رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. م. جاسم عبدالله جاسم ربيعة المالكي

نائب رئيس المجلس البلدي المركزي (سابقاً)

مساحة إعلانية

مقالات

99

د. م. جاسم عبدالله جاسم ربيعة المالكي

اليوم الوطني.. تجديد الولاء وتعزيز الهوية الوطنية

14 ديسمبر 2025 , 04:00ص

يحل اليوم الوطني لدولة قطر في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، بوصفه مناسبة تتجاوز حدود الاحتفال الرمزي، لتصبح لحظة وطنية جامعة تستدعي التأمل في مسيرة دولة صنعت مكانتها بثبات، وبنت نموذجها الخاص القائم على الاستقلال، والوضوح، واحترام الذات الوطنية. فهو يوم لا يُستحضر فيه الماضي لمجرد الاستذكار، بل يُعاد فيه فهم التاريخ بوصفه أساسًا لصياغة الحاضر ورسم المستقبل.يرتبط هذا اليوم ارتباطًا وثيقًا بالمؤسس الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني، طيب الله ثراه، الذي قاد مرحلة التأسيس في زمن كانت فيه التحديات الإقليمية حاضرة، والموارد محدودة، لكن الإرادة كانت صلبة، والرؤية واضحة. لقد أدرك المؤسس أن بناء الدولة لا يبدأ من الأرض وحدها، بل من وحدة الصف، ومن ترسيخ القرار المستقل، ومن احترام العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وهي قيم شكلت جوهر الكيان القطري منذ نشأته.ولا يُنظر إلى اليوم الوطني على أنه ذكرى تاريخية ساكنة، بل باعتباره محطة وعي تُراجع فيها الدولة مسيرتها، وتستحضر الأسس التي قامت عليها، وتقيّم من خلالها ما تحقق من إنجازات، وما يتطلبه المستقبل من جهد ومسؤولية. فالدول التي تحافظ على حضورها واستمراريتها هي تلك التي تقرأ تاريخها بوعي، لا بعاطفة فقط، وتتعامل مع ذاكرتها الوطنية باعتبارها مصدر إلهام لا عبئًا رمزيًا.وعلى مدى العقود، انتقلت دولة قطر من مرحلة التأسيس إلى بناء مؤسسات الدولة الحديثة، ثم إلى ترسيخ التنمية الشاملة، وصولًا إلى مرحلة الحضور الفاعل والمؤثر إقليميًا ودوليًا. ولم يكن هذا التحول نتاج ظروف مواتية فقط، بل نتيجة تخطيط استراتيجي، وإدارة واعية للموارد، ورؤية أدركت مبكرًا أن الاستدامة لا تتحقق إلا بتوازن دقيق بين الاقتصاد، والمجتمع، والهوية.

وقد أولت الدولة اهتمامًا كبيرًا ببناء مؤسسات قوية وقادرة على أداء دورها بكفاءة، وتعزيز سيادة القانون، وترسيخ مبادئ الشفافية والمسؤولية، بما يضمن الاستقرار السياسي والاجتماعي. كما شهدت البنية التحتية تطورًا نوعيًا، انعكس على جودة الحياة، وساهم في تهيئة بيئة داعمة للنمو والتنمية، دون أن يكون ذلك على حساب القيم الثقافية أو الخصوصية الوطنية.

ويأتي الإنسان القطري في قلب هذه المسيرة، باعتباره الهدف الأول للتنمية وأداتها في آن واحد. فقد آمنت الدولة بأن الاستثمار الحقيقي ليس في الموارد وحدها، بل في الإنسان القادر على التعلم، والتطوير، والمشاركة الفاعلة في بناء وطنه، لذلك، كان التركيز على التعليم، وبناء القدرات، وتمكين الشباب، نهجًا ثابتًا يعكس رؤية طويلة الأمد لمستقبل الدولة.

وفي هذا الإطار، شكلت رؤية قطر الوطنية 2030 علامة فارقة في التخطيط التنموي، حيث وضعت مسارًا واضحًا للتنمية المستدامة، يقوم على تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي، والتنمية الاجتماعية، وحماية البيئة، مع الحفاظ على الهوية الوطنية والقيم الثقافية.

ويبرز اليوم الوطني أيضًا كفرصة للتأمل في قدرة دولة قطر على التعامل مع المتغيرات الإقليمية والدولية بحكمة واتزان. فقد أثبتت التجارب أن قوة الدولة لا تُقاس بحجمها الجغرافي أو بعدد سكانها، بل بصلابة مؤسساتها، ووحدة شعبها، ووضوح سياستها، وقدرتها على اتخاذ القرار المستقل في اللحظات الفارقة.

وفي ظل القيادة الحكيمة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، حفظه الله، واصلت دولة قطر مسيرتها بثبات، معززة حضورها الدولي، ومتمسكة بثوابتها الوطنية، ومنفتحة على العالم بلغة الحوار والتعاون.

إن الاحتفال باليوم الوطني لا يقتصر على المظاهر والفعاليات، بل يحمل في جوهره رسالة عميقة مفادها أن الوطن مسؤولية مستمرة، وأن الحفاظ على منجزاته واجب جماعي، وأن المستقبل لا يُترك للصدفة، بل يُبنى بالعمل، والانضباط، واستشعار الأمانة.

وفي هذا اليوم المجيد، تتجدد مشاعر الفخر والانتماء، وتتوحد القلوب على حب قطر، وطنًا نعتز بتاريخه، ونثق بحاضره، ونؤمن بمستقبله. وطن أثبت أن الإرادة الواعية تصنع الفارق، وأن الوفاء للماضي لا يكتمل إلا بالعمل للحاضر والتخطيط للغد.

كل عام وقطر بخير.. وطنٌ يمضي بثقة، ويكبر بوعي أبنائه، ويحفظ تاريخه وهو يصنع مستقبله بثبات.

مساحة إعلانية