رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في هذه الأيام المباركة، بعد أن ودعنا شهر رمضان المبارك، جلست مع نفسي، في الليلة الرمضانية الأخيرة، أنظر في مذكراتي، وأسترجع ذكرياتي، مع العديد من الأخوة الأحباء، الذين رحلوا عن عالمنا، خلال أيام وليالي شهر الصيام، الذي لم يخل من مراسم العزاء.
ومع رحيل أولئك الأعزاء، استحضرت أيضاً، قصصا مأساوية، تحكي سيرة آلاف الشهداء، ومسيرة هؤلاء الأحباء ضحايا حرب الإبادة الجماعية، التي تشنها إسرائيل، على أهلنا الأشقاء.
وهذا يحدث يومياً، بل وفي كل ساعة، ولن أبالغ إذا قلت في كل دقيقة في غزة، بلد العزة، والتضحية والفداء.
وهنا، من موقعي في قطر، وطن الكرامة والكبرياء، يشرفني أن أنحني إجلالاً وإكراماً وتكريماً، لتضحيات الفلسطينيين الشرفاء، وبينهم شيوخ وأطفال ونساء.
وسلام مني على الضحايا الأبرياء، الذين هدمت بيوتهم فوق رؤوسهم، بفعل القصف الإسرائيلي المجنون.
وسلام إلى الجرحى، الذين يئنون، والأسرى الذين يعانون، ويتم تعذيبهم، في غياهب السجون.
سلام على الأطفال الذين بترت أطرافهم، والأمهات الثكالى، اللواتي فقدن أطفالهن.
سلام على الشهداء الأحياء، الذين ينتظرون دورهم، للفوز بأوسمة الشهادة.
سلام على من انتقلوا من ديار الفناء، إلى دار البقاء، ومن دار الفساد والشوائب الى دار النقاء، ومن دار الكدر والتلوث إلى دار الصفاء، وأصبحت سيرتهم، منارة تشع بالضياء.
سلام مني، أوجهه إلى الإنسان الفلسطيني المعذب، الثائر المشرد، المجاهد المستهدف.
أكتبه بكل عنفوان، معطر برائحة الزنبق والريحان، وعبق «الياسمين»، وهو عطر أمي، وأريج الإقحوان.
وستظل تضحيات شهداء غزة، محفورة في الوجدان، ومحفوظة في ملف حقوق الإنسان.
وسيبقى اللسان عاجزاً عن وصف هبتهم في حياتهم، وهيبتهم في مماتهم.
وأسأل الله، أن يلهم أهاليهم الصبر والسلوان، ويعوضهم خيراً عما فقدوه، من الأرواح، والأموال، والممتلكات، و«البيارات».
وبأصدق الكلمات أنوه، بمواقف جميع الشرفاء، في شمال قطاع غزة وجنوبه، الذين يلتفون حول المقاومة الفلسطينية، ويفترشون الأرض، ويلتحفون السماء، ولم يستسلموا لليأس، رغم القصف، وإطلاق النار، وآثار الدمار، الذي يحيط بهم، وضغوط الحصار.
وهذا سلام مني أيضاً على الأوفياء لوطنهم والمؤيدين لمقاومتهم، والمتمسكين بأرضهم، والمؤمنين بقضيتهم العادلة، أولئك الأتقياء، وهؤلاء الأنقياء، في مواقفهم.
سلام مني إليهم، وسلام آخر عليهم، وقد احتفلنا بالعيد، ولا يوجد في غزة وقطاعها، مواطن فلسطيني واحد سعيد.
وهذا هو العيد الثالث، من أعيادنا الإسلامية، الذي يدق أبواب غزة، بينما أهل القطاع المقطوع عن العالم، يواجهون حرب الإبادة الجماعية، للشهر السادس عشر على التوالي، ويتم استهدافهم بالهجمات الصاروخية الوحشية، والاعتداءات الهمجية، الصهيونية.
* وفي خضم، تلك الممارسات النازية، التي تسعى إسرائيل من خلالها، لفرض شروط الاستسلام، على الفلسطينيين، ونزع روح السلام..
أوجه تحية السلام، لكل المقاومين الثوار، والمناضلين الأحرار، الذين يدافعون عن القضية الفلسطينية العادلة، بكل شجاعة وإصرار.
وما من شك، في أن الأهداف الوطنية، التي يسعون لتحقيقها والغايات النبيلة، التي يدافعون عنها، والقيم السامية، التي غرسوها في تراب وطنهم المحتل، والمثل العليا، التي نشروها، في قطاع غزة، ستثمر أجيالاً جديدة، من المقاومين الشجعان، للقضاء على هذا الكيان.
وحتماً لن تنهزم الأمة التي أنجبتهم، ولن يفنى الشعب، الذي رباهم، على الشجاعة، والإقدام.
أقول هذا الكلام، رداً على من يحركون مظاهراتهم المحدودة، وتظاهراتهم المعدودة، ضد حركة المقاومة الإسلامية.
ولا أريد القول، إنها مظاهرات، مدفوعة بقيمة «الشيكل»، ولكن توقيتها، وشعاراتها، ومساراتها، وهتافاتها، تؤكد أن محركها واحد، ومحرضها واحد.
ويكفي أن الترويج لها، والنفخ فيها، يتم في موقع «إسرائيل بالعربية»، التابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية، والذي يتم فيه، نشر الدعاية الصهيونية، الموجهة إلى العرب، بهدف التأثير على ضعاف النفوس، واستمالتهم، لتأييد المشروع الصهيوني في المنطقة.
ومن الناحية الواقعية، لا خلاف مع الذين نظموا المظاهرات، وشاركوا في الاحتجاجات، بأن الظروف الحياتية، والأوضاع المعيشية، التي كانوا يعيشونها، قبل السابع من أكتوبر، ليست كما بعده.
فهذا أمر مفروغ منه، قبل سماع الكلام الفارغ، الذي يرددونه في هتافاتهم، وقبل رفع الشعارات الفارغة من مضمونها الوطني، التي يحملونها، وكلها تصب في مستنقع المصلحة الإسرائيلية، ومنها شعار «بره بره حماس تطلع بره»!
وهذا يساهم في إضعاف الموقف التفاوضي الفلسطيني، وتضخيم الضغوط على المقاومة، وتعظيم التحديات على الجميع.
*وها هي «حماس» تؤكد مجدداً، أنها تتعامل بكل مسؤولية، وكل إيجابية، وكل مرونة وطنية، مع المقترحات المطروحة، لإنهاء معاناة أهالي غزة، حتى لو وصلت الأمور إلى ضرورة خروجها من المشهد مقابل التزام إسرائيلي، أولا بوقف الحرب نهائياً.
والتزامها دائماً بتنفيذ القرارات الدولية، وفي مقدمتها، وأهمها، وأبرزها، «حل الدولتين»، ولا حلول غير ذلك.
بدلاً من قيام، الذين يتحركون بقوة «الشيكل»، بتوجيه الجماهير داخل قطاع غزة وخارجه، للقبول بأهداف الحرب الوحشية، التي تشنها إسرائيل، مما يتساوق مع شروط الاحتلال، ويتناسق مع مصالحه، ويستجيب لمطالبه، ويتواطأ مع رغباته!
وأقولها، بكل الثوابت القومية والقيم الوطنية، والحقوق الفلسطينية، والروابط الأخوية، بأنه لا يجوز لأي مواطن فلسطيني، تمكين إسرائيل، من تنفيذ مشروعها اللعين، وهو يعلم أنها تسعى لابتلاع كامل الجغرافيا الفلسطينية، وتعمل على التخلص من كل حقائق التاريخ، المتعلقة بعدالة القضية الفلسطينية.
وما أعرفه شخصياً عن أهالي غزة، أن المقاومة جزء لا يتجزأ من أولوياتهم، وركن لا ينفصل من ثوابتهم.
ولعل ما يميزهم، ثباتهم في النوائب، وصلابتهم في مواجهة المصاعب، وتضامنهم مع بعضهم البعض في المحن والمصائب.
وما من شك، في أن الشعوب، لا تصان حقوقها إلا بالتضحيات، والأوطان، لا تتعطر أجواؤها، عندما تكون أراضيها محتلة، إلا بدماء الشهداء، التي تراق، ذوداً عن الحرية، وسعياً لنيل الاستقلال.
* وما حدث، ويحدث في غزة، مرت به الكثير من الشعوب، ومنها الشعب الجزائري الشقيق، الذي تعرض بكل مكوناته، أيام الاستعمار الفرنسي، إلى أبشع أشكال التصفية، وأفظع أنواع التنكيل وأشد أنواع التعذيب، وأحقر عمليات الاعتقال وأقسى عمليات الإعدام، وقطع الرؤوس، وإرسالها إلى باريس، ليتم عرضها في ما يسمونه «متحف الإنسان»!
لكنهم، رغم كل ذلك الإجرام الاستعماري الفرنسي المنظم، لم يستسلموا، ولم يتراجعوا ولم يضعفوا، ولم يتضعضعوا، ولم يتقهقروا، ولم يُقهروا.
ولم يوجهوا أصابع الاتهام، إلى قادة المقاومة، بأنهم دمروا البلاد، وأنهم تسببوا في استشهاد مليون ونصف المليون جزائري.
ولم يخرجوا في مظاهرات فوضوية، اجتماعية، ضد قيادات المقاومة الوطنية، بل كانت تظاهراتهم الشعبية الحاشدة، ضد المستعمر الفرنسي، الذي ظل يستعمر الجزائر، منذ عام 1830، ولم يغادرها، إلا بالكفاح المسلح.
أكرر، بالنضال المسلح، بعدما أدركت الأحزاب الجزائرية، أن أهدافها الوطنية، لن تتحقق إلا بالمقاومة والمواجهة.
ولهذا قررت الانخراط، في الثورة المسلحة، بقيادة جبهة التحرير الوطني، التي انطلقت شرارتها في ليلة 31 أكتوبر 1954، وأسفرت بعد 7 سنوات من النضال، بإعلان الاستقلال في الخامس من يوليو 1962.
وما من شك، في أن الثورة الجزائرية المسلحة، شكلت ملحمة بطولية خالدة، في تاريخ الأمة العربية، ومسيرة النضال الوطني، وحركة التحرر من الاستعمار.
وأثبت الجزائريون، خلال ثورتهم ـ المسلحة ـ أن ظلم المستعمر المسعور، لا يدوم، وأن الاحتلال، لا يمكن أن يصمد، أمام إرادة الشعوب، التي تسعى لنيل حريتها.
وهكذا، فإن من يريد الحرية، لا بد أن يدق أبوابها، بكل يد مضرجة بالدماء، ولا بد لتحقيق الهدف الوطني، من تحريك قوافل الشهداء.
* ووسط هذه الحقائق، المستقاة من الثورة الجزائرية ـ المسلحة ـ خرج علينا المتحدث باسم حركة فتح في غزة، المسمى «منذر الحايك» بتصريح تمت حياكته في «النول» الإسرائيلي، مطالباً حماس بالتخلي عن إدارة القطاع المقطع، تمهيداً لإعادة غزة، إلى الحالة التي كانت عليها قبل 20 عاماً، عندما كانت خاضعة، لسيطرة السلطة الفلسطينية.
ولكن، مهلاً أيها «الحايك»، على رسلك أيها المتحدث باسم «فتح».
اسمح لي أن أفتح معك، هذا النقاش وأسألك:
ما هي المدن والبلدات والمخيمات، التي تخضع حالياً لسلطة السلطة، المتآكلة، في مناطق الضفة الغربية المحتلة، التي لم تسلم من العدوان الإسرائيلي؟
وخصوصاً بعدما عاثت إسرائيل فساداً، وتمعنت إفساداً في جميع الأماكن.
ولا أقصد، ما يقوله «محمد عبده»، عن «الأماكن» المشتاقة كلها، لمن يخضعها لسلطة صاحب الأغنية.
ولنفترض ـ جدلاً ـ أن حماس غادرت المشهد الفلسطيني، إلى غير رجعة، كيف سيكون «اليوم التالي» لهذه المغادرة؟
هل ستقبل إسرائيل بمبدأ «حل الدولتين»، الذي تطرحه «المبادرة العربية» والقرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية؟
هل سترحب «تل أبيب» بقيام دولة مستقلة، للفلسطينيين، جنباً إلى جنب مع الكيان الصهيوني؟
هل سيحصل كل فلسطيني، على حقوقه المشروعة غير القابلة للانتقاض أو المساومة؟
هل ستوقف حكومة التطرف الإسرائيلي، مخططات تهويد القدس، ومحيطها المقدس؟
هل سيضمن لنا «الحايك»، بعد تخلي «حماس» عن حكم غزة، توقف جحافل الغوغاء المستوطنين، من انتهاك حرمة المسجد الأقصى؟
ولا أعتقد، أن المتحدث باسم «فتح» في غزة، لا يعلم أن العدوان على أهله الفلسطينيين، لم يبدأ بعد السابع من أكتوبر.
وأن الاعتداءات الصهيونية الهمجية الوحشية، على الشعب الفلسطيني، لم تنطلق انتقاماً، من «طوفان الأقصى»، فحسب.
ولكنها تتواصل ضد الفلسطينيين، منذ عقود وعهود، قبل أن يولد «الحايك»، وقبل أن ينسج تصريحاته، على «النول» الإسرائيلي، وقبل تأسيس حركة حماس عام 1989.
* ونعلم جميعاً، أن إسرائيل، تريد تفكيك حركة «حماس»، لأنها تقود المقاومة ضد المشروع الصهيوني، لتكون بعدها بلا حماس، وبلا إحساس، وبلا ساس، وبلا راس، وبلا حاضنة شعبية من الناس.
ونعلم أيضاً، أن إسرائيل تريد نزع سلاح المقاومة، حتى يسهل عليها، افتراس الجميع، في قطاع غزة وخارجه، وفرض مخطط التهجير، والتطبيع، والتركيع، وضمان عدم وجود، قطعة «جراخي» واحدة، يتم إطلاقها حتى احتفالاً بقدوم العيد.
وما من شك، في أن أحداث مخيمات اللاجئين، في «طولكرم» و«نابلس» و«جنين»، تشهد، على أن الاستهداف الإسرائيلي، لا يقتصر، على قطاع غزة، الذي تديره «حماس».
ولكنه يشمل حتى المناطق، التي يفترض أنها تخضع لحكم السلطة».
وما أدراك ما السلطة، المتعاونة، أو المتفاهمة أو الفاهمة، لمتطلبات المرحلة «الانبطاحية»، التي أجبرتها على القبول بالجزرة، حتى لا تستهدفها العصا، على اعتبار أن العصا الإسرائيلية، لمن عصى، حكومة نتنياهو!
* ونصل إلى الحقيقة الكبرى، التي ربما يعرفها المتحدث باسم «فتح»، بأن إسرائيل، تريد فعلاً سلاماً، مع الفلسطينيين، لكنها تريده، ناقصاً، مهشماً، مهمشاً، منزوعاً من السلام!
وتريد شعباً فلسطينياً صامتاً، لا يقدر على الكلام، ويظل دوماً، في حالة صيام، ليس بسبب شهر رمضان، الذي ودعناه، لكن بسبب سياسة التجويع، التي تطبقها إسرائيل على الجميع.
أما سبب تراجع القضية الفلسطينية، قبل أحداث غزة، فيرجع إلى أن «المنظمة»، المعنية بتحرير الوطن الفلسطيني المحتل، نسيت أن اسمها يتضمن كلمة «التحرير»، وأصبحت منفصلة عن شعبها وشعابها!
وقامت بتسليم أدوارها إلى حركة «فتح»، التي باتت لها كلمة الفصل، في كل ما يصدر عنها ومنها، لدرجة تحويل «المنظمة»، إلى مجرد واجهة، لتنفيذ المشروع «الفتحاوي» السياسي الخاص والخالص، ولا أقول المخلص!
والمؤسف، أن «المنظمة»، ومعها ذراعها الأشهر «فتح»، تبرمجت، وتكيفت مع ما تريده إسرائيل منها، وليس ما يريده الشعب الفلسطيني.
أما «السلطة»، التي تريد العودة، لكي تحكم قطاع غزة، فالمؤسف أنها تحولت إلى جهاز أمني بامتياز خاضع للاحتلال، متسلط على الشعب، وعلى المقاومة الوطنية، ولم يعد يهمها سوى التنسيق الأمني المفرط مع «تل أبيب»، وحماية مشروعها السياسي الفاشل، المتمثل في الدفاع بشكل أساسي عن أوهام «اتفاق أوسلو»!
* وبعيداً عن العاصمة النرويجية، التي شهدت ذلك الاتفاق المشوه، ومن العاصمة القطرية، المدافعة عن حقوق الشعب الفلسطيني، أقترح على المتحدث باسم «فتح»، أن يفتح أبواب عقله جيداً، ويقرأ عن الجزائر كثيرا وغيرها من الدول التي حاربت مستعمريها، حتى استطاعت أن تنتزع حريتها انتزاعا، ويتعلم من دروس «ثوراتها»، ويبتعد عن الخضوع والخنوع لمشاريع الاحتلال الإسرائيلي، ولا يتأثر بطريقة تفكير «ثيران» الاستسلام، ويعيش الواقع الحقيقي بعيدا عن الظن والأوهام!
كيف يُساهم المجتمع في بناء نفسه؟
اهتمت الدول الغربية بنظام الوقف، وقد ساهم ذلك بفعالية في بناء المجتمع واستقلاله في إدارة شؤونه عن الدولة؛... اقرأ المزيد
27
| 08 ديسمبر 2025
اليوم الوطني.. مسيرة بناء ونهضة
أيام قليلة تفصلنا عن واحدٍ من أجمل أيام قطر، يومٌ تتزيّن فيه الدوحة وكل مدن البلاد بالأعلام والولاء... اقرأ المزيد
24
| 08 ديسمبر 2025
أنصاف مثقفين!
حسناً.. الجاهل لا يخدع، ولا يلبس أثواب الحكمة، ولا يطالبك بأن تصفق له. أما نصف المثقف فيقف بينك... اقرأ المزيد
27
| 08 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4008
| 05 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1728
| 04 ديسمبر 2025
في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه أكثر مما ينظر إلى ما يملكه. ينشغل الإنسان بأمنياته المؤجلة، وأحلامه البعيدة ينشغل بما ليس في يده، بينما يتجاهل أعظم ما منحه الله إياه وهي موهبته الخاصة. ومثلما سأل الله موسى عليه السلام: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى﴾، فإن السؤال ذاته موجّه لكل إنسان اليوم ولكن بطريقة أخرى: ما هي موهبتك؟ وما عصاك التي بيدك؟ جوهر الفكرة ان لكل إنسان عصا. الفكرة الجوهرية لهذا المفهوم بسيطة وعميقة، لا يوجد شخص خُلق بلا قدرة وبلا موهبة وبلا شيء يتميز به، ولا يوجد إنسان وصل الدنيا فارغ اليدين. كل فرد يحمل (عصاه) الخاصة التي وهبه الله ليتكئ عليها، ويصنع بها أثره. المعلم يحمل معرفته. المثقف يحمل لغته. الطبيب يحمل علمه. الرياضي يحمل قوته. الفنان يحمل إبداعه. والأمثلة لا تنتهي ….. وحتى أبسط الناس يحملون حكمة، أو صبرًا، أو قدرة اجتماعية، أو مهارة عملية قد تغيّر حياة أشخاص آخرين. الموهبة ليست مجرد ميزة… إنها مسؤولية في عالم الإعلام الحديث، تُقدَّم المواهب غالبًا كوسيلة للشهرة أو الدخل المادي، لكن الحقيقة أن الموهبة قبل كل شيء أمانة ومسؤولية. الله لا يمنح إنسانًا قدرة إلا لسبب، ولا يضع في يدك عصا إلا لتفعل بها ما يليق بك وبها. والسؤال هنا: هل نستخدم مواهبنا لصناعة القيمة، وترك الأثر الجميل والمفيد أم نتركها مدفونة ؟ تشير الملاحظات المجتمعية إلى أن عددًا كبيرًا من الناس يهملون مواهبهم لعدة أسباب، وليس ذلك مجرد انطباع؛ فبحسب تقارير عالمية خلال عام 2023 فإن نحو 80% من الأشخاص لا يستخدمون مواهبهم الطبيعية في حياتهم أو أعمالهم، مما يعني أن أغلب البشر يعيشون دون أن يُفعّلوا العصا التي في أيديهم. ولعل أهم أسباب ذلك هو التقليل من قيمة الذات، ومقارنة النفس بالآخرين، والخوف من الفشل، وأحيانا عدم إدراك أن ما يملكه الشخص قد يكون مهمًا له ولغيره، بالإضافة إلى الاعتقاد الخاطئ بأن الموهبة يجب أن تكون شيئًا كبيرًا أو خارقًا. هذه الأسباب تحوّل العصا من أداة قوة… إلى مجرد منحوتة معلقة على جدار الديوان. إن الرسالة التي يقدمها هذا المقال بسيطة ومباشرة، استخدم موهبتك فيما يخدم الناس. ليس المطلوب أن تشق البحر، بل أن تشقّ طريقًا لنفسك أو لغيرك. ليس المطلوب أن تصنع معجزة، بل أن تصنع فارقًا. وما أكثر الفروق الصغيرة التي تُحدث أثرًا طويلًا، تعلُم وتعليم، أو دعم محتاج، خلق فكرة، مشاركة خبرة، حل مشكلة… كلها أعمال نبيلة تُجيب على السؤال الإلهي حين يُسأل الإنسان ماذا فعلت بما أعطيتك ومنحتك؟ عصاك لا تتركها تسقط، ولا تؤجل استخدامها. فقد تكون أنت سبب تغيير في حياة شخص لا تعرفه، وقد تكون موهبتك حلًّا لعُقدة لا يُحلّها أحد سواك. ارفع عصاك اليوم… فقد آن لموهبتك أن تعمل.
1569
| 02 ديسمبر 2025