رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لسنا أهلا لكل هذه العداوات، نحن أقل من أن نتحمل أو نقدر على المواجهة. أعداؤنا دائمًا أكثر منا وأكبر من الطاقة والعزم. فائضون عن الحاجة وإن كانت "أم الاختراع" فإن أسوأ ما تخترعه العداوات التي لا حاجة لها.
اصطناع الأعداء بطرُ أقوياء مترفين. أصحاب سطوة ورغبات مسيطرة لكن العداوات في مجتمعاتنا صنعة مهزومين بلا انتصارات يكاثرون العداء لتقليل الهزائم وتبرير الاستقالة من حياة الظفر.
للمجتمعات الكسيحة خطابات مفتولة العضلات لا تدري من تناطح. خطابات لا تبدو فقيرة متقشفة كواقعها. تدعي ما لا تقدر على فعله أو تقوى عليه. تخترع الرضا عن قعود الحال بكثرة الساخطين غير الراضين. تهرب من مساءلة الذات الخانعة إلى إدانة الآخر المقتحم بل وإلى اتهام كل ما هو خارج المكان والزمان.
من لا ينهض بنفسه وحياته ويقوم بواجبات إنهاض واقعه لا يجدر به معاداة أحد.
نعرف من أين يبدأ التغيير وندرك أين نحن منه ما زال التغيير أحلامًا مجهضة. رايات منكسة. مشاريع فشل وركامًا من محبطات.
ما زال التغيير تاريخًا من انتكاسات وهزائم كبار وخبط في المتاهات بحثًا عن كل شيء ضاع أو سقط في الطريق.
التغيير يبدأ من حيث نستطيع دفع كلفته ولدينا من التخلف والفقر والاستبداد والفساد ما يوجب المجاهدة وادخار الجهد.
كانت آيات القتال والحض على جهاد العدو تتنزل والمسلمون يخوضون معارك التأسيس للحياة الجديدة. حياة الإيمان الحرية والعدل والخير والجمال. كانت الأحاديث الدافعة قادحة لمزيد من شرارات الأرواح المشبوبة.
نحن متبطلي الزمن الأخير، "حُمُرٌ منبتّة"، ذباب على مؤخرة الوقت. لم نعش كي نموت، ولم نمت لكي نعيش. لم نخض بعد معركة وجود وكرامة. لم نحارب لكي نكون. لم نثبت جدارةً ولا استحقاقًا للصدارة.
تضخم الخطاب المعادي في مجتمعات ينخرها العجز، دليل مرض.
واقعنا الضحل لا يسمح بكل هذه العنتريات. يكفينا ما نحن فيه. لا فائض قوة ولا مال ولا صدق حال ينهض بنا لأبعد من الحفرة.
أيسر شيء أفعله حين لا أراني أن أحصي أعدائي. ما أكثرهم. "إبليس. الدنيا. نفسي. الهوى" أمريكا. أوروبا. إسرائيل. الأنظمة الحاكمة. العملاء. الكفرة. المنافقون. والإرث الباقي من أعداء الملة. الرافضة. النواصب. الباطنيون. القرامطة. الـ..... الـ..... الـ...... قائمة بالغة الدسم تنم عن هوس وإدمان يشعر الذات الضائعة بنشوة حضور متوهم في صورة العداوات الكثيرة.
مشدودٌ أنا إلى حيث لا أجدني. موزعٌ ما بين الجبهات. لي في كل قبر عدو وفي كل دغل إغارة. أطارِد المروق في بطون الكتب والأسفار. أخوض كل بحر مختلف. أجرّح الرجال. أطاعن الأقوال. معارك في كل اتجاه غير قابلة للحسم تستنفد - عبثًا- الروح والجسد. تبتلع الأعمار. تلتهم العقول. تباعدنا عنا وعن العصر وتحدياته الحقة.
ثمة قائمة أعداء أكثر قربًا وواقعية لا ترِد -عادة- في خطاب العداوات الأثيرة لمحاربي الزمن الأخير ربما لأنها في نظرهم من سفاسف الهموم.
هذه قائمة الراحل "محمد حسين هيثم" في رائعته "مات عبدالعليم" والتي أرخ فيها لموتنا سيرة جنائزية ضاجة بالموت اليومي الطازج في البلد الميت حيث تتكاثف المذلات ويبدو العدو المقنِع لإفراغ فائض الحياة:
"كان يحصي المذلات .. أعداؤه ثلة: رجل غامضٌ في الجريدة، والعسكري، وهذا الغراب الذي فوق ناصية البيت، بقال حارته، بائع اللحم، وابن المؤجر في أول الشهر، ثم المؤجر في كل رشفة ماء، وذو الراحة المستطيلة، والجار، والمخبر العسلي، وهذا المدير الخشب".
يا قوم من ذا يعبئ الأموات للحروب؟
من ذا يدعو الفقراء المغلوبين للقفز فوق أرواحهم المهزومة وواقعهم المهين ومعاداة الكون والكائنات؟
هذا الخطاب في جوهره يتملق الضعف. يخلع عليه نوعًا من التمجيد والقداسة باعتباره ناجمًا عن علو منزلة لا تحتاج إلى برهان.
لا تستغرب ما أنت فيه. "عدت غريبًا" أنت مهزوم لأنك حامل دين منتصر ومحارب. لأنك عربي، من أمة غالبة.
أعداؤك كثر يتربصون بك الدوائر. مغزوٌ أنت على كل حال. هدف للمؤامرات والمكائد والدسائس.
هكذا تنحو تلك الخطابات. بمختلف أطيافها، وأنا هنا لا أنزع عنها المصداقية كحكم قيمة لكني أحاول استنطاق الواقع كما هو، لا كما تعبر عنه تلك الخطابات التي عادة ما تنزع نحو المباشرة والتهييج العاطفي والأحكام التعميمية الجاهزة التي ترضي كسل وعجز الخطيب والمخاطَب، وواقع الخطاب.
أسأل، بعيدًا عن الاستعداء، هل نرى واقعنا انتصارًا للدين وللتدين؟
هل ننتصر حقًا في حيواتنا للدين أم نلحق به الهزيمة تلو الهزيمة؟
هل يجدر بمدنسين لا يترددون في الاعتراف بخيانتهم لمبادئهم وقيمهم وتواطئهم على خذلان أنفسهم وتقبلهم العيش كجزء من الفساد المبرر؟
هل يجدر بنا ادعاء الاحتشاد لحروب أكثر قداسة؟
نسيء لأكثر الرايات سموًا حين نحاول رفعها دليل سمو فوق ركام من الأكاذيب والحقارات المطمورة بعناية.
كيف أتبع هذا الشاهر سيفه باتجاه أمريكا وهو مقفل على نفسه الباب "يرفس" داخل خطاب مغلق، عالمه مسيجٌ بالهواجس. ضيقٌ كفهمه. كرؤيته. لا يكاد يجاوز المسجد والبيت ورباط الدرس؟
كيف أقاتل خلف محاربٍ قديم يدعو للعداوة أكثر مما يدعو للإسلام والمحبة والسلام وحماية الحقوق والحريات وإقامة موازين العدل. ينتصر للموت أكثر مما ينتصر الحياة؟
كيف أثق بحماية خطاب مرتعشٍ غامضٍ ملتبسٍ ضيق الأفق عاجز عن الإبلاغ والإبانة ببلاغات العصر لا هو في الفضاء ولا على الأرض. لا مزاحمٌ في حلم ولا علم؟
نحتاج لخطاب أكثر تخففًا من الحمولات غير المختبرة.
ما ينقصنا ليس كثرة الأعداء. قد يكونون ضرورة، لكن بحجمهم المعقول بحيث لا يجهزون علينا رعبًا دونما حرب. ما دمنا في أوضاع غير مواتية للاشتباك.
منطق "النملة" أمام جيش سليمان قد يكون مناسبًا مع امتياز محسوب لصالح النمل كونهن صاحبات مساكن صالحة للاختباء. نحن لا مساكن لنا. لا أوطان صالحة للسكن والاحتماء.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
وفقًا للمؤشرات التقليدية، شهدت أسهم التكنولوجيا هذا العام ارتفاعًا في تقييماتها دفعها إلى منطقة الفقاعة. فقد وصلت مضاعفات الأرباح المتوقعة إلى مستويات نادرًا ما شوهدت من قبل، لذلك، لم يكن التراجع في التقييمات منذ منتصف أكتوبر مفاجئًا. وقد يعكس هذا الانخفاض حالة من الحذر وجني الأرباح. وقد يكون مؤشرًا على تراجع أكبر قادم، أو مجرد استراحة في سوق صاعدة طويلة الأمد تصاحب ثورة الذكاء الاصطناعي. وحتى الآن، لا يُعدّ الهبوط الأخير في سوق الأسهم أكثر من مجرد "تصحيح" محدود. فقد تراجعت الأسواق في الأسبوع الأول من نوفمبر، لكنها سجلت ارتفاعًا طفيفًا خلال الأسبوع الذي بدأ يوم الاثنين 10 من الشهر نفسه، لكنها عادت وانخفضت في نهاية الأسبوع. وما تزال السوق إجمالاً عند مستويات مرتفعة مقارنة بشهر أبريل، حين شهدت انخفاضًا مرتبطًا بإعلان الرئيس دونالد ترامب بشأن الرسوم الجمركية. فعلى سبيل المثال: تراجعت أسهم شركة إنفيديا بنحو 10% في الأسبوع الأول من نوفمبر، لكنها بقيت أعلى بنحو 60% مقارنة بما كانت عليه قبل ستة أشهر فقط. مؤشر S&P 500 انخفض إلى 6700 في الرابع عشر من نوفمبر، مقارنة بذروة بلغت 6920، وما زال أعلى بنحو سبعين بالمئة مقارنة بنوفمبر 2022. هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى على القيمة السوقية الإجمالية أصبحت واضحة. فمع نهاية أكتوبر، ورغم ارتفاع المؤشر طوال العام، باستثناء التراجع في أبريل، شهدت نحو 397 شركة من شركات المؤشر انخفاضًا في قيمتها خلال تلك الفترة. ثماني من أكبر عشر شركات في المؤشر هي شركات تكنولوجية. وتمثل هذه الشركات 36% من إجمالي القيمة السوقية في الولايات المتحدة، و60% من المكاسب المحققة منذ أبريل. وعلى عكس ما حدث لشركات الدوت كوم الناشئة قبل 25 عامًا، تتمتع شركات التكنولوجيا اليوم بإيرادات قوية ونماذج أعمال متينة، حيث تتجاوز خدماتها نطاق الذكاء الاصطناعي لتشمل برمجيات تطبيقات الأعمال والحوسبة السحابية. وهناك حجّة قوية مفادها أن جزءًا كبيرًا من الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي يأتي من شركات كبرى مربحة تتمتع بمراكز نقدية قوية، ما يجعل هذه الاستثمارات أقل عرضة للمخاطر مقارنة بموجات الحماس السابقة في قطاع التكنولوجيا. غير أن حجم الاستثمارات المخطط لها في مراكز البيانات أثار مخاوف لدى بعض المستثمرين. كما أن هناك 10 شركات ناشئة خاسرة متخصصة في الذكاء الاصطناعي تقدر قيمتها مجتمعة بنحو تريليون دولار. وهناك ايضاً تراجع صدور البيانات الاقتصادية الأمريكية بسبب الإغلاق الحكومي الذي دخل شهره الثاني، فلم تُنشر أي بيانات وظائف رسمية منذ 5 سبتمبر، ما دفع المحللين للاعتماد على بيانات خاصة. هذه البيانات أظهرت أعلى مستوى لتسريح الموظفين منذ 2003 في أكتوبر. كما جاءت نتائج أرباح بعض الشركات التقليدية مخيبة، حيث هبط سهم مطاعم تشيبوتلي بنحو 13% في نهاية أكتوبر بعد إعلان نتائج دون توقعات السوق.
2454
| 16 نوفمبر 2025
هناك لحظات في تاريخ الدول لا تمرّ مرور الكرام… لحظات تُعلن فيها مؤسسات الدولة أنها انتقلت من مرحلة “تسيير الأمور” إلى مرحلة صناعة التغيير ونقل الجيل من مرحلة كان إلى مرحلة يكون. وهذا بالضبط ما فعلته وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي في السنوات الأخيرة. الأسرة أولاً… بُعدٌ لا يفهمه إلا من يعي أهمية المجتمع ومكوناته، مجتمعٌ يدرس فيه أكثر من 300 ألف طالب وطالبة ويسند هذه المنظومة أكثر من 28 ألف معلم ومعلمة في المدارس الحكومية والخاصة، إلى جانب آلاف الإداريين والمتخصصين العاملين في الوزارة ومؤسساتها المختلفة. لذلك حين قررت الوزارة أن تضع الأسرة في قلب العملية التعليمية هي فعلاً وضعت قلب الوطن ونبضه بين يديها ونصب عينيها. فقد كان إعلانًا واضحًا أن المدرسة ليست مبنى، بل هي امتداد للبيت وبيت المستقبل القريب، وهذا ليس فقط في المدارس الحكومية، فالمدارس الخاصة أيضًا تسجل قفزات واضحة وتنافس وتقدم يداً بيد مع المدارس الحكومية. فمثلاً دور الحضانة داخل رياض الأطفال للمعلمات، خطوة جريئة وقفزة للأمام لم تقدّمها كثير من الأنظمة التعليمية في العالم والمنطقة. خطوة تقول للأم المعلمة: طفلك في حضن مدرستك… ومدرستك أمانة لديك فأنتِ المدرسة الحقيقية. إنها سياسة تُعيد تعريف “بيئة العمل” بمعناها الإنساني والحقيقي. المعلم… لم يعد جنديًا مُرهقًا بل عقلاً مُنطلقًا وفكرًا وقادًا وهكذا يجب أن يكون. لأول مرة منذ سنوات يشعر المُعلم أن هناك من يرفع عنه الحِمل بدل أن يضيف عليه. فالوزارة لم تُخفف الأعباء لمجرد التخفيف… بل لأنها تريد للمعلم أن يقوم بأهم وظيفة. المدرس المُرهق لا يصنع جيلاً، والوزارة أدركت ذلك، وأعادت تنظيم يومه المدرسي وساعاته ومهامه ليعود لجوهر رسالته. هو لا يُعلّم (أمة اقرأ) كيف تقرأ فقط، بل يعلمها كيف تحترم الكبير وتقدر المعلم وتعطي المكانة للمربي لأن التربية قبل العلم، فما حاجتنا لمتعلم بلا أدب؟ ومثقف بلا اخلاق؟ فنحن نحتاج القدوة ونحتاج الضمير ونحتاج الإخلاص، وكل هذه تأتي من القيم والتربية الدينية والأخلاق الحميدة. فحين يصدر في الدولة مرسوم أميري يؤكد على تعزيز حضور اللغة العربية، فهذا ليس قرارًا تعليميًا فحسب ولا قرارًا إلزاميًا وانتهى، وليس قانونًا تشريعيًا وكفى. لا، هذا قرار هوية. قرار دولة تعرف من أين وكيف تبدأ وإلى أين تتجه. فالبوصلة لديها واضحة معروفة لا غبار عليها ولا غشاوة. وبينما كانت المدارس تتهيأ للتنفيذ وترتب الصفوف لأننا في معركة فعلية مع الهوية والحفاظ عليها حتى لا تُسلب من لصوص الهوية والمستعمرين الجدد، ظهرت لنا ثمار هذا التوجه الوطني في مشاهد عظيمة مثل مسابقة “فصاحة” في نسختها الأولى التي تكشف لنا حرص إدارة المدارس الخاصة على التميز خمس وثلاثون مدرسة… جيش من المعلمين والمربين… أطفال في المرحلة المتوسطة يتحدثون بالعربية الفصحى أفضل منّا نحن الكبار. ومني أنا شخصيًا والله. وهذا نتيجة عمل بعد العمل لأن من يحمل هذا المشعل له غاية وعنده هدف، وهذا هو أصل التربية والتعليم، حين لا يعُدّ المربي والمعلم الدقيقة متى تبدأ ومتى ينصرف، هنا يُصنع الفرق. ولم تكتفِ المدارس الخاصة بهذا، فهي منذ سنوات تنظم مسابقة اقرأ وارتقِ ورتّل، ولحقت بها المدارس الحكومية مؤخراً وهذا دليل التسابق على الخير. من الروضات إلى المدارس الخاصة إلى التعليم الحكومي، كل خطوة تُدار من مختصين يعرفون ماذا يريدون، وإلى أين الوجهة وما هو الهدف. في النهاية… شكرًا لأنكم رأيتم المعلم إنسانًا، والطفل أمانة، والأسرة شريكًا، واللغة والقرآن هوية. وشكرًا لأنكم جعلتمونا: نفخر بكم… ونثق بكم… ونمضي معكم نحو تعليم يبني المستقبل.
1470
| 20 نوفمبر 2025
يحتلّ برّ الوالدين مكانة سامقة في منظومة القيم القرآنية، حتى جعله الله مقرونًا بعبادته في قوله تعالى: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء: 23]، فجمع بين التوحيد والإحسان إليهما في آية واحدة، ليؤكد أن البرّ بهما ليس مجرّد خُلقٍ اجتماعي، بل عبادة روحية عظيمة لا تقلّ شأنًا عن أركان الإيمان. القرآن الكريم يقدّم برّ الوالدين باعتباره جهادًا لا شوكة فيه، لأن مجاهد النفس في الصبر عليهما، ورعاية شيخوختهما، واحتمال تقلب مزاجهما في الكبر، هو صورة من صور الجهاد الحقيقي الذي يتطلّب ثباتًا ومجاهدة للنفس. قال تعالى: ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ [لقمان: 15]، فحتى في حال اختلاف العقيدة، يبقى البرّ حقًا لا يسقط. وفي الآية الأخرى ﴿وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: 24]، يربط القرآن مشاعر الإنسان بذاكرته العاطفية، ليعيده إلى لحظات الضعف الأولى حين كان هو المحتاج، وهما السند. فالبرّ ليس ردّ جميلٍ فحسب، بل هو اعتراف دائم بفضلٍ لا يُقاس، ورحمة متجددة تستلهم روحها من الرحمة الإلهية نفسها. ومن المنظور القرآني، لا يتوقف البرّ عند الحياة، بل يمتدّ بعد الموت في الدعاء والعمل الصالح، كما قال النبي ﷺ: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث... « وذكر منها «ولد صالح يدعو له» (رواه مسلم). فالبرّ استمرارية للقيم التي غرساها، وجسر يصل الدنيا بالآخرة. في زمن تتسارع فيه الإيقاعات وتبهت فيه العواطف، يعيدنا القرآن إلى الأصل: أن الوالدين بابان من أبواب الجنة، لا يُفتحان مرتين. فبرّهما ليس ترفًا عاطفيًا ولا مجاملة اجتماعية، بل هو امتحان للإيمان وميزان للوفاء، به تُقاس إنسانية الإنسان وصدق علاقته بربه. البرّ بالوالدين هو الجهاد الهادئ الذي يُزهر رضا، ويورث نورًا لا يخبو.
1383
| 14 نوفمبر 2025