محليات

886

د. البكر: لا يعلو الإسلام إلا بترك " السلبية " تجاه قضايا الأمة

دعا الدكتور خالد البكر إلى أن يكون الإسلام قولا وعملا ، فكرة وعقيدة وتطبيقا ، لافتا على حاجة الدين لرجال يؤمنون ويطبقون ما يؤمنون به في حياتهم . وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بجامع الإمام محمد بن عبد الوهاب إذا أردنا للإسلام أن ينتشر في الأرض وتعلو مكانته ، فلا بد أن يتحرك المسلمون لنشره ونصرته

وأعرب عن أسفه لأن لأن كثيرا من المسلمين ، يتعاملون بسلبية مع دينهم . فلا يهتموا بنصرته ونشره . .ودعا د . البكر كل مسلم أن يسأل نفسه : ماذا قدمت لدينك ،وبماذا خدمت الاسلام ، وأي شيء بذلت لنصرة دينك .ونصح من يجد حلاوة الإسلام ولذته في قلبه أن يعمل شيئا نافعا لخدمة الدين .وأشار إلى أن أهل الشرك والضلال والكفر يتفانون في خدمة دينهم وهو باطل ، ونحن نتخاذل في نصرة الإسلام وهو حق .

قصة وعبرة

وحكى د. البكر قصة حكتها صفية بنت حيي بن أخطب ، إبنة زعيم بني النضير ، قبل أن تدخل في الإسلام ، وقبل أن يتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث روت ما شاهدت ورأت عندما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة ، ونزل في قباء ،. قالت :" لم يكن أحد من ولد أبى وعمى أحب إليهما منى، لم ألقهما في ولد لهما قط أهش إليهما إلا أخذاني دونه، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء، قرية بنى عمرو بن عوف، غدا إليه أبى وعمى أبو ياسر بن أخطب مغلسَين، فو الله ما جاءانا إلا مع مغيب الشمس، فجاءانا فاترين كسلانين ساقطين يمشيان الهوينى، فهششت

إليهما كما كنت أصنع، فو الله ما نظر إلى واحد منهما، فسمعت عمي أبا ياسر يقول لأبي: أهو هو؟ - يقصد الذي نجده في كتب اليهود -قال: نعم والله! قال: تعرفه بنعته وصِفته؟ قال: نعم والله. قال: فماذا في نفسك منه؟ قال حيي : عداوته والله ما بقيت!

وعلق خطيب جامع الإمام على القصة ،موضحا أن زعيم يهود بني النضير ، أعلن العداوة للنبي صلي الله عليه وسلم بمجرد أن رأى فيه علامات النبوة التي ذكرتها كتب اليهود .

وقارن بين عداوة زعيم اليهود ،زمن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم ، وبين ما حدث بعد 5 سنوات من الهجرة ، عندما جاء ذلك تكتل عربي اقليمي بزعامة قريش ومعها قبائل العرب الكبرى ، تحاصر النبي صلى الله عليه وسلم في المدينه بعشرة آلاف مقاتل . وهو عدد غير معهود عند العرب . حيث كانت القبائل العربية تفتخر بأن عدد أبنائها " إلى الألف أقرب " ولا يُغلب ألف من قلة .

وأشار إلى أن قريشا وحلفاؤها ،والجيش ذا االعشرة آلاف كان هدفه استئصال جذور الإسلام والقضاء على النبي ودعوته . في ما عرف بغزوة الخندق أو غزوة الأحزاب .

وذكر أن قريشا ومن معها فشلوا في اقتحام المدينة . فتحالفوا مع يهود المدينة الذين عاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم ، أملا في أن يقتحموا المدينة .

نوايا شريرة

وأضاف بأن حيي بن أخطب ، الذي عرف حقيقة النبي صلى الله عليه وسلم ، كان أول من تحرك ، ومضى إلى يهود بني قريظة أملا في أن ينقضوا العهد، ويساعدوا قريشا في دخول المدينة ، ويستأصلوا النبي ومن معه من المسلمين .

و روى د. البكر أن حيي بن أخطب ذهب إلى حصن بني قريظه ، وطرق الباب على زعيمهم كعب بن أسد ، طالبا منه أن يفتح الباب ، فقال له كعب : ويحك يا حيي إنك إمرؤ مشؤوم ، وإنى قد عاهدت محمدا وما كان لي أن أنقض العهد معه ، ولم أر منه إلا صدقا ووفاء .

وأكمل الرواية قائلا : إن كعبا لم يفتح الباب لحيي ، فاستخدم حيي الحيلة لفتح الباب وقال لكعب : والله إني أعلم أنك لن تفتح لي الباب خشية أن أشاركك بطعامك ، بخلا منك حتى لا آكل معك ، وأراد أن يستفزه بتلك الكلمات ، فقام كعب وفتح الباب ، عندها قال حيي : ويحك يا كعب ، جئتك بعز الدهر وببحر طام ، جئتك بقريش على قادتها وسادتها ، ، وبغطفان على قادتها وسادتها وقد ركبوا الإبل ، ،و قد عاهدوني وعاقدوني على أن لا يبرحوا حتى نستأصل محمدا ومن معه .

فقال له كعب : جئتني والله بذل الدهر ، وبسحاب يبرق ويرعد ولا شيء فيه ،وأنا في بحر لجي ، ولا أقدر أن أتـرك بيتي ، ويحك يا حيي فدعني وما أنا عليه ، فإني لم أر من محمد إلا صدقا ووفاء .

مأساة بكل المقاييس

وتابع د. البكر الرواية قائلا : لم يزل حيي يحاول أن يقنع كعبا ويمنيه ، ووعده ان يكون معه إن دائرت الدوائر ، حتى سمع له ، ونقض العهد مع النبي صلى الله عليه وسلم ، و أعطاه عهدا ( من الله ) وميثاقا : لئن رجعت قريش وغطفان ، ولم يصيبوا محمدا أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك .

فنقض كعب بن أسد عهده ، وبرئ مما كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أن يهدود بني قريظه نقضوا العهد ، ومعهم طابور خامس من منافقي المدينة ، يترصون بالنبي ومن معه .ووصف البكر تآمر يهود المدينة ومنافقيها على نبي الإسلام ومن معه بأنها :" مأساة بكل المقاييس "

واستدرك راويا بأنه في ذلك الوقت العصيب الذي مر به المسلمون صنع الله أمرًا من عنده خذل به العدو، وهزم جموعهم، وتفاصيله أن رجلا من غطفان يقال له: نعيم بن مسعود بن عامر الأشجعى ـــ رضي الله عنه ـــ جاء إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني قد أسلمت، وإن قومي لم يعلموا بإسلامي، فمرني ما شئت، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "إنما أنت رجل واحد، فخَذِّل عنا (أي ادفع عنا الأعداء) ما استطعت، فإن الحرب خدعة"، فذهب من فوره إلى بني قريظة، وكان صاحبًا لهم في الجاهلية، فدخل عليهم وقال: قد عرفتم وُدي إياكم، وخاصةً ما بينيوبينكم، قالوا: صدقت، قال: فإن قريشًا ليسوا مثلكم، البلد بلدكم فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم، لا تقدرون أن تتحولوا منه إلى غيره، وإن قريشًا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه، وقد ظاهرتموهم عليه (أي ساندتموهم) وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره، فإن أصابوا فرصة انتهزوها، وإلا لحقوا ببلادهم وتركوكم ومحمدًا فانتقم منكم، قالوا: فما العمل يا نعيم؟ قال: لا تقاتلوا معهم حتى يعطوكم رهائن. قالوا: لقد أشرت بالرأي.

ثم مضى نعيم سريعا إلى قريش، وقال لهم: تعلمون ودي لكم ونصحي لكم؟ قالوا: نعم، قال: إن يهود قد ندموا على ما كان منهم من نقض عهد محمد وأصحابه، وإنهم قد راسلوه أنهم يأخذون منكم رهائن يدفعونها إليه، ثم يوالونه عليكم، فإن سألوكم رهائن فلا تعطوهم، ثم ذهب إلى غطفان فقال لهم مثل ذلك.

فلما كان ليلة السبت من شوال سنة 5 هـ بعثوا إلى يهود: أنا لسنا بأرض مقام، وقد هلك الكراع (أي الخيل والسلاح) والخف (أي الإبل) فانهضوا بنا حتى نناجز (أي نقاتل) محمدًا، فأرسل إليهم اليهود أن اليوم يوم السبت، وقد علمتم ما أصاب من قبلنا حين أحدثوا فيه، ومع هذا فإنا لا نقاتل معكم حتى تبعثوا إلينا رهائن.

فلما جاءتهم رسلهم بذلك قالت قريش وغطفان: صدقكم والله نعيم، فبعثوا إلى يهود: إنا والله لا نرسل إليكم أحدًا، فاخرجوا معنا حتى نناجز محمدًا، فقالت قريظة: صدقكم والله نعيم، فتخاذل الفريقان ودبت الفرقة بين صفوفهم، وخارت عزائمهم.

وأشار د. البكر إلى أن رجلا واحدا – نعيم ابن مسعود - كان عملاقا ، إسلامه لم يتجاوز ساعات ، سخره الله عز وجل لنصرة دينه .وقارن بين موقف حيي بن أخطب الذي تأمر على الإسلام ، وموقف بن مسعود الذي نصر الله به الإسلام . وقال شتان بينهما .

وتساءل خطيب جامع الإمام محمد بن عبد الوهاب : هل يوجد في زماننا من يولد عملاقا ، ويخدم الإسلام كما خدمه نعيم بن مسعود ؟.