رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

سعدية مفرح

كاتبة كويتية

مساحة إعلانية

مقالات

807

سعدية مفرح

في سيرة الوداع..!

02 ديسمبر 2024 , 02:00ص

ليس الوداع كلمة عابرة ننطقها عند انتهاء لقاء أو انقضاء وقت، بل فصل عميق من فصول الحياة، محطة تتقاطع فيها المشاعر وتتشابك الذكريات. اللحظة التي تتجسد فيها حقيقة الزمان والمكان، حيث يتوقف كل شيء إلا المشاعر التي تعصف بالقلب، تأخذه إلى مدارات لم يكن ليعرفها لولا هذا الموقف.

الوداع هو ذلك الارتجاف الذي يتملك الروح، حين ندرك أن ما كان لن يعود، وأن شيئًا ما سيتغير إلى الأبد. إنه تذكير بأن الحياة ليست إلا سلسلة من اللقاءات والانفصالات، نُمسك فيها بلحظةٍ ثم نتركها، نمتلئ بالفرح ثم نفرغ منه، نحتضن الأحبة ثم نفلت أيديهم، لكن، ما أصعب أن نفلت الأيدي بينما القلب ما زال ممسكًا بما لا يريد أن يتركه.

في لحظات الوداع، تُختصر الحكايات الطويلة في نظرة أخيرة، كلمة عالقة، أو حتى في صمت يعلو فوق كل ما يمكن قوله. نشعر حينها بثقل اللحظة، بثقل ما لا يُقال، وبثقل الذكريات التي تتراكم فجأة كما لو أنها تسابق الزمن لتحتل مكانها الأخير في الذاكرة. وكأن الوداع مرآة تعكس كل ما عشناه وكل ما نخشى أن نفقده.

إنه نقطة نهاية تكتبها الحياة في صفحاتنا، لكنها أيضًا نقطة بداية لفصل آخر لا نعرف عنه شيئًا، سوى أنه خالٍ من أولئك الذين اعتدنا وجودهم.

الوداع ليس دائمًا صاخبًا أو مليئًا بالدموع، أحيانًا يكون هادئًا وصامتًا كالغروب، لكنه لا يقل إيلامًا. فالغروب يحمل في صمته كل معاني النهاية، تمامًا كما يحمل الوداع في هدوئه شعور الفقد الذي يعجز اللسان عن وصفه.

هناك وداع تختاره بنفسك، ووداع يُفرض عليك، وفي الحالتين، يبقى أثره محفورًا في داخلك. ربما يكون أكثر الأوجاع قسوة هو ذاك الذي لا نملك حيال وقوعه أي خيار، وداع أولئك الذين يرحلون عن عالمنا، يأخذون معهم أصواتهم وضحكاتهم ويتركوننا نتلمس آثارهم في كل مكان، كأن وجودهم ما زال يتردد في الفراغ الذي خلّفوه.

لكن حتى الوداع الذي نختاره، الذي نحاول أن نُقنع أنفسنا بأنه قرارنا، يحمل في طياته صراعًا داخليًا لا ينتهي. كيف يمكن أن نتخلى عن جزء من أرواحنا، عن لحظات عشناها بصدق، عن وجوه اعتدنا رؤيتها كل يوم؟ وكيف يمكن أن نقنع أنفسنا بأن هذا هو السبيل الأفضل، حتى لو كان الثمن غاليًا؟

إن وداع الأشخاص أو الأماكن أو حتى الأفكار يشبه موتًا صغيرًا، موتًا نواجهه دون أن نكون مستعدين له. ومع ذلك، يحمل الوداع في داخله درسًا عظيمًا، فهو يعلّمنا أن لا شيء يدوم، وأن التعلق هو أحد أشكال المعاناة التي علينا أن نتعلم تجاوزها.

في قلب كل وداع هناك حنين خفي، ليس فقط لما كان، بل لما كان يمكن أن يكون. نحزن على اللحظات التي لم نعشها، على الكلمات التي لم نقُلها، على الأحلام التي لم تتحقق. وفي المقابل، يحمل الوداع أيضًا قوة خفية تدفعنا إلى الأمام، تدفعنا إلى إعادة بناء أنفسنا بعيدًا عن كل ما فقدناه. ربما يكون الوداع هو الطريقة التي تذكّرنا بها الحياة بأننا قادرون على الاستمرار، بأننا رغم كل الفقد والخسارات نملك قدرة عجيبة على البدء من جديد.

ولكن، هل يمكن للوداع أن يكون جميلًا؟ ربما، إذا نظرنا إليه على أنه ليس فقط نهاية، بل بداية جديدة. فكما أن الوداع يغلق بابًا، فهو يفتح بابًا آخر، وكما أنه يترك فراغًا، فهو يخلق مساحة جديدة للنمو والتغيير. ربما يكمن جمال الوداع في قدرته على جعلنا ندرك قيمة اللحظة، في جعلنا نتعلم أن نحب بعمق وأن نعبر عن مشاعرنا قبل فوات الأوان.

والوداع ليس مجرد فعل نقوم به، بل هو حالة إنسانية عميقة تمس كل جانب من جوانب حياتنا. إنه جزء من الرحلة، جزء من النمو، جزء من تعلمنا كيف نعيش في عالم دائم التغير. وبينما نقف على حافة الوداع، لا نملك إلا أن نحتضن اللحظة بكل ما فيها، أن نودع الماضي بشجاعة ونستقبل المستقبل بأمل، مدركين أن الوداع ليس النهاية، بل جزء من القصة.

اقرأ المزيد

alsharq توطين الذكاء الاصطناعي في القطاع الصحي القطري

يشهد قطاع الرعاية الصحية في قطر ثورة رقمية مع تصاعد دور الذكاء الاصطناعي في تشخيص الأمراض وعلاجها. ومع... اقرأ المزيد

528

| 23 أكتوبر 2025

alsharq بين الفكر والروح

من الأوقات الصعبة على أيِّ مبدع أن ينتهي من كتابة رواية أو ديوان، وتتوقف الروح لبعض الوقت عن... اقرأ المزيد

219

| 23 أكتوبر 2025

alsharq النظام المروري.. قوانين متقدمة وتحديات قائمة

القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى، وسلامةٌ تُصان، وحياةٌ تُدار بانسيابية ومسؤولية. لا أحد ينكر مدى... اقرأ المزيد

627

| 23 أكتوبر 2025

مساحة إعلانية