رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
نادرة هي وقفات المراجعات أو ومضات النقد الذاتي التي شهدتها الساحة المصرية سواء على مستوى التنظيمات والأحزاب والرموز الوطنية وبالأحرى على مستوى الحكومات والأنظمة السياسية وهو ما يعكس خللا في البنية الثقافية والسياسية على حد سواء كما يمكن تحميله جانبا مهما من أسباب قصور نخبتنا وتخلف مجتمعاتنا وتنكب حكوماتنا دائما للطريق القويم فالمراجعة والنقد الذاتي ما زال بعضنا يعتبره عوارا سياسيا أو عيبا خلقيا!!
ينتشر ذلك برغم أن ثقافة مجتمعاتنا هي ثقافة إسلامية علمتنا أن الرجوع للحق فضيلة وأن الرجوع للحق خير من التمادي في الباطل.. كما أن القرآن الذي نتباهى ونعتز بالاحتكام إليه يحض على أن يكون منهجنا الدائم في التفكير معتمدا على مراجعة الذات ومحاسبة النفس ولومها على الخير والشر على السواء فإن أساءت أقلعت واستغفرت وعزمت ألا تعود وإن أحسنت وطنت وجودت.. ورضي الله عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه القائل: حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم. ورحم الله الراشدين الذين كانوا يكافئون على النقد والنصح للحكام.
أذكر ذلك بين يدي استعراض أهم الملامح السياسية لمبادرة الجماعة الإسلامية لوقف العنف والتي انطلقت عام 1997م مؤكدًا على هذا السلوك وهذا النوع من المراجعات وداعيا كل ذي شأن في الساحة المصرية أن يراجع نفسه وينتقد ذاته فليس منا ولا بيننا أحد معصوم من الخطأ وهو ما يوجب المراجعة والنقد الذاتي في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ مصر والتي قد تفضي في أحد أبعادها السلبية أن نفقد وطننا ونرى مجتمعنا يتفتت ويتصارع وما أكثر المتربصين به والمتآمرين عليه.
والحقيقة أنى لا أجد سببا للتوجه بذات النصيحة للنظام الانقلابي الجاثم على صدر بلادي لأنه أصل الداء الحالي ومكمن الخطر وهو يعي ذلك ولا يفكر في المراجعة ويكفي أن نذكر كلمة الجنرال الشهيرة التي قالها قبل انقلابه بعدة شهور حيث قال: "إن الجيش لو نزل الشارع فإن مصر سترجع للوراء أربعين عاما" ثم فعلها!!
كما أن النظام العسكري الذي حكم بلادنا منذ أكثر من ستين عاما لم يحكمها بغير العنف والقمع والترويع وقد عاد اليوم أشرس من ذي قبل ولا يتصور أن يراجع نفسه ويتخلى عن العنف لأنه يكاد يكون أداته الوحيدة للحكم بعد أن فقد كل الأدوات السياسية ولا يسعى لامتلاكها ففي الوقت الذي يحتفل أحد الفصائل السياسية بالذكرى العشرين لإعلانه التخلي عن العنف طريقا لتحقيق الأهداف السياسية نجد النظام يدشن أوسع حملة عنف في تاريخ مصر لترويع الشعب وتركيع المعارضين.
أما عن مراجعة الجماعة الإسلامية في التسعينيات فهي تحتاج إلى المزيد من تسليط الضوء لأسباب عديدة منها أنها لم تكن مجرد هزيمة أمام قهر النظام المتسلط كما لم تكن من موقع ضعف أملى عليها التراجع لأن تشكيلات الجماعة المنتشرة في الداخل والخارج آنذاك كانت لا تزال قادرة على المدافعة والاستمرار في الصراع كما كان عدد مهم من قادتها لا يزال خارج البلاد ويمتلك القدرة على إدارة هذا الصراع.. كما كان النظام مأزوما اقتصاديا بالشكل الذي يصعب عليه الاستمرار في مواجهة مفتوحة من هذا النوع إلا بضخ غالب موارده في تأمين القيادة السياسية ثم لتذهب البلاد بعد ذلك إلى الجحيم طالما بقي الرئيس وأبناؤه في مأمن.
كما كانت الجماعة تمتلك هدفا مشروعا ـ بغض النظر عن الطريقة التي اختارتها في تحصيله ـ وهو تفكيك القبضة الأمنية العاتية التي وضحت شراستها مع وصول زكي بدر لمقعد وزارة الداخلية ووصول قبضة الأجهزة الأمنية لكل أحشاء المجتمع والتحكم في كل مظاهر الحياة العامة وصولا للسيطرة الأمنية على كل المرافق وإحكام الخناق على المواطن فضلا عن الساحة السياسية والإعلامية والحقوقية التي أصبحت مصدر إزعاج للنظام الذي رتب أوضاعه خلال السنوات الست الأولى من حكمه ثم أخذ يتجه نحو بناء ديكتاتورية تحكم للأبد وإن لم يكن قد اتضح يومها اتجاهها نحو التوريث.
كما أن مبادرة وقف العنف التي أطلقتها الجماعة الإسلامية كانت في أحد أبعادها نوعا من "الهجوم السياسي" ولم تكن مجرد انسحاب أمام جبروت النظام وقوته الغاشمة فقد وضعت النظام في موقف حرج أمام أنصاره وهم غالب القوى السياسية آنذاك الذين كانوا قد وقفوا بجانبه وخضعوا لقبضته الأمنية المغلفة بشعار محاربة الإرهاب وقبلوا السكوت على كل أشكال التوسع في القوانين الاستثنائية والإجراءات القمعية وتأميم الساحة السياسية في مقابل أن يكون لهم من الأمر شيء بعد زوال الغمة وتحقيق النصر المظفر!!
ولهذا كان من الطبيعي تزايد "المطالب السياسية" واتساع دائرة "الاحتجاج السلمي" وارتفاع الأصوات مطالبة بالإصلاح السياسي طالما قد انتهى الإرهاب وهذا ما كان يحذره النظام الذي اختطف المجتمع تحت شعار "لا صوت يعلو فوق صوت مكافحة الإرهاب" وهو ما جعله يتأخر طويلا حتى 2001م فيما بعد أحداث سبتمبر ليضطر للأفراج عن "مبادرة وقف العنف" التي أطلقت عام 1997م وذلك على استحياء وعلى مضض وتحت ضغط الخوف من الأمريكان الذين راحوا مذعورين يبحثون عن سبب لانتشار الإرهاب في العالم فجاءتهم الإجابة من أهم مراكزهم البحثية وأكبر مفكريهم لتوجه أصابع الاتهام للنظام المصري الذي بالغ في تعذيب الشباب وأفرط في القمع وأغلق كل منافذ التعبير فهاجر الشباب للخارج ليكتشف أن أمريكا هي الداعم الرئيس لهذا النظام.
كما يجب ملاحظة أن مبادرة وقف العنف جاءت دون شروط ومن طرف واحد لأن الطرف الآخر الذي هو السلطة رفض أن يكون شريكا في ذلك لأنه كان يتمنى أن تستمر حالة التعبئة الأمنية التي تصب في صالحه على كافة المستويات وتكرس نظامه الاستثنائي وتجذب له عطفا دوليا برع في التلاعب به.. ولهذا أيضا أطاح بالوزير عبدالحليم موسى لأنه كاد يتوصل لمبادرة شبيهة عام 1993م.
وفي الختام لا يسعني إلا أن أحيي كل من دعا أو شارك في الاحتفال بمرور عشرين عاما على مبادرة وقف العنف وأتمنى أن تكون قد وصلت الرسالة لصاحب الكفة الأثقل في ممارسة العنف وهي السلطة التي لا تزال تمارس أقصى درجات العنف العضوي والقيمي والسياسي في تعاملها مع المعارضين ومع المواطنين فالعنف والقمع حين يأتي من السلطة التي تحتكر كل أدوات العنف فإن الطامة تكون أفدح.. كما أعزي نفسي بل والمجتمع المصري كله في عودة العنف على يد السلطة بأشرس ما شهدته مصر في عصرها الحديث ووصول معدلات القتل خارج القانون لأرقام غير مسبوقة وتعرض المواطنين للتعذيب بشكل يومي دون حساب ووصول معدلات الاختفاء القسري لمعدلات قياسية.
اليوم الوطني.. تجديد الولاء وتعزيز الهوية الوطنية
يحل اليوم الوطني لدولة قطر في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، بوصفه مناسبة تتجاوز حدود الاحتفال... اقرأ المزيد
51
| 14 ديسمبر 2025
التوازن السكاني.. ودوره في ارتفاع نسبة المواطنة
لم نضع أقدامنا في أي موقع خدماتي أو في المجمعات التجارية أو الأماكن السياحية الا ونجد أفواجًا بشرية... اقرأ المزيد
123
| 14 ديسمبر 2025
جائزة سمو الشيخ تميم .. نحو عالم أكثر نزاهة وعدلاً
تمثل جائزة «سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الدولية للتميز في مكافحة الفساد» نموذجاً رائداً على المستوى... اقرأ المزيد
87
| 14 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
2466
| 07 ديسمبر 2025
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2283
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1200
| 09 ديسمبر 2025