رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. فاتن الدوسري

مساحة إعلانية

مقالات

831

د. فاتن الدوسري

ترامب وإمكانية إنهاء الحرب الأوكرانية

30 مارس 2025 , 02:00ص

بعدما وعد بإنهاء الحرب الأوكرانية خلال 24 ساعة بعد وصوله للبيت الأبيض، اكتشف ترامب بعد أول محاولة لكسر جبل الجليد بين روسيا وأوكرانيا، أنه أمام أكبر تحد سيواجهه خلال ولايته الجديدة.

بدأت مساعي ترامب بإنهاء الحرب بتصريحات مفادها الاتفاق مع أوكرانيا على صفقة المعادن النادرة، بالتوازي مع تصريحات أشار فيها بانفتاح بوتين على المفاوضات. وقد تلى ذلك، لقاؤه التاريخي مع زيلانيسكى في البيت الأبيض، الذى أسفر إلى طرده من البيت الأبيض، وإلغاء اتفاق المعادن.

وفى غضون أقل من شهر تم الاتفاق على هدنة لمدة 30 يوما بين روسيا وأوكرانيا تم التركيز فيها على عدم التعرض لمنشآت الطاقة تحديدا، انهارت خلال يومين. ومؤخراً تم التوصل إلى اتفاق هدنة آخر عبارة عن جزأين منفصلين يتعلق الأول بالملاحة بسلام في البحر الأسود، والثاني عدم التعرض للمنشآت النفطية.

وكحال اتفاق الهدنة الأول، فمن المرجح على نحو كبير انهيار الثاني الذى تم بجهود سعودية؛ وذلك بسبب التسرع في الاتفاق عليه، والأهم من ذلك هو الموافقة المبدئية غير الجازمة لموسكو عليه لأسباب فنية وتكتيكية واستراتيجية.

ويشي ذلك أن مجرد الاتفاق فقط على هدنة كتمهيد لمفاوضات حاسمة لإنهاء الحرب، قد أصبح في حد ذاته تحدياً كبيراً. وخلف ذلك يتبدى مدى تعقد الحرب القائمة منذ 3سنوات، وأن إمكانية إنهائها قد أصبح محل شك كبير.

على الرغم من المرونة الشديدة لترامب في مفاوضاته مع روسيا لإنهاء الحرب، حيث اتضح تماماً رغبته في سرعة إنهائها لصالح روسيا تقريبا، ويقدم في سبيل ذلك تنازلات جوهرية التعهد بعد انضمام أوكرانيا لحلف الناتو، والموافقة على سيادة لروسيا على الأراضي التي انتزعتها من أوكرانيا.

ومع ذلك، فلايزال أمام إنهاء الحرب الكثير من التحديات الوعرة. خرجت أصوات من داخل واشنطن واصفة بوتين بالمتطرف إثر شروطه التعجيزية التي يفرضها على الولايات المتحدة لإنهاء الحرب. إذ لم يكتف فقط بتنازلات ترامب، بل يطالب أيضا بنزع سلاح أوكرانيا، وإيقاف الدعم الغربي لها بكافة أشكاله. والمفارقة هنا أن هذه المطالب يقوم بفرضها عند اتفاقات الهدن، كمسوغ لاختراقها بسهولة.

ومن هنا يظهر التحدي الرئيسي الذى يواجه إنهاء الحرب والكامن في عدم قبول المجموعة الأوروبية لفكرة نزع سلاح أوكرانيا وتوقف الدعم عنها. إذ بالكاد يوافقون على تقديم ضمانات لعدم ضم أوكرانيا للناتو، ويرون أنها فكرة غير عملية. لكن ما هو أخطر من ذلك، قد أظهر الأوروبيون بقيادة بريطانيا بعد لقاء ترامب العاصف مع زيلانيسكى؛ أنهم على استعداد تام لاستمرار الحرب دون الولايات المتحدة وانطلقواً في تأسيس ما يسمى «تحالف الراغبين» كنواة لكتلة عسكرية أوروبية موازية للناتو.

وهذا التطور بالقطع يخرج عن نطاق سيطرة ترامب، ويدفع الحرب الأوكرانية لمزيد من التطور الدراماتيكي. بل ربما يخرج واشنطن من معادلة الصراع بالأساس حيث إنه صراع أوروبي في الصميم. وفى الخلفية يدرك بوتين أن قوة فرض واشنطن إرادتها على أوروبا لها حدود، تتوقف عندما تشعر أوروبا بخطر وجودي مثل روسيا.

شن بوتين الحرب على أوكرانيا دون تحديد واضح لأهدافه الكاملة منها، لكن على الأقل هناك أهداف واضحة منها معاقبة أوروبا على التفكير في ضم أوكرانيا للناتو، ووقف غربنة أوكرانيا ومعاقبتها على ذلك، وضمان تأمين أخطر منطقة يتم من خلالها اختراق الأمن القومي الروسي، وضم جميع المناطق الموالية لروسيا، وتأمين الهيمنة الدائمة على شبه جزيرة القرم. مقابل ذلك، شكل بايدن تحالفا أوروبيا قويا لردع موسكو واستنزافها تكلف قرابة الـ 100 مليار دولار.

وبالتالي، فمن غير المتصور أن تنتهى الحرب بالسهولة والسرعة التي يتصورها ترامب، ودون مراعاة لأمن ومصالح أطرافها الرئيسية أوكرانيا وأوروبا. مقابل ذلك، فمن غير المتصور أيضا أن يوافق بوتين على صفقة لإنهاء الحرب دون تحقيق الحد الأدنى من أهدافها؛ هذا بخلاف الأهداف الكبرى غير المعلنة والتي تبدأ فيما يبدو بنزع سلاح أوكرانيا كنواة لهيمنة روسية تامة على شرق أوروبا حتى أبواب برلين.

خلاصة الأمر، إنهاء الحرب الأوكرانية بات مسألة في غاية التعقيد، وعلى الأرجح سيحتاج سنوات، وتصور ترامب لإنهائها السريع محض خيال. إذ لن تقبل أوكرانيا ومعها أوروبا إنهاء الحرب دون ضمانات أمنية قوية لأوكرانيا ربما أقوى من السابق، وانسحاب موسكو من جميع الأراضي التي احتلتها، إذ من الصعب الوثوق في بوتين، وتقديم تنازلات غير مشروطة سيؤدى به إلى المطالبة بالمزيد.

مساحة إعلانية