رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

عصام بيومي

إعلامي وباحث سياسي
ماجستير العلوم السياسية

مساحة إعلانية

مقالات

354

عصام بيومي

الذكاء الصناعي.. فرانكشتاين في ثوبه الجديد!

05 فبراير 2025 , 02:00ص

في العام 1818 صدرت رواية خيال علمي اشتهرت بعنوان «فرانكشتاين»، وتدور حول شخص يريد معرفة إكسير الحياة حتى يبقى وعائلته أحياء للأبد، ولذلك يصنع مخلوقا يتحول وحشا ويخرج عن السيطرة. والآن يحيي أعداء الإنسانية هذه القصة من الركام بمسمى جديد هو «الذكاء الصناعي»- وهو صناعي وليس اصطناعيا، فهو مصنوع وليس مصطنعا- الذي يحاولون من خلاله اكتساب قدرات إلهية، ويحاولون إقناعنا بأنه قد يخرج عن سيطرة البشر. وهم يمهدون بذلك لكوارث يجهزونها لتنفيذ مخططاتهم لحكم العالم، التي يروجونها في المحافل الأكاديمية والسياسية تحت مسمى «الحوكمة العالمية». لذلك نقول إن قصة «الذكاء الصناعي» هي، باختصار، قصة فرانكشتاين العائد في ثوب جديد، أو قصة الصراع للسيطرة على العالم.

لا شك أننا نحن البشر نواجه مشكلة خطيرة إزاء فهم حقيقة «الذكاء الصناعي»، لأنهم صوروه وحشا مخيفا على غرار الكائنات الفضائية أو الأشباح أو فرانكشتاين. لكن نظرة متأنية توضح أن الذكاء الصناعي هو مجرد تطوير لعلوم الحاسب الآلي أو الكمبيوتر، أي تسخير الإنسان للآلة لأداء بعض المهام مهما بلغ تعقيدها. والمفترض والمنطقي أن الآلة التي يصنعها الإنسان لا يمكن بحال من الأحوال أن تتفوق عليه ويصبح لها تفكيرها الخاص وقراراتها المستقلة مهما بلغت من التطور، إلا إذا كان هو من يزودها بما يمكنها من التدمير والتخريب الذي يستهدفه هو ويخطط له.

ولأن أعداء الإنسانية يريدون صناعة الكفر ويريدون إقناع البشر بغياب الإله أو عدم سيطرته على خلقه (راجع القصص التلمودية)، فهم يريدوننا أن نقتنع بأن صنعة أيدينا يمكن أن تتحكم فينا؛ أي تصبح شيئا ما من قبيل الآلهة، في عالم المسيخ الدجال الذي أشرنا له سابقا. وهذه عملية تشبه صناعة الآلهة ثم عبادتها، ولا مستفيد منها إلا سدنة وكهنة تلك الآلهة الوهمية. لقد صنعوا «الذكاء الصناعي» ويريدوننا أن نصدق أنه ستكون له القدرة على التفكير المستقل وتدمير البشرية؛ حسنا، ولماذا لا يفكر في تطوير البشرية؟!

لقد ثار في الأيام الماضية كثير من اللغط والجدل بشأن «الذكاء الصناعي» بعد ظهور نموذج شركة «دييب سييك» الصينية التي وجهت ضربات مهمة للنظام الرأسمالي العالمي، أهمها أنها فضحت الكثير من كذب هذا النظام بشأن «جسامة» «الذكاء الصناعي»، وخاصة فيما يتعلق بالتهويل العجيب بشأن تكلفة تشغيله ومخاطره. ففي حين زعم سدنة «الذكاء الصناعي» الغربي أن الأمر يتكلف مليارات الدولارات، ظهر للجميع أن النسخة الصينية لم تتكلف سوى ستة ملايين. وكان أكبر دليل على زيف «سردية» الغرب كلها أن شركاته فقدت مئات المليارات من قيمتها السوقية خلال ساعات. وهذا يؤكد أن المبالغة في تسعير الخدمات والمنتجات أصل أصيل في صناعة الكفر والفقر كما بينت سالفا.

وكما يطبع البنك المركزي الأمريكي الدولارات بدون غطاء ذهب وبدون ضمانات، فهم (أصحاب رأس المال) يقدرون قيمة شركاتهم كما يحلو لهم ثم يفرضون على العالم قيمة المنتجات والسلع والخدمات كما يحلو لهم. وبما أنهم يملكون ويتحكمون في معظم شركات ومؤسسات الرقابة الدولية فالأمور بالنسبة لهم تبقى تحت السيطرة حتى تأتي شركة مثل «ديب سييك» وتفضح جزءا من مؤامراتهم. تماما مثل مؤامرة كورونا التي تواطأت فيها كل المؤسسات الطبية الدولية وعلى رأسها الصحة العالمية، والتي مهدت لها بدورها أعمال خيال علمي وأدبي منها رواية «عيون الظلام»، أو «eyes of Darknress The»، للأمريكي ديين نووتز،1981. وكأن تكنولوجيتهم مثل أوبئتهم، كل له «متحوراته» ونسخه المتطورة عبر الزمن.

هنا تجب ملاحظة أن عالم المسيخ الدجال هذا لا يقوم على كذبة واحدة، فقد بات كل شيء فيه مغلفا بالكذب والتهويل. فالتهويل الصناعي، مثلا، يخدمه التهويل الاقتصادي، وفق ما كشفه الملياردير راي داليو الذي يقول إن الاندفاع المفرط للمستثمرين تجاه «الذكاء الصناعي» أدى لـ»فقاعة» في الأسهم الأمريكية تشبه فقاعة «دوت كوم» في أواخر التسعينيات، التي نتجت بسبب المبالغة في تقدير قيمة بعض الشركات، وهو ما يحدث الآن مع شركات «الذكاء الصناعي». ويلفت داليو إلى أن النظام الاقتصادي العالمي يتحرك نحو «سياسة أكثر توجهًا نحو «عسكرة الصناعة»، مشيرا للتدخل الحكومي القوي في الأنشطة الاقتصادية، (جمارك ترمب)، ومضيفا: «الرأسمالية وحدها، لا يمكنها الفوز في هذه المعركة».

هنا يتردد الحديث عن أن الصين انتصرت بالفعل في حرب الذكاء الصناعي وأن مشروع ترامب المسمى «ستارجيت» لن يلحق بها وسيكون إهدارا لمزيد من أموال الأمريكيين. وقد عزز ذلك إعلان شركة «علي بابا» الصينية، أيضا، إنتاجها تقنية جديدة من «الذكاء الصناعي» تسمى Owen 2.5 Max، وتتفوق على «تشات جي بي تي 4» و»ميتا أيه آي». وبات معلوما أن من ينتصر في حرب «الذكاء الصناعي» سينتصر في الحرب العسكرية وستكون له السيادة على العالم. فقد كانت «الآلة» عبر التاريخ هي وسيلة كسب الحروب، والذكاء الصناعي هو «أبو» كل الآلات الآن. وقد أشار لذلك ألفن توفلر في كتابه «الحرب وضد الحرب»،1993. ولا عجب أن ورد ذلك في تصريح للرئيس الأسبق جورج بوش قال فيه «حروبنا في المستقبل ستكون بلا دموع، لأننا لن نرسل أبناءنا للحرب وسنحارب بالجنود المُستنسخين». وربما كان يبشر وقتها بالجيوش الآلية أو الروبوتات، وهي فكرة أكدها إيلون ماسك بقوله إنه «بحلول 2040، ستكون هناك روبوتات مؤنسنة، وستكون أكثر عدداً من البشر، وقد تصل إلى 10 مليارات روبوت»، ما يجعلنا أمام عالم جديد يسكنه بنو البشر وبنو قردان (التطور) وأخيرا بنو الروبوت (الذكاء الصناعي)، ولم يبق إلا أن يخرج علينا بنو يأجوج ومأجوج.

مساحة إعلانية