رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ابن عباس أول من استخدم المصطلح بوصف من تبيضّ وجوههم بأنهم أهل السنة والجماعة
مالك عرّف أهل السنة بأنهم من ليس لهم لقبٌ يُعرفون به لا جهمي ولا قدَري ولا رافضي
أهل السنة والجماعة لا يقدمون العقل على النقل ولا يوجبون على الله شيئاً
أعيب على بعض السلفيين غلوَّهم في تبديع وتفسيق المخالفين لهم من أهل السنة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن تبع هداه، وبعد:
فقد اختص الله هذه الأمة بخير كتاب أنزل، وخير نبي أرسل، وجعلها آخر الأمم، وقد ترك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم صحابته ـ على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، وظلت الأمة متحدة على الجادة على العقيدة الإسلامية بنقائها وسلامتها وبساطتها؛ خلافةَ أبي بكر وعمر وعثمان، ثم كانت الفتن الكبرى: مقتل عثمان، وقتال المسلمين بعضهم بعضًا، في حربين كبيرتين، كانتا سببًا في قتل المئات بل الألوف، من المسلمين، في معركة الجمل ومعركة صفين، أضفْ إلى هاتين الحربين حرباً ثالثة: معركة النهروان، وانتهت المعركة بهزيمة الخوارج، الذين خططوا لقتل الخليفة الراشد علي بن أبي طالب. وقتلوه رضي الله عنه.
خرجت الأمة من هذه الفتن، وقد ظهرت فيها أصول فرق الخوارج، والقدرية، والشيعة الأوائل، ثم ظهرت بعد ذلك فرقة المعتزلة، وتعصبت كل فرقة لنفسها ومعتقدها، وكبرائها.
وبعد مقتل الإمام علي رضي الله عنه، رأى الإمام الحسن أن يحقن دماء الأمة بالتنازل والصلح، زهداً وإيثاراً، وتبرماً بفوضى أنصاره، رضي الله عنه، ليحقق ما بشر به الرسول الكريم أمته، حين قال: "إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين". وسمى المسلمون هذا العام بعام الجماعة، غير أن هذا الاجتماع لم يدم طويلاً، فقد جرى في النهر مياه كثيرة، كوقعة الحَرَّة، وخروج الحسين، وعبدالله بن الزبير رضي الله عنهم. في هذا الجو المضطرب تميزت أغلبية الأمة، والجمهور الأعظم منها، ممن تمسك بالعقيدة الصحيحة، من غير اتباع لهوى، ولا استحداث لبدعة بهذا اللقب: (أهل السنة والجماعة)، انتسبوا إلى (السنة) وإلى (الجماعة)، والسنة هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهديه وطريقته، ومنهجه. و(الجماعة) هي جماعة المسلمين، وليست كما يظن بعض السطحيين من المعاصرين أنها جماعة من الجماعات المعاصرة. وهي إيذان من أول أمر: أن أهل السنة والجماعة يؤمنون بوحدة الأمة، ويرفضون الفرقة، امتثالاً لقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103]. وقوله عز وجل: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:92].
ظهور المصطلح ودلالته
وقد ظهر هذا التعبير أول ما ظهر في قول ابن عباس رضي الله عنهما، في تفسير قوله تعالى: { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ }. قال: تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدعة والضلالة.
وتبعه على هذا المعنى الإمام محمد بن سيرين، قال: "كانوا لا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة، قالوا: سَمُّوا لنا رجالكم، فيُنْظر إلى أهل السنة، فُيؤخذ حديثهم، ويُنْظر إلى أهل البدعة فتُردّ رواياتهم".
فكلمة (السنة) هنا ما تقابل البدعة في الاعتقاد والأعمال والتعبد.
وبهذا المعنى استخدم الفضيل بن عياض مصطلح (أهل السنة) في مقابل أهل البدع، قائلاً: "إن أهل الإرجاء يقولون: إن الإيمان قول بلا عمل. ويقول الجهمية: الإيمان المعرفة بلا قول ولا عمل. ويقول أهل السنة: الإيمانُ: المعرفةُ والقول والعمل".
وهذا ما حدا بالإمام أبي جعفر الطحاوي الحنفي، أن يذكر في مقدمة عقيدته المشهورة: (هذا ذكر بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة).
ويعجبني هنا ما نقله ابن عبد البر عن الإمام مالك إمام دار الهجرة: أنَّ رجلًا سأل مالكًا، فقال: مَن أهل السنَّة؟ قال: أهل السنَّة الذين ليس لهم لقبٌ يُعرفون به؛ لا جهمي ولا قدَري ولا رافضي.
فـ (أهل السنة والجماعة) هو الاسم العَلَم لأمة الإسلام؛ المطلوب توحدها واجتماعها وتألفها على الإسلام العظيم، وعلى كتاب الله تعالى، وعلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى ما اجتمع عليه الصحابة، وتابعوهم بإحسان.
ويمكن القول: بأن أهل السنة امتداد طبيعي للصحابة والتابعين وتابعيهم من أهل القرون الثلاثة الأولى، وأنهم هم الأصل الذي حادت عنه كل الفرق.
المكونات الثلاثة لأهل السنة والجماعة:
وكما انقسم أهل السنة في الفقه إلى مدارس، أشهرها المذاهب الفقهية الأربعة، فقد انقسموا في الاعتقاد إلى أصحابِ الحديث، ومعهم جل الحنابلة، والمتكلمين من الأشعرية والماتُريدية ومعهم جل الفقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية، وظل الأمر ملتئما بين علماء كل طوائف أهل السنة، لا يُخرج بعضهم بعضًا من دائرة أهل السنة الواسعة.
وليست مدرسة من هذه المدارس الثلاث معصومة من كل خطأ، فلا عصمة في هذه الأمة إلا لنبيها محمد صلى الله عليه وسلم. وهؤلاء جميعا اجتهدوا، وقد بلغوا رتبة الاجتهاد، وبلغوا من المنزلة في فهم الدين والخشية والورع والعبادة، ما يؤهلهم لهذا الاجتهاد. فمن أصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر، وكلهم يُرجى له الخير.
وهذا ما قاله السفاريني الحنبلي صاحب العقيدة السفارينية؛ في تعريفه لأهل السنة: أهل السنة والجماعة ثلاث فرق: الأثرية وإمامهم أحمد بن حنبل رضي الله عنه، والأشعرية وإمامهم أبو الحسن الأشعري رحمه الله، والماتُريدية وإمامهم أبو منصور الماتُريدي.
وقاله عبدالقاهر البغدادي في (الفَرْق بين الفِرَق): (أهل السنة والجماعة من فريقي الرأي والحديث، دون من يشتري لهو الحديث، وفقهاء هذين الفريقين، وقراؤهم ومحدِّثوهم، ومتكلمو أهل الحديث منهم، كلهم متفقون على مقالة واحدة؛ في توحيد الصانع وصفاته وعدله وحكمته، وفي أسمائه وصفاته، وفي أبواب النبوة والإمامة.. وليس بينهم فيما اختلفوا فيه منها تضليل ولا تفسيق.. فمن قال بهذه الجهة التي ذكرناها، ولم يخلط إيمانه بها بشيء من بدع الخوارج والروافض والقدرية، وسائر أهل الأهواء، فهو من جملة الفرقة الناجية).
الخلاف المقبول في فروع العقيدة بين مكونات أهل السنة:
والحق أن الخلاف بين هذه الطوائف الثلاث في بعض أوصاف الله تعالى، لا يخرج عن كونه من الاجتهاد المقبول في فروع العقيدة؛ بل عده بعض العلماء من قبيل الخلاف اللفظي، كما نقل العلامة السلفي محمد جمال الدين القاسمي، حين قال: "وكأنّ الخلاف بين المذهبين لفظي، إذ مبنى مذهب الخلف، على أن الظاهر غير مراد. ويعنون بالظاهر ما للخلق، مما يستحيل على الخالق، فوجب تأويله. وأما السلف فينكرون أن معنى الظاهر منها ما للخلق. بل هو ما يتبادر إلى فهم المؤمن، الذي يعلم أن ذاته تعالى، كما أنها لا تشبه الذوات، فكذلك صفاته لا تشبه الصفات. لأنها لا تكيف ولا تعلم بوجه ما. فهي حقيقة النسبة إليه سبحانه. على ما يليق به. كالعلم والقدرة. لا تمثيل ولا تعطيل".
وأنا أرى أن هذا الخلاف يظل من الخلاف المستساغ، الذي لا يقتضي تكفيراً، أو تفسيقاً، أو تبديعاً. كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فمن كان من المؤمنين مجتهداً في طلب الحق وأخطأ فإن الله يغفر له خطأه، كائناً ما كان، سواء كان في المسائل النظرية أو العملية).
أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة:
وإذا كان المسلمون وسَطًا بين الأمم والملل، فإن أهل السنة وسط بين الفرق، يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ويؤمنون بالقدر خيره وشره.
وهم يؤمنون بأن الله "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير"، ويصفون الله بما وصف به نفسه في كتابه، وما وصفه به النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح من سنته، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
وأهل السنة والجماعة يقولون: إن الإيمان قول وعمل، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، خلافاً للمرجئة، الذين يقولون: إن العمل ليس داخلاً في حقيقة الإيمان، وإن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وإن أصحاب المعاصي مؤمنون كاملو الإيمان.
وهم لا يكفرون أهل القبلة بارتكاب الكبائر، ولا يستحلون دماءهم، ولا يرون قتال أئمة العدل، أو يرفعون السيف على أمة محمد، خلافا للخوارج.
كما يؤمنون بأن أفعال العباد من كسبهم، ولكنها لا تكون إلا بمشيئة الله وإرادته وخلقه. وأنه سبحانه يعلم ما كان، وما هو كائن، وما سيكون، خلافا للقدرية الذين ينفون قدر الله وعلمه المسبق، والجبرية الذين ينفون اختيار الإنسان لأفعاله.
وأهل السنة والجماعة لا يقدمون العقل على النقل، ولا يوجبون على الله شيئاً، ويثبتون رؤية الله تعالى للمؤمنين في الآخرة، ولا يخلِّدون أصحاب الكبائر في النار، خلافا للمعتزلة.
ويرون أن الإمامة من مسائل الفروع، وليست من أركان الإسلام، وأن الأئمة ليسوا معصومين، ولا يتلقون العلم من الله مباشرة. ويعظمون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأزواجه وآل بيته الذين نقلوا إلينا القرآن والسنة، خلافا للشيعة.
مصطلح (أهل السنة والجماعة) لجمع الأمة وليس أداة للشقاق
وإنما المقصد الأول لهذا الاسم أو المصطلح (أهل السنة والجماعة) جمع جمهور الأمة تحت مظلة واحدة، لا أن يصبح هذا المسمى أداة للتنابز والشقاق والفرقة، بأن يحاول بعض أهل السنة أن يحتكروا هذا الاسم، ويخرجوا الآخرين من مظلته الجامعة.
لذا، أعيب على بعض السلفيين غلوهم في تبديع وتفسيق المخالفين لهم من أهل السنة، من الأشاعرة والماتُريدية، وأعيب كذلك على بعض مخالفيهم من الأشاعرة الغلو في اتهامهم بالضلال والمروق، وتقويلهم ما لم يقولوه في دين الله، ورميهم بالتجسيم والتشبيه، وهم يبرؤون منهما في كل ما كتبوه، حتى قالوا عن الإمام الرباني علّامة الأمة وشيخ الإسلام ابن تيمية، ما لا يجوز، ولا يقبل أن يقال بحال من الأحوال.
وفي الختام، أحب أن أؤكد أن أهل السنة والجماعة، هم الأمة الإسلامية بمجموعها وأغلبيتها، ليسوا فرقة من الفرق، ولا طائفة من الطوائف، وإن جاز أن تضل أو تنحرف بعض المجموعات الصغيرة من الأمة، فقد عصم الله الأمة الإسلامية بمجموعها أن تجتمع على ضلالة.
قطر تُعيد الروح لقضايا «الإنسان» في قمة التنمية الاجتماعية
بعد ثلاثة عقود على انعقاد المؤتمر العالمي الأول للتنمية الاجتماعية في «كوبنهاغن « عام 1995، الذي أسّس لإعلان... اقرأ المزيد
165
| 05 نوفمبر 2025
لغة (السونكي) الدامية
رفع جثة الطفل الذي لم يتجاوز عمره ثلاث سنوات بطرف (السونكي)، وهي تشبه الحربة الحادة المعلقة في رأس... اقرأ المزيد
312
| 05 نوفمبر 2025
«ولكنني لست من هنا»
كم مرة جلست بين مجموعة، ومر بك ذاك الشعور بأن كل ما حولك غريب لا تنتمي له؟ كم... اقرأ المزيد
228
| 05 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
حينَ شقَّ الاستعمار جسدَ الأمة بخطوطٍ من حديد وحدودٍ من نار، انقطعت شرايين الأخوة التي كانت تسقي القلوب قبل أن تربط الأوطان. تمزّقت الخريطة، وتبعثرت القلوب، حتى غدا المسلم يسأل ببرودٍ مريب: ما شأني بفلسطين؟! أو بالسودان ؟! أو بالصين ؟! ونَسِيَ أنَّ تعاطُفَه عبادةٌ لا عادة، وإيمانٌ لا انفعال، وأنّ مَن لم يهتمّ بأمر المسلمين فليس منهم. لقد رسم الاستعمار حدودهُ لا على الورق فحسب، بل في العقول والضمائر، فزرعَ بين الإخوة أسوارا من وهم، وأوقد في الصدورِ نارَ الأحقادِ والأطماع. قسّم الأرضَ فأضعفَ الروح، وأحيا العصبيةَ فقتلَ الإنسانية. باتَ المسلمُ غريبًا في أرضه، باردًا أمام جراح أمّته، يشاهدُ المجازرَ في الفاشر وغزّة وفي الإيغور وكأنها لقطات من كوكب زحل. ألا يعلم أنَّ فقدَ الأرضِ يسهلُ تعويضُه، أمّا فقد الأخِ فهلاكٌ للأمّة؟! لقد أصبح الدينُ عند كثيرين بطاقة تعريفٍ ثانوية بعدَ المذهبِ والقبيلةِ والوطن، إنّ العلاجَ يبدأُ من إعادةِ بناءِ الوعي، من تعليمِ الجيلِ أنّ الإسلام لا يعرف حدودًا ولا يسكنُ خرائطَ صمّاء، وأنّ نُصرةَ المظلومِ واجبٌ شرعيٌّ، لا خِيارٌا مزاجيّا. قال النبي صلى الله عليه وسلم (مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمِهم «وتعاطُفِهم» كمثلِ الجسدِ الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائرُ الجسدِ بالسهرِ والحمّى). التعاطف عبادة، التعاطف مطلب، التعاطف غاية، التعاطف هدف، التعاطف إنسانية وفطرة طبيعية، لذلك فلننهضْ بإعلامٍ صادقٍ يذكّرُ الأمةَ أنّها جسدٌ واحدٌ لا أطرافا متناحرة، وبعمل جماعي يترجمُ الأخوّةَ إلى عطاءٍ، والتكافلَ إلى فعلٍ لا شعار. حين يعودُ قلبُ المسلم يخفقُ في المغربِ فيسقي عروقَه في المشرق، وتنبضُ روحهُ في الشمالِ فتلهم الجنوبَ، حينئذٍ تُهدَمُ حدودُ الوهم، وتُبعثُ روحُ الأمةِ من رمادِ الغفلة، وتستعيدُ مجدَها الذي هو خير لها وللناس جميعاً قال تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ). عندها لن تبقى للأمّة خرائط تُفرّقها،. وتغدو حدود وخطوط أعدائنا التي علينا سرابًا تذروه الرياح، وتتقطع خيوطُ العنكبوتِ التي سحروا أعيننا بوهم قيودها التي لا تنفك. فإذا استيقظَ الوجدان تعانقَ المشرقُ والمغربُ في جسدٍ واحد يهتفُ بصوتٍ واحد فداك أخي.
3318
| 04 نوفمبر 2025
كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق بالحياة، تملؤه الأصوات وتشتعل فيه الأرواح حماسةً وانتماء. اليوم، صار صامتًا كمدينةٍ هجرتها أحلامها، لا صدى لهتاف، ولا ظلّ لفرح. المقاعد الباردة تروي بصمتها حكاية شغفٍ انطفأ، والهواء يحمل سؤالًا موجعًا: كيف يُمكن لمكانٍ كان يفيض بالحب أن يتحول إلى ذاكرةٍ تنتظر من يوقظها من سباتها؟ صحيح أن تراجع المستوى الفني لفرق الأندية الجماهيرية، هو السبب الرئيسي في تلك الظاهرة، إلا أن المسؤول الأول هو السياسات القاصرة للأندية في تحفيز الجماهير واستقطاب الناشئة والشباب وإحياء الملاعب بحضورهم. ولنتحدث بوضوح عن روابط المشجعين في أنديتنا، فهي تقوم على أساس تجاري بدائي يعتمد مبدأ المُقايضة، حين يتم دفع مبلغ من المال لشخص أو مجموعة أشخاص يقومون بجمع أفراد من هنا وهناك، ويأتون بهم إلى الملعب ليصفقوا ويُغنّوا بلا روح ولا حماسة، انتظاراً لانتهاء المباراة والحصول على الأجرة التي حُدّدت لهم. على الأندية تحديث رؤاها الخاصة بروابط المشجعين، فلا يجوز أن يكون المسؤولون عنها أفراداً بلا ثقافة ولا قدرة على التعامل مع وسائل الإعلام، ولا كفاءة في إقناع الناشئة والشباب بهم. بل يجب أن يتم اختيارهم بعيداً عن التوفير المالي الذي تحرص عليه إدارات الأندية، والذي يدل على قصور في فهم الدور العظيم لتلك الروابط. إن اختيار أشخاص ذوي ثقافة وطلاقة في الحديث، تُناط بهم مسؤولية الروابط، سيكون المُقدمة للانطلاق إلى البيئة المحلية التي تتواجد فيها الأندية، ليتم التواصل مع المدارس والتنسيق مع إداراتها لعقد لقاءات مع الطلاب ومحاولة اجتذابهم إلى الملاعب من خلال أنشطة يتم خلالها تواجد اللاعبين المعروفين في النادي، وتقديم حوافز عينية. إننا نتحدث عن تكوين جيل من المشجعين يرتبط نفسياً بالأندية، هو جيل الناشئة والشباب الذي لم يزل غضاً، ويمتلك بحكم السن الحماسة والاندفاع اللازمين لعودة الروح إلى ملاعبنا. وأيضاً نلوم إعلامنا الرياضي، وهو إعلام متميز بإمكاناته البشرية والمادية، وبمستواه الاحترافي والمهني الرفيع. فقد لعب دوراً سلبياً في وجود الظاهرة، من خلال تركيزه على التحليل الفني المُجرّد، ومخاطبة المختصين أو الأجيال التي تخطت سن الشباب ولم يعد ممكناً جذبها إلى الملاعب بسهولة، وتناسى إعلامنا جيل الناشئة والشباب ولم يستطع، حتى يومنا، بلورة خطاب إعلامي يلفت انتباههم ويُرسّخ في عقولهم ونفوسهم مفاهيم حضارية تتعلق بالرياضة كروح جماهيرية تدفع بهم إلى ملاعبنا. كلمة أخيرة: نطالب بمبادرة رياضية تعيد الجماهير للمدرجات، تشعل شغف المنافسة، وتحوّل كل مباراة إلى تجربة مليئة بالحماس والانتماء الحقيقي.
2580
| 30 أكتوبر 2025
اطلعت على الكثير من التعليقات حول موضوع المقال الذي نشرته الأسبوع الماضي بجريدة الشرق بذات العنوان وهو «انخفاض معدلات المواليد في قطر»، وقد جاء الكثير من هذه التعليقات أو الملاحظات حول أن هذه مشكلة تكاد تكون في مختلف دول العالم وتتشابه الى حد كبير، والبعض أرجعها الى غلاء المعيشة بشكل عام في العالم، وهذه المشكلة حسبما أعتقد يجب ألا يكون تأثيرها بذات القدر في دول أخرى؛ لأن الوضع عندنا يختلف تماما، فالدولة قد يسرت على المواطنين الكثير من المعوقات الحياتية وتوفر المساكن والوظائف والرواتب المجزية التي يجب ألا يكون غلاء المعيشة وغيرها من المتطلبات الأخرى سببا في عدم الاقبال على الزواج وتكوين أسرة أو الحد من عدد المواليد الجدد، وهو ما يجب معه أن يتم البحث عن حلول جديدة يمكن أن تسهم في حل مثل هذه المشكلة التي بدأت في التزايد. وفي هذا المجال فقد أبرز معهد الدوحة الدولي للأسرة توصيات لرفع معدل الخصوبة والتي تساهم بدورها في زيادة المواليد ومن هذه التوصيات منح الموظفة الحامل إجازة مدفوعة الاجر لـ 6 اشهر مع اشتراط ان تعود الموظفة الى موقعها الوظيفي دون أي انتقاص من حقوقها الوظيفية، وكذلك الزام أصحاب العمل الذين لديهم 20 موظفة بإنشاء دار للحضانة مع منح الأب إجازة مدفوعة الأجر لا تقل عن أسبوعين، وإنشاء صندوق لتنمية الطفل يقدم إعانات شهرية وتسهيل الإجراءات الخاصة بتأمين مساكن للمتزوجين الجدد، وكذلك إنشاء صندوق للزواج يقدم دعما ماليا للمتزوجين الجدد ولمن ينوي الزواج مع التوسع في قاعات الافراح المختلفة، وهذه الاقتراحات هي في المجمل تسهل بشكل كبير العقبات والصعاب التي يواجهها الكثير من المقبلين على الزواج، وبتوفيرها لا شك ان الوضع سيختلف وستسهم في تحقيق ما نطمح اليه جميعا بتسهيل أمور الزواج. لكن على ما يبدو ومن خلال الواقع الذي نعيشه فإن الجيل الحالي يحتاج الى تغيير نظرته الى الزواج، فالكثير اصبح لا ينظر الى الزواج بالاهمية التي كانت في السابق، ولذلك لابد ان يكون من ضمن الحلول التي يجب العمل عليها، إيجاد أو إقرار مواد تدرس للطلاب خاصة بالمرحلة الثانوية وتتمحور حول أهمية تكوين وبناء الاسرة وأهمية ذلك للشباب من الجنسين، والعمل على تغيير بعض القناعات والاولويات لدى الشباب من الجنسين، حيث أصبحت هذه القناعات غير منضبطة أو غير مرتبة بالشكل الصحيح، والعمل على تقديم الزواج على الكثير من الأولويات الثانوية، وغرس هذه القيمة لتكون ضمن الأولويات القصوى للشباب على أن يتم مساعدتهم في ذلك من خلال ما تم ذكره من أسباب التيسير ومن خلال أمور أخرى يمكن النظر فيها بشكل مستمر للوصول الى الهدف المنشود. وفي ظل هذا النقاش والبحث عن الحلول، يرى بعض المهتمين بالتركيبة السكانية ان هناك من الحلول الاخرى التي يمكن أن تكون مؤثرة، مثل التشجيع على التعدد ومنح الموظفة التي تكون الزوجة الثانية أو الثالثة أو حتى الرابعة، علاوة مستحدثة على أن تكون مجزية، الى جانب حوافز أخرى تشجع على ذلك وتحث عليه في أوساط المجتمع، حيث يرى هؤلاء أن فتح باب النقاش حول تعدد الزوجات قد يكون إحدى الأدوات للمساهمة في رفع معدلات الإنجاب، خصوصًا إذا ما اقترن بدعم اجتماعي ومؤسسي يضمن كرامة الأسرة ويحقق التوازن المطلوب.
2094
| 03 نوفمبر 2025