رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. أحمد المحمدي

مساحة إعلانية

مقالات

204

د. أحمد المحمدي

حقيقة الإيمان

05 مارس 2025 , 02:00ص

«وَقَالُوا إِن نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ»

الإيمانُ ليس كلمةً تهيمُ في أجواء الخيال، ولا هتافًا تذروه الرياح، ولا شعارًا يُرفع دون تكاليف وأمانة، بل هو حقيقة تملأ القلب، وتُحكِم سلطانها على الجوارح، وتنهض بصاحبها إلى ميادين العطاء والتضحية، فيسير بها مستسلمًا لربه، منقادًا لطاعته، مستيقظًا لها في ليله ونهاره، باذلًا لها نفسه وماله، لا يريد بها إلا وجه الله، ولا يسعى بها إلا إلى رضوانه.

غير أن فِئَامًا من الناس ضعُفت نفوسهم، وقلَّ يقينهم، فلم يقووا على حمل تبعات الإيمان، ولم يطيقوا ما يقتضيه من بذل وجهاد، فاختلقوا لأنفسهم المعاذير، يجمِّلون بها حالهم، ويبرِّرون بها تقاعسهم، فما هم في حقيقتهم إلا كمن رأى النور بعينيه، ثم اختار العمى، وعرف الحق بقلبه، ثم آثر الباطل.

وهذه الحجة الباطلة قديمة، قد تشبث بها فريق من مشركي قريش حين غلبهم الحياء أن يجاهروا بالتكذيب، ولكنهم لم يستطيعوا أن يَسلموا للحق، ولا أن يفارقوا ما ألفوه من ضلال آبائهم، فجاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعترفون بصدق دعوته، ثم يلقون بين يديه العذر في عدم اتباعه، كما رُوي عن ابن عباس أن الحارث بن عثمان بن نوفل وناسًا من قريش جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال الحارث: «إنا لنعلم أن قولك حق، ولكنا نخاف إن اتبعنا الهدى معك أن يتخطفنا العرب من أرضنا، ولا طاقة لنا بهم، وإنما نحن أكلة رأس»—يعني أنهم قلة لا تقوى على مواجهة أعدائها.

فما أشبه حال هؤلاء بمن يكابرون اليوم عن نصرة الحق، فلا يجرأون على إنكاره، ولا يملكون دافعًا للانتصار له، فيُلقون بالأعذار الواهية، ويستترون خلف مخاوف مصطنعة، ولو أنهم تأملوا قليلاً لرأوا أن قريشًا، وهي يومئذ قلة في العدد والعدة، قد أكرمها الله بحرم آمن، لا تمتد إليه أيدي المعتدين، ولا تُطاول مقامه سيوف الغزاة، وكان يجبي إليه ثمرات الأرض كلها، فيعيش أهله في رخاء وأمان، فكيف يخافون على أنفسهم من العرب، وربهم الذي آمنهم من قبل قادر على أن يؤمنهم بعدُ إن استجابوا لدعوته واتبعوا رسوله؟!

والتخطف: مبالغة في الخطف، وهو انتزاع الشيء بسرعة، والمراد: يأسرنا الأعداء معهم إلى ديارهم، فرد الله عليهم بأن قريشاً مع قلتهم عدّاً وعدة أتاح الله لهم بلداً هو حرم آمن يكونون فيه آمنين من العدو على كثرة قبائل العرب واشتغالهم بالغارة على جيرتهم، وجبى إليهم ثمرات كثيرة قروناً طويلة، فلو اعتبروا لعلموا أن لهم منعة ربانية وأن الذي أمنهم في القرون الخالية يؤمنهم إن استجابوا لله ورسوله. إن أقسى الناس غفلةً من يرتدُّ عن أداء حقوق الله بمثل هذه الدعاوى الفارغة، التي لا تدل إلا على ضعف العقيدة ووهن اليقين، وما علموا أن الخوفَ لا يدفعه إلا التسليم لله، وأن الأمن لا يُنال إلا بالاعتصام به، فمن مضى في سبيل الله غير هيّاب، ولم يخشَ في الله لومة لائم، أيده الله ونصره، ومكَّن له في الأرض، وجعل له العاقبة الحسنة، ووقاه من كيد أعدائه، إذ الحق لا يُخذل أهله، ولا يُضيِّع الله من توكل عليه.

أما من ركن إلى غير الله، واعتمد في أمره على سواه، فذاك عبدٌ ألقى بنفسه في أيدي أعدائه، وأسلمه الله إلى من توكل عليه، فلا يزيده ذلك إلا ضعفًا، ولا يكون مآله إلا الهلاك.

اقرأ المزيد

alsharq ما كان لم ينقذ غزة

ارتفعت حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 إلى 71 ألفا و266 شهيدا... اقرأ المزيد

45

| 29 ديسمبر 2025

alsharq معجم الدوحة التاريخي

يعدّ معجم الدوحة التاريخي للغة العربية الذي انطلق عام 2013، أحد أكبر المشاريع اللغوية والعالمية، إذ يوثّق تاريخ... اقرأ المزيد

42

| 29 ديسمبر 2025

alsharq يمرّ العام من دون أن ألوح له بيدي

يقترب العام من نهايته، لا بوصفه تاريخًا على الحائط، ولا رقمًا يتبدّل في أعلى الصفحة، بل ككائنٍ خفيفٍ... اقرأ المزيد

39

| 29 ديسمبر 2025

مساحة إعلانية