رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); ابن عباس أول من استخدم المصطلح بوصف من تبيضّ وجوههم بأنهم أهل السنة والجماعةمالك عرّف أهل السنة بأنهم من ليس لهم لقبٌ يُعرفون به لا جهمي ولا قدَري ولا رافضيأهل السنة والجماعة لا يقدمون العقل على النقل ولا يوجبون على الله شيئاًأعيب على بعض السلفيين غلوَّهم في تبديع وتفسيق المخالفين لهم من أهل السنة الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن تبع هداه، وبعد:فقد اختص الله هذه الأمة بخير كتاب أنزل، وخير نبي أرسل، وجعلها آخر الأمم، وقد ترك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم صحابته ـ على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، وظلت الأمة متحدة على الجادة على العقيدة الإسلامية بنقائها وسلامتها وبساطتها؛ خلافةَ أبي بكر وعمر وعثمان، ثم كانت الفتن الكبرى: مقتل عثمان، وقتال المسلمين بعضهم بعضًا، في حربين كبيرتين، كانتا سببًا في قتل المئات بل الألوف، من المسلمين، في معركة الجمل ومعركة صفين، أضفْ إلى هاتين الحربين حرباً ثالثة: معركة النهروان، وانتهت المعركة بهزيمة الخوارج، الذين خططوا لقتل الخليفة الراشد علي بن أبي طالب. وقتلوه رضي الله عنه.خرجت الأمة من هذه الفتن، وقد ظهرت فيها أصول فرق الخوارج، والقدرية، والشيعة الأوائل، ثم ظهرت بعد ذلك فرقة المعتزلة، وتعصبت كل فرقة لنفسها ومعتقدها، وكبرائها.وبعد مقتل الإمام علي رضي الله عنه، رأى الإمام الحسن أن يحقن دماء الأمة بالتنازل والصلح، زهداً وإيثاراً، وتبرماً بفوضى أنصاره، رضي الله عنه، ليحقق ما بشر به الرسول الكريم أمته، حين قال: "إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين". وسمى المسلمون هذا العام بعام الجماعة، غير أن هذا الاجتماع لم يدم طويلاً، فقد جرى في النهر مياه كثيرة، كوقعة الحَرَّة، وخروج الحسين، وعبدالله بن الزبير رضي الله عنهم. في هذا الجو المضطرب تميزت أغلبية الأمة، والجمهور الأعظم منها، ممن تمسك بالعقيدة الصحيحة، من غير اتباع لهوى، ولا استحداث لبدعة بهذا اللقب: (أهل السنة والجماعة)، انتسبوا إلى (السنة) وإلى (الجماعة)، والسنة هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهديه وطريقته، ومنهجه. و(الجماعة) هي جماعة المسلمين، وليست كما يظن بعض السطحيين من المعاصرين أنها جماعة من الجماعات المعاصرة. وهي إيذان من أول أمر: أن أهل السنة والجماعة يؤمنون بوحدة الأمة، ويرفضون الفرقة، امتثالاً لقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103]. وقوله عز وجل: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:92].ظهور المصطلح ودلالتهوقد ظهر هذا التعبير أول ما ظهر في قول ابن عباس رضي الله عنهما، في تفسير قوله تعالى: { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ }. قال: تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدعة والضلالة.وتبعه على هذا المعنى الإمام محمد بن سيرين، قال: "كانوا لا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة، قالوا: سَمُّوا لنا رجالكم، فيُنْظر إلى أهل السنة، فُيؤخذ حديثهم، ويُنْظر إلى أهل البدعة فتُردّ رواياتهم".فكلمة (السنة) هنا ما تقابل البدعة في الاعتقاد والأعمال والتعبد.وبهذا المعنى استخدم الفضيل بن عياض مصطلح (أهل السنة) في مقابل أهل البدع، قائلاً: "إن أهل الإرجاء يقولون: إن الإيمان قول بلا عمل. ويقول الجهمية: الإيمان المعرفة بلا قول ولا عمل. ويقول أهل السنة: الإيمانُ: المعرفةُ والقول والعمل".وهذا ما حدا بالإمام أبي جعفر الطحاوي الحنفي، أن يذكر في مقدمة عقيدته المشهورة: (هذا ذكر بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة).ويعجبني هنا ما نقله ابن عبد البر عن الإمام مالك إمام دار الهجرة: أنَّ رجلًا سأل مالكًا، فقال: مَن أهل السنَّة؟ قال: أهل السنَّة الذين ليس لهم لقبٌ يُعرفون به؛ لا جهمي ولا قدَري ولا رافضي.فـ (أهل السنة والجماعة) هو الاسم العَلَم لأمة الإسلام؛ المطلوب توحدها واجتماعها وتألفها على الإسلام العظيم، وعلى كتاب الله تعالى، وعلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى ما اجتمع عليه الصحابة، وتابعوهم بإحسان.ويمكن القول: بأن أهل السنة امتداد طبيعي للصحابة والتابعين وتابعيهم من أهل القرون الثلاثة الأولى، وأنهم هم الأصل الذي حادت عنه كل الفرق.المكونات الثلاثة لأهل السنة والجماعة:وكما انقسم أهل السنة في الفقه إلى مدارس، أشهرها المذاهب الفقهية الأربعة، فقد انقسموا في الاعتقاد إلى أصحابِ الحديث، ومعهم جل الحنابلة، والمتكلمين من الأشعرية والماتُريدية ومعهم جل الفقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية، وظل الأمر ملتئما بين علماء كل طوائف أهل السنة، لا يُخرج بعضهم بعضًا من دائرة أهل السنة الواسعة.وليست مدرسة من هذه المدارس الثلاث معصومة من كل خطأ، فلا عصمة في هذه الأمة إلا لنبيها محمد صلى الله عليه وسلم. وهؤلاء جميعا اجتهدوا، وقد بلغوا رتبة الاجتهاد، وبلغوا من المنزلة في فهم الدين والخشية والورع والعبادة، ما يؤهلهم لهذا الاجتهاد. فمن أصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر، وكلهم يُرجى له الخير.وهذا ما قاله السفاريني الحنبلي صاحب العقيدة السفارينية؛ في تعريفه لأهل السنة: أهل السنة والجماعة ثلاث فرق: الأثرية وإمامهم أحمد بن حنبل رضي الله عنه، والأشعرية وإمامهم أبو الحسن الأشعري رحمه الله، والماتُريدية وإمامهم أبو منصور الماتُريدي.وقاله عبدالقاهر البغدادي في (الفَرْق بين الفِرَق): (أهل السنة والجماعة من فريقي الرأي والحديث، دون من يشتري لهو الحديث، وفقهاء هذين الفريقين، وقراؤهم ومحدِّثوهم، ومتكلمو أهل الحديث منهم، كلهم متفقون على مقالة واحدة؛ في توحيد الصانع وصفاته وعدله وحكمته، وفي أسمائه وصفاته، وفي أبواب النبوة والإمامة.. وليس بينهم فيما اختلفوا فيه منها تضليل ولا تفسيق.. فمن قال بهذه الجهة التي ذكرناها، ولم يخلط إيمانه بها بشيء من بدع الخوارج والروافض والقدرية، وسائر أهل الأهواء، فهو من جملة الفرقة الناجية).الخلاف المقبول في فروع العقيدة بين مكونات أهل السنة:والحق أن الخلاف بين هذه الطوائف الثلاث في بعض أوصاف الله تعالى، لا يخرج عن كونه من الاجتهاد المقبول في فروع العقيدة؛ بل عده بعض العلماء من قبيل الخلاف اللفظي، كما نقل العلامة السلفي محمد جمال الدين القاسمي، حين قال: "وكأنّ الخلاف بين المذهبين لفظي، إذ مبنى مذهب الخلف، على أن الظاهر غير مراد. ويعنون بالظاهر ما للخلق، مما يستحيل على الخالق، فوجب تأويله. وأما السلف فينكرون أن معنى الظاهر منها ما للخلق. بل هو ما يتبادر إلى فهم المؤمن، الذي يعلم أن ذاته تعالى، كما أنها لا تشبه الذوات، فكذلك صفاته لا تشبه الصفات. لأنها لا تكيف ولا تعلم بوجه ما. فهي حقيقة النسبة إليه سبحانه. على ما يليق به. كالعلم والقدرة. لا تمثيل ولا تعطيل".وأنا أرى أن هذا الخلاف يظل من الخلاف المستساغ، الذي لا يقتضي تكفيراً، أو تفسيقاً، أو تبديعاً. كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فمن كان من المؤمنين مجتهداً في طلب الحق وأخطأ فإن الله يغفر له خطأه، كائناً ما كان، سواء كان في المسائل النظرية أو العملية).أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة:وإذا كان المسلمون وسَطًا بين الأمم والملل، فإن أهل السنة وسط بين الفرق، يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ويؤمنون بالقدر خيره وشره.وهم يؤمنون بأن الله "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير"، ويصفون الله بما وصف به نفسه في كتابه، وما وصفه به النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح من سنته، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.وأهل السنة والجماعة يقولون: إن الإيمان قول وعمل، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، خلافاً للمرجئة، الذين يقولون: إن العمل ليس داخلاً في حقيقة الإيمان، وإن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وإن أصحاب المعاصي مؤمنون كاملو الإيمان.وهم لا يكفرون أهل القبلة بارتكاب الكبائر، ولا يستحلون دماءهم، ولا يرون قتال أئمة العدل، أو يرفعون السيف على أمة محمد، خلافا للخوارج.كما يؤمنون بأن أفعال العباد من كسبهم، ولكنها لا تكون إلا بمشيئة الله وإرادته وخلقه. وأنه سبحانه يعلم ما كان، وما هو كائن، وما سيكون، خلافا للقدرية الذين ينفون قدر الله وعلمه المسبق، والجبرية الذين ينفون اختيار الإنسان لأفعاله.وأهل السنة والجماعة لا يقدمون العقل على النقل، ولا يوجبون على الله شيئاً، ويثبتون رؤية الله تعالى للمؤمنين في الآخرة، ولا يخلِّدون أصحاب الكبائر في النار، خلافا للمعتزلة.ويرون أن الإمامة من مسائل الفروع، وليست من أركان الإسلام، وأن الأئمة ليسوا معصومين، ولا يتلقون العلم من الله مباشرة. ويعظمون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأزواجه وآل بيته الذين نقلوا إلينا القرآن والسنة، خلافا للشيعة.مصطلح (أهل السنة والجماعة) لجمع الأمة وليس أداة للشقاقوإنما المقصد الأول لهذا الاسم أو المصطلح (أهل السنة والجماعة) جمع جمهور الأمة تحت مظلة واحدة، لا أن يصبح هذا المسمى أداة للتنابز والشقاق والفرقة، بأن يحاول بعض أهل السنة أن يحتكروا هذا الاسم، ويخرجوا الآخرين من مظلته الجامعة.لذا، أعيب على بعض السلفيين غلوهم في تبديع وتفسيق المخالفين لهم من أهل السنة، من الأشاعرة والماتُريدية، وأعيب كذلك على بعض مخالفيهم من الأشاعرة الغلو في اتهامهم بالضلال والمروق، وتقويلهم ما لم يقولوه في دين الله، ورميهم بالتجسيم والتشبيه، وهم يبرؤون منهما في كل ما كتبوه، حتى قالوا عن الإمام الرباني علّامة الأمة وشيخ الإسلام ابن تيمية، ما لا يجوز، ولا يقبل أن يقال بحال من الأحوال.وفي الختام، أحب أن أؤكد أن أهل السنة والجماعة، هم الأمة الإسلامية بمجموعها وأغلبيتها، ليسوا فرقة من الفرق، ولا طائفة من الطوائف، وإن جاز أن تضل أو تنحرف بعض المجموعات الصغيرة من الأمة، فقد عصم الله الأمة الإسلامية بمجموعها أن تجتمع على ضلالة.
5426
| 03 نوفمبر 2016
googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); * قاد الجماعة السودانية في الشدة والرخاء وفي العسر واليسر*الترابي هو الحسن الثالث في الإسلاميين بعد البنا الأول والهضيبي الثاني* بعد انسداد الأفق في السودان كان لا بد أن يقوم أحد الأقوياء بالسيطرة على مقاليد الأمور * للترابي ميزة ليست لغيره من السياسيين ينطلق في كل مواقفه وأعماله من فكر مؤطر وهو فكر ينبثق من الإسلام* تميز بالطموح إلى الامتلاء بالعلم والإيمان وإلى مقاومة الطغيان والفساد*وقف في وجه الطغيان الماركسي وفي وجه الطغيان الرأسمالي الأمريكي وأتباعه* ظل ينتقل من معتقل إلى سجن حتى لا يكاد يهنأ له عيش في بيته الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه، وبعد،، بعد أن صليت مع إخواني صلاة الجنازة – صلاة الغائب- على أخينا وصديقنا الحبيب، العالم الفقيه الداعية المفكر، أحد أعمدة المعهد العالمي للفكر الإسلامي في واشنطن: الأستاذ الدكتور طه جابر العلواني في مكتبنا في الدوحة؛ حيث فوجئنا بموته، بعد أن اتصلنا به من عدة أيام ورد علينا ابنه الكريم. وكتب الله له أن يدفن مع زوجته في أمريكا. فوجئنا في اليوم التالي (السبت 5/3/2016م.) بفقد آخر من القادة والعلماء والدعاة والمفكرين المجاهدين، أحد من امتلأت حياتهم بالعلم والعمل، والدعوة والجهاد. فإذا كان هناك أناس يعيشون في الدنيا ويموتون، ولا يُحِسُّ بهم أحد؛ لأنهم لم يفعلوا شيئًا في حياة الناس، يجعلهم يشعرون بوجودهم. فهناك آخرون، ممَّن رزقهم الله الهداية والتوفيق، يتعلمون فيعملون، ويعملون فيعلِّمون، وينشطون في دعوتهم، باذلين أعمارهم وجهدهم في سبيل رسالتهم التي آمنوا بها، ومن هؤلاء أخونا الحبيب إلينا، الأثير لدينا، العزيز علينا، الرجل، العالم، المفكر، الداعية، المجاهد، الثائر: الدكتور حسن الترابي، الذي كان بحق أحد رجالات الأمة العربية والإسلامية، وأحد رجالات الفكر والتربية والسياسة، لا يشك في ذلك أحد. فهو مفكر وزعيم سياسي وديني، يعتبر من رواد التجديد السياسي الإسلامي.* الحسن الثالثحسن الترابي هو الحسن الثالث في الإسلاميين، بعد حسن البنا الأول، وحسن الهضيبي الثاني، هو سوداني قح، تعلم القرآن الكريم وحفظه وجوده في صباه، وتعلم اللغة العربية والشريعة، ولم يتغير فكره الإسلامي الأصيل عن أصله، رغم أنه حصل على قمة الدراسات العليا في الغرب: الماجستير من جامعة أكسفورد، ثم الدكتوراه من جامعة السوربون، وأتقن رحمه الله عدة لغات بفصاحة: الإنجليزية والفرنسية والألمانية، ولكنه بقي سودانيا عربيا مسلما، يقول:أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم!كان حسن الترابي من النوع الحيّ المتحرك المحرِّك، لا يعرف البلادة، ولا الكسل ولا الرقاد الطويل، ولكنه رجل حر، مستقل الفكر، مستقل الإرادة، مستقل القرار، عقله متوقد، ولسانه فصيح، وجهه سوداني أصيل، مبتسم دائمًا، من غير تكلف.تزوج أخت الصادق المهدي، فكانت نعم الزوجة له، ونعم الرفيق له في دربه، لم يتزوج غيرها، واختلف مع الإخوان اختلافا في الطرق؛ لأن له فلسفة في الحركة لا تتفق تماما مع المسيرة العامة لحركة الإخوان، ولذلك قالوا للتنظيم العالمي للإخوان: اعذرونا فيما قد نتخذه من خطوات أو قرارات، ربما لا توافق ظروفكم المحلية والإقليمية والسياسية على إقرارها أو تلبيتها، أو الموافقة عليها، وظلوا سنين على هذا الموضع حينما كنت لا أزال ملتزما بالارتباط التنظيمي مع الإخوان. قاد حسن الترابي الجماعة السودانية في الشدة والرخاء، وفي العسر واليسر، وكانوا معه كتلة واحدة، وإن خالفه بعضهم بعد ذلك لعدم استطاعتهم تحمل مخالفاته في اجتهاده لبعض تقاليد الإخوان، وطبيعة الناس ليست واحدة في هذا الجانب. منهم من لا يطيق الخروج عن المتوارث أو المألوف، في السياسة أو في الفكر، أو في الحياة. لا بد أن تظل الحياة في نظره خيطا منتظما، يتصل بعضه ببعض، والترابي ليس من ذلك الصنف، ومثلي يقبله، ولكن بعض إخواني من المقدسين للنمطية الموروثة التي لا يجوّز لأحد الخروج عليها. * فهم دقيق وإيمان عميق التقيت الشيخ الترابي من قديم، ووجدته رجلا يتمتع بفهم دقيق، وحِسٍّ رقيق، وإيمان عميق، وعلم وثيق. ما ذهبت للسودان، أو لبلد عربي، أو لقيته في قطر وغيرها، إلا تحدثنا عن ثقافة الأمة وهموم الأمة، وكيفية علاجها، وحال المسلمين، ووسائل النهوض بهم، وكيف ننهض بالدعوة، وكيف نطورها. أول ما لقيت الترابي في لبنان سنة 1985م. وكان في قمة الشباب، وكان يزور بيروت في ذلك الوقت، وقد قاد الحركة الشعبية الجامعية، التي انتهت بإسقاط الحكم العسكري برئاسة عبود، وعودة الحكم المدني إلى السودان. وأذكر مما جرى بيني وبينه من حديث: أني قلت له: لعلكم تلتفتون إلى الجيش ونشر الدعوة فيه، حتى لا يقوم بانقلاب آخر ضدكم. فقال لي: نحن في الواقع لا نهتم بالجيش، وإنما نهتم بالشعب. وعندنا أن نكسب معلمًا في مدرسة خير من أن نكسب ضابطًا في الجيش. قلت: ولكن الجيوش الآن كثيرًا ما تنقلب على الحكم المدني، وتسيطر على مقدرات الشعوب. قال: لتنقلب، ونحن سنسقطها!كانت هناك أنشطة كثيرة تجعلني أتردد على السودان، منها أنهم اختاروني في المنظمة الخيرية الإفريقية الإسلامية. ولها أعمالها في السودان، وفي إفريقيا عامة. وأحيانا نلتقي في الخرطوم أو في بلد آخر.وقد أُدعى لجامعة إفريقيا، أو لجامعة الخرطوم، أو لجامعة أم درمان، أو جامعة القرآن، أو للحركة الإسلامية، أو لبنك فيصل الإسلامي، أو لغيره من الهيئات. وهذا ما جعلني ألتقي به كثيرا في الخرطوم، أو في مناسبات شتى، بعضها في قطر حينما دعاه أمير البلاد –آنذاك- الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني ليتشاور معه، ويستفيد من علمه في وضع دستور يلائم البلاد. وكم دعته قطر في مناسبات رمضانية، والتقينا معا، على مائدة سمو أمير البلاد، وعلى موائد القرآن والعلم.وقد سجن هو وعدد من أتباعه في أيام حكم النميري، فترة من الزمن، ثم تفاوضوا معه على أن يستعين بهم، وأن يستعينوا به، وأن يتولى بعض المناصب، وقبل الدكتور الترابي، فهو يؤمن بالمرحلية. وحضرنا معه الثورة الشعبية السودانية التي أعلنها النميري لإقامة التشريع الإسلامي. وكان الترابي وجماعته مشاركين بقوة في هذه المسيرة الكبيرة التي سميت (الثورة المليونية).كنت والشيخ صلاح أبو إسماعيل رحمه الله، نتطلع إلى هذه المسيرة، وهي تمر أمامنا أفواجا أفواجا، من الصباح حتى الظهيرة، والناس يهتفون للشريعة وللإسلام وللقرآن، بحرارة طبيعية ومن تلقاء أنفسهم، فكنا نذرف الدموع ونقول: هل يكون لنا يوم في القاهرة مثل هذا اليوم؟ومع هذا قلت للسودانيين: ليس المهم أن نعلن قيام التشريع، ولكن المهم أن يقوم المجتمع المسلم، وأن يحيا بالإسلام وللإسلام. وليس هذا بالشيء الهين.* الرجل القويوما أسرع ما تغيرت الحياة في السودان، ولم تكن مع ثورة العسكر ثورة تربوية وفكرية وأخلاقية، فكان لا بد من تغيير، وقامت ثورة عسكرية بيضاء مسالمة، يقودها لواء شريف، هو رجل الإيمان والمحبة، والإسلام والسلام: عبد الرحمن سوار الذهب، الذي ضرب المثل في الزهد والتضحية بالملك والسلطان، وتنازل بعد سنة عن السلطة إلى حكم مشترك، آلت البلاد فيه إلى حياة قلقة غير مستقرة.وبعد انسداد الأفق السياسي في السودان، كان لا بد أن يقوم أحد الأقوياء في البلد بالسيطرة على مقاليد الأمور. وكان الدكتور الترابي أكثرهم تصورًا وإدراكا للموقف وخطورته، وأكثر قدرة على التحرك بسرعة، فبادر إلى ذلك، واختار مجموعة من العسكريين على رأسهم عمر البشير لهذا الأمر. ولو لم يبادر الترابي بهذا العمل لسبقه إليه الشيوعيون أو البعثيون، وقد حاولوا الثورة المسلحة في أول الأمر على الذين سبقوهم، فكان جزاؤهم أن قضي عليهم.كان حسن الترابي رجل العزيمة الماضية، يتمثل بقول الله تعالى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ}، ويعجبه في الشعر قول القائل: إذا كنت ذا رأيٍ فكن ذا عزيمةٍ فإنَّ فساد الرأي أن تترددا وإن كنتَ ذَا عزمٍ فأنْفِذْه عاجلاً فإنّ فسادَ العـزم أن يتقيدا وقد التف الشباب المسلم في السودان حول الترابي، واختاروه قائدا للحركة الإسلامية في عموم السودان. وعندما قامت الثورة، التي هيأ لها الأسباب وقادها بحكمة وانتصرت، أبى إلا أن يدخل السجن، ويجعل القائد عمر البشير، ويأمره أن يدخله السجن، ويدير الأمر من داخل محبسه بالأوراق. بعد ذلك ظهر الترابي، وخرج من السجن، وعرف وضعه، وانفتح الترابي بعدها على العالم العربي والعالم الإسلامي، ودعا الناس إلى السودان، وكنا ممن دُعي إليه. * منهج عروبي إسلامي وكان منهج الترابي منهجا عروبيا إسلاميا، يركز على عدة أمور:1. قضية الإيمان بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبالشريعة والتربية منهاجا عاما.2. حرية الشعوب جزء من الفرائض الإسلامية، التي نجاهد في سبيلها.3. حرية التعبير والفكر والمقاومة للظلم فرائض أساسية.4. قضية فلسطين قضية أصلية، لا يجوز التهاون فيها. والدفاع عنها فريضة.5. العدالة الاجتماعية ومحاربة المظالم والطغيان والفساد جزء لا يتجزأ من الإسلام.6. الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها أمة واحدة، يجب أن تتوحد، ولا يجوز أن تتفرق.7. نسالم كل من يسالمنا ونضع أيدينا في يده، ونعادي كل من عادانا.8. البشرية كلها أبناء آدم، وكلهم إخوة، وعليهم أن يتحابوا ويتعاونوا.وقد التقيت الدكتور الترابي منذ فترة قصيرة في مكتبي بالدوحة، حيث تفضل هو بزيارتي حين جاء إلى قطر، وكانت آخر زيارة له. وظللنا نحو الساعتين، نتشاكى هموم الأمة، ونتدارس في حلولها، والعمل من أجلها، وكنا في ذلك نعمل سويا من أجل أمتنا، وهاتفته منذ أيام قلائل، ودعوته للمساهمة في الكتاب الذي يصدره مركز القرضاوي للوسطية والتجديد، عن سيرتي وأنشطتي، بمناسبة بلوغي التسعين في شهر سبتمبر القادم. ورحب بإسهامه فيها، وأنه سيرسل مشاركته إلى مكتبي حين ينتهي منها. ثم كان قدر الله أسبق: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}. وقد ساءني أن أحد الإخوة قال عنه: إنه ليس منا !!وشبهه آخر بهيكل مصر، وأنا أرى ذلك من الغلو المجافي للإسلام. فالدكتور حسن الترابي رجل لا ننكر فضله وجهوده في الدعوة الإسلامية، وفي الحركة الإسلامية في السودان، وفي مقاومة الصهينة والصليبية، والعِلمانية واللادينية، ولكنه ليس معصومًا، ولديه شطحات في بعض الأمور، ننكرها عليه جميعًا. وقد قال الشاعر: ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها *** كفى المرء فضلا أن تعد معائبه *مسائل عديدة وقد اختلفت مع الترابي في مسائل عديدة، تحدثت عنها في بعض البرامج التلفزيونية، وضمنتها الجزء الخامس من فتاواي، وليس هذا موطن بسطها. وهذا لا يعني إهمال الترابي وإغفال اجتهاداته، فقد ظل رجل السودان والعرب والمسلمين. وقد يختلف الناس حوله، لكنه يعتبر أحد رجالات الأمتين العربية والإسلامية بالفكر والدعوة والتربية والجهاد والسياسة، وإن مؤلفاته ومعارفه وتوجيهاته التي استفادها تلامذته وأصدقاؤه محفوظة مبثوثة مدونة. فقد ظل مرتهنا حياته لهذا الدين وأمته الكبرى، وعمل من أجله، واجتهد فيه، وللمجتهد أجران إن أصاب، وأجر إن أخطا. وإن في رحيله لثلمة للإسلام والمسلمين.ليس من شأن الناس أن يتفقوا في كل شيء، ولا مانع أن يكون هناك خلاف بين الترابي وغيره. ولا يعني هذا أن الترابي ينبغي أن يكون على حق في كل كلمة ينطق بها، أو كل قضية يتبناها، فكلٌّ يؤخذ منه ويرد عليه، إلا النبي صلى الله عليه وسلم. والدكتور الترابي أحد إخواني – وإن اختلفت معه في بعض الأمور- وليس من أخلاقي أن أخاصم إخواني. اختلف الترابي وإخوانه في عدد من القضايا الفكرية والسياسية، وساءني ذلك كما ساء كثيرا من الإخوان المسلمين في أنحاء العالم العربي. وطالبني الإخوة أن أقود حركة من كبار الإسلاميين لمحاولة رأب الصدع، وتسوية الخلاف، واتفقنا أنا والإخوة القادة: الشيخ عبد المجيد الزنداني من اليمن، والشيخ فيصل مولوي من لبنان، والدكتور إسحاق الفرحان من الأردن، وأن ينضم إلينا من السودان الأخ الدكتور عصام البشير: وزير الإرشاد والأوقاف في الخرطوم. وكلنا من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وظللنا أكثر من عشرة أيام نتشاور ونتحاور مع الفريقين؛ لنقرب ما بينهما. وسافرنا بالطائرة إلى بعض الجهات في السودان؛ لنشاهد بأعيننا، وتعبنا كثيرا، ولكن لم نصل إلى موقف عملي يوحد الجميع. فتعصب كل من الفريقين حال بيننا وبين النجاح. وقد قال الشاعر: عليَّ السعيُ فيما فيه نفعي *** وليس عليَّ إدراكُ النجاحوالترابي وإن كان يشاور من حوله، فقد كانت له خصوصية تدفعه لارتكاب بعض الأشياء التي لا نرضاها، كتسليمه كارلوس إلى فرنسا، مع أنه من الرجال الأحرار الذين دافعوا عن المستضعفين ضد الدول الطاغية، وقد أسلم في آخر الأمر وتزوج سودانية، فكان لا ينبغي أن تسلم رقبته لفرنسا ذات الاستعمار القديم، وذات التطلع الابتلاعي الجديد. وكان للترابي رحمه الله آراء في الفقه والأحكام يراها كثير من الناس مسرفة، ونزاعة إلى الغلو في الاجتهاد، ومحاولة طأطأة رأس الشريعة العالية، لتنزل إلى قاع المجتمع، الذي بدأ يتضعضع وينخفض، وينزل إلى أسفل إلى حد كبير، وهو ما أحس أني غير مستريح إلى هذه الاجتهادات التي أعتبرها شاذة.* رجل دعوة وفقهعلى أن للترابي ميزة ليست لغيره من السياسيين، إنه ليس مجرد زعيم سياسي، ولكنه رجل فقه ودعوة، ينطلق في كل مواقفه وأعماله من فكر مؤطر، وهو فكر ينبثق من الإسلام، أي من القرآن والسنة، وما تفرع عنهما من الأصول والمقاصد والقواعد، وهو لا بد أن يستند إلى هذه الأصول، ويحتكم إليها، ويسائلها وتسائله، ويجاوبها وتجاوبه، فإن تجاوبت معه في الجملة وأعطته فرصة، ولم يجد من يرد عليه غلطه، ويبين له موضع خطئه، فهو معذور، بل هو مأجور حتى وإن أخطأ، وهذه إحدى روائع الاجتهاد الإسلامي. المهم أن يكون الشخص قد بلغ مرتبة الاجتهاد، وأن يراجع في مسألته كل ما يمكنه، وأن يتشاور مع أمثاله من أهل الاجتهاد، ومن أهل الفكر ما يستبين به الموقف كله بما له وما عليه، ثم يتخذ الموقف على بصيرة، فإن كان صوابًا فله أجران، وإن كان خطأ فله أجر واحد، كما جاء في حديث عمرو بن العاص في الصحيحين.والدكتور حسن الترابي، الطموح إلى الامتلاء بالعلم والإيمان، وإلى مقاومة الطغيان والفساد، الذي قرن بينهما القرآن حين قال: {الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر:11-14] وإلى الوقوف في وجه الجبابرة والمستكبرين في الأرض من الصهاينة والصليبيين والماديين الذين قال قائلهم: إن أهل الدين زعموا أن الله قد أيد الدين في الأرض، ولكنا نقول: ليس صوابًا أن الله خلق الإنسان، وإنما الصواب أن الإنسان هو الذي خلق الله!* ضد الطغيانوقف الترابي في وجه الطغيان الماركسي، وفي وجه الطغيان الرأسمالي (الأمريكي وأتباعه)، وفي وجه الطغيان الصهيوني، ولكنه رضي أن يقاوم هذه الطغيانات الكبيرة المتألهة، بالحياة العادية القليلة، لا يريد أن يسكن القصور الشامخة، ولا أن يركب السيارات الفارهة، ولا أن يعيش الحياة الناعمة، يريد أن يعيش كما يعيش الناس، ويتعب كما يتعب الناس.ولهذا رحب بأن يعارض، وأن يقول الحق كما يراه، وأن يغالب الباطل، وإن أداه ذلك إلى الدخول في صراع مع كثير من إخوانه وتلاميذه الذين نقلهم من الكوخ إلى القصر، ومن الأسفل إلى الأعلى.وظل ينتقل من معتقل إلى سجن، ومن سجن إلى معتقل، حتى لا يكاد يهنأ له عيش في بيته، وقد دعيتُ إلى أحد المنتديات في السودان، للمشاركة في الاجتماع الثامن لمؤسسة القدس العالمية بالخرطوم، منذ سنوات، لكني رفضت المشاركة حتى تفرج الحكومة السودانية عن زعيم المؤتمر الشعبي: حسن الترابي، فلما أبى المسؤولون، رفضت أن أحضر مثل هذا المؤتمر في بلد يُسجن فيه رجل في مكانة الترابي وتضحياته وعمره! فقد بلغ الثمانين، ولا يزال يحمل إلى السجن!! ومن أتباعه!! د حسن الترابي غني النفس، كما جاء في الحديث: "ليس الغنى عن كثرة العرض، إنما الغنى غنى النفس". وكما جاء عن سيدنا علي:يعز غني النفس إن قلَّ ماله ويغنى غني المال وهو ذليل!ويقول أبو فراس الحمداني:إنَّ الغنيَّ هو الغنيُّ بنفسهِ ** وَلَو أنّهُ عارِي المَناكِبِ، حَافِما كلُّ ما فوقَ البسيطةِ كافياً ** فإذا قَنِعتَ فبَعضُ شيءٍ كافِعاش الترابي في بيته، وكما سمعت من سفير السودان بالدوحة يقول: إنه حتى لا يملك بيته في الخرطوم. حسن الترابي العالم المؤلف القائد صاحب الكتب المتنوعة لا يجد ما يمتلك به بيتا متواضعا.كم دعانا الدكتور إلى بيته، فأكلنا فيه الأكلات السودانية المعروفة، وامتلأت بطوننا من خيره وحلوه، ومع هذا يقول عارفوه: إنه لا يملك ما يملك الآخرون من أموال في البنوك، أو من عقارات في النواحي، أو من غير ذلك مما يملك الناس.حياك الله يا أخي حسن، وحيا أرضا أنجبتك، وبارك الله فيك وفي تلاميذك وأبنائك وإخوانك، وإن خالفوك أحيانًا ووافقوك أحيانًا، وكلهم معك على الخط السليم، وعلى الصراط المستقيم {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153]. وكان الله معك يا أخي إبراهيم السنوسي في قيادة الجماعة، ومحاولة توحيدها مع المجموع الإسلامي، وما ذلك على الله بعزيز.وأوصى أبناء السودان بما أوصيتهم به في كلمتي في بالمركز الثقافي السوداني بالدوحة، وقد تجمع السودانيون على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم، وطلبت منهم أن يتخذوا من موت الترابي شعارًا لهم لتتحد القلوب، وتجتمع الصفوف، وتتصاف الهمم، ويعمل الجميع على كلمة سواء: ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئًا، ولا يتخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون الله.وهو ما سمعت أخي الأستاذ خالد مشعل نادى به الإخوة السودانيين في الخرطوم، أن يجعلوا منه مبدأ لوحدة الصفوف. نسأل الله لأخينا الحبيب حسن الترابي أن يجزيه خيرا عما صنع لدينه وعما صنع لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يغفر له ويرحمه، وأن يتقبله عنده في الصالحين، وأن يغفر له أخطاءه في الاجتهاد، وأن يخلفه في ذريته وإخوانه بخير ما يخلف به عباده الصالحين. { رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10].
6965
| 10 مارس 2016
googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); خرج النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرا من مكة إلى المدينة، ليس معه إلا الصِّديق أبو بكر، والدليل الذي يهديهما الطريق، وهو مشرك، وقد أعد النبي كل ما في وسعه من الأسباب ليعمي الأمر على قريش التي رصدت جائزة كبرى لمن يأتي بالنبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه حيين أو ميتين، وكان من الأسباب التي اتخذها حتى لا يجده الكفار: أن اختار غارا قريبا من مكة، هو غار ثور، في جهة غير جهة المدينة المهاجر إليها، ليبقى فيه أياما قليلة حتى يهدأ الطلب والبحث عنه، لكن المشركين استطاعوا في بحثهم أن يصلوا إلى الغار الذي اختبأ فيه هو وصاحبه، ووقفوا أمامه. وقال أبو بكر: يا رسول الله، لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا! فقال له الرسول: “يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟! لا تحزن إن الله معنا”. وفعلا.. كانت معية الله هي التي أنجتهما من براثن المشركين، واعتبر القرآن هذا نصرا. قال تعالى: { إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [التوبة:40].واليقين الثاني كان حين غادر الغار، ومر هو وصاحبه ورفيقه ببعض العرب، فسمع الفارس المغامر سراقة بن مالك الجعشمي بالجائزة، ودارت في رأسه الأحلام بالنوق الحُمْر المائتين، جائزة قريش: للرسول مائة، ولرفيقه مائة، ويلحق بالنبي وصاحبه، لكن النبي صلى الله ليه وسلم، وقد انقطعت به الأسباب، يلجأ إلى مسببها، رافعا يديه لرب عوده أن يكون معه، ويقول: “اللهم اكفنا سراقة”. فما إن أتم دعاءه: حتى غاصت قوائم جواد سراقة في الأرض، وأدركه الوهن، وينظر إليه الرسول قائلا له كلمات ملؤها اليقين: “يا سراقة، كيف بك إذا ألبسك الله سواري كسرى؟”. فيتعجب الرجل، ويقول: كسرى بن هرمز؟ فيقول: “نعم”. يعد صلى الله عليه وسلم بسواري كسري لصعلوك من صعاليك العرب، وهو الذي خرج متخفيا هو وصاحبه، لكنه اليقين بنصر الله، وأنه لا يخلف الميعاد.وفي غزوة بدر، وقد تلاقى الجمعان، وجيش قريش ثلاثة أضعاف جيش المسلمين، ومعهم من العدة والعتاد أضعاف ما مع المسلمين، وكانت حال المؤمنين كما وصفها الله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران:123]. لكن النبي صلى الله عليه وسلم، يثق في موعود ربه، ويرى نهاية المعركة رأي العين حتى إنه يقول لأصحابه: “هذا مصرع فلان”. قال إنس: ويضع يده على الأرض: “هاهنا، هاهنا” قال: فما ماط أحدهم عن موضع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم.وفي غزوة الأحزاب، التي ذكر الله تعالى من شأنها: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [الأحزاب:10-12]. { وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب:22].قريش وغطفان ومن معهم من الأحزاب تحزبوا على رسول الله في عشرة آلاف مقاتل، والنبي لا يأمن غدر اليهود، والصحابة قد أصابهم الضيق والجوع، ودعاية المنافقين تحاول أن تعمل عملها، لتوهن النفوس، وتُضعف العزائم، وتفرق الصفوف، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبصر النصر أقرب من منتهى بصره، ليس نصرا على هذه الأحزاب التي ينتظرون، ولكنه نصر على كبرى دول العالم وقتها، فيقول لأصحابه وقد عرضت لهم صخرة لا تأخذ فيها المعاول في مكان من الخندق، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم المعول بيده، وقال: “باسم الله”. فضرب ضربة وقال: “الله أكبر، أُعْطِيتُ مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا”. ثم قال: “باسم الله”. وضرب أخرى، فقال: “الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر المدائن، وأبصر قصرها الأبيض من مكاني هذا”. ثم قال: “باسم الله”. وضرب ضربة أخرى فقال: “الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا”.والله، إن نصر الله قريب، وقد لاحت تباشيره، وظهرت بواكيره، لكن النصر صبر ساعة، النصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، ومع العسر يأتي اليسر يرونه بعيدا.نحن مؤمنون بأن الله سيمن علينا بمنته، ويأخذ عدونا بقدرته.{وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ * فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ } [النمل:50-53].
7674
| 10 مارس 2015
googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); مجزرة جديدة تضاف إلى سجل العسكر الحافل بالدماء، دماء جديدة تجري في أنهار الدم التي صنعها العسكر منذ ثورة يناير، في ميادين الثورة: في ميدان التحرير، وفي ماسبيرو، وفي محمد محمود، وفي القائد إبراهيم، وفي بورسعيد، وفي رابعة، وفي النهضة، وفي رمسيس، وفي سيارة الترحيلات، وفي سيناء... وفي غيرها.. أربعون شهيدا من شباب مصر يسقطون من غير جريرة ارتكبوها، أو ذنب اقترفوه. إنما أرادوا أن يشاهدوا مباراة الكرة في مسرحها؛ فدبر لهم رجال الأمن والشرطة هذه المذبحة الأليمة، وهم شباب من أبناء مصر الأحرار، الذين لا ينتمون إلى حزب أو جماعة. هل رخصت دماء المصريين إلى هذا الحد؟! يسقط أكثر من أربعين شهيدًا وكأن شيئًا لم يحدث! وكأن أرواحًا لم تزهق؟! إن الله تعالى حرم القتل في كتابه، وشدد فيه، وقرر القرآن الكريم مع الكتب السماوية الأخرى: {أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا } [المائدة:32 ]. وقال عز وجل:{ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا } [ النساء:93].وروى البخاري، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن يزال المؤمن في فسحة من دينه، ما لم يصب دما حراما". وقال ابن عمر: "إن من ورطات الأمور، التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها، سفك الدم الحرام بغير حله". والورطات: جمع ورطة. وهي الهلكة، وكل أمر يعسر النجاة منه.وروى الترمذي والنسائي وابن ماجه، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم". وروى الترمذي وحسنه، عن أبي سعيد وأبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن أهل السماء والأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار ". هذا نظام يعادي الشباب، أيًّا كان هذا الشباب، وأينما كانوا: في قاعات الدراسة، أو ملاعب الرياضة، أو ميادين الثورة. لم يفرق رصاصه بين إسلامي وليبرالي واشتراكي.. رصاصته الغادرة لم تفرق بين أنس محيي الدين في بورسعيد، وأسماء البلتاجي في رابعة، وسندس رضا في الأسكندرية، وشيماء الصباغ في طلعت حرب بالقاهرة.إن النظام الذي يحارب شبابه ويقتله: نظام يحارب الشعب.. نظام يحارب المستقبل، هو نظام إلى زوال لأنه لا يستطيع أحد أن يحجب ضوء الشمس، أو يوقف عجلة الزمن، أو يعوق قدوم المستقبل.أسأل الله أن يربط على قلوب آباء وأمهات الشهداء، وأن يلعن قاتليهم، وأن يخلص أهل مصر من نظام لم يروا منه إلا الخوف والجوع، والقتل والسجن.
681
| 10 فبراير 2015
مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما...
6549
| 27 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...
6429
| 24 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...
3156
| 23 أكتوبر 2025
المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع...
2214
| 28 أكتوبر 2025
القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...
1878
| 23 أكتوبر 2025
جاء لقاء حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن...
1683
| 26 أكتوبر 2025
على مدى العقد الماضي أثبتت دولة قطر أنها...
1278
| 27 أكتوبر 2025
النّهضة هي مرحلة تحوّل فكري وثقافي كبير وتمتاز...
1035
| 24 أكتوبر 2025
في زمنٍ تاهت فيه الحدود بين ما يُقال...
999
| 24 أكتوبر 2025
لا بد عند الحديث عن التصوف أن نوضح...
948
| 27 أكتوبر 2025
يشهد قطاع الرعاية الصحية في قطر ثورة رقمية...
906
| 23 أكتوبر 2025
“أبو العبد” زلمة عصامي ربّى أبناءه الاثني عشر...
885
| 27 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية