رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ساعات ويشارف عام 2015 على الرحيل، ويطوي دفاتره تاركًا وراءه إرثاً ثقيلاً وأسئلة حارقة، ما بين حروب دقت طبولها ونزاعات وانقسامات داخلية ذاقت دول وشعوب مرارتها. عام مضى حافلًا بالأزمات الاحداث على أديم العالم الواسع الشاسع، المتقلب. بينما آخر يطل برأسه الخدر سيحمل في جنباته معينا لا ينضب من الازمات العربية والاسلامية، حيث الشعور بانعدام الأمن وطغيان خطابات الكراهية والعداوات والطائفية المستشرية ناهيك عن نسب الفقر والمجاعات، وظهور أمراض وأوبئة غير معروفة ظنت البشرية أنها تجاوزتها منذ عقود!
يغادرنا عام 2015 وما زالت جراحنا مفتوحة وساحاتنا محترقة ، تحطمت أحلامنا في بناء أوطان حقيقية وبناء مجتمعات مدنية متحضرة زاهرة بالعلم والتعددية السياسية والفكرية والرخاء الاقتصادي عندما صحونا على مشهد أسوأ مما كنّا فيه زمن الأنظمة الديكتاتورية بعد أن تزايدت مظاهر الفتنة الطائفية، وتنامي الاصطفاف المذهبي بين مكونات الأمة، و وطننا العربي غارق حتى أخمص قدميه في الأصولية والانتماءات الهوياتية وأصبحت الشعوب متوترة ومضطربة تعاني القلق من المستقبل بعد أن بدأت الانقسامات تنخر مجتمعاتنا.
نودع عام 2015 والفوضى والتخبّط والموت والدمار، وأزيز الرصاص والمتفجّرات تعنون واقعنا... أوطاننا لم تعرف الاستقرار، مصر أضاعت البوصلة وغرقت بالفوضى وتحطمت انتصارات ثورة 25 يناير تحت أقدام القمع والعسكر. سوريا ما زال فيها مسلسل الاقتتال الدموي مستمرًا، وبعد نحو خمس سنوات أصبحت أرض الشام مرتعًا خصبًا للجماعات المسلحة المتشددة، وملعبًا للقوى المتصارعة ، وما وصلنا إليه أن سوريا تحترق بنار جيشها ومشهدها أقرب ما يكون لحرب أهليّة لا يمكن التنبّؤ بمتى تنتهي!
أما السودان فقد خسر جنوبه ويبدو مهدداً بنذر انقسامات أخرى، و كان عام 2015 شاهدًا على تدهور الأوضاع في اليمن الذي لم يعد سعيداً..وليبيا الجديدة تتخطفها رجالات القبائل والميليشيات ولم يستطع الثوّار لغاية اليوم بناء دولة، أو حتى شبه دولة، وثمة رغبة غير حقيقية من قبل ما يسمى المجتمع الدولي بإنهاء حالة الانقسام بين القيادتين الليبيتين في طرابلس ومصراته، الأطراف الخارجية تتدخل فقط من أجل تغذية الصراع، مما جعل ليبيا ما بعد القذافي ساحة للجماعات المتطرفة. أما تونس البوعزيزي نراها تغرق في فوضى أمنيّة والانتفاضات العربية تاهت في الصحراء، وضاعت هويّتها ما بين إسلامية وعلمانية، ومازال العراق الجرح العربي النازف ينوء بثقل حكّامه الفاسدين وما أكثرهم، بلاد الرافدين ازدهرت فيها تجارة الموت والقتل وعلت على مشاهدها أصوات التفرقة والطائفية البغيضة والمدمرة بينما نرى "داعش" يتمدد يومًا بعد يوم! وجيوشنا العربية الباسلة أصبحت عبارة عن شرطة وحرس سجون، بعدما طغت مشاكلها الداخلية على ما عداها! وحدّث ولا حرج!
الفلسطينيون كما كل الشعوب، يقفون على أعتاب العام الجديد يحملون قلماً وورقة في جردة حساب يعيدون بها قراءة واقعهم وحاضرهم ومستقبلهم، ماذا أنجزوا بالعام الماضي؟ وأين أخفقوا؟، وأين أصابوا؟ الأوضاع ما زالت تراوح مكانها، حيث العزلة ما زالت مفروضة على غزة التي تعاني حصارًا لا يرحم، والضفة الغربية ما زالت ترزح تحت نير الاحتلال، ومفاوضات السلام مع الإسرائيليين لم تحقق أي نتائج إيجابية، كما أن المصالحة بين الفلسطينيين ما زالت بعيدة المنال.
حصاد عام 2015 مضى بكل تجلياته وإرهاصاته، غصاته وآلامه وأحزانه، ونحن اليوم نعيش على أبواب 2015، يغادرنا هذا العام وأجراس التقسيم والتفتيت لوطننا العربي تقرع بقوة وتهدد بتفشي المزيد من الوهن والضعف في الجسد العربي، رحل وعيوننا لا تريد تصديق مشهد أن ثمة مشارط وسكاكين أخرى بانتظار هذا الجسد الهائل والخامل الذي تتحكم به مجموعة من القوى التي استملكت أوطاننا وطوبتها باسمها وجعلتها مجرد أسواق تتاجر بها وبأرواحنا! وإذا لم نفعّل خياراتنا الاستراتيجية، ونقوي إرادتنا ونشهر مقاومتنا ونخرج من قمقم الخوف والرعب والعجز والهزيمة والتخاذل وأن نحرر خياراتنا السياسية فإننا سنغادره والحال على حاله.
لا نريد أن ننكأ الجروح الغائرة، بالمناسبة أين نحن وفي أي سوق؟ أين موقعنا كعرب على خارطة العالم علميًا وصناعيًا وبحثيًا، أين نحن من التقدم الحضاري الذي يعيشه العالم من حولنا؟ نتلمس الإجابة على هذا السؤال وعام 2015 يطوي أيامه بروزنامة حبلى ومليئة بالتداعيات والتنبؤات باشتعال حروب اهلية ستسقط المزيد من الضحايا والأبرياء على امتداد الجغرافيا المهددة بالتقسيم والمعبّدة بلون الدم..
أزف رحيل هذا العام، وأحوالنا في 31 كانون الأول (ديسمبر) مشابهة لما في 1 كانون الثاني (يناير)، فالأحوال الصعبة في العام الماضي امتطت العام الجديد من دون أن تستأذنه أو تنتظر موافقتنا ورغباتنا وطموحاتنا! فالهموم والشجون ستبقى كما هي وسنُرحًلها عامًا بعد عام ونحن ندفع أثمانًا باهظة لعدم قدرتنا على إيجاد حلول جذرية لمشاكلنا وأزماتنا وصراعاتنا الممتدة من الخليج حتى المحيط. على أعتاب العام، نحلم بإشراقة شمس من خلف غيوم المأساة العربية والإنسانية وتكون على مستوى تمنياتنا المتواضعة!
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
• متخصص بالسياسة السيبرانية
مساحة إعلانية



مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
6540
| 27 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم، باتت القيم المجتمعية في كثيرٍ من المجتمعات العربية أقرب إلى «غرفة الإنعاش» منها إلى الحياة الطبيعية. القيم التي كانت نبض الأسرة، وعماد التعليم، وسقف الخطاب الإعلامي، أصبحت اليوم غائبة أو في أحسن الأحوال موجودة بلا ممارسة. والسؤال الذي يفرض نفسه: من يُعلن حالة الطوارئ لإنقاذ القيم قبل أن تستفحل الأزمات؟ أولاً: التشخيص: القيم تختنق بين ضجيج المظاهر وسرعة التحول: لم يعد ضعف القيم مجرد ظاهرة تربوية؛ بل أزمة مجتمعية شاملة فنحن أمام جيلٍ محاط بالإعلانات والمحتوى السريع، لكنه يفتقد النماذج التي تجسّد القيم في السلوك الواقعي. ثانياً: الأدوار المتداخلة: من المسؤول؟ إنها مسؤولية تكاملية: - وزارة التربية والتعليم: إعادة بناء المناهج والأنشطة اللاصفية على قيم العمل والانتماء والمسؤولية، وربط المعرفة بالسلوك. - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: تجديد الخطاب الديني بلغة العصر وتحويل المساجد إلى منصات توعية مجتمعية. - وزارة الثقافة: تحويل الفنون والمهرجانات إلى رسائل تُنعش الوعي وتُعيد تعريف الجمال بالقيمة لا بالمظهر. - وزارة الإعلام: ضبط المحتوى المرئي والرقمي بما يرسّخ الوعي الجمعي ويقدّم نماذج حقيقية. - وزارة التنمية الاجتماعية: تمكين المجتمع المدني، ودعم المبادرات التطوعية، وترسيخ احترام التنوع الثقافي باعتباره قيمة لا تهديدًا. ثالثاً: الحلول: نحو حاضنات وطنية للقيم: إن مواجهة التراجع القيمي لا تكون بالشعارات، بل بإنشاء حاضنات للقيم الوطنية تعمل مثل حاضنات الأعمال، لكنها تستثمر في الإنسان لا في المال. هذه الحاضنات تجمع التربويين والإعلاميين والمثقفين وخبراء التنمية لتصميم برامج عملية في المدارس والجامعات ومراكز الشباب تُترجم القيم إلى ممارسات يومية، وتنتج مواد تعليمية وإعلامية قابلة للتكرار والقياس. كما يمكن إطلاق مؤشر وطني للقيم يُقاس عبر استطلاعات وسلوكيات مجتمعية، لتصبح القيم جزءًا من تقييم الأداء الوطني مثل الاقتصاد والتعليم. رابعا: تكامل الوزارات:غرفة عمليات مشتركة للقيم: لا بد من إطار حوكمة ؛ • إنشاء مجلس وطني للقيم يُمثّل الوزارات والجهات الأهلية، يضع سياسة موحّدة وخطة سنوية ملزِمة. مؤشرات أداء مشتركة • تُدرج في اتفاقيات الأداء لكل وزارة • منصة بيانات موحّدة لتبادل المحتوى والنتائج تُعلن للناس لتعزيز الشفافية. • حملات وطنية متزامنة تُبث في المدارس والمساجد والمنصات الرقمية والفنون، بشعار واحد ورسائل متناسقة. • عقود شراكة مع القطاع الخاص لرعاية حاضنات القيم وبرامج القدوة، وربط الحوافز الضريبية أو التفضيلية بحجم الإسهام القيمي. الختام..... من يُعلن حالة الطوارئ؟ إنقاذ القيم لا يحتاج خطابًا جديدًا بقدر ما يحتاج إرادة جماعية وإدارة محترفة. المطلوب اليوم حاضنات قيم، ومجلس تنسيقي، ومؤشرات قياس، وتمويل مستدام. عندها فقط سننقل القيم من شعارات تُرفع إلى سلوك يُمارس، ومن دروس تُتلى إلى واقع يُعاش؛ فيحيا المجتمع، وتموت الأزمات قبل أن تولد.
6423
| 24 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع في القلب وجعًا عميقًا يصعب نسيانه.. في الجولة الثالثة من دوري أبطال آسيا للنخبة، كانت الصفعة مدوية! الغرافة تلقى هزيمة ثقيلة برباعية أمام الأهلي السعودي، دون أي رد فعل يُذكر. ثم جاء الدور على الدحيل، الذي سقط أمام الوحدة الإماراتي بنتيجة ٣-١، ليظهر الفريق وكأنه تائه، بلا هوية. وأخيرًا، السد ينهار أمام الهلال السعودي بنفس النتيجة، في مشهد يوجع القلب قبل العين. الأداء كان مخيبًا بكل ما تحمله الكلمة من وجع. لا روح، لا قتال، لا التزام داخل المستطيل الأخضر. اللاعبون المحترفون الذين تُصرف عليهم الملايين كانوا مجرد ظلال تتحرك بلا هدف و لا حس، ولا بصمة، ولا وعي! أما الأجهزة الفنية، فبدت عاجزة عن قراءة مجريات المباريات أو توظيف اللاعبين بما يناسب قدراتهم. لاعبون يملكون قدرات هائلة ولكن يُزج بهم في أدوار تُطفئ طاقتهم وتشل حركتهم داخل المستطيل الأخضر، وكأنهم لا يُعرفون إلا بالاسم فقط، أما الموهبة فمدفونة تحت قرارات فنية عقيمة. ما جرى لا يُحتمل. نحن لا نتحدث عن مباراة أو جولة، بل عن انهيار في الروح، وتلاشي في الغيرة، وكأن القميص لم يعد له وزن ولا معنى. كم كنا ننتظر من لاعبينا أن يقاتلوا، أن يردّوا الاعتبار، أن يُسكتوا كل من شكك فيهم، لكنهم خذلونا، بصمت قاسٍ وأداء بارد لا يشبه ألوان الوطن. نملك أدوات النجاح: المواهب موجودة، البنية التحتية متقدمة، والدعم لا حدود له. ما ينقصنا هو استحضار الوعي بالمسؤولية، الالتزام الكامل، والقدرة على التكيّف الذهني والبدني مع حجم التحديات. نحن لا نفقد الأمل، بل نطالب بأن نرى بشكل مختلف، أن يعود اللاعبون إلى جوهرهم الحقيقي، ويستشعروا معنى التمثيل القاري بما يحمله من شرف وواجب. لا نحتاج استعراضًا، بل احترافًا ناضجًا يليق باسم قطر، وبثقافة رياضية تعرف كيف تنهض من العثرات لتعود أقوى. آخر الكلام: هذه الجولة ليست سوى بداية لإشراقة جديدة، وحان الوقت لنصنع مجدًا يستحقه وطننا، ويظل محفورًا في ذاكرته للأجيال القادمة.
3138
| 23 أكتوبر 2025