رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. جاسم الجزاع

* باحث وأكاديمي كويتي
Jassimaljezza@hotmail.com

مساحة إعلانية

مقالات

309

د. جاسم الجزاع

من يزرع القلق في المكتب.. لا يحصد ولاءً بل ارتباكًا

02 يوليو 2025 , 01:00ص

د. جاسم الجزاع

الملاحظ في من يقرأ أدبيات علوم الإدارة أنه منذ أن ارتبطت الإدارة بالسلطة، وُلدت معها نزعة «الهيمنة» البشرية لدى بعض المديرين، الذين يظنون أن النجاح لا يتحقق إلا عبر إثارة الخوف والانضباط الحديدي، فيتخيل هؤلاء أن الموظف لا يعمل بجد إلا إذا شعر بالرقابة الصارمة، وأنه لا ينجز إلا إذا خاف من العقوبة الحادة، لكن هل نحتاج حقًا إلى طغاة في المكاتب؟ أم أن هذا النمط من الإدارة يُنتج موظفين صامتين سلبيين لا مبدعين، ومؤسسات جامدة لا متطورة؟

لقد أثبتت عدة دراسات متعددة أن الخوف لا يبني مؤسسات ناجحة. ففي عام 2020، نشرت مجلة هارفرد للأعمال دراسة كشفت عن حقيقة واقعية وهي أن بيئات العمل التي يسودها «الخوف من المدير» تؤدي إلى تراجع الأداء بنسبة تصل إلى 20 %، وارتفاع معدل الاستقالات بنسبة 35 %، كما أظهرت دراسة أخرى من جامعة ستانفورد أن المدير المتسلط يقتل روح الفريق، ويحوّل الموظفين إلى مجرد منفذين يتجنبون المخاطر، وحين تتحول بيئة العمل إلى ميدان ترهيب، تتوقف العقول عن المخاطرة، وتذبل الأفكار في مهدها.

ولعل أخطر ما تفعله «الإدارة بالتخويف» أنها تُميت الحوار وتخنق المساءلة والنقاش الإيجابي، فالموظف حين يشعر أن رأيه قد يُفهم على أنه تمرد على الإدارة، أو أن الخطأ سيُقابل بالعقوبة، يتوقف حينها عن التفكير النقدي، ويتحوّل إلى موظف يُجيد الصمت أكثر من الكلام، والاجتماعات تصبح طقوسًا صامتة لتمجيد القرارات النابعة من الإدارة العليا لا لنقدها وتحليلها وتبيان سقيمها، وحلول الأزمات تُختصر في «نعم سيدي» و»أبشر طال عمرك»، بينما المشاكل تتضخم تحت السطح.

لكن البديل والحل لهذا الطغيان ليس الفوضى، بل هو ما يسمى بـ «الإدارة التشاركية»، التي تقوم على التمكين والسماح للموظفين بإشراكهم في اتخاذ القرار، فتشير في ذلك الباحثة ليز وايزمان وتقول: «إن المديرين الذين يشاركون سلطتهم يضاعفون إنتاجية فرقهم وموظفيهم، لأنهم يُخرجون من كل فرد أفضل ما فيه من قدرات»، كما أن بيئة الثقة تؤدي إلى ازدهار الإبداع بنسبة تزيد على 45 % وفق عدة دراسات.

«الإدارة بالتخويف».. نعم.. قد تنتج نتائج سريعة، لكنها لا تبني استدامة وتطورا طويل المدى، فهي كمن يدفع العاملين بالسوط ويجبرهم على العمل بلا رؤية، فينهار كل شيء إذا غاب المدير أو انخفضت سلطته، أما المدير الحقيقي، فهو من يجعل من نفسه خادمًا للفريق، لا سيدًا عليه. لا يسيطر على الموظفين بل يحرر قدراتهم. لا يُخيفهم بل يُلهمهم.

لذلك تذكروا دائما أن الطغيان الإداري لا يصنع قادة، بل عبيدًا للساعة والهيبة، بينما القائد الحقيقي، يبني أفرادًا يملكون القرار ذوي ثقة عالية، ويخلق بيئة يكون فيها الفشل بداية للتعلم، لا تذكرة للطرد من العمل.

فهل نعيد الآن التفكير في سلطتنا داخل المؤسسات؟ أم نستمر بإنتاج الطغاة على هيئة مديرين، ونستغرب بعدها لماذا تتآكل الفرق وتُغلق الأفكار أبوابها أمام مبادراتهم؟

مساحة إعلانية