمل يظن أنه وصل إلى المحطة الأخيرة، بينما الحقيقة أنه يقف على عتبة مرحلة جديدة تحتاج منه إلى شجاعة من نوع آخر… شجاعة إعادة تعريف الذات.

فبعد سنوات من الجهد والعطاء، والاستيقاظ المبكر، والاجتماعات، والقرارات، والمشاريع التي ملأت حياته، يجد المتقاعد نفسه أمام صمت لم يألفه من قبل، الهاتف الذي كان لا يهدأ صار ساكنًا، والمكتب الذي كان يعج بالحركة أصبح ذكرى، هنا تبدأ الأسئلة تتزاحم في الداخل: من أنا الآن؟ وماذا بقي لي لأقدمه؟ وهل انتهى دوري بانتهاء الوظيفة؟

إنها ليست أزمة وقت كما يظن البعض، بل أزمة هوية ومعنى، فالكثيرون يربطون ذواتهم بمناصبهم وأعمالهم، فإذا غابت الألقاب شعروا بالفراغ، بينما الحقيقة أن القيمة لا تسكن الكرسي، بل تسكن الإنسان نفسه، بعقله وخبرته وروحه التي ما زالت قادرة على الإلهام والعطاء.

المتقاعد الذي عاش حياته بجدٍ وحيوية لا يفقد طاقته بمجرد أن يغادر عمله، بل تبقى فيه طاقة كامنة تصرخ في أعماقه، تبحث عن طريق جديد لتُعبّر عن نفسها، وهنا تتجلى اللحظة الفارقة: إما أن ينكفئ إلى العزلة والحنين، أو يقرر أن يعيد تعريف ذاته على ضوء التجربة والحكمة.

إعادة تعريف الذات تعني أن ينظر الإنسان إلى ما بعد التقاعد كفرصة ثانية للحرية، حرية الوقت، وحرية الاختيار، وحرية أن يفعل ما يحب لا ما يُطلب منه، قد يجد نفسه في العمل التطوعي، أو في الاستشارات، أو في تدريب الشباب، أو في الكتابة، أو حتى في التأمل في معنى الحياة ذاتها، المهم أن يبقى حاضرًا، فاعلًا، متصالحًا مع نفسه ومع من حوله.

فبعد آخر توقيع، لا تُطوى الحكاية... بل تبدأ من جديد، على مهلٍ، بنبضٍ أهدأ، وبمعنى أعمق،

فالتقاعد لا يُقاس بعدد السنوات التي مضت، بل بطريقة العيش بعدها، لأن الحياة لا تتقاعد... بل تتجدد في من يعرف كيف يعيد تعريف ذاته.

مساحة إعلانية