رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. سلوى حامد الملا

‏alsalwa2007@gmail.com

@salwaalmulla

مساحة إعلانية

مقالات

672

د. سلوى حامد الملا

إعلان الدوحة 2025.. عدالة الفرص

06 نوفمبر 2025 , 03:16ص

 جاء انعقاد المؤتمر العالمي للتنمية في الدوحة خلال الفترة من 4- 6 /11 2025 في لحظة دولية مضطربة، تتقاطع فيها الأزمات الاقتصادية والسياسية والإنسانية، وتتراجع فيها قضايا العدالة الاجتماعية أمام صراعات القوة والمصالح. في هذا السياق حمل خطاب سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وخطاب سمو الشيخة موزا بنت ناصر، رؤية متكاملة شامله للتنمية، رؤية تجعل للإنسان قيمة وأهمية ومركزا، ولا يتحقق ذلك إلا من خلال البداية ليكون للأسرة دور وللتعليم نقطة الانطلاق، وتتحقق التنمية في إطار العدالة والسلام.

انطلق خطاب سمو الأمير من التأكيد على أن قضايا التنمية ليست مجالًا للخلاف بين الدول، فهي تتصل مباشرة بكرامة الإنسان وحقه في العيش الكريم. لتأتي استضافة قطر للمؤتمر ليس باعتباره مجرّد حدث دبلوماسي، بل هو تعبير عن التزام أخلاقي وسياسي بمساندة الجهود الدولية لمكافحة الفقر، والبطالة، والإقصاء الاجتماعي، وتعزيز الحماية للفئات الهشة. وتقدم دولة قطر سنويا تقريرا بما تحقق من أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر.. ويكون للدور القطري الدور في مساندة الدول الفقيرة والمتضررة، اضافة إلى دعم التعليم والأسرة والتنمية الاجتماعية التي تحفظ الحقوق وتقدمها لمستحقيها. كما جاء في خطاب سموه أن التنمية الاجتماعية لا يمكن عزلها عن السياق السياسي والأمني؛ فلا تنمية حقيقية يمكن أن تزدهر تحت القصف أو في ظل الاحتلال والحصار. ومن هنا جاء الربط الواضح بين أجندة التنمية وبين قضايا العدالة في العالم، وفي مقدمتها معاناة الشعب الفلسطيني وما يتعرض له من عدوان وحرمان من أبسط حقوقه، إلى جانب الإشارة إلى المآسي الإنسانية في مناطق نزاع أخرى، مثل السودان. 

هذه الإشارات لم تكن هامشية، بل جاءت لتقول إن الحديث عن تنمية بدون عدالة هو حديث منقوص.كما استعرض الخطاب ملامح التجربة القطرية في التنمية الاجتماعية، بدءًا من الارتقاء بمؤشرات التنمية البشرية، وتحسين جودة الحياة، وصولًا إلى تبنّي رؤية واضحة لانتقال السياسات الاجتماعية من مجرد «رعاية» إلى «تمكين». فالمواطن ليس متلقيا سلبيا للخدمات، بل هو شريك في صنع التنمية، عبر سياسات تستهدف الأسرة، والشباب، والمرأة، وكبار السن، والفئات الأكثر احتياجا، ضمن إطار رؤية قطر الوطنية 2030. 

وننطلق إلى خطاب سمو الشيخة موزا بنت ناصر، بأن الإنسان غاية التنمية وليس وسيلتها، لقد انطلق خطاب سمو الشيخة موزا بنت ناصر، من قاعدة واضحة: لا معنى لأي مشروع تنموي إذا لم يكن الإنسان هو غايته الأولى. الإنسان ليس رقما في الإحصاءات أو مستهدفا في الخطط، بل هو جوهر التنمية ومعيار نجاحها؛ بقدر ما ترتقي بسعادته وكرامته وفرصه في الحياة، يمكن الحكم على جدّيتها. لقد وضعت سموها التعليم في قلب النقاش التنموي؛ ليس بوصفه قطاعا من القطاعات، بل باعتباره «العقد الناظم «لبقية القطاعات. فالتعليم هو الذي يهيّئ الإنسان ليكون فاعلا اقتصاديا، ومواطنا مشاركا ومسؤولا وايجابيا، وشريكا في صياغة المستقبل. لذلك لم يُقدَّم التعليم كرفاهية أو خيار ثانوي، بل كاستثمار استراتيجي طويل المدى، لا يقل أهمية عن الاستثمار في البنية التحتية أو الطاقة أو الاقتصاد الرقمي. قدمت سمو الشيخة موزا بنت ناصر جانبًا من التجربة القطرية في جعل التعليم محورًا للتنمية، سواء عبر إنشاء مؤسسات تعليمية رائدة ومتميزة جعلت دولة قطر في مصاف الدول الأعلى جدوى في التعليم، أو احتضان جامعات عالمية، أو دعم البحث العلمي والابتكار. هذه التجربة لا تركز فقط على الكمّ بعدد المدارس والجامعات ؛ بل على الكيف، من خلال بناء منظومة تعليم تُنمّي الفضول، والقدرة على التفكير النقدي، والاهتمام بطلب العلم والمعرفة وتنمي روح المبادرة لدى الشباب.

 من أهم رسائل الخطاب الإصرار على أن التعليم لا يمكن أن يتوقف في أوقات الحرب. الأطفال الذين تُقصف مدارسهم، والطلاب الذين يُهجَّرون من قاعات الدراسة، هم في الحقيقة مستقبل يُصادَر. لذلك شددت سموها على ضرورة أن يكون التعليم جزءًا من أي خطة للإغاثة وإعادة الإعمار في مناطق الصراع، لاسيما في فلسطين والسودان وغيرهما من دول تتعرض لأشكال الحروب والتشريد، لأن إعادة البناء المادي بلا بناء الإنسان لا تنتج تنمية حقيقية. لم يغفل خطاب سموها كذلك من الإشارة إلى التحوّلات العميقة التي يشهدها العالم في ظل الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي. فالتعليم المطلوب اليوم ليس تعليمًا يكدّس المعلومات، بل هو تعليم يصقل المهارات، ويعلّم الإنسان كيف يتعلّم باستمرار، ويتعامل مع التقنيات الجديدة بوعي وأخلاق ومسؤولية. هنا، يصبح التعليم بمثابة «عقد اجتماعي جديد» يضبط علاقة الإنسان بالمعرفة والعمل والتكنولوجيا.

آخر جرة قلم: يقدّم الخطابان معًا تصورًا عميقًا لمفهوم التنمية، يتجاوز فكرة النمو المادي أو زيادة الدخل إلى رؤية أوسع تجعل كرامة الإنسان، وعدالة الفرص، وحق الشعوب في السلام والتعليم، عناصر لا يمكن فصلها. وفي الوقت نفسه يرسّخان صورة قطر كدولة تسعى إلى أن تكون منصّة للحوار حول قضايا العالم، لا من منطلق استعراض سياسي، بل من منطلق شعور بمسؤولية أخلاقية وإنسانية. وكما كنا نسترشد ونعود إلى إعلان» كوبنهاجن» في عام 1995» الذي انبثق من مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية، 6-12 مارس 1995، كوبنهاجن، الذي كان: « وضعت الناس في قلب الجهود المبذولة لتحقيق التنمية المستدامة حتى لا يتخلف أحد عن الركب» ليأتي «إعلان الدوحة 2025 « دليلا ومرجعا لسنوات ثلاثين قادمة تضع الأسس لمعنى التنمية والبيئة لتنفيذها وفرص العدالة والنمو والتعليم والعيش بكرامة من مقوماتها.

مساحة إعلانية