رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
عندما تجلس في غرفة مظلمة لا يوجد بها سوى شمعة مشتعلة، ماذا سترى؟ سترى بلا شك ضوء الشمعة وهو يتراقص أمامك ويضيء ما حوله.. ولكن، هل سألت نفسك يوما كيف ترى الشمعة، نحن نعلم ان حاسة البصر هي التي تنقل الصور والاشكال والألوان والحركات عبر العين الى الدماغ، وبالتالي تتحقق الرؤية، فالعين تلتقط الضوء القادم اليها من العالم الخارجي لتنعكس صورة ذلك الشيء المنظور على الشبكية التي تقوم بدورها بنقل تلك الصورة الى الدماغ، هكذا يمكن تبسيط العملية، الا ان المثير في الموضوع هنا هو أن الشمعة وشكلها وضوءها الذي يتراقص امام عينيك لم ينفذ أي من تلك الأشياء إلى داخل دماغك البتة!.
فالدماغ سيبقى دائماً صندوقاً مظلماً محكم الاغلاق لا ينفذ اليه الضوء ويعيش في ظلام دامس!، إذاً كيف لنا أن نرى هذا الشيء او ذاك؟ في الواقع، فإن ما يحدث هو ان العين وعبر آلية الابصار تستقبل الاشارات الكهروضوئية فتقوم بتحويلها الى إشارات عصبية، فتنقلها الى الدماغ كـ"معطيات" فيقوم الدماغ بدوره "بتفسيرها" فيصور لك شكل ذلك الشيء المنظور الذي تبصره.
والسؤال هنا.. هل ما نراه في ادمغتنا مصدره الخارج، ام الداخل؟ وهل يتحقق الوجود الخارجي بنفس الماهية المنطبعة في الدماغ؟ بل هل يتحقق وجود الشيء خارج الدماغ اساسا؟ والى اي درجة من التحقق والتطابق يتم ذلك، وإذا كانت الأشياء مصدرها الدماغ نفسه، فمن أين أتى هذا الأخير بتلك الصورة او ذلك الشكل؟ هل اختلقها دون وجود حقيقي لها، ام هي عملية تفسير لشيء أو ماهية أخرى؟ وما ذلك الشيء تحديداً؟.
شكلت تلك الاسئلة منذ القدم "وما زالت" تحديا على المستوى الفلسفي والعلمي والمعرفي، وقد افترض الفيلسوف أفلاطون، في محاولته لفهم الوجود، أن ما نختبره من عالم خارجي ليس سوى صورة مستنسخة وقاصرة عما اسماه "عالم المثل"، وهو يعتقد ان تلك النسخة تعد نسخة قاصرة وغير كاملة لذلك العالم المثالي.
ان عالم المثل عند افلاطون يتمثل في كونه عالم الأفكار والحقائق الجلية التي لا نرى منها في عالمنا المادي سوى صور مشوهة لحقيقتها، اما ذلك العالم "عالم المثل" او "عالم الأفكار" ففيه يكمن الوجود الحقيقي لما نشاهده من أشياء عبر حواسنا، وعليه فإن الفلسفة الافلاطونية لا تقيم وزنا للحواس في عملية إدراك العالم وإدراك الحقائق لأنها قاصرة عن ذلك، وترى ان الانسان يمكنه الوصول الى معرفة الاشياء وحقائق الأمور عبر استخدامه للحواس بجانب التفكر والتأمل.
إذاً فالفلسفة المثالية ترى ان المادة هي نتاج الفكر والعقل، وان المعرفة موجودة ومتسامية ومنفصلة عن العالم المحسوس، كما انها تؤمن بتسامي العقل على المادة من حيث ان الأخيرة ما هي الا نتاج للأولى، وللتبسيط، فإن ذلك يعني ان الأشياء التي نراها حولنا وما يحيط بنا من محسوسات تشكل الوجود المادي، ما هي سوى صور لما هو موجود في الدماغ وبالتالي فهي أشياء غير متحققة موضوعيا بشكل منفصل عن الوعي والعقل.
وعلى نقيض المثالية، تقع المادية ففي حين ترى المثالية مركزية الفكر والعقل وثانوية المادة، ترى الفلسفة المادية اسبقية المادة على الفكر والوعي، وتعتقد ان المادة موجودة وجودا حقيقيا بشكل منفصل عن وعينا، وان الوعي والعقل ما هو الا انعكاس للوجود المادي، وهو نتيجة لتفاعلات الكيمياء الحيوية في الدماغ.
وبين الفلسفتين السابقتين يمكننا وضع الواقعية في المنتصف، والتي ترى ان الوجود المادي منفصل عن الادراك والوعي، وأن جهود فهم هذا الوجود والواقع تبقى في إطار المحاولات سعياً لمعرفة حقيقته، كما ترى أن "الحقيقة تتشكل في تطابق العقل مع الواقع"، وأن كل ملاحظة جديدة تقربنا أكثر لفهم الواقع.
هناك الكثير من المقاربات والفلسفات التي تحاول فهم الواقع وتطرح أسئلة كبيرة حول الوجود المادي خارج الدماغ، وشكله ودرجة تحققه، والأهم من ذلك أنها تطرح سؤالاً عن مدى قدرتنا على إدراك هذا الواقع المادي او بمعنى آخر قدرتنا على الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بماهية الأشياء وحقيقتها.
ان هذا العرض المبسط وربما المخل، يخرجنا من البديهية والاطمئنان الى متعة التساؤل والتفكر، ويطرح أسئلة جوهرية عن الوجود المحيط بنا، وعن ماهيته وكيفية شكله، ولماذا نفترض ان ما نراه "بأعيننا" هو الواقع الحقيقي، وما الحقيقية أصلا وهل يمكننا ادراكها؟
كيف نرى الألوان والاشكال؟ وهل نحن جميعاً نرى الألوان بشكل متشابه؟ واذا كانت الاجابة "لا" كيف نستطيع شرح ذلك للآخر او اثباته؟ وهل اللغة أساسا قادرة على توصيف الواقع والوجود؟ والأهم من هذا وذاك هل يعد الواقع المادي الذي نراه مجرد "صورة" كالصور التي نراها على أجهزة الحواسيب والتي يتم انتاجها عبر الخوارزميات والأرقام؟ وما الشيء او المعطى الذي يختبئ خلف الوجود المادي؟.
اسئلة كثير وكبيرة لا حصر لها تتقافز الى الذهن عند التفكر والتأمل في حقيقة الوجود، وعلامات الاستفهام التي تطرحها هذه القضية تخفي وراءها اسئلة أكبر وتشمل حقولاً معرفية اكثر، وتزعزع ثقتنا بالحقائق النسبية التي قد نتمسك بها ونركن اليها، واذا كان الوجود "الجلي" كما نراه بوضوح يطرح كل هذه التساؤلات المحيرة، فلا بد ان يتولد إشكال يتعلق بحقيقة الأفكار وماهيتها وما هو النسبي وما هو المطلق؟ وهل نمتلك القدرة على إدراك الحقائق؟ ناهيك عن التمسك بها والتعصب لها!.
ان هذه الأسئلة المؤرقة التي تتطرق للوجود لابد انها ستمتحن الفكر أيضاً، وستعرج على مسألة جدوى التمسك بآرائنا والتعصب لها ورفض الآراء المخالفة، وستبين لنا هشاشة الفكر الانساني وعلاقته المتزعزعة بمحيطه، وستثبت لنا ان معرفتنا ما هي الا معرفة نسبية بل وقاصرة.
وفي الختام لابد ان ابين ان هذا المقال لا يُتوقع أو يُنتظر منه أن يقدم إجابة على سؤال الوجود، وليس هذا مراده، بل يكفي ان يبين ان هناك سؤالا يتعلق بحقيقة وماهية الوجود أساسا، وكيف نرى هذا الوجود؟ ويثبت قصور ادراكنا ووعينا ومدى تواضعه في معرفة الحقائق والنسبية التي تغلف احكامنا، وهنا أستذكر بيتاً للشاعر إيليا أبوماضي الذي قال فيه:
أيهذا الشاكي وما بك داء.. كن جميلا تر الوجود جميلا.
شكاوى مطروحة لوزارة التربية والتعليم
ماذا يعني أن يُفاجأ أولياء أمور بقرار مدارس أجنبية رائدة في الدوحة بزيادة تتراوح بين 30% و75% أُعلن... اقرأ المزيد
5919
| 11 نوفمبر 2025
الاعتراف بفلسطين في موازين السياسة الدولية
عندما أعلن كير ستارمر، رئيس الوزراء البريطاني الجديد، عن نيّة بلاده الاعتراف بدولة فلسطين، بدت الخطوة للبعض بمثابة... اقرأ المزيد
171
| 11 نوفمبر 2025
بين الأفول والإشراق تطيب الحياة
ليست الحياة الطيّبة تلك التي تُساق للمرء فيها الأقدار كما يشتهي، وليس معنى جودة حياته أن يتحقق له... اقرأ المزيد
246
| 11 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
ماذا يعني أن يُفاجأ أولياء أمور بقرار مدارس أجنبية رائدة في الدوحة بزيادة تتراوح بين 30% و75% أُعلن عنها في تاريخ 20 أكتوبر الماضي ويجب تطبيقها في الفصل الدراسي الثاني على وجه السرعة؟! ماذا يعني أن يجد هؤلاء الآباء أنفسهم أمام قرار لا يساعدهم على نقل أبنائهم لمدارس أجنبية أخرى في الفصل الدراسي الثاني ومن المفترض أن يدفعوا مبلغ 17 ألف ريال قطري عوضا عن سبعة آلاف ريال كانت تدفع بجانب الكوبون التعليمي لكل طالب قطري الذي يُقدّر بـ 28 ألف ريال وباتت زيادة العشرة آلاف ريال تمثل عبئا على رب الأسرة فجأة بعد أن أصبحت 17 ألف ريال ودون إشعار مسبق؟! ولم هذا القرار والطلاب على وشك إنهاء الفصل الأول وإدارات هذه المدارس تعلم بأن الآباء سوف يمتثلون في النهاية لهذا القرار غير المبرر له لصعوبة إلحاق أبنائهم إلى مدارس أجنبية أخرى أقل في التكاليف التي زادت فجأة ودون إنذار مسبق لطلب الزيادة في مخالفة واضحة للتعميم رقم (21/2023) وكأنها تلزم الآباء إما أن تدفعوا أو اتركوا أبناءكم في البيوت في هذا الوقت الحرج مع بداية الفصل الثاني رغم أن هذه المدرسة قامت بمخالفة تنظيمية كونها لم تنشر جدول الرسوم المعتمدة للسنة الدراسية كاملة مخالفة لتعميم رقم (11/2025) وفرضت رسوما إضافية غير معتمدة عند تقديم التسجيل أو الاختبارات أو التسجيل والموارد كما فرضت رسوما غير قانونية على اختبارات قبول مرحلتي الروضة والتمهيدي مخالفة لتعميم عام 2022؟!. كل ما قيل أعلاه هي مجموعة شكاوى كثيرة وعاجلة من أولياء الأمور تقدموا بها لوزارة التربية والتعليم بعد أن قامت مدارس عالمية أجنبية في قطر بفرض هذه الزيادة في الرسوم بواقع 17 ألفا يجب أن يدفعها كل ولي أمر من حر ماله بجانب ما يُصرف للطالب من كوبون تعليمي بقيمة 28 ألف ريال بعد أن كان يدفع سبعة آلاف ريال فقط بجانب الكوبون كل عام فهل هذا معقول؟! وبات السؤال الأكبر الذي يعلق عليه أولياء الأمور هل بات التعليم مجانيا فعلا لأبنائنا في ظل هذه التجاوزات التي تمارسها إدارات المدارس الأجنبية التي تحظى بعدد كبير من الطلبة القطريين ولم اختارت أن تكون هذه الزيادة في منتصف السنة الدراسية رغم علمها بأن هذا الأمر يربك الآباء ويضعهم في دائرة سوء التخطيط من حيث إيجاد مدارس بديلة في هذا الوقت الحرج من العام الدراسي ناهيكم عن إرباكهم بدفع 17 ألف ريال لكل طالب بعد أن كانت سبعة آلاف ريال فقط بينما كان مبلغ الكوبون التعليمي من الدولة يسد بباقي الرسوم المطلوبة؟! أنا شخصيا أجد الأمر مربكا للغاية وإصرار هيئات هذه الإدارات على أنها حصلت على موافقة الوزارة على هذه الزيادات في الرسوم يزيد الحيرة لدينا أكثر خصوصا وأنه لم يخرج مصدر رسمي من الوزارة ليرد على هذه الشكاوى التي وصلت لإدارات هذه المدارس بجانب ما يتم نشره على وسائل التواصل الاجتماعي من أسئلة تنتظر إجابات من المعنيين في الوزارة وعلى رأسها سعادة السيدة لولوة الخاطر التي تلقى احتراما وتقديرا لها ولجهودها التي بذلتها منذ استلامها هذا المنصب القدير بشخصية مثلها. ولذا فإننا نأمل من سعادتها أن تجد حلا سريعا وناجعا لفحوى هذه المشكلة التي تؤرق بيوت كثير من المواطنين القطريين الذين يلتحق أبناؤهم بهذه المدارس التي تقع تحت مظلة الوزارة من قريب ومن بعيد وهي ليست بالمشكلة التي يجب أن تنتظر لأن مستقبل الأبناء يقف على قرار يطيح بقرارات الزيادة غير المسبوقة والتي لم يتم إخطار الآباء بها قبل بدء العام الدراسي لترتيب أوراق أبنائهم قبل التحاقهم بهذه المدارس الماضية في قراراتها الفجائية وغير مبالية بكم الاعتراض الذي تواجهه بصورة يومية من الآباء وعليه فإننا على ثقة بأن وزارة التربية والتعليم سوف تعطي زخما إيجابيا للشكاوى كما نأمل بإذن الله.
5919
| 11 نوفمبر 2025
ليش ما يمديك؟! بينما ممداني زهران، الشاب ذو الأصول الأوغندية، صار اليوم عمدة نيويورك. لم يولد هناك، بل جاءها مهاجرًا يحمل حلمه في حقيبة سفر، بلا جنسية ولا انتماء رسمي. حصل على الجنسية الأمريكية عام 2018، وبعد سبع سنوات فقط أصبح نائبًا في برلمان ولاية نيويورك وأحد أبرز الأصوات الشابة في المشهد السياسي الأمريكي. عمره اليوم 34 سنة فقط، لكنه أصبح نموذجًا يُثبت أن الإرادة حين تتجذر في النفس وتُروّى بالجد والاجتهاد، تصنع المعجزات.ولا حاجة لأن احكي عن معاناة شابٍ مهاجرٍ في مدينةٍ كـنيويورك، بكل ما تحمله من صعوباتٍ وتحدياتٍ اجتماعية واقتصادية. والآن ماذا عنك أنت؟ ما الذي ينقصك؟ هل تفتقد التعليم؟ قطر وفّرت لك واحدًا من أفضل أنظمة التعليم في الشرق الأوسط والعالم، وجلبت إليك أرقى الجامعات العالمية تخدمك من امام عتبة بيتك، بينما آلاف الشباب في نيويورك يدفعون مبالغ طائلة فقط ليحصلوا على مقعد جامعي… وربما لا يجدونه. هل تفتقد الأمان؟ قطر تُعد من أكثر دول العالم أمانًا وفقًا لمؤشرات الأمن الدولية لعام 2025، بينما تسجّل نيويورك معدلات جريمة مرتفعة تجعل من الحياة اليومية تحديًا حقيقيًا. هل تفتقد جودة الحياة؟ قطر من أنظف وأجمل دول العالم، ببنية تحتية حديثة، وطرق ذكية، ومترو متطور يربط المدن بدقة ونظام. أما نيويورك، فتعاني من ازدحامٍ وضوضاءٍ وتراجعٍ في الخدمات العامة، والفرق يُرى بالعين المجردة. هل تفتقد الدعم والرعاية؟ قطر من أعلى دول العالم في متوسط دخل الفرد، بينما في شوارع نيويورك ترى المشردين والمدمنين ينامون على الأرصفة. أما في قطر، فالدعم لا يقتصر على الجانب المادي فقط، بل يمتد إلى الرعاية الصحية المتقدمة التي أصبحت من الأفضل عالميًا. فالنظام الصحي القطري يُعد من الأكثر تطورًا في المنطقة، بمستشفياتٍ حديثةٍ ومعايير طبيةٍ عالمية، ورقمنةٍ شاملةٍ للخدمات الصحية تسهّل وصول كل مواطنٍ ومقيمٍ إلى العلاج بأعلى جودة وفي أسرع وقت. وتُعد مؤسسة حمد الطبية ومستشفى سدرة للطب ومراكز الأبحاث والمراكز الصحية المنتشرة في كل مدينة نموذجًا لاهتمام الدولة بصحة الإنسان باعتبارها أولوية وطنية. إنها دولة تجعل من كرامة الإنسان وصحته وتعليمه أساسًا للتنمية، لا ترفًا أما الفرص، فحدّث ولا حرج. بلدك تستثمر في شبابها بلا حدود وتفتح لهم كل الأبواب داخلياً وخارجياً في كل مؤسسات الدولة وقطاعاتها. وهذا ليس كلاماً نظرياً بل هناك تطبيق عملي وقدوة حاضرة. فقطر أميرها شاب، ووزيرها شباب، وأركان دولتها شباب محاطون بالخبرات والكفاءات. أما هناك، في نيويورك، فالشباب يقاتلون وسط منافسة شرسة لا ترحم، فقط ليجدوا لأنفسهم مكانًا… أو فرصةً ليتنفسوا الهواء. فما هو عذرك إذًا؟ ممداني نجح لأنه عمل على نفسه، ولأن أسرته زرعت فيه حب المسؤولية والاجتهاد. أما أنت، فأنت اليوم في وطنٍ منحك ( الجنة التي في الأرض ) وكل ما يتمناه غيرك: الأمن والأمان والرغد في العيش والتعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية التي تُحلم بها شعوب الأرض. الفرق ليس في الظروف، بل في القرار. هو قرر أن يبدأ… وأنت ما زلت تنتظر “اللحظة المناسبة”. لا تنتظر الغد، فالغد لا يصنعه إلا من بدأ اليوم. لا تقول ما أمداني.. لأنه لن يمديك بعد هذا كله.. وإذا تقاعست نفسك تذكر ممداني الحقيقي.
4293
| 11 نوفمبر 2025
في السودان الجريح، لا تشتعل النيران في أطراف تلك الجغرافيا فحسب، بل تمتد لتأكل الكيان العربي وضميره الخامل، فهذا الوطن العريق الغني بالثروات الطبيعية والبشرية أنهكته الصراعات حتى غدت أجهزته كجسدٍ بلا رأس، تتنازعها الصراعات وتعدد الولاءات وتتقاذفها الأهواء والامزجة، ومن يتأمل المشهد اليوم يدرك أن الأزمة في السودان لم تكن وليدة صدفة، بل نتيجة حتمية لتراكم طويل من الخلل والضعف المنبثق ابتداءً من الصراعات السياسية في القرن العشرين حتى اليوم حيث الصراع بين الشرعية و قوات الدعم السريع. فالأزمة السودانية ليست خلافًا محليًا على سلطة أو موارد، بل هي صورة مكبّرة لأزمة أوسع تضرب الجسد العربي كله، فعلاً هي أزمة في العقل العربي، فما زال بعض الأطراف ذو العلاقة بالأزمة والتأثير الإقليمي يتعامل مع السودان بوصفها غنيمة، لا منظومة عربية تحتاج الى استقرار، فعندما يفشل العقل العربي الجمعي في الترويج والسعي الى بناء مؤسسات عربية حقيقية، نجد أن البعض يُقصي الكفاءات لحساب الولاءات السياسية، ويتّخذ القرار الاستراتيجي من موقع الانفعال والمزاجية والحقد الدفين لا من منطق التخطيط السليم، فإنه بذلك يزرع بذور الفوضى في كل أرض عربية، والسودان اليوم إحدى ثمار تلك البذور. لذلك فإنّ ما يحدث في السودان ليس معزولًا عن السياق العربي العام وصراعاته، بل هو امتداد لنمطٍ مألوف من الإخفاق العربي في احتواء الأزمات والسعي الى بناء الدولة وحماية السلطة والشرعية، فالأزمة هناك ليست صراعًا داخليًا فقط، بل نتاج تداخل إراداتٍ خارجيةٍ تحاول إعادة إنتاج الفوضى في السودان والعالم العربي. فلقد تحوّل السودان، في لحظةٍ مأساوية، إلى ساحة تصفية حساباتٍ إقليمية، يُدفع ثمنها من دم المدنيين وأشلاء الأبرياء، والمدافع تُطلق في السودان، لكن العقول التي تُحرّكها تقيم في عواصم أخرى، تلك التي تملك المال والإعلام والسلاح، وتتوهم أن تفكيك السودان سيمنحها دورًا أكبر في الإقليم الشرق أوسطي. ومع الأسف فإنّ بعض الأنظمة أو الإدارات العربية ما زالت غارقة في تراث الحكم الغريزي الثأري، فلا تفكر بمنطق الدولة الحديثة المبنية على تصدير الايجابي من العلاقات المثمرة مع الدول الأخرى، بل تفكر بمنطق الهيمنة القديمة، فترى في ضعف السودان فرصةً لمرادها، وفي فوضاه مجالًا لتوسيع نفوذها ولو كان ذلك بإشعال نار الفتن، وهنا تكمن المأساة الأكبر حين تتحول بعض الإدارات العربية إلى غرف تحكمٍ لأزمات الآخرين بدل أن تكون منصاتٍ للحلول وإحلال السلام والتآخي، وحين ينسى بعض القادة أن دعم الشرعية في السودان ليس خيارًا سياسيًا، بل واجب أخلاقي وإنساني لحماية فكرة الدولة العربية نفسها. والمذابح التي يشهدها السودان جريمة ضد الإنسانية، وإن الصمت العربي عنها جريمة ضد الوعي والتاريخ، لأنّ من يترك دولةً عربية تسقط دون أن يساند شرعيتها، يوقّع من حيث لا يدري على سقوط القيم العربية المشتركة. فلتكن نصرة السودان اليوم دفاعًا عن الدولة والضمير الانساني لا عن الأشخاص، ودفاعاً عن الشرعية، وعن العقل العربي الذي آن له أن يخرج من أسر الصراعات والحقد الدفين إلى وعيٍ إداريٍ جديدٍ يؤمن أن قوة الأمة العربية تبدأ من وحدة مؤسساتها لا من هدم البلاد والعباد.
2436
| 05 نوفمبر 2025