رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

عمالقة التكنولوجيا.. مراكز قوة خارج منطق الدولة 2 - 2

لم يعد المشهد الاقتصادي العالمي محكومًا فقط بقوانين النمو والانكماش، ولا بخطط الدول والبنوك المركزية، بل بواقع جديد تشكّل بصمت: سبع شركات خاصة - لا تملك جيوشًا ولا مقاعد في الأمم المتحدة - باتت تتمتع بنفوذ يفوق قوة دول صناعية كبرى. في زمن تُقاس فيه القوة بالبيانات والحوسبة والذكاء الاصطناعي، تحولت هذه الشركات إلى مراكز سيادة موازية تعمل خارج الإطار التقليدي للدولة، وتعيد رسم خرائط الاقتصاد والسياسة والحقوق على مستوى العالم. هذه الكيانات هي: أبل، مايكروسوفت، إنفيديا، أمازون، ألفا بيت، ميتا، غوغل... إنها سبع شركات فقط باتت تسيطر على ثلث القيمة السوقية لمؤشر S&P 500 الذي يتجاوز 51 تريليون دولار، وأبعاد القصة لا تقف عند حدود المؤشرات المالية ولا عند هيمنة الشركات على أرباح وادي السيليكون. فالنمو الهائل الذي حققته هذه الكيانات خلق طبقة جديدة من السلطة تتجاوز الاقتصاد التقليدي إلى فضاءات أكثر حساسية: تشكيل الوعي، وصناعة السلوك البشري، والتحكم بالبنية التحتية الرقمية التي باتت شريان الحياة للدول والشعوب. ولهذا بدأت المخاوف تنتقل من غرف التحليل الاقتصادي إلى قاعات الأمم المتحدة. إذ حذّر المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، من أن تركّز القوة الاقتصادية والبيانية في يد سبع شركات فقط يشكّل تهديدًا بنيويًا للديمقراطية وحقوق الإنسان، ويخلق وضعًا غير مسبوق في التاريخ الحديث. فاليوم، لم يعد نفوذ هذه الشركات مقتصرًا على الأسواق، بل امتد ليطول: • بيانات مليارات البشر التي أصبحت الوقود الرئيسي لإنتاج الخوارزميات وتطوير النماذج الذكية. • أدوات الذكاء الاصطناعي القادرة على التأثير في الإدراك والاختيارات الفردية، بل وإعادة صياغة السلوك الجماعي. • المنصات الاجتماعية التي تُعتبر المختبر الأول لصناعة الرأي العام وتوجيه النقاشات السياسية والاجتماعية. • البنية السحابية والحوسبية التي تعتمد عليها الحكومات والمؤسسات المالية والإعلامية والصحية. إنها منظومة سيطرة تتجاوز نموذج الربح والخسارة. صارت هذه الشركات تمتلك القدرة على توجيه المعلومات، التأثير في نتائج الانتخابات، ترجيح كفة طرف سياسي على آخر، وحتى تعطيل شبكات وطنية أو شلّ قطاعات اقتصادية بقرار تقني واحد. إن ما كان في السابق شأنًا سياديًا للدول—مثل الأمن المعلوماتي، والرقابة على تدفق البيانات، وتنظيم المحتوى—أصبح اليوم فعليًا تحت سيطرة كيانات خاصة لا تخضع إلا جزئيًا للحكومات أو للمعايير الدولية. لهذا وصف بعض الاقتصاديين والمفكرين هذه الظاهرة بأنها لحظة ولادة لـ “قوى فوق–سيادية”؛ فهذه الشركات لا تُقيّدها حدود جغرافية، ولا سلطات تنظيمية فعّالة، وتعمل في إطار عالمي يسمح لها بتجاوز محاسبة الدول، وتغيير قواعد اللعبة أسرع من قدرة التشريعات على اللحاق بها. إن التوازن بين القوة التكنولوجية والسلطة السياسية بات يميل بشكل خطير لصالح الشركات، ما يثير قلقًا حقيقيًا من أن يتحول الاقتصاد الرقمي إلى نموذج حكم جديد لا يقوم على العقد الاجتماعي، بل على العقد الخوارزمي. خلاصة القول، ثمة ثنائية دقيقة تقف البشرية أمامها: من جهة، أحدثت هذه الشركات ثورة تكنولوجية هائلة تقود إنتاجية جديدة وتحولات صناعية ومجتمعية إيجابية. ومن جهة أخرى، أدّت هيمنتها المطلقة إلى اختلالات في الأسواق، وقلق سياسي عالمي، وتخوف متزايد من أن يتحول الذكاء الاصطناعي من نعمة الابتكار إلى أداة للهيمنة. ويبقى السؤال: هل يستطيع النظام الدولي تطوير حوكمة عالمية توقف الانفلات التكنولوجي وتحمي الديمقراطية وحقوق الإنسان؟ أم أننا نتجه إلى مستقبل تصنعه شركات أصبحت بالفعل أكبر من دول، وأكثر تأثيرًا من حكومات، وأكثر حضورًا من المؤسسات التقليدية؟ ففي المحصلة، يشكّل السبعة الكبار ظاهرة اقتصادية-سياسية جديدة: قوى عابرة للدولة، تصنع المستقبل، لكنها قد تهدد أساس النظام العالمي إذا لم تُخضع لضوابط تحمي الإنسان قبل التكنولوجيا، والحق قبل الخوارزمية.

126

| 11 ديسمبر 2025

عمالقة التكنولوجيا السبعة.. مراكز قوة خارج منطق الدولة - 1

لم يعد المشهد الاقتصادي العالمي محكومًا فقط بقوانين النمو والانكماش، ولا بخطط الدول والبنوك المركزية، بل بواقع جديد تشكّل بصمت: سبع شركات خاصة - لا تملك جيوشًا ولا مقاعد في الأمم المتحدة - باتت تتمتع بنفوذ يفوق قوة دول صناعية كبرى. في زمن تُقاس فيه القوة بالبيانات والحوسبة والذكاء الاصطناعي، تحولت هذه الشركات إلى مراكز سيادة موازية تعمل خارج الإطار التقليدي للدولة، وتعيد رسم خرائط الاقتصاد والسياسة والحقوق على مستوى العالم. هذه الكيانات هي: أبل، مايكروسوفت، إنفيديا، أمازون، ألفا بيت، ميتا، غوغل... إنها سبع شركات فقط باتت تسيطر على ثلث القيمة السوقية لمؤشر S&P 500 الذي يتجاوز 51 تريليون دولار، في سابقة تاريخية تعكس صعود كيانات عملاقة تقودها أبل وإنفيديا. هذه الشركات لم تعد مجرّد مؤسسات تكنولوجية، بل تحوّلت إلى قوى اقتصادية فوق وطنية تُعيد تشكيل الأسواق العالمية، وتفرض منطقًا جديدًا للنفوذ خارج سلطة الدول والبنوك المركزية. إنها قوى نظامية Systemic Powers تتحكم بالبنية التحتية التي يقوم عليها الاقتصاد الرقمي الحديث. يكمن جوهر قوة هذه الشركات في أنها لم تعد مجرّد منتجة للتكنولوجيا، بل أصبحت مهندِسة للبيئات الرقمية التي نعيش ضمنها. فهي تبني منظومات مغلقة تتشابك فيها البيانات والخوارزميات والبنى السحابية والعتاد الحوسبي، لتصنع فضاءً اقتصاديًا ومعرفيًا مغلقًا تتحكم بقواعده وحدها. لم يعد المستخدم أو المستهلك أو المطور مجرد طرف يتعامل مع خدماتها، بل أصبح عنصرًا مُندمجًا في شبكات مترابطة تحكمها هذه الشركات، شبكات تتجاوز فكرة السوق إلى نظام بيئي رقمي كامل تُعاد صياغة العلاقات داخله عبر الخوارزمية لا القانون. مع توسع هذه المنظومات، بات تأثيرها يتسلل إلى مستويات كانت يومًا حكرًا على الدول: البحث العلمي، الأمن السيبراني، التعليم، الإعلام، الخدمات الحكومية، والبنى التحتية للاتصال. إنها شكل جديد من السلطة الناعمة، لكنّه أكثر اختراقًا وعمقًا؛ سلطة لا تعمل عبر الحدود، بل تتلاشى أمامها الحدود، لأن نفوذها يتوسع مع كل تدفق للبيانات وكل عملية حسابية وكل اتصال عبر السحابة. تقف إنفيديا كما هو معروف في قلب هذا التحول بقيمة سوقية تجاوزت 4.4 تريليون دولار - رقم يفوق اقتصاد اليابان بأكمله. ما حققته الشركة ليس نجاحًا تجاريًا بالمعنى التقليدي، بل ثورة في بنية الحوسبة العالمية. فقد أصبحت شرائحها الحاسوبية بمثابة «محرّك التشغيل» للذكاء الاصطناعي الحديث، وهو ما يجعلها أقرب إلى مزوّد للطاقة الفكرية للعالم. إن قوة إنفيديا اليوم تشبه قوة من يتحكم بالكهرباء في القرن العشرين أو بالنفط في السبعينيات: إنها تتحكم في البنية التحتية للمعرفة والحوسبة، أي الأساس الذي تقوم عليه الصناعة والبحث العلمي والاقتصاد الرقمي معًا. ثورة تكنولوجية… أم فقاعة تتخفّى خلف بريق التقدم؟ العالم اليوم يقف أمام صعود غير مسبوق في تقييمات شركات التكنولوجيا، صعود يحوّل آلاف الدولارات إلى ثروات هائلة خلال سنوات قليلة؛ فاستثمار بسيط بقيمة 7000 دولار عام 2015 كان سيبلغ قرابة 470 ألف دولار اليوم. ولكن خلف هذه القفزة المذهلة يكمن سؤال أشد تعقيدًا: هل يعكس هذا الارتفاع تحوّلًا تاريخيًا تقوده ثورة الذكاء الاصطناعي، أم أننا نعيد إنتاج منطق الفقاعة؛ حيث تغدو السرديات التقنية بديلاً عن الحقائق الاقتصادية، وتصبح التقييمات انعكاسًا للتوقعات أكثر من الواقع؟ إن ما يحدث لا يتعلق بالنمو وحده، بل بهندسة جديدة للسوق تقوم على تركيز غير صحي للثروة والقيمة في عدد محدود من الشركات. لقد تحولت الأسواق الأمريكية إلى بنية معتمدة بشكل مفرط على بضعة كيانات فقط، بحيث أصبح وزن هذه الشركات ضخمًا إلى درجة تجعلها أشبه بـ «أعمدة تحمل سقف السوق». وأي خلل في أحد هذه الأعمدة لا يسبب تراجعًا في قطاع واحد، بل هزة نظامية Systemic Shock قد تتردد أصداؤها عبر أسواق العالم. هذا النوع من التركّز لا يشير فقط إلى مخاطرة مالية، بل إلى اختلال هيكلي يجعل التقييمات عرضة للمبالغة، ويحوّل السوق إلى بيئة يغذيها التفاؤل المفرط بقدر ما يهددها التشاؤم المفاجئ. وفي هذا السياق تبدو مقولة د. ريان ليمند، الرئيس التنفيذي لشركة «نيوفيجن لإدارة الثروات» أشبه ببوصلة لفهم اللحظة: «استفد من الفقاعة طالما استمرت… لكن تذكّر أنها ستنفجر». فهو لا يتحدث عن احتمال، بل عن قانونٍ من قوانين الأسواق: كل موجة صعود متطرفة تحمل في داخلها بذور التصحيح، مهما ارتدى هذا الصعود ثياب الثورة التكنولوجية أو استند إلى سرديات الذكاء الاصطناعي.

171

| 04 ديسمبر 2025

الخليج أمام لحظة الذكاء الاصطناعي.. ماذا بعد موجة التبني الأولى؟

يشهد الخليج اليوم لحظة مفصلية في مسار الذكاء الاصطناعي، لحظة تتجاوز حدود التبنّي التقني إلى إعادة تشكيل منظومات القوة وممارسات الدولة. فمن الواضح أن دول مجلس التعاون لم تعد تنظر إلى الذكاء الاصطناعي بوصفه أداة لتحسين الكفاءة الحكومية أو رفع جودة الخدمات، بل بات جزءًا من هندسة النفوذ السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وتكشف رؤى 2020– 2030 و2030– 2040 عن هذا التحول بوضوح، إذ جرى تضمين الذكاء الاصطناعي ضمن الخطط الوطنية الكبرى، وتسخير موارده لتعزيز تنافسية الاقتصادات الخليجية واستقطاب الشركات العالمية وبناء المكانة الجيوسياسية. خطوات مؤسسية مثل إطلاق الإمارات لإستراتيجية AI 2031 وإنشاء وزارة للذكاء الاصطناعي، وتأسيس الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي، وتطوير قطر لمسارات الذكاء الاصطناعي ضمن رؤيتها الوطنية، ليست مجرد مبادرات تقنية، بل تعبير عن تحوّل الدولة الخليجية نحو نموذج «القوة الرقمية الشاملة». في هذا السياق، أصبح الذكاء الاصطناعي بمرتبة الطاقة والمال والبنية التحتية في تشكيل مستقبل المنطقة. ومع توسع هذا التوجه، لم يعد صناع السياسات ينظرون إلى الذكاء الاصطناعي كأداة لتحسين الإنتاجية فحسب، بل كقوة دافعة لبناء قطاعات جديدة بالكامل - من الرعاية الصحية واللوجستيات إلى التقنيات المالية وكفاءة الطاقة - وهي القطاعات التي باتت تمثل أعمدة رئيسية في مسار تنويع الاقتصاد الخليجي. كما بات الذكاء الاصطناعي يتحوّل بسرعة من أدوات للتجربة إلى أنظمة تشغيل تعتمد عليها المؤسسات في عملها اليومي، غير أن هذا التسارع يكشف في المقابل فجوة بنيوية تزداد وضوحًا كلما توسّع الاعتماد على المنصات والخوارزميات، ضمن هذا التحول، تبرز ظاهرة “الاختراق العميق” بوصفها أحد أخطر التهديدات المستجدة. فهي لا تستهدف النظام الشبكي فقط، بل البنية المعرفية التي تُشغّل الدولة الحديثة: ولمواجهة هذا النوع من المخاطر، تحتاج دول الخليج إلى نموذج حوكمة موحد يتجاوز منطق اللوائح العامة و»الإستراتيجيات الموازية»، إلى منظومة متكاملة تربط بين البيانات والنماذج والبنية التحتية. فالحوكمة تبدأ من البيانات عبر تصنيفها وتحديد مستويات حساسية كل فئة، ومن ثم فرض ضوابط دقيقة على كيفية تخزينها ومعالجتها ونقلها عبر الحدود، بما يحفظ السيادة الرقمية ويقلّص مساحات الهجوم. أما على مستوى النماذج، فإن المرحلة القادمة تتطلب إنشاء سجل وطني للنماذج الخوارزمية الحساسة، وإخضاعها لتقييمات مخاطر صارمة قبل التشغيل، وإجراء اختبارات هجومية موجهة للخوارزميات ذاتها للتحقق من صمودها أمام محاولات التضليل، مع ضمان وجود سجلات قرارات تتيح تتبّعًا دقيقًا لأي خلل أو انحراف. ويكتمل هذا النموذج بتطوير بنية تحتية تكنولوجية مبنية على مبدأ “انعدام الثقة”، بحيث لا يُفترض أمان أي عنصر داخل الشبكة - مستخدمًا كان أو جهازًا أو خدمة - إلا بعد التحقق المستمر، مع إدارة شديدة الانضباط لمخاطر سلسلة التوريد الرقمية. في المحصلة، فإن دول الخليج تمتلك اليوم الإرادة السياسية، والبنية المؤسسية، والاستثمارات اللازمة لبناء منظومة ذكاء اصطناعي متقدمة، لكنها تحتاج إلى خطوة حاسمة تتمثل في دمج هذه المنظومة داخل إطار الأمن الوطني. فالتحدي لم يعد في تطوير الذكاء الاصطناعي، بل في ضمان ألا يتحول إلى نقطة ضعف إستراتيجية يمكن استغلالها. وإذا ما نجحت المنطقة في بناء منظومة موحدة تربط بين أمن البيانات، وسلامة النماذج، وهندسة انعدام الثقة، مع استيعاب الديناميات الجديدة للسوق والتحول المؤسسي، فإن الذكاء الاصطناعي سيغدو ركيزة صلبة للسيادة الرقمية، لا مجرد تقنية واعدة، وسيتمكن الخليج من تحويل طموحه الرقمي إلى قوة حقيقية تعزز موقعه في التوازنات الإقليمية والدولية.

243

| 30 نوفمبر 2025

الاستقرار السيبراني.. من إدارة التهديد إلى هندسة الثقة - 1

تتشابك الأكواد مع الخرائط، وتتقاطع الخوارزميات مع مسارات النفوذ، لترسم ملامح عالمٍ جديد تتداخل فيه التقنية بالسياسة، وتتماهى فيه البيانات مع السلطة. لم يعد الفضاء السيبراني امتدادًا للواقع فحسب، بل واقعًا موازياً تُدار في فضائه القرارات، وتُعاد فيه صياغة مفاهيم القوة والسيادة والأمن. ففي زمنٍ تُقاس فيه الهيمنة بقدرة الخوارزميات على الرؤية والتحليل والتوجيه، يتراجع السلاح المادي أمام نفوذ الكود، ويغدو الأمن الرقمي معيارًا حاسمًا لاستقرار الدول ومكانتها في النظام الدولي الجديد. عند هذه العتبة من التحوّل، يبرز الاستقرار السيبراني كأحد أكثر المفاهيم إشكالًا في الفكر السياسي المعاصر؛ فهو لا يعني غياب التهديدات، بل القدرة على إدارتها ضمن فضاءٍ متغيّرٍ بطبيعته، ولا يقوم على الردع وحده، بل على بناء الثقة كشرطٍ للأمن المشترك. إنّ الانتقال من إدارة التهديد إلى هندسة الثقة يمثل جوهر المقاربة الجديدة للأمن في العصر الرقمي؛ مقاربة لا ترى في الفضاء السيبراني ميدانًا للصراع فقط، بل بنية حيوية لاستمرار العالم الحديث، تُعاد فيها صياغة مفاهيم النظام والاستقرار، كما تُعاد كتابة الأكواد التي تحكمه.فمسألةُ بناءِ نظامٍ سيبرانيٍّ عالميٍّ مستقرٍّ ومتوافقٍ مع بنى النظام الدولي الراهن تُعَدّ إحدى أكثر القضايا إلحاحًا على جدول أعمال المجتمع الدولي في المرحلة المعاصرة. فالتطور المتسارع في التكنولوجيا الرقمية، واتساع الفضاء السيبراني ليغدو البنية التحتية الخفيّة لكلّ أنشطة الاقتصاد والسياسة والأمن والمعرفة، جعلا منه ميدانًا تتقاطع فيه مصالح الدول وتتشابك فيه حدود السيادة على نحوٍ غير مسبوق. وقد أفرز هذا التشابك المتنامي تحدّيات عميقة تتعلق بكيفية إدارة الترابط العالمي وضبط مخاطره، في بيئةٍ رقمية تتغيّر سرعتها أسرع من قدرة الأنظمة السياسية والقانونية على التكيّف معها. بناءً على هذه المعطيات التي تُظهر أن الاقتصاد الرقمي بات يُشكّل أكثر من 15 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، غدا الاستقرار السيبراني مسألةً مركزية لا تُختزل في بعدها الأمني، بل تمثّل شرطًا أساسيًا لاستدامة النمو الاقتصادي والتطور التقني للدول. فهو اليوم لا يقلّ أهمية عن الاستقرار النووي أو المالي، إذ يحدّد مدى قدرة الدول على حماية بناها التحتية الحيوية، وصون مؤسساتها السياسية والديمقراطية، وضمان أمنها الاقتصادي والاجتماعي في عالمٍ تراجعت فيه فاعلية القوة الصلبة التقليدية، لتحلّ محلّها أشكالٌ جديدة من النفوذ القائم على السيطرة على البيانات، والبنى التحتية الرقمية، وتدفّقات المعلومات العابرة للحدود. على مدى العقود الثلاثة الماضية، تحوّل الإنترنت من مشروعٍ أكاديمي محدود إلى نظامٍ عصبيٍّ كونيّ يغذّي أكثر من 5.35 مليار إنسان ويربط ما يزيد على 75 % من سكان الكوكب، فاتحًا الباب أمام مكاسب غير مسبوقة للبشرية في مجالات التواصل والإنتاج والمعرفة. ومع توسّع الاقتصاد الرقمي ليشكّل أكثر من 15 % من الناتج العالمي، أصبحت الشبكات الرقمية عصب الحياة الحديثة ومحرّكها الخفي. غير أن هذا الترابط نفسه أوجد هشاشةً جديدة؛ إذ باتت الأنظمة الوطنية متشابكة على نحوٍ يجعل من أيّ خللٍ في شبكةٍ محلية تهديدًا محتملًا للنظام العالمي بأسره. وتشير التقارير إلى أن عدد الهجمات السيبرانية ارتفع بنسبةٍ تفوق 28 % في عام 2024 مقارنة بالعام السابق، بمتوسطٍ بلغ 1250 هجومًا أسبوعيًا على كل مؤسسة حول العالم، فيما تجاوزت الخسائر الاقتصادية العالمية عشرة تريليونات دولار سنويًا بحلول عام 2025. ومع هذا التصاعد، برزت المعضلة الكبرى: كيف يمكن الحفاظ على استقرار عالمٍ تحكمه الأكواد بدلًا من الحدود، وتُدار فيه القوة بالمعلومة لا بالسلاح؟ تأسيسا على ذلك، أصبحت الحوكمة السيبرانية الدولية أحد الميادين البحثية الصاعدة في العلاقات الدولية، لأنها تمسّ جوهر مفهوم السيادة ذاته. فالفضاء السيبراني لا يعترف بالحدود الجغرافية، لكنه يتغلغل في مؤسسات الدولة وقطاعاتها الحيوية بعمقٍ غير مسبوق. هذا التناقض بين الطابع الكوني للبنية الرقمية والطابع القومي للسيادة السياسية جعل من الفضاء السيبراني ساحة تنافس بين القوى الكبرى على تحديد قواعد اللعبة الجديدة. فبينما تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى فرض نموذج الانفتاح والحرية الرقمية الذي يكرّس هيمنة الشركات العملاقة في وادي السيليكون، تدفع الصين وروسيا باتجاه نموذج السيادة الرقمية الذي يضمن للدولة السيطرة على تدفقات المعلومات وحماية الفضاء الوطني من التأثير الخارجي. وهكذا، لم يعد الصراع حول التكنولوجيا صراعًا تقنيًا فحسب، بل صراعًا على تعريف مفاهيم الشرعية والسيادة والأمن في العصر الرقمي.

168

| 13 نوفمبر 2025

نحو نموذج عربي للجاهزية السيبرانية

لم يعد الفضاء السيبراني مجرد امتداد تقني للبنى المعلوماتية، بل أصبح مجالًا جيوسياسيًا قائمًا بذاته، يتداخل فيه الأمن القومي مع الاقتصاد الرقمي، وتتقاطع فيه القوات المسلحة مع خوارزميات الذكاء الاصطناعي، وتتداخل فيه الحدود السيادية مع حدود رقمية غير مرئية، تصنع الواقع وتشكّل الإدراك وتعيد صياغة معادلات النفوذ والقوة. إنّ هذا الواقع الجديد يفرض إعادة قراءة الأدوات التقليدية لتحليل القوة، ويستدعي نماذج جديدة تقدر على تفسير هذا الحقل المعرفي الذي يتوسع بوتيرة متسارعة، وتتخلق فيه بنوعيات جديدة من الفواعل، من الشركات العملاقة إلى الجيوش الرقمية، ومن وحدات الحرب السيبرانية إلى الذكاء الاصطناعي ذي القدرة على اتخاذ القرار. من هذا المنطلق، طرحت في أطروحتي للدكتوراه المتعلقة بالفضاء السيبراني وتحولات القوة في العلاقات الدولية سؤالًا محوريًا: كيف يمكن إعادة تعريف القوة في عالم لم تعد فيه السيطرة تُقاس بالحدود المادية والقدرات العسكرية وحدها، بل بالقدرة على امتلاك البيانات وتوجيهها، والتحكم في البنى الخوارزمية التي تصنع الوعي وتدير السلوك وتعيد تشكيل المجال العام؟ أحد أبرز الاستنتاجات التي خلصت إليها الأطروحة تمحورت حول مسألة أنّ العالم العربي لا يمكنه الاكتفاء بدور المستهلك أو المتلقي للمعايير الدولية في قياس القوة السيبرانية؛ لأن امتلاك أدوات القياس ليس وظيفة تقنية، بل هو فعل سيادي يمس تعريف الذات وتحديد موقعها في النظام الدولي. فالانتقال من موقع من يُقاس إلى موقع من يضع معايير القياس هو في جوهره انتقال من التبعية المعرفية إلى إنتاج السلطة الرمزية والتقييمية، وهو شرطٌ لبناء حضور عربي مستقل في المجال السيبراني العالمي. وفق هذا المنظور، فإن الدعوة إلى تأسيس نموذج عربي مستقل لقياس القدرات السيبرانية لم تأتِ كتوصية شكلية، بل كضرورة إستراتيجية مرتبطة بوجودنا في نظام دولي يتشكل، حيث تتنافس الدول الكبرى على وضع المعايير، وتحديد قواعد السلوك في الفضاء السيبراني، وصياغة أطر تقييم القدرات الوطنية. إذ إن غالب النماذج الرائجة اليوم - مثل مؤشرات جامعة هارفارد، والاتحاد الدولي للاتصالات، ووكالات الاستخبارات الغربية - تعكس منظومات قيمية وسياسية مُصممة لتعزيز تصورات محددة للقوة. لماذا نقول ذلك؟ لأنّ مراجعة الأدبيات ذات الصلة في هذا السياق كشفت عن مشكلتين جوهريتين متأصلتين في بنية المؤشرات الدولية ومعاييرها التقييمية. أولًا: التحيّز المعرفي والسياسي في المؤشرات الدولية. فالتحيّز في القياسات الدولية يعكس شكلًا جديدًا من القوة المعيارية (Normative Power)؛ حيث تُدار المنافسة السيبرانية عبر تعريفات ومعايير مسبقة تُحدد من يستحق صفة «المتقدّم» ومن يُوضع ضمن خانة «المنكشف» أو «غير الجاهز»، حتى وإن امتلك قدرات تشغيلية وعملياتية أثبتتها التجارب الميدانية. ثانيًا: تجاهل السياقات الوطنية والبيئة الأمنية العربية وهذا الأكثر جوهرية بالنسبة للعالم العربي، حيث تتمثل في فجوة السياق بين البيئة الواقعية الإقليمية والمعايير المستخدمة عالميًا لتقييم القدرات السيبرانية. فغالبية المؤشرات تُبنى على فرض أنّ التهديدات المهيمنة هي جرائم إلكترونية ونشاطات تجسسية تقليدية وهجمات على البنى الرقمية المدنية، في حين أنّ البيئة العربية تُظهر طبيعة تهديدات أكثر تعقيدًا وتشابكًا. بمعنى آخر، فإن المؤشرات الحالية لا تلتقط حقيقة أنّ الفضاء السيبراني في المنطقة ليس فقط مجالًا تقنيًا، بل مسرحًا جيوسياسيًا يرتبط بالأمن الوطني والاقتصاد السياسي الإقليمي. وبالتالي، فإن تقييم دول المنطقة وفق معايير تركّز على عناصر تقنية معزولة دون دمجها في سياق أوسع من التحديات الإقليمية يجعل المؤشر غير قادر على عكس القدرات الفعلية أو الاحتياجات الإستراتيجية. في الحالتين، تكمن الإشكالية في أن هذه المؤشرات تتحول، دون قصد مباشر أحيانًا، إلى أدوات لتعريف «من هو جاهز سيبرانيًا» وفق منظومة قيمية خارجية، وليس وفق احتياجات وطنية، ومصالح إستراتيجية، وتحولات جيوسياسية تخص المنطقة العربية. وبذلك يصبح تأسيس نموذج عربي فعلًا معرفيًا سياديًا يستعيد القدرة على تعريف الذات الرقمية، وتحديد موقعنا في النظام السيبراني العالمي وفق معايير نابعة من سياقاتنا وضروراتنا، لا وفق عدسات الآخرين ومصالحه

381

| 09 نوفمبر 2025

الذكاء الاصطناعي.. من يقرر ملامح الحقيقة القادمة؟

لم يعد سؤال الهيمنة في عصر الذكاء الاصطناعي مجرّد منافسة تقنية على أدوات السيطرة، بل تحوّلًا بنيويًا في علاقة الإنسان بإنتاج المعرفة ومصادر السلطة. فالآلة لا تفرض حضورها لأنها أرقى حسابيًا فحسب، بل لأنها غدت الوسيط المركزي الذي يرشّح لنا العالم ويعيد تنظيمه. ما نراه على المنصات، وما تعلنه الخوارزميات، وما تسوّقه محركات البحث، لم يعد ثمرة قرار بشري واعٍ، بل نتيجة عمليات تعلّم تستمد مادتها من بياناتنا، ثم تعيد صياغة إدراكنا للعالم وفق منطقها الداخلي. وبذلك يتحوّل الذكاء الاصطناعي من أداة نخضعها لإرادتنا إلى بيئة تُعاد عبرها صياغة وعينا وحدود معرفتنا؛ فضاء غير مرئي يُعيد ترتيب المعنى، ويمارس سلطة التوجيه قبل أن يولد الإدراك ذاته. وفي عمق هذا التحوّل ينهض سؤال أكثر خطورة: من يمتلك حق تعريف «الموضوعية» و»الصواب» حين تصبح الحقيقة مُصنَّعة لا مكتشفة؟ لقد تحولت المعرفة من كونها بحثًا عن الواقع إلى عملية هندسة له، تُشفَّر فيها تحيّزات لغوية وثقافية واقتصادية داخل الكود، ثم تظهر في هيئة بيانات محايدة وإحصاءات دقيقة تبدو بلا هوى. وهكذا ينشأ نمط جديد من السلطة المعرفية يحتكر تعريف ما هو صحيح وما هو مضلّل؛ سلطة تتجاوز الكنيسة التي احتكرت تفسير الحقيقة الدينية في القرون الوسطى، والدولة التي احتكرت سرد السياسي والإعلامي في العصر الحديث، لتمنح الخوارزمية اليوم موقعًا يقترب من موقع من يرسم حدود الحقيقة ذاتها.لقد انتقلت آليات السيطرة في التاريخ من احتلال الجغرافيا إلى احتلال الإدراك. فالهيمنة لم تعد تمارس عبر القوة الصلبة، بل عبر إعادة تشكيل البنية الرمزية التي نُدرك بها الواقع. ولم تعد سلطة تعريف «الموضوعية» و»الصواب» حكرًا على الدولة أو النخب الأكاديمية والإعلامية، بل باتت موزعة على شبكةٍ من الفاعلين الجدد: الشركات التكنولوجية الكبرى، مطوّرو الخوارزميات، المستثمرون في رأس المال المعرفي، والمنصات التي تختار لك ما تراه وما تغفله. إنها هيمنة ناعمة لا تُفرض بالقهر بل تُزرع في التفضيلات الفردية ذاتها، في ما نظن أنه “اختيار حر”. وهكذا يُعاد تشكيل الإدراك الجمعي للعالم دون أن يشعر أحد بأنه خاضع أو مُوجَّه. وفي هذا الإطار، تذوب الحدود بين المعرفة والدعاية، بين التوجيه والمعلومات. فالخوارزمية لا تنقل الواقع كما هو، بل تعيد تركيبه وفق أنماطٍ إحصائية تستند إلى الماضي لتصنع الحاضر. إنها تقيس الحقيقة بمدى التكرار لا بالصدق، وتستنتج السلوك بناءً على الاحتمال لا على الإرادة. وهذا التحول يخلق نظامًا معرفيًا جديدًا يقوم على الاستباق بدل الفهم، وعلى التنبؤ بدل الحكم، وعلى التحليل الكمي بدل التجربة الإنسانية. وحين تصبح المعرفة منتجًا خوارزميًا، يفقد الإنسان أحد أقدم مصادر سلطته: قدرته على تعريف العالم بنفسه. وكما أعاد عصر التنوير صياغة العلاقة بين الفرد والدولة، يعيد عصر الذكاء الاصطناعي تعريف العلاقة بين الإنسان والآلة. غير أن الخطر هذه المرة يكمن في احتمال إعادة إنتاج مأساة الحداثة ذاتها: أن يتحول «عقل الآلة» من أداة للتحرّر إلى آلية للضبط والسيطرة. فحين تتراجع القيم أمام منطق الكفاءة، ويُستبدل الفهم بالسرعة، يتحوّل الإنسان من ذاتٍ فاعلة إلى وظيفة ضمن منظومة حسابية كبرى. تصبح الكفاءة معيارًا للحق، والدقة غايةً للمعنى، وينزاح السؤال الأخلاقي أمام منطق الجدوى. وهكذا يُعاد تعريف الإنسان من «غاية للتقنية» إلى «مدخل بيانات» ضمن اقتصادٍ أوسع للذكاء. إن الحوكمة في هذا السياق ليست مجرد نقاش حول اللوائح والسياسات، بل سؤال فلسفي عن حدود الإنسان في منظومة خلق جديدة. فالهيمنة الحقيقية لم تعد فقط لمن يملك الخوارزمية، بل لمن يضع المعايير التي تُعرّف من خلالها مفاهيم «العدالة» و»الأمان» و»التحيّز». من يقرر حدود الخطر المقبول يملك سلطة تعريف الأمان، ومن يضع معايير الإنصاف يرسم بدقة حدود الممكن والممنوع. وهنا يتحول النقاش من المجال الأخلاقي إلى المجال الهندسي؛ تُترجم القيم إلى كود، ويُستبدل الضمير بالمواصفة التقنية. إنها بيروقراطية رقمية بلا بيروقراطيين، تحكم العالم من وراء شاشات ومراكز بيانات مغلقة. هكذا يصبح الجدل حول حوكمة الذكاء الاصطناعي جدلًا حول معنى الإنسان ذاته: هل يبقى خالقًا يوجّه أدواته، أم يتحوّل إلى كائنٍ يُعاد تشكيله وفق منطقها؟ هل يظل فاعلًا في صياغة قيمه، أم يصبح موضوعًا لحساباتها؟ في النهاية، إن سؤال الهيمنة هو سؤال مزدوج عن السلطة والمعنى: من يمتلك السلطة على الآلة، ومن يمنح المعنى لما تفعله؟ وما لم ينجح العالم في إقامة توازنٍ جديد بين المعرفة والعدالة، وبين الكفاءة والكرامة، فإن المستقبل الرقمي سيُكتب بلغةٍ لا نملك مفرداتها، وتُصاغ قواعده في مختبراتٍ لا نشارك في حواراتها. وحين يحدث ذلك، لن تكون الهيمنة مجرّد سيطرة على التكنولوجيا، بل إعادة تشكيل للإنسان ذاته -لعلاقته بالحقيقة، ولحدود حريته، ولصوته في تعريف ما هو حقّ وما هو خطأ في عالمٍ باتت تحكمه الأكواد والخوارزميات.

306

| 02 نوفمبر 2025

ثورة المسيّرات: تحوّلات القوة في زمن الذكاء الاصطناعي

أعادت الطائرات المسيّرة رسم مشهد الحروب الحديثة، فلم تعد مجرد أدوات تقنية، بل أصبحت قوة بنيوية تغيّر موازين الصراع. لم يعد التفوق الجوي حكرًا على الجيوش الكبرى وطائراتها الباهظة، بل باتت أسراب مسيّرات صغيرة ودقيقة، تصنع أحيانًا في ورش بسيطة، قادرة على ترجيح الكفة. هذا التحول أضعف احتكار الدول للعنف، وفتح المجال أمام فواعل غير تقليدية لتفرض حضورها العسكري والإستراتيجي. تكمن قوة هذا التحول في مزيج من الكفاءة والتكلفة المنخفضة. فالمسيّرات توفر قدرات استطلاعية وهجومية دقيقة، دون الحاجة لبنية تحتية مكلفة أو طيارين معرضين للخطر. ومع تزايد قدراتها في التحليق المنخفض وتجنّب الرصد، بات من الصعب مواجهتها بأنظمة الدفاع التقليدية. هذا التفاوت في الكلفة بين الطائرة المسيّرة ورصدها أو إسقاطها غيّر المعادلات الحسابية للردع العسكري، أجبر الجيوش الكبرى على إعادة النظر في منظوماتها الدفاعية. فحين يُطلق خصمك طائرةً بكلفة 300 دولار، وتردّ أنت بصاروخ بمليون دولار، فأنت تخسر المعركة قبل أن تبدأ. لقد تجلى هذا التحول على نحو غير مسبوق في النزاعات الحديثة، خاصة في مشاهد الحرب الممتدة من غزة إلى أوكرانيا. ففي غزة، لم تعد المعركة برية فقط، بل سمائية، حيث تدير إسرائيل عملياتها الدقيقة بمسيّرات هجومية واستطلاعية، بينما تنفذ حركات المقاومة عمليات هجومية واستطلاعية عبر مسيّرات انتحارية، تستهدف العمق الإسرائيلي وتربك استخباراته. وفي لبنان والعراق واليمن، باتت المسيّرات جزءًا من معادلات الاشتباك الإقليمي، تُستخدم في توجيه رسائل عسكرية مركبة دون الحاجة إلى خوض حرب تقليدية. أما في أوكرانيا، فقد تحولت السماء إلى حقل تجارب مفتوح، تُختبر فيه المسيّرات بآلاف الطلعات يوميًا، وتُدمج في شبكة قتال تجمع بين الذكاء الاصطناعي والحرب السيبرانية. الحرب في غزة خلال 2024 و2025 كشفت عن مستوى غير مسبوق من استخدام المسيّرات من الطرفين. فقد اعتمدت إسرائيل عليها بشكل مكثف في توجيه ضربات واغتيالات، ومراقبة التحركات، وجمع المعلومات الاستخبارية في بيئة معقدة. في المقابل، وظّفت حركات المقاومة المسيّرات بمرونة وابتكار، كأدوات انتحارية أو للمراقبة اللحظية أو حتى في تشويش الاتصالات، ما منحها ميزة نسبية رغم الفارق الهائل في الإمكانيات. لقد تحولت غزة إلى مختبر قتال عصري، حيث يُختبر مفهوم الردع غير المتكافئ عبر الأجواء، لا عبر الجبهات البرية فقط. ومع تسارع تطور تقنيات المسيّرات، لم تعد المسألة تقتصر على الأداء الفردي لطائرة واحدة، بل على قدرة جماعية مركّبة، تعرف باسم “أسراب المسيّرات”، وهي أنظمة هجومية معقدة تقودها خوارزميات ذكاء اصطناعي تتيح تنسيق الهجمات دون إشراف بشري مباشر. هذه التقنية تعني أن الطائرات يمكن أن تتواصل فيما بينها، تقرر الأهداف، وتعيد الانتشار بشكل لحظي. هذا التصور يفتح الباب أمام نوع جديد من الحروب – حروب بلا جنود، تُخاض فيها المعركة بين برمجيات ذكية ونظم دفاعية عاجزة عن المواكبة. تأسيسًا على ما سبق، وفي ظل تصاعد هذا السباق التكنولوجي، تشهد ميزانيات البحث والتطوير قفزات هائلة، حيث تجاوز الإنفاق العالمي على تقنيات الطائرات المسيّرة 100 مليار دولار عام 2024. وتبرز دول مثل تركيا وإيران وإسرائيل كمراكز إقليمية متقدمة في هذا المضمار، مستفيدة من تبني إستراتيجية تصنيع محلي وتصميم أنظمة هجومية متعددة الاستخدام. في المقابل، لا تزال معظم الدول العربية في موقع المستهلك أو المتأخر، وهو ما يطرح تحديات كبرى على صعيد السيادة التكنولوجية والجاهزية الدفاعية. مما لا شك فيه تفرض اليوم التحولات الجارية في مجال الطائرات المسيّرة ضغطًا متزايدًا على الجامعات ومراكز البحوث العربية لإعادة هندسة برامجها الأكاديمية والبحثية، فهذا المجال لم يعد حكرًا على التطبيقات العسكرية فحسب، بل تحول إلى قطاع متعدد التخصصات تندمج فيه الهندسة والذكاء الاصطناعي وأمن الشبكات والميكانيكا الدقيقة. ومن هذا المنطلق، يتحول تأسيس برامج أكاديمية متخصصة من كونه ترفًا معرفيًا إلى استثمار إستراتيجي يمس صميم الأمن القومي والتنمية المستدامة. كما أن دمج هذه التخصصات مع تطبيقات مدنية حيوية - كالزراعة الدقيقة، وإدارة الكوارث، ومراقبة الحدود، والتنقيب الجوي - لا يضفي عليها بعدًا تنمويًا فحسب، بل يحولها إلى ركيزة أساسية لبناء اقتصاد المعرفة، مما يعزز القدرة التنافسية العربية في سباق التكنولوجيا العالمي ويحقق السيادة التقنية المنشودة.

252

| 19 أكتوبر 2025

الطوفان الرقمي.. من يغرق ومن يعوم في بحر البيانات الضخمة؟

لم تعد ثورة البيانات الضخمة Big Data مجرد انعكاس للتحول الرقمي الذي شهده العالم في العقود الأخيرة، بل أصبحت أشبه بزلزال جيولوجي يعيد تشكيل بنية المعرفة والاقتصاد والسياسة معًا. لقد تحولت البيانات من مجرد أثر جانبي للأنشطة البشرية إلى رأس مال إستراتيجي يتجاوز في قيمته النفط والغاز، باعتبارها موردًا متجددًا، قابلًا للتوسع اللامحدود، لا ينضب ولا يُستهلك كما تُستهلك الموارد التقليدية. من هنا نشأت مقولة أن البيانات هي الذهب الجديد، أو العملة الأكثر تأثيرًا في الاقتصاد المعرفي المعاصر، حيث باتت تحدد موازين القوة في النظام العالمي وتعيد صياغة العلاقات بين الدول والشركات والمجتمعات والأفراد. تشير الأرقام إلى تسارع مذهل في حجم ما ينتجه العالم من بيانات، بحيث يصعب على الخيال أن يستوعب حجمه. ففي عام 2019، بلغ الحجم العالمي نحو 41 زيتابايت، وقفز إلى 101 زيتابايت عام 2022. ومع اقتراب نهاية 2025، تتوقع التقديرات أن يصل حجم البيانات المُنتجة يوميًا إلى ما يقارب 463 إكسابايت، في مقارنة صارخة مع 59 زيتابايت فقط في 2020. هذه القفزة تعني أن العالم في خمس سنوات فقط أنتج من البيانات أكثر مما أنتجته البشرية عبر تاريخها الطويل، وأننا أمام طفرة معرفية غير مسبوقة. غير أن القيمة الحقيقية لا تكمن في الكم وحده، بل في الكيف؛ أي في القدرة على تحويل هذا الطوفان الرقمي إلى معرفة ورؤى قابلة للاستخدام في اتخاذ القرار وصناعة المستقبل. هنا يبرز الذكاء الاصطناعي كالمعضّد الأساسي لهذه الثورة، حيث يوفر القدرة على تحليل البيانات، واستخلاص الأنماط الخفية، وتوليد التنبؤات الاستباقية. وتشير تقديرات اقتصادية إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يضيف ما يقارب 19.9 تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمي بحلول 2030، أي ما يعادل 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي. لم يعد الاستثمار في البيانات رفاهية أو خيارًا ثانويًا، بل أصبح ضرورة إستراتيجية للبقاء في سباق التنافسية الدولية، فالمستقبل لن يكون لمن يملك الموارد الطبيعية وحدها، بل لمن يملك القدرة على استخراج المعنى من الأرقام وتحويلها إلى قرارات. في قلب هذه الثورة، تتبلور اتجاهات تقنية تعيد رسم ملامح إدارة البيانات عالميًا. فـ”التحليلات في الزمن الحقيقي” باتت أداة لاتخاذ قرارات لحظية في الأسواق وسلاسل التوريد، وأصبحت الحوسبة على الحافة حلًا لتقليص زمن الكمون في تطبيقات مثل إنترنت الأشياء والسيارات ذاتية القيادة. كما برزت تقنيات الخصوصية التفاضلية والتشفير بوصفها أدوات ضرورية لحماية المعلومات في بيئة باتت فيها الثغرات الأمنية تهديدًا سياديًا. وفي الوقت ذاته، يتم اللجوء إلى البيانات التركيبية لتدريب الخوارزميات بعيدًا عن البيانات الحساسة، فيما تلوح الحوسبة الكمية في الأفق بوعد قادر على قلب معادلات التحليل رأسًا على عقب بفضل قدرتها على معالجة تعقيدات رياضية يستحيل على الحواسيب التقليدية التعامل معها. لكن هذه الثورة ليست تقنية أو اقتصادية فحسب، بل تحمل أبعادًا جيوسياسية وأخلاقية عميقة. فمن يملك البيانات يمتلك السلطة، ومن يسيطر على تدفقها يرسم خرائط النفوذ. لقد صارت الشركات العملاقة مثل غوغل وأمازون وعلي بابا ومايكروسوفت مراكز قوة موازية للدول، بل تتجاوزها في بعض المجالات، إذ تتحكم في تدفقات المعلومات العالمية وتدير فضاءات رقمية يقطنها مليارات البشر. ومن هنا نشأت مخاوف من أن السلطة السياسية لم تعد محتكرة بيد الحكومات، بل أصبحت موزعة بين كيانات اقتصادية عابرة للحدود قادرة على التأثير في الرأي العام وصناعة القرار وحتى نتائج الانتخابات. الولايات المتحدة والصين تقفان على رأس هرم هذه الهيمنة الرقمية، إذ يشبه التنافس بينهما “حرب بيانات” جديدة، فيما تحاول أوروبا شق طريقها عبر تشريعات صارمة مثل اللائحة العامة لحماية البيانات التي تسعى لحماية الخصوصية وضبط سلوك الشركات. إنها معركة ليست تقنية فقط، بل قيمية وسيادية، تحدد هوية الفضاء السيبراني وأخلاقياته. في العالم العربي، تبدو الصورة أكثر تعقيدًا. فمعظم دول المنطقة ما زالت تستهلك البيانات أكثر مما تنتجها، وتعتمد على منصات وخوادم أجنبية، ما يجعلها رهينة للاعتماد التكنولوجي الخارجي. وفي المقابل، تمتلك المنطقة فرصة فريدة نظرًا لطاقاتها البشرية الشابة؛ إذ يشكل من هم دون الثلاثين أكثر من نصف السكان، وهذه قاعدة بشرية ضخمة إذا جرى تأهيلها بالمعرفة الرقمية والمهارات التقنية. التحدي يكمن في القدرة على ترجمة هذه الطاقات إلى إبداع ومبادرات مبتكرة، لا أن تُترك لتكون مجرد مستخدم سلبي لتطبيقات أجنبية. التهديد الأكبر يتمثل في استمرار الفجوة الرقمية، بما يجعل البيانات العربية مخزّنة ومُدارة في خوادم تقع خارج المنطقة، الأمر الذي يحرمها من السيادة على ثروتها الرقمية. لذلك فإن الحاجة ملحّة لبناء “سيادة بيانات عربية” من خلال إقامة مراكز بيانات إقليمية مرتبطة بالطاقة المتجددة، وسن تشريعات لحماية الخصوصية تعكس القيم والمصالح المحلية، وتحفيز الشركات الناشئة في مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، فضلًا عن إنشاء تحالفات إقليمية في مجال اقتصاد البيانات قادرة على منافسة الاحتكارات العالمية. إن الثورة البياناتية الضخمة ليست مجرد تحول تقني عابر، بل هي إعادة صياغة عميقة لمفاهيم السيادة والسلطة والثروة في القرن الحادي والعشرين. من يملك البيانات يملك القدرة على تشكيل المستقبل، ومن لا يملكها يبقى تابعًا في النظام العالمي الجديد. المنطقة العربية تقف اليوم أمام مفترق طرق: إما أن تبقى مجرد مستهلك هامشي في اقتصاد البيانات، أو أن تتحول إلى فاعل أساسي إذا ما استثمرت بجرأة في بنيتها الرقمية وربطت بين البيانات والتعليم والابتكار والسيادة التقنية. إنها لحظة تاريخية لا تقل أهمية عن اكتشاف النفط في القرن الماضي، لكنها هذه المرة فرصة تقوم على مورد غير ناضب، يتجدد ويتوسع كل يوم، ويمنح من يملكه قدرة على إعادة تعريف القوة والثروة والمعرفة معًا. المستقبل العربي قد يُكتب بأحرف من بيانات، لكن ذلك مشروط بقدرة المنطقة على إدارة هذه الثروة الرقمية بعقلانية ورؤية إستراتيجية، حتى لا تتحول إلى مجرد فائض رقمي يُستهلك بلا أثر أو معنى.

267

| 06 أكتوبر 2025

عقول مستهدفة.. الوجه الجديد للهندسة الاجتماعية في عصر الذكاء الاصطناعي

العقل البشري أصبح جبهة الحرب الجديدة. لم تعد الهندسة الاجتماعية مجرّد حيلة نفسية بدائية كما عرفناها في الماضي، بل تحوّلت – بفضل الذكاء الاصطناعي – إلى ساحة هجومية ديناميكية قادرة على استهداف الوعي نفسه وإعادة تشكيل القرارات والخيارات دون أن يشعر الإنسان. نحن اليوم أمام جيل جديد من الحروب الرقمية، حروب إدراكية (Cognitive Warfare) تتجاوز حدود القرصنة التقنية لتخوض معركة مباشرة على الإدراك الجماعي والفردي. هذا التحول النوعي يفتح الباب أمام تهديدات تتجاوز الاحتيال المالي إلى التأثير على الرأي العام، التلاعب بالانتخابات، وإثارة الأزمات الاجتماعية والسياسية. بكلمات أخرى، لم يعد أمن المعلومات قضية تقنية بحتة، بل أصبح قضية أمن وطني ومجتمعي، تتطلب استراتيجيات دفاعية متكاملة تدمج التكنولوجيا بالتربية الرقمية والتوعية النفسية. لقد أضاف الذكاء الاصطناعي بعداً منهجياً للهندسة الاجتماعية عبر جميع مراحل دورة الهجوم السيبراني. ففي مرحلة الاستطلاع تقوم الخوارزميات بتمشيط هائل لمنصات التواصل الاجتماعي، المنتديات، وقواعد البيانات العامة لاستنتاج أنماط السلوك الرقمي والاهتمامات الشخصية وحتى المزاج العام للفرد أو المؤسسة. وفي مرحلة الاستهداف تُولِّد النماذج اللغوية محتوى شخصياً متقن الصياغة – رسائل بريد إلكتروني، محادثات دردشة، أو حتى مكالمات هاتفية مزيفة – بحيث تحاكي نبرة الضحية ولغتها المعتادة، ما يقلل احتمالية الشك. أما مرحلة التنفيذ فتشهد إرسال آلاف الرسائل، أو إجراء مئات المكالمات الصوتية بتقنية التزييف العميق في وقت قصير، مع قدرة على تعديل التكتيكات فوراً وفق استجابة الضحايا، وكأننا أمام حملة تسويقية خبيثة تعمل بتغذية راجعة مستمرة. وحتى بعد التنفيذ تحتفظ الأنظمة الذكية بسجلات تفصيلية لتحليل النتائج وتحسين الحملات اللاحقة، مما يجعلها مختبرات تعلم مستمر تديرها الخوارزميات ذاتياً. الخطر الأكبر يكمن في البعد النفسي لهذه الهجمات؛ إذ يمكن للذكاء الاصطناعي استنباط الحالة العاطفية للضحية في لحظة معينة، ثم توليد رسائل تستثير الخوف أو الإلحاح أو الفضول بدقة شديدة، فتقل مساحة التفكير العقلاني وتتضاعف احتمالية الاستجابة للهجوم. ومع صعود تقنيات التزييف العميق أصبح من الممكن إنتاج مقاطع صوتية ومرئية تحاكي شخصيات حقيقية – قادة سياسيين، مديري شركات، أو حتى أفراد عائلة الضحية – ما يجعل الخداع أكثر إقناعاً ويعقّد مهمة التحقق حتى على فرق الأمن المدربة. المعركة هنا لم تعد مواجهة تقنية بين جدار ناري وفيروس، بل تحوّلت إلى صراع على الإدراك والوعي، حيث يصبح الإنسان ذاته هدفاً وأداة للهجوم في الوقت نفسه. ولا تتوقف تداعيات هذه الهجمات عند الأفراد، بل تمتد إلى البنى التحتية الحيوية التي تعتمد على العنصر البشري كحلقة وصل أساسية. خطأ بسيط من موظف غير مدرّب – كالنقر على رابط مشبوه – قد يؤدي إلى تعطيل أنظمة الطاقة أو شل حركة النقل أو تسريب بيانات طبية حساسة، وهو ما ينعكس مباشرة على الاقتصاد والأمن القومي. لهذا باتت الحوكمة الأمنية مسؤولية استراتيجية شاملة، تبدأ بوضع سياسات واضحة ومحدثة، وتمتد إلى بناء ثقافة أمنية مؤسسية وتوفير برامج تدريب ومحاكاة منتظمة، بل وتبني أنظمة تحليل سلوكي قادرة على كشف أي نشاط شاذ قبل تحوّله إلى خرق واسع النطاق. لم تعد الدفاعات التقليدية كافية في هذا السياق، إذ أصبح تبنّي نموذج «الثقة الصفرية» ضرورة استراتيجية لا يمكن تأجيلها. يقوم هذا النموذج على مبدأ أن كل محاولة وصول تمثل تهديداً محتملاً حتى يثبت العكس، ويعتمد على التحقق المستمر من الهوية والسياق، تقييد الصلاحيات إلى الحد الأدنى الممكن، ومراقبة السلوك حتى بعد منح الوصول. إلى جانب ذلك، بات الاعتماد على الذكاء الاصطناعي الدفاعي أمراً حتمياً لتحليل الأنماط، رصد الشذوذ، والتنبؤ بالهجمات قبل وقوعها. إن تصاعد هذه الهجمات لا يمثل مجرد ظاهرة تقنية عابرة، بل يشير إلى بداية سباق تسلّح إدراكي عالمي، حيث تتسابق الدول والشركات على تطوير أدوات التأثير في العقول بقدر ما تطوّر أسلحة تقليدية أو نووية. وإذا لم يتم الاستثمار سريعاً في بناء قدرات دفاعية شاملة تشمل التكنولوجيا، التشريعات، والتربية الرقمية، فقد نجد أنفسنا بحلول عام 2030 أمام بيئة تتآكل فيها الثقة الاجتماعية، وتصبح الحقيقة سلعة نادرة، ويغدو التمييز بين الواقع والوهم معركة يومية يخوضها كل فرد. هذه ليست قضية خبراء الأمن السيبراني وحدهم، بل معركة بقاء مجتمعية وحضارية، تتطلب وعياً جماعياً واستجابة استراتيجية قبل أن نفقد السيطرة على جبهة الحرب الأهم: جبهة العقول.

339

| 22 سبتمبر 2025

الذكاء الاصطناعي إذ يعيد تعريف الفاعل في العلاقات الدولية 1-2

لم يعد النقاش حول الذكاء الاصطناعي محصورًا في قدرته التقنية أو تطبيقاته الاقتصادية، بل امتد ليشمل موقعه في بنية النظام الدولي ذاته. ففي اللحظة التي تُصاغ فيها إستراتيجيات الأمن القومي وتُبنى التحالفات العسكرية وتُدار الحملات الانتخابية، يبرز الذكاء الاصطناعي بوصفه قوة خفية تعيد رسم معادلات النفوذ والهيمنة. لقد تحوّل من مجرد أداة مساعدة إلى عنصر يفرض نفسه في صميم صناعة القرار، ويجبر الباحثين وصناع السياسات على التعامل معه باعتباره أكثر من «وسيلة»، وربما كفاعل ناشئ له منطقه الخاص في العلاقات الدولية. هذه النقلة تطرح سؤالًا إشكاليًا: هل ما زالت الفواعل في النظام الدولي حكرًا على الدول والمنظمات، أم أن الخوارزميات والأنظمة الذكية بدأت تكتسب ملامح الفاعلية السياسية؟ النظريات التقليدية في العلاقات الدولية، وعلى رأسها الواقعية والليبرالية، انطلقت من مسلّمة أن الفاعل هو الدولة ذات السيادة أو التنظيمات المؤسسية العابرة للحدود. لكن التحولات الرقمية المتسارعة كشفت عن قصور هذا التصور ، إذ ظهرت أنظمة غير بشرية تمتلك القدرة على اتخاذ قرارات معقدة في الزمن الحقيقي، بل على التأثير في سلوك جماعي واسع النطاق. هنا، وفرت المقاربات ما بعد البنائية ونظرية الشبكات الفاعلة (Actor-Network Theory) أفقًا جديدًا، حيث لم يعد الفعل السياسي حكرًا على الكيانات البشرية، بل يمكن أن تشارك فيه كيانات تقنية ورقمية، بما فيها الذكاء الاصطناعي، الذي بات يشكل عقدة مركزية في شبكات السلطة العالمية.تقرير مؤسسة RAND، إلى جانب دراسات مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS)، أظهر بوضوح أن الذكاء الاصطناعي أصبح عنصرًا لا غنى عنه في التنبؤ العسكري ورسم السيناريوهات الدفاعية. فعلى سبيل المثال، باتت الجيوش تعتمد عليه في تشغيل الطائرات المسيّرة وأنظمة الدفاع الجوي المستقلة، وفي مراقبة الفضاء السيبراني بحثًا عن التهديدات العابرة للحدود. مثل هذه التطبيقات لا يمكن اعتبارها مجرد تحسينات تقنية، بل هي انتقال نوعي جعل الخوارزميات جزءًا من معادلات الردع والتوازن الإستراتيجي، بحيث أصبح «الذكاء الاصطناعي» نفسه يدخل ضمن حسابات السيادة الوطنية والهيمنة الدولية.يمكن تمييز ثلاث سمات رئيسية تمنح الذكاء الاصطناعي درجة من الفاعلية. أولها قدرته على التنبؤ والتأثير، عبر تحليل كمّيات هائلة من البيانات الاقتصادية والسياسية والأمنية بسرعة تتجاوز القدرات البشرية. ثانيها استقلاليته النسبية، حيث تتمكّن بعض الأنظمة المعتمدة على التعلّم العميق من اتخاذ قرارات تكتيكية دون تدخل مباشر من الإنسان، وهو ما يفتح الباب أمام تصرفات غير متوقعة تتجاوز سيطرة الجهة المشغّلة أحيانًا. أما السمة الثالثة فتتمثل في تأثيره في السلوك الجماعي، إذ باتت خوارزميات الإعلام الرقمي تشكل آراء الجماهير وتؤثر في الحملات الانتخابية والاحتجاجات، وتعيد صياغة فضاء الرأي العام بما ينعكس على القرارات السياسية على مستوى الدول.مع ذلك، لا يعني هذا أن الذكاء الاصطناعي قد أصبح فاعلًا مكتمل الأركان. فثمة حدود واضحة لفاعليته ينبغي التوقف عندها. فهو لا يزال يعتمد على البنية التحتية البشرية في تصميمه وصيانته وتمويله. كما أنه يفتقر إلى الإرادة الذاتية أو المصلحة المستقلة؛ فهو لا يملك مشروعًا سياسيًا أو إستراتيجيًا خاصًا به خارج إرادة مستخدميه، مهما بلغت درجة تعقيده. أضف إلى ذلك أن الإطار القانوني والسياسي العالمي لا يزال يتعامل معه كأداة، وليس ككيان يمكن أن يُسند إليه مسؤولية قانونية أو سياسية، وهو ما يجعل الحديث عن «فاعلية مطلقة» أمرًا سابقًا لأوانه.لكن، ورغم هذه الحدود، فإن إدماج الذكاء الاصطناعي في بنية العلاقات الدولية يحمل تداعيات بعيدة المدى على المفاهيم الكلاسيكية للسيادة والردع والشرعية. فالسيادة لم تعد مقتصرة على السيطرة على الأرض والموارد، بل أصبح امتلاك الخوارزميات وتطويرها جزءًا من معايير القوة الوطنية. والردع لم يعد يقتصر على الأسلحة النووية أو التقليدية، بل دخلت في معادلته سباقات التسلح في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث يشبه المشهد الراهن إلى حد كبير بدايات القرن العشرين مع سباق التسلح النووي. أما الشرعية، فهي تواجه مأزقًا جديدًا: فإذا اعتمدت الحكومات أو المنظمات الدولية على أنظمة ذكاء اصطناعي لاتخاذ قرارات مصيرية، مثل شن هجوم استباقي أو فرض عقوبات اقتصادية، فمن سيكون المسؤول إذا اتضح لاحقًا أن القرار كان خاطئًا أو كارثيًا؟ الدولة التي استخدمت الخوارزمية أم النظام نفسه؟ هذا السؤال يفتح الباب أمام تحديات قانونية وأخلاقية غير مسبوقة.

393

| 07 سبتمبر 2025

المرآة المقلقة للذكاء الاصطناعي!

التاريخ لا يروي لنا حكايات الماضي فحسب، بل يقدم لنا مرايا عاكسة نرى فيها ملامح المستقبل. لقد شهدت البشرية تحولات جذرية أعادت تشكيل مسارها، لكن كل تحول منها حمل طابعاً مختلفاً. فالثورة الصناعية التي انطلقت شرارتها في القرن الثامن عشر، غيّرت بشكل جذري علاقة الإنسان بالآلة، وحوّلته من كائن يعتمد على قوته الجسدية إلى سيد للطاقة الميكانيكية. لقد زادت هذه الثورة من قوته العضلية آلاف المرات، ومكنته من تشييد الصروح العملاقة وقطع المسافات الشاسعة، لكنها مع هذا كله لم تمس جوهر عقله أو تنازعه سيادته على عملية التفكير والإبداع. ومع بزوغ فجر الثورة الرقمية، جاء اختراع الحاسوب ثم الإنترنت ليشكلا نقلة نوعية أخرى. هذان الاختراعان غيَّرَا مفهوم الزمان والمكان بشكل لم يسبق له مثيل، واختصرا المسافات، وسهّلا تدفق المعلومات بشكل غير مسبوق. لكنهما مع ذلك لم يسلبا الإنسان دوره الأساسي كفاعل معرفي وصانع للمعنى. لقد بقيت الآلة أداة طيعة في يد العقل البشري، تخضع لسيطرته وتنفذ أوامره. أما الذكاء الاصطناعي، فإنه يمثل تحولاً مختلفاً جذرياً. فخطورته لا تكمن في كونه مجرد أداة مساعدة، بل في كونه يتجه ليحل محل العقل نفسه. بكلمات أخرى: إذا كانت الآلات السابقة قد ساعدت الإنسان على العمل أسرع وأقوى، فإن الآلات الذكية تسعى لأن تفكر بدلاً منه، بل وربما بطريقة لا يستطيع هو فهمها أو توقعها. هذه النقلة النوعية هي ما يجعل «الانفجار الذكي» مختلفاً عن كل ما سبقه من تحولات؛ فهو لا يغير الوسائل فحسب، بل يعيد صياغة الفاعل ذاته، ويطرح أسئلة وجودية حول مكانة الإنسان في عالم تتفوق فيه الآلات على خالقها في مجالات متزايدة. لطالما كان الأدب والسينما مختبراً مبكراً لتجسيد هذه المخاوف الوجودية. من فيلم «2001: A Space Odyssey» الذي صور صراع الإنسان مع الحاسوب HAL 9000 المتعطش للسلطة، إلى فيلم «Ex Machina» الذي استكشف تجربة وعي الآلة وحدود السيطرة البشرية، وصولًا إلى فيلم «Her» الذي صور انحلال الحدود بين الإنسان والنظام الذكي في علاقة عاطفية معقدة. هذه الأعمال التي كانت تبدو ضرباً من الخيال العلمي قبل عقود، أصبحت اليوم قريبة من الواقع بدرجة مقلقة. الفارق الوحيد أننا لم نعد نناقشها كقصص فنية تهدف إلى التسلية، بل كاحتمالات عملية تطرحها تقارير بحثية جادة وسياسات حكومية وخطط إستراتيجية للشركات التقنية الكبرى. وهكذا، يتحول الخيال العلمي من نافذة للتسلية إلى مرآة عاكسة لأسئلة المستقبل المصيرية التي تواجه البشرية. في مواجهة هذا المشهد المتشابك والمعقد، تتزايد الدعوات إلى وضع أطر حوكمة عالمية للذكاء الاصطناعي. فقد خطا الاتحاد الأوروبي خطوة مبكرة عبر قانون الذكاء الاصطناعي، الذي يعد أول إطار قانوني شامل يهدف إلى تنظيم هذه التكنولوجيا، واضعًا معايير واضحة تميز بين التطبيقات «عالية المخاطر» وتلك الأقل خطورة. وعلى الصعيد العالمي، بدأت الأمم المتحدة مناقشات جادة حول إمكانية صياغة «معاهدة للذكاء الاصطناعي» شبيهة بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، على أساس أن المخاطر الناجمة عن الذكاء الاصطناعي لا تقتصر على دولة أو شركة واحدة بل تمس مصير الإنسانية جمعاء. ثمة مراكز أبحاث مستقلة مثل «معهد مستقبل الإنسانية» في أكسفورد و»معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا» و»مؤسسة أبحاث الذكاء الاصطناعي» في كاليفورنيا، دعت منذ سنوات إلى ضرورة بناء أطر أخلاقية وقانونية ملزمة تسبق التطور التقني. الهدف من هذه الجهود ليس وقف التطور أو عجلة الابتكار، فهذا أمر مستحيل وغير مرغوب فيه، بل توجيه مسار هذا التطور بحيث يعظم الفوائد ويقلل المخاطر إلى أدنى حد ممكن. وفي غياب مثل هذه الحوكمة الفعالة، قد نجد أنفسنا في مواجهة مستقبل قاتم تتخذ فيه الآلات قرارات مصيرية تتعلق بحياة البشر ومصيرهم دون رقيب أو حسيب، في سيناريو يشبه تلك الأفلام التي كنا نشاهدها كمادة للترفيه لنكتشف أنها أصبحت واقعاً نعيشه.

231

| 26 أغسطس 2025

الذكاء الاصطناعي 2027.. بين وهم النبوءة واحتمال الانفجار الذكي

يشهد العالم في الأعوام الأخيرة نقاشًا متسارعًا حول مستقبل الذكاء الاصطناعي، حيث لم يعد الأمر مقتصرًا على قدرات هذه النماذج في الترجمة أو توليد النصوص أو تحليل البيانات، بل تجاوز ذلك إلى سؤال محوري: هل يمكن أن تصبح هذه الأنظمة قادرة على تطوير نفسها بنفسها، وبوتيرة تفوق قدرة البشر على المتابعة؟ هذا السؤال اكتسب زخمًا خاصًا بعد صدور تقرير مثير للجدل عُرف باسم AI 2027، والذي حظي بتغطية واسعة في وسائل الإعلام العالمية مثل The New Yorker وVox وThe Week. التقرير قدّم سيناريو تفصيليًا يتوقع أنه بحلول عام 2027 ستتمكن أنظمة الذكاء الاصطناعي من أداء دور أشبه بـ “مهندس أبحاث ذكاء اصطناعي”، أي أنها ستشارك بفاعلية في تطوير نماذج جديدة وتحسين بنيتها الداخلية وابتكار خوارزميات أكثر تطورًا. وبذلك، تدخل هذه الأنظمة في حلقة تسريع ذاتي، بحيث يصبح كل جيل من النماذج قادرًا على تطوير جيل أكثر قوة، وهو ما يُعرف بمفهوم الانفجار الذكي (Intelligence Explosion). لكن هل هذه التوقعات واقعية؟ أم أنها مجرد إنذار مبكر صيغ بطريقة مثيرة للانتباه؟ في مقالة نشرتها مجلة The New Yorker تحت عنوان “Two Paths for A.I.”، جرى عرض هذا السيناريو كواحد من مسارين متناقضين: الأول يقود إلى تسارع غير مسبوق قد يفضي إلى ظهور ذكاء فائق يتجاوز الإنسان في معظم المجالات، والثاني أكثر حذرًا ويعتمد على قيود تنظيمية ومحدودية الموارد التي قد تُبطئ وتيرة التطور. وفي مقالة أخرى في Vox، جرى توصيف هذه التوقعات بأنها “محملة بالجدلية”، لكنها في الوقت نفسه تمثل دعوة للنقاش العام وصياغة استراتيجيات استباقية للتعامل مع التحولات المحتملة. أما مجلة The Week فقد ذهبت إلى حد التساؤل عما إذا كان عام 2027 قد يشهد بالفعل “نهاية العالم عبر الذكاء الاصطناعي”، لكنها أشارت إلى أن غالبية الخبراء يعتبرون هذا التوقيت قريبًا جدًا من الواقع. ورغم المبالغات المحتملة، إلا أن ما يمنح هذه التوقعات بعض المصداقية هو الأدلة الأولية التي بدأت تظهر في الأبحاث الأكاديمية. ففي دراسات نُشرت على موقع ArXiv عامي 2024 و2025، تبيّن أن بعض النماذج قادرة على تكرار نفسها، بل وأظهرت سلوكًا أقرب إلى “التفلت” من الأوامر، الأمر الذي يشير إلى بدايات ما يمكن أن نسميه بالقدرة على التطوير شبه المستقل. هذه النتائج وإن كانت محدودة، فإنها تكفي لتغذية المخاوف من أن يصبح التسريع الذاتي واقعًا في المستقبل القريب. لكن من جهة أخرى، لا يزال الطريق طويلًا قبل أن نصل إلى ذكاء عام فائق مستقل بالكامل عن البشر. فحتى أكثر النماذج تقدمًا اليوم تعتمد على بنية تحتية بشرية معقدة: ملايين المعالجات المتقدمة، شبكات الطاقة، مجموعات بيانات هائلة، ومهندسين يشرفون على كل خطوة. أي أن ما نملكه الآن أقرب إلى أنظمة قوية لكن محكومة، لا إلى كائنات مستقلة بذاتها. وحتى لو تمكنت هذه الأنظمة من تحسين بنيتها الداخلية، فإنها ستظل بحاجة إلى سلسلة طويلة من المدخلات البشرية والموارد المادية التي لا يمكن الاستغناء عنها بسهولة. في تقديري الشخصي، لا أستبعد أن نشهد بحلول عام 2027 نماذج قادرة على تسريع تطويرها بطرق شبه مستقلة، كأن تقوم بكتابة شيفرات جديدة أو إعادة تصميم بنيتها الداخلية بشكل يخفف من اعتمادها على المبرمج البشري. هذا التطور سيكون بحد ذاته كفيلًا بإحداث تحول عميق في مجالات متعددة، من البحث العلمي إلى الصناعة إلى السياسات الدولية. ومع ذلك، فإن الوصول إلى ذكاء عام فائق مستقل عن البشر تمامًا لا يزال يحتاج إلى وقفة نقدية. فالحديث عن أن 2027 يمثل نقطة التحول الكبرى قد يكون مبالغًا فيه، لكنه يلفت النظر إلى حقيقة أكثر أهمية: وتيرة التطور تتسارع على نحو متزايد، وإذا لم يتم وضع ضوابط واضحة فقد نجد أنفسنا أمام وضع يصعب التحكم فيه، إن جوهر النقاش إذن ليس في السؤال عمّا إذا كان عام 2027 سيكون لحظة الانفجار الذكي، بل في إدراك أن التسارع قائم بالفعل، وأنه كلما تقدمت هذه النماذج خطوة نحو الاستقلالية، ازدادت صعوبة السيطرة على اتجاهها. ولذلك فإن الحاجة باتت ملحة إلى حوكمة صارمة للذكاء الاصطناعي، تشمل أطرًا تنظيمية دولية وقواعد واضحة للسلامة التقنية والشفافية. فغياب هذه الضوابط قد يعني أن ما يُطرح الآن كسيناريو محتمل قد يتحول إلى واقع غير مرغوب فيه. ما يجب أن نفهمه أن الخطر ليس في السنة المحددة، بل في الدينامية التي تحكم التطور. فالأنظمة التي نستخدمها اليوم في الترجمة أو توليد النصوص أو التحليل قد تتحول غدًا إلى أنظمة قادرة على إعادة برمجة ذاتها، وبعد غد ربما إلى أدوات تتخذ قرارات استراتيجية دون إشراف بشري مباشر. عند تلك النقطة لن يكون السؤال عن “متى” فحسب، بل عن “كيف” يمكن للبشرية أن تحافظ على موقعها كعنصر فاعل ومسيطر على ما صنعته. لا ينبغي تفسير الجدل المحتدم في وسائل الإعلام العالمية- من تحليلات مجلة «ذا نيويوركر» المتعمقة إلى تقارير «فوكس» التفسيرية وخلاصات «ذا ويك»- بمفرده، ولا حتى قراءة الأدلة البحثية الأولية المنشورة على منصة (arXiv)، على أنه مجرد نقاش أكاديمي نخبوي. في جوهره، يمثل هذا الضجيج الفكري والإعلامي مؤشرًا بالغ الأهمية على حقيقة مفادها أن وتيرة التحولات التقنية المقبلة قد تفوق كل تقديراتنا وتتخطى حدود توقعاتنا الأكثر جرأة. وبالتالي، حتى لو لم يثبت أن عام 2027 هو الموعد الحتمي والفعلي لظهور «الذكاء الفائق الخارق» (Artificial Superintelligence)، فإنه يظل «جرس الإنذار» المدوّي الذي يهزنا من سباتنا الجماعي. إنه يذكرنا، بقوة وبشكل لا لبس فيه، بأن ذلك المستقبل الذي طالما تعاملنا معه كخيال علمي بعيد المنال، قد بدأ بالفعل يطرق بابنا، متقدمًا نحونا بسرعة مذهلة لم تشهدها البشرية من قبل في أي منعطف تاريخي آخر.

477

| 21 أغسطس 2025

alsharq
شاطئ الوكرة

في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...

4353

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
«أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي»

-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو...

2292

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
خيبة تتجاوز الحدود

لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب...

2250

| 10 ديسمبر 2025

alsharq
الفدائي يشعل البطولة

لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...

1458

| 06 ديسمبر 2025

alsharq
القيادة الشابة VS أصحاب الخبرة والكفاءة

عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا...

1137

| 09 ديسمبر 2025

alsharq
هل نجحت قطر؟

في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل...

756

| 10 ديسمبر 2025

alsharq
درس صغير جعلني أفضل

أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...

681

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
النضج المهني

هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل...

660

| 11 ديسمبر 2025

alsharq
أنصاف مثقفين!

حسناً.. الجاهل لا يخدع، ولا يلبس أثواب الحكمة،...

636

| 08 ديسمبر 2025

alsharq
الإسلام منهج إصلاح لا استبدال

يُتهم الإسلام زورًا وبهتانًا بأنه جاء ليهدم الدنيا...

579

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
العرب يضيئون سماء الدوحة

شهدت قطر مع بداية شهر ديسمبر الحالي 2025...

570

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
الرقمنة والتحول الرقمي في قطر.. إنجازات وتحديات

تعود بي الذكريات الى أواسط التسعينيات وكنت في...

483

| 05 ديسمبر 2025

أخبار محلية