رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

هديل رشاد

صحفية فلسطينية

مساحة إعلانية

مقالات

306

هديل رشاد

الضفة تتبخر وسط دخان غزة

06 أغسطس 2025 , 12:03ص

بينما تُدفن غزة تحت الركام، وتُحاصر بلقمة العيش والماء، تتحرك آلة الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية ببطء وثبات، تُوسّع مستوطناتها، تُهجّر سكانها، وتُعيد رسم الخارطة الديموغرافية بما يخدم مشروع إسرائيل الكبرى، إنها جريمة مركبة، وجهها الأول مجازر ومجاعة في غزة، ووجهها الثاني تهويد وصمت خبيث في الضفة. تقرير صادر عن مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في مارس 2025 أكد أن الاحتلال الإسرائيلي صعّد عمليات الاستيطان بشكل غير مسبوق، إذ شرع ببناء أكثر من 10.300 وحدة سكنية جديدة داخل مستوطنات قائمة، وأنشأ 49 بؤرة استيطانية في الضفة والقدس الشرقية خلال عام واحد، وهو الرقم الأعلى منذ بدء التوثيق الأممي في القدس فقط، خُطط لبناء 20,000 وحدة استيطانية جديدة، بينما هُدمت 214 منشأة فلسطينية في عام واحد، من دون تصاريح أو بدعوى «البناء غير القانوني» في المقابل، مُنع الفلسطينيون من البناء حتى في أراضيهم الخاصة، فُرضت قيود مشددة على التوسع العمراني، وصودرت الأراضي بحجج أمنية أو بمراسيم عسكرية، ما دفع العائلات الفلسطينية للعيش في مساكن أشبه بعلب السردين، محاطة بجدران ومستوطنات، لا ترى فيها الشمس ولا تتنفس فيها الحياة. منذ أكتوبر 2023 وحتى مايو 2025، تم تهجير 1.222 فلسطينياً قسراً من 19 تجمعاً رعويا بسبب عنف المستوطنين، بينما قُتل 9 فلسطينيين برصاص المستوطنين، و396 آخرون برصاص الجيش الإسرائيلي، وتؤكد الأمم المتحدة أن هذه الممارسات ترقى إلى جرائم حرب، حيث إن نقل السكان المدنيين، وهدم المنازل، ومنع تصاريح البناء، كلها انتهاكات صارخة للقانون الدولي الإنساني. الأخطر أن التقرير الأممي يحذر من أن الخط الفاصل بين إجرام المستوطنين وعنف المحتل قد تلاشى، لدرجة أن بعض المستوطنين أصبحوا يتلقون الحماية والمساندة اللوجستية من الجيش الإسرائيلي نفسه.

أحد أكثر الأحداث دموية في هذا السياق وقع في كفر مالك قبل أيام، حين هاجم أكثر من 100 مستوطن القرية، وأضرموا النار في منازل ومركبات الفلسطينيين، وسط غياب تام للحماية، أسفر الهجوم عن استشهاد ثلاثة فلسطينيين وإصابة آخرين، بينما اكتفى الجيش بالتدخل بعد وقوع المجزرة، ثم أفرج عن المستوطنين المتهمين، ما جرى في كفر مالك ليس استثناء، بل حلقة جديدة في سلسلة طويلة من العنف الممنهج الذي يهدف إلى تفريغ الأرض من سكانها الأصليين.

في قلب هذه الجريمة المركبة، يظهر بوضوح دور وزير الأمن القومي بن غفير ووزير المالية سموتريتش، وهما من رموز اليمين المتطرف الديني القومي، بن غفير الذي لا يُخفي تبنيه لأفكار مائير كاهانا –حاخام متطرف أسس لحركة كاخ اليمينية المتطرفة عام -1971، يصرّح علنًا بأن غزة «يجب أن تُمسح»، وأن تهجير سكانها «حل ضروري ونهائي»، أما سموتريتش، فقد أعلن من على منصة الكنيست أن «الفرصة التاريخية في غزة يجب أن تترافق مع حسم الوجود الفلسطيني في الضفة»، مؤكدًا أن الضفة «ليست منطقة نزاع بل أرض الآباء»، وأن على الدولة «فرض السيادة اليهودية الكاملة عليها».

الخطاب المتطرف الذي يتبناه بن غفير وسموتريتش لم يعد مجرد تصريحات، بل تحول إلى سياسة فعلية على الأرض، فخطة وزارة المالية تنص بوضوح على ضخ مليارات الشواكل –عملة الاحتلال-لدعم بناء البؤر الاستيطانية وتوفير البنية التحتية لها، بينما تتلقى الجمعيات الاستيطانية تسهيلات قانونية وإعفاءات ضريبية، تُمنع عنها بالمقابل القرى الفلسطينية المهددة بالهدم، المشروع الاستيطاني اليوم لم يعد تمدداً، بل ابتلاعاً متسارعاً مدعوماً بالدولة وأذرعها القضائية والعسكرية.

كل ذلك يحدث بينما تغيب السلطة الفلسطينية كلياً، لا تصدٍّ ميداني، لا تحرك سياسي، لا حماية قانونية، ولا حتى احتجاج فاعل في المحافل الدولية، الرئيس محمود عباس بدا منذ بدء الحرب على غزة وكأنه خارج السياق، يراوح في مربع الإدانات الجوفاء، بينما الأرض تُنهب، والناس تُطرد، والخرائط يعاد تخطيطها، حتى الأجهزة الأمنية للسلطة لا تتحرك لحماية الفلسطينيين من اعتداءات المستوطنين، بل في حالات كثيرة كانت شاهدة صامتة على عمليات الطرد والهدم، وبعضها سُجّل عليه تواطؤ ضمني خوفًا من الاصطدام مع الاحتلال أو خشية فقدان الامتيازات المالية التي تربطها بالتنسيق الأمني.

المجتمع الدولي بدوره يمارس دور المتفرج، يكتفي بتقارير أممية لا تتبعها مساءلة، وإدانات لفظية لا تردع الفاعل، أما الولايات المتحدة، فهي تغض الطرف بالكامل عن ما يجري في الضفة، ما دامت تساند حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها في غزة، هذا الصمت الدولي شجّع الاحتلال على تكثيف جريمته المزدوجة: إبادة غزة وقضم الضفة.

ختاماً...

الاحتلال يعرف تمامًا ما يفعل. يشعل غزة ويقضم الضفة على وقع عذابات الأولى، فالمجازر هناك تُغطي على جريمة التهجير هنا، والتجويع يُخدر الإدراك العالمي عن التطهير العرقي الذي يمضي بإيقاع بطيء هادئ في الضفة، حتى إن بعض النشطاء الإسرائيليين أنفسهم باتوا يحذرون من استخدام حرب غزة كـ»ستار دخاني» لفرض وقائع لا رجعة عنها في الضفة، تهدف إلى دفع المجتمع الدولي مستقبلًا للقبول بـ»ضم واقعي» للضفة، بعد أن يصبح السكان الفلسطينيون أقلية مطوقة ومهجرة.

اقرأ المزيد

alsharq توطين الذكاء الاصطناعي في القطاع الصحي القطري

يشهد قطاع الرعاية الصحية في قطر ثورة رقمية مع تصاعد دور الذكاء الاصطناعي في تشخيص الأمراض وعلاجها. ومع... اقرأ المزيد

528

| 23 أكتوبر 2025

alsharq بين الفكر والروح

من الأوقات الصعبة على أيِّ مبدع أن ينتهي من كتابة رواية أو ديوان، وتتوقف الروح لبعض الوقت عن... اقرأ المزيد

219

| 23 أكتوبر 2025

alsharq النظام المروري.. قوانين متقدمة وتحديات قائمة

القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى، وسلامةٌ تُصان، وحياةٌ تُدار بانسيابية ومسؤولية. لا أحد ينكر مدى... اقرأ المزيد

627

| 23 أكتوبر 2025

مساحة إعلانية