رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ممتعضا أمضي في سبيلي. أركض باتجاه محاولة امتلاك الحكمة. لكنها بعيدة بعيدة. أحاول مجددا. بيد أن المطر توقف عن معانقة الأرض اليابسة. السحاب سافر إلى بلاد أخرى. استغرقتني المدن الصامتة. بكيت بأطرافها. صارت دموعي أنهارا لم يبد أحد ممن شاهدها اكتراثا بوطأة انسكابها وفرط غزارتها. ليس ثمة من يكترث للدموع الآن.
هي دموع أم جروح؟
سألتني صبية ترتدي قناعا فوق وجهها، قلت لها ما سر القناع؟ قالت هي دموع من نوع آخر.
دموع أم دماء؟
سألني يافع لا يرتدي سوى صمته، قلت له ما سر الصمت؟ قال هو دم مسكوب في القلب.
رحت أدور في الطرقات أقفز بين نقاط التفتيش والعسس يراقبونني
قلت أين هي الثورة؟
التفوا حولي يسكنهم الذهول: أي ثورة، بدت الوجوه على حقيقتها سطعت شمس الصمت سقطت الأقنعة قلت: هي ثورة غير أن الصمت فرض سطوته على المدن هذه المرة لم استجب للبكاء شرعت سيفي لأقطع رقاب الصمت أطارد البصاصين الذين ما زالوا يمارسون غواية القهر
لن تنكفئ الثورة لن تكف عن إرسال صيحاتها وإطلاق أناشيدها وكتابة قصائد العشق للبلاد.
لن يلتفت العسس إلى المدن كأكوام حجارة والبشر عبيدا للسادة الذين يرسلونهم صباحا ومساء لأطرافها فالقيامة صارت عنوانا للقصائد التي تراق على الطرقات والميادين والحارات والزنقات تعانق النفوس والأحلام والأشواق.
لن يبقى سوى الثورة المادة الرئيسية في مناهج الدراسة وكتب الشيوخ ودروس وعاظ الأحد فعار على المدن أن تصبح بلا ثورة، عار على النفوس أن تنزوي في أركان الجمود والاستلاب، عار على الثورة أن يسرقها لصوص السلطة والمال.
كتبت في دفتري السري: مذهولا من فعل من صنعوا الثورة ثم نسوها في مهرجانات العواصم والأقاليم وراحوا يلقون قصائدهم العبثية أمامها قلت: هم سارقوها منتهكو حرماتها شاربو دماء شهدائها هل أصابتهم غواية الحضور والظهور ؟
أين الإقامة في الميدان؟
هو سحر أم سجن أم سجان؟
(2)
البراءة تغادرنا
صيد الغزلان يستهوينا، نترك الذئاب فتصر على افتراسنا. أداعب النهر الخالد النبيل: أي أشواق اجتاحتك لحظة الثورة لم يطل في صمته:
أن تخفق راية المحروسة أن تستعيد غزلانها وبراءتنا القديمة فيتدفق الماء صافيا بين ضفافي فتصفوا الوجدانات المحتقنة والقلوب الوجلة والنفوس المشتعلة من فرط قهر السنوات الثلاثين.
أن تستطيل قامة الحق. يكف الزبد عن تسميم رحيق الأمواج
أن تشرق شمس الثورة. تعم أشعتها كل الأرجاء
لا تتوقف عند حد
أن تبث صيروتها في صدور الأمهات اللائي أوجعهن فقد الأحبة استشهادا أو قعودا.
لن تصيب الثورة. الغيبوبة أو فقدان الذاكرة رغم هول هجمات الخصوم والقتلة ومصاصي الدماء والجالسين في المواقع العلنية والسرية يقودون الحرب ضد 25 يناير ومشعلي النور في المحروسة.
هي ممتنة للثوار لقصائدهم البطولية في التغني بالمحبوبة الوحيدة التي يحاول المتقاعسون إحالتها إلى التقاعد مبكرا.
(3) الزمن الآتي
في زمنك الآتي أبحر نحو الشمس. هي رمز للتوهج واستعادة البراءة الغائبة
فعل الثورة كينونتي وخياري الأوحد لن يكون بمقدور الأفاقين والآكلين على كل الموائد وأنصار الذوبان في حاكم المدينة أيا كان لونه أن يحجبوا هذا الفعل المتوغل فينا المختبئ بأحداق عيوننا المسافر أبدا إلينا
لن يكون بوسعهم التهام حدائقها التي أورقت في بر المحروسة عصية هي عليهم. عصية دونما حدود
لن يستطيعوا تسلق أسوارها أو القفز على جدرانها أو خدش حيائها هي صلبة وقوية وعفية وبهية وصابرة
الثورة بيتي شارعي عنواني خبزي مائي ناري ثلجي رحيق عمري نبض الفؤاد وبهجة الروح المستعادة
أصب النيل بفنجانك ثورة يداعبني بردى تشاغبني حنطة صنعاء ويلاحقني دجلة والفرات
ومن قبل ارتويت من خضرة تونس وعزفت الألحان القادمة من طرابلس ومصراتة وبني غازي وسرت
تيبست الوجوه الباهتة فطلعت قناديل الشعوب تصيبني بعشق غير مسبوق وغير منهي عنه هو عشق الحروف الأربعة:" ثاء واو راء تاء مربوطة"
في المحروسة عشق هذه الحروف مدعاة للمديح. في مديح الثورة أصحو. أنشق عطر شقائق النعمان. أتلو فاتحة كتابها. أُصلي في محرابها. يأتيني الرزق الوفير بلا حساب يتمدد في البلاد ينهي جوع الفقراء. يمطر القبلات للمحرومين من نسائم الحنو ومن خفق القلوب ومن إشراقة شمس حقيقية تمنح الدفء للثكالى وفاقدي حريتهم.
(4)
جثوت على رملك أيتها الثورة البيضاء أيتها الأيقونة الأزلية فقأت عيون الصمت مددت يدي لأول مرة طالبا العفو من عينيك فقومي أيتها المسكونة بالعشق الأبدي انهضي من سباتك من عتمة عبثية يحاولون إلصاقها بك ومن فجر كاذب يلحقونه بأهدابك
قومي أيا ثورة المحروسة أركلي المعاندين مزقي دفاترهم الماكرة وخبث نواياهم البين وسخطهم المبين عليك واجلدي الكذابين والدجالين وحاملي مباخر كل عصر
قومي فالكتابة لك والأنهار لك والحقول لك والعشق لك
قومي فاللوح المحفوط يبارك فعلك الأسطوري
حددي مسارك جددي لغتك استعيدي توهجك اكتبي أشعارك من جديد
لن يتخلى عنك الخلق
لن تمضي في الدرب وحدك فكوني الضوء والفرقان بين حال وحال
بين العتمة والنهار. الهدى والضلال
الحرور والظلال
كوني نوري الآتي فيض محبتي القادم
فعشقك مغزول بالروح أيا ثورة الشعب الأبي
elazab1 @gmail.com
جوهر الكلام: صرخات ثقيلة تحت سماء ملبّدة!
تتنوع مُسمّيات (المطر) في لغة العرب تبعا لشدته وغزارته، ومنها الرشّ: وهو أول المطر، والطّلّ: المطر الضعيف، والرذاذ:... اقرأ المزيد
204
| 21 نوفمبر 2025
«ثورة الياسمين حرّرت العصفور من القفص»
عَبِقٌ هُو الياسمين. لطالما داعب شذاه العذب روحها، تلك التّي كانت تهوى اقتطافه من غصنه اليافع في حديقة... اقرأ المزيد
153
| 21 نوفمبر 2025
ظلّي يسبقني
في الآونة الأخيرة، بدأت ألاحظ أن ظلّي صار يسبقني. لا أعلم متى بدأ ذلك، ولا متى توقفت أنا... اقرأ المزيد
102
| 21 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
هناك لحظات في تاريخ الدول لا تمرّ مرور الكرام… لحظات تُعلن فيها مؤسسات الدولة أنها انتقلت من مرحلة “تسيير الأمور” إلى مرحلة صناعة التغيير ونقل الجيل من مرحلة كان إلى مرحلة يكون. وهذا بالضبط ما فعلته وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي في السنوات الأخيرة. الأسرة أولاً… بُعدٌ لا يفهمه إلا من يعي أهمية المجتمع ومكوناته، مجتمعٌ يدرس فيه أكثر من 300 ألف طالب وطالبة ويسند هذه المنظومة أكثر من 28 ألف معلم ومعلمة في المدارس الحكومية والخاصة، إلى جانب آلاف الإداريين والمتخصصين العاملين في الوزارة ومؤسساتها المختلفة. لذلك حين قررت الوزارة أن تضع الأسرة في قلب العملية التعليمية هي فعلاً وضعت قلب الوطن ونبضه بين يديها ونصب عينيها. فقد كان إعلانًا واضحًا أن المدرسة ليست مبنى، بل هي امتداد للبيت وبيت المستقبل القريب، وهذا ليس فقط في المدارس الحكومية، فالمدارس الخاصة أيضًا تسجل قفزات واضحة وتنافس وتقدم يداً بيد مع المدارس الحكومية. فمثلاً دور الحضانة داخل رياض الأطفال للمعلمات، خطوة جريئة وقفزة للأمام لم تقدّمها كثير من الأنظمة التعليمية في العالم والمنطقة. خطوة تقول للأم المعلمة: طفلك في حضن مدرستك… ومدرستك أمانة لديك فأنتِ المدرسة الحقيقية. إنها سياسة تُعيد تعريف “بيئة العمل” بمعناها الإنساني والحقيقي. المعلم… لم يعد جنديًا مُرهقًا بل عقلاً مُنطلقًا وفكرًا وقادًا وهكذا يجب أن يكون. لأول مرة منذ سنوات يشعر المُعلم أن هناك من يرفع عنه الحِمل بدل أن يضيف عليه. فالوزارة لم تُخفف الأعباء لمجرد التخفيف… بل لأنها تريد للمعلم أن يقوم بأهم وظيفة. المدرس المُرهق لا يصنع جيلاً، والوزارة أدركت ذلك، وأعادت تنظيم يومه المدرسي وساعاته ومهامه ليعود لجوهر رسالته. هو لا يُعلّم (أمة اقرأ) كيف تقرأ فقط، بل يعلمها كيف تحترم الكبير وتقدر المعلم وتعطي المكانة للمربي لأن التربية قبل العلم، فما حاجتنا لمتعلم بلا أدب؟ ومثقف بلا اخلاق؟ فنحن نحتاج القدوة ونحتاج الضمير ونحتاج الإخلاص، وكل هذه تأتي من القيم والتربية الدينية والأخلاق الحميدة. فحين يصدر في الدولة مرسوم أميري يؤكد على تعزيز حضور اللغة العربية، فهذا ليس قرارًا تعليميًا فحسب ولا قرارًا إلزاميًا وانتهى، وليس قانونًا تشريعيًا وكفى. لا، هذا قرار هوية. قرار دولة تعرف من أين وكيف تبدأ وإلى أين تتجه. فالبوصلة لديها واضحة معروفة لا غبار عليها ولا غشاوة. وبينما كانت المدارس تتهيأ للتنفيذ وترتب الصفوف لأننا في معركة فعلية مع الهوية والحفاظ عليها حتى لا تُسلب من لصوص الهوية والمستعمرين الجدد، ظهرت لنا ثمار هذا التوجه الوطني في مشاهد عظيمة مثل مسابقة “فصاحة” في نسختها الأولى التي تكشف لنا حرص إدارة المدارس الخاصة على التميز خمس وثلاثون مدرسة… جيش من المعلمين والمربين… أطفال في المرحلة المتوسطة يتحدثون بالعربية الفصحى أفضل منّا نحن الكبار. ومني أنا شخصيًا والله. وهذا نتيجة عمل بعد العمل لأن من يحمل هذا المشعل له غاية وعنده هدف، وهذا هو أصل التربية والتعليم، حين لا يعُدّ المربي والمعلم الدقيقة متى تبدأ ومتى ينصرف، هنا يُصنع الفرق. ولم تكتفِ المدارس الخاصة بهذا، فهي منذ سنوات تنظم مسابقة اقرأ وارتقِ ورتّل، ولحقت بها المدارس الحكومية مؤخراً وهذا دليل التسابق على الخير. من الروضات إلى المدارس الخاصة إلى التعليم الحكومي، كل خطوة تُدار من مختصين يعرفون ماذا يريدون، وإلى أين الوجهة وما هو الهدف. في النهاية… شكرًا لأنكم رأيتم المعلم إنسانًا، والطفل أمانة، والأسرة شريكًا، واللغة والقرآن هوية. وشكرًا لأنكم جعلتمونا: نفخر بكم… ونثق بكم… ونمضي معكم نحو تعليم يبني المستقبل.
3759
| 20 نوفمبر 2025
وفقًا للمؤشرات التقليدية، شهدت أسهم التكنولوجيا هذا العام ارتفاعًا في تقييماتها دفعها إلى منطقة الفقاعة. فقد وصلت مضاعفات الأرباح المتوقعة إلى مستويات نادرًا ما شوهدت من قبل، لذلك، لم يكن التراجع في التقييمات منذ منتصف أكتوبر مفاجئًا. وقد يعكس هذا الانخفاض حالة من الحذر وجني الأرباح. وقد يكون مؤشرًا على تراجع أكبر قادم، أو مجرد استراحة في سوق صاعدة طويلة الأمد تصاحب ثورة الذكاء الاصطناعي. وحتى الآن، لا يُعدّ الهبوط الأخير في سوق الأسهم أكثر من مجرد "تصحيح" محدود. فقد تراجعت الأسواق في الأسبوع الأول من نوفمبر، لكنها سجلت ارتفاعًا طفيفًا خلال الأسبوع الذي بدأ يوم الاثنين 10 من الشهر نفسه، لكنها عادت وانخفضت في نهاية الأسبوع. وما تزال السوق إجمالاً عند مستويات مرتفعة مقارنة بشهر أبريل، حين شهدت انخفاضًا مرتبطًا بإعلان الرئيس دونالد ترامب بشأن الرسوم الجمركية. فعلى سبيل المثال: تراجعت أسهم شركة إنفيديا بنحو 10% في الأسبوع الأول من نوفمبر، لكنها بقيت أعلى بنحو 60% مقارنة بما كانت عليه قبل ستة أشهر فقط. مؤشر S&P 500 انخفض إلى 6700 في الرابع عشر من نوفمبر، مقارنة بذروة بلغت 6920، وما زال أعلى بنحو سبعين بالمئة مقارنة بنوفمبر 2022. هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى على القيمة السوقية الإجمالية أصبحت واضحة. فمع نهاية أكتوبر، ورغم ارتفاع المؤشر طوال العام، باستثناء التراجع في أبريل، شهدت نحو 397 شركة من شركات المؤشر انخفاضًا في قيمتها خلال تلك الفترة. ثماني من أكبر عشر شركات في المؤشر هي شركات تكنولوجية. وتمثل هذه الشركات 36% من إجمالي القيمة السوقية في الولايات المتحدة، و60% من المكاسب المحققة منذ أبريل. وعلى عكس ما حدث لشركات الدوت كوم الناشئة قبل 25 عامًا، تتمتع شركات التكنولوجيا اليوم بإيرادات قوية ونماذج أعمال متينة، حيث تتجاوز خدماتها نطاق الذكاء الاصطناعي لتشمل برمجيات تطبيقات الأعمال والحوسبة السحابية. وهناك حجّة قوية مفادها أن جزءًا كبيرًا من الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي يأتي من شركات كبرى مربحة تتمتع بمراكز نقدية قوية، ما يجعل هذه الاستثمارات أقل عرضة للمخاطر مقارنة بموجات الحماس السابقة في قطاع التكنولوجيا. غير أن حجم الاستثمارات المخطط لها في مراكز البيانات أثار مخاوف لدى بعض المستثمرين. كما أن هناك 10 شركات ناشئة خاسرة متخصصة في الذكاء الاصطناعي تقدر قيمتها مجتمعة بنحو تريليون دولار. وهناك ايضاً تراجع صدور البيانات الاقتصادية الأمريكية بسبب الإغلاق الحكومي الذي دخل شهره الثاني، فلم تُنشر أي بيانات وظائف رسمية منذ 5 سبتمبر، ما دفع المحللين للاعتماد على بيانات خاصة. هذه البيانات أظهرت أعلى مستوى لتسريح الموظفين منذ 2003 في أكتوبر. كما جاءت نتائج أرباح بعض الشركات التقليدية مخيبة، حيث هبط سهم مطاعم تشيبوتلي بنحو 13% في نهاية أكتوبر بعد إعلان نتائج دون توقعات السوق.
2454
| 16 نوفمبر 2025
يحتلّ برّ الوالدين مكانة سامقة في منظومة القيم القرآنية، حتى جعله الله مقرونًا بعبادته في قوله تعالى: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء: 23]، فجمع بين التوحيد والإحسان إليهما في آية واحدة، ليؤكد أن البرّ بهما ليس مجرّد خُلقٍ اجتماعي، بل عبادة روحية عظيمة لا تقلّ شأنًا عن أركان الإيمان. القرآن الكريم يقدّم برّ الوالدين باعتباره جهادًا لا شوكة فيه، لأن مجاهد النفس في الصبر عليهما، ورعاية شيخوختهما، واحتمال تقلب مزاجهما في الكبر، هو صورة من صور الجهاد الحقيقي الذي يتطلّب ثباتًا ومجاهدة للنفس. قال تعالى: ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ [لقمان: 15]، فحتى في حال اختلاف العقيدة، يبقى البرّ حقًا لا يسقط. وفي الآية الأخرى ﴿وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: 24]، يربط القرآن مشاعر الإنسان بذاكرته العاطفية، ليعيده إلى لحظات الضعف الأولى حين كان هو المحتاج، وهما السند. فالبرّ ليس ردّ جميلٍ فحسب، بل هو اعتراف دائم بفضلٍ لا يُقاس، ورحمة متجددة تستلهم روحها من الرحمة الإلهية نفسها. ومن المنظور القرآني، لا يتوقف البرّ عند الحياة، بل يمتدّ بعد الموت في الدعاء والعمل الصالح، كما قال النبي ﷺ: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث... « وذكر منها «ولد صالح يدعو له» (رواه مسلم). فالبرّ استمرارية للقيم التي غرساها، وجسر يصل الدنيا بالآخرة. في زمن تتسارع فيه الإيقاعات وتبهت فيه العواطف، يعيدنا القرآن إلى الأصل: أن الوالدين بابان من أبواب الجنة، لا يُفتحان مرتين. فبرّهما ليس ترفًا عاطفيًا ولا مجاملة اجتماعية، بل هو امتحان للإيمان وميزان للوفاء، به تُقاس إنسانية الإنسان وصدق علاقته بربه. البرّ بالوالدين هو الجهاد الهادئ الذي يُزهر رضا، ويورث نورًا لا يخبو.
1392
| 14 نوفمبر 2025