رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

سعدية مفرح

كاتبة كويتية

مساحة إعلانية

مقالات

471

سعدية مفرح

وهو خير لكم!

05 نوفمبر 2024 , 02:00ص

شعور مزعج يطاردنا حين نفقد شيئًا عزيزًا، أو حين نفشل في تحقيق حلم لطالما تمنيناه. شعور النقص والفقد والعجز الذي يتسلل إلينا بصمت، يضعفنا ويقيد أيدينا، ويجعلنا نكاد نلج بوابة الصمت والقلق، ولا نجد في أعماقنا إلا إحساسًا قاتمًا بالعجز وقلة الحيلة.

نقرأ الآية الكريمة؛ «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»، فنشعر بما يشبه اليد الحانية التي تربت على أرواحنا فجأة.

لا شك أن هناك أوقاتًا نشعر فيها بأن الحياة قد أغلقت أبوابها في وجوهنا، وكأن الحظ يعاكس خطواتنا، والأحلام تتلاشى أمامنا. هذا الشعور بالحزن والانكسار هو ما يدفعنا نحو اليأس. لكن حين نتأمل هذه الآية، نجد فيها وعدًا عميقًا، وعدًا بأن ما قد نراه نقمة أو حرمانًا، قد يحمل لنا في طياته خيرًا لا ندركه. هذا اليقين ليس مجرد كلمات، بل طاقة أمل تمس جراحنا بلطف، وتفتح في أرواحنا نافذة مشرقة نحو الغد.

في حياتنا اليومية، كثيرًا ما نمر بأحداث مؤلمة، ربما كانت فراقًا لأحباء، أو فقدان عمل نعتقد أنه نهاية العالم، أو حتى رفضٍ لمشروع كنا نطمح له. وفي خضم ذلك، نشعر بثقل الواقع، ونغرق في حزن العجز ونبكي أحلامنا المفقودة. لكن بعد فترة، عندما تضيء بصيرة قلوبنا، ندرك أن هذه الصدمات لم تكن سوى جسر لعبورنا إلى حياة أفضل أو إلى مكانٍ أكثر سكينة، ونرى الخير الذي لم نكن نراه من قبل. هنا، تصبح الآية وكأنها صوت داخلي يُسمعنا همسات الأمل، وكأنها تهمس في أذاننا: “لا تحزنوا، فالله يعلم وأنتم لا تعلمون”.

طبعا ليس من السهل دائماً أن نجد الأمل وسط الألم، لكن هذه الآية تمنحنا رؤية مختلفة عن الحياة، تجعلنا ندرك أن الأمور ليست دائمًا كما نراها. إنها دعوة لإعادة التفكير، لفهم الأحداث بمنظور آخر، منظور إلهي يحكمه العلم والحكمة. فكل حدث نمر به ليس عبثًا، وكل محنة هي جزء من لوحة كبرى يصعب علينا رؤيتها بوضوح، لكن الإيمان يجعلنا نسير نحوها بثبات، ونثق بأن الله يضع لنا الخير حتى في أشد الأوقات حلكة.

وكم من مرة كانت هذه الآية سبيلًا لتجاوز أزمات قاسية، تذكيرًا بأن لا فشل يبقى للأبد، وأن لا خسارة تنهي مسيرتنا، بل هي وقفة للتأمل قبل استئناف الطريق. من منا لم يشعر يومًا بأن شيئًا قد كُسر داخله، ثم وجد لاحقًا أن هذا الكسر كان سببًا في بناء شخص جديد بداخله، شخص أكثر قوة وثقة.

“وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم”. تجربة تعيشها كلما ضاقت بك السبل، تعيشها كطريق نحو الرضا والسلام. فهي ليست وعدًا بحياة خالية من الألم، بل دعوة لرؤية الخير حتى في الشدة. نتعلم منها أن نرى الجمال في كل ما يأتينا من الله، أن نستوعب أن الحياة ليست مجرد مكاسب وخسائر، بل دروس تتشكل بصورها المختلفة، وكلها تصب في خير لا يُدرك إلا بالإيمان واليقين. فهذه الكلمات السماوية تأخذ بيدنا في أوقات ضعفنا، وتجعلنا نعيد ترتيب أولوياتنا ونضع الأمل أمامنا ونتصالح مع أقدارنا بخيرها وشرها على حد سواء، ونطمئن إلى أن ما يجري ليس سوى جزء من خطة أوسع وأكبر من أن ندركها في ذات اللحظة.

مساحة إعلانية