رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

هديل رشاد

صحفية فلسطينية

مساحة إعلانية

مقالات

552

هديل رشاد

سنواتي العجاف !

08 يناير 2025 , 02:00ص

أضع عزيزي القارئ بين يديك هذه الرسالة التي وصلتني من إحداهن، رسالة أدعوك لقراءتها بقلبك لا بعينيك، فرغم حرصي على أنّ لا تنحرف ترويدتي عن هدفها في الحديث عن قضايا الأمة، إلا أنَّ ما ستقرأه هو من القضايا الملِّحة، وقضية قد تطرق بابي وبابك، قضية السكوت عنها قد يهدم حصن الأسرة المنيع الذي وُجد كي تُبنى المجتمعات، لذا اتخذت القرار في نشرها بتغيير بعض الحقائق حماية لخصوصية صاحبتها، وحماية لأبنائها، إلا أنَّ رسالتها أشبه بصرخة ولادة من الخاصرة، علَّها تجد طوق النجاة، وعلَّ صوتها المكتوم لسنوات أن يصل لأسرتها، الذين ينظرون إلى الطلاق وكأنه فضيحة لن تمحوها السنوات، ولكن في هذا السياق ليس الهدف من نشر الرسالة التشجيع على الطلاق، بل مناشدة للأهالي ليكونوا سنداً لبناتهم خاصة، وأن الطلاق قد يكون علاجاً أخيراً لحياة لا حياة فيها.

فتقول صاحبة الرسالة... «هذه حالة لطالما تملكتني طويلاً، حالة من البؤس تكاد تجعلني كائنا يحيا تحت الأرض، كائنا يواري ضعفه بورقة توت حتى اللحظة!، حقيقة لا أعلم التفسير الحقيقي لهذه الحالة، ولا أعلم كيف يمكن للمتخصصين وصفها، إلا أنّ ما أشعر به أكاد أراه كما حبل المشنقة الملتف حول عنقي، ويرقب اللحظة ليفصلها عن جسدي بحركة لا تتعدى الثواني لتزهق روحي، روحي التي عاشت ميتة طوال سنوات زواجي، فلم أنعم بحياة رغيدة أستحقها، فكانت ثلاثين سنة عجاف، أي منذ أن انتقلت لمنزل الزوجية، هنا يجب أن أضحك ضحكة ساخرة، فخلال كتابتي هذه الكلمة «الزواج» تذكرت كيف كنت أنسج حياتي الزوجية على أطراف صفحات كتبي، وكيف هي الحياة التي كنت أحكيها بمخيلتي لأسرة سعيدة، إلا أنّ الحياة لا تمنحك كل ما تريد مهما بلغ سعيك، فمشيئة الله فوق كل إرادة، فسذاجتي حالت بيني وبين حقيقة ومشروعية هذه الأحلام، التي أدركت أنها لا تتعدى قصص يوسف السباعي، وروايات نجيب محفوظ، بل وأشعار نزار قباني التي ملأت مكتبتي عن آخرها بها.!»

«.. فلم أدرك أن الزواج لا يعتمد على الفتاة وحدها، بل عليها أن تنسج أحلامها -وهذا الحديث موجه للفتيات- بمعية من يستحق هذا الحلم ليستحيل واقعا تحت رباط الميثاق الغليظ، فمنذ سنوات زواجي الثلاثين، وأنا ناقمة على كلماتي التي كتبتها على أطراف صفحات كتبي، نادمة على اللحظات التي تشتت ذهني بها وأنا سابحة في أحلام اليقظة الوردية، لتصبح الأحلام كوابيس واقعية فاحمة السواد، تأبى الفكاك عني، وكأنها سخرت كل طاقتها لتدميري، فلم تمض الحياة كما أريد ولم أنعم بأبنائي كما خططت، فالاختبارات الإلهية تأتيك على هيئة بشر في بعض الأحايين وهذا ما كان لي، فاختباري تجسد على هيئة زوج وضعت عليه آمالي ليست آمالا مادية كما الكثير من الفتيات، فقد حباني الله بأب خلقت الكلمة لأجله، لم يبخل يوما علي وعلى أشقائي بل كان معطاء مدرارا محبا للخير، لكن ما أعنيه في آمالي التي عقدتها على زوجي هي الحياة التي تخطها الفتاة مع أولى مراحل خطبتها، فتشاركه خططها وآمالها العريضة في الكيفية التي تريدها في بناء لَبِنات هذا المنزل، وللأسف في ذلك الوقت لا يفكر الشريك إلا بلحظة امتلاك الفتاة، ليتفنن فيما بعد في إعادة تصنيعها لتتناسب ونرجسيته ومواضع النقص التي خلفتها تنشئة شيطانية غير محكومة لقواعد وأنظمة، بل قانونها في كفة الذكر مهما فعل، وهذا الذي لم أستطع اكتشافه إلى ما بعد الزواج والاحتكاك بموقف تلو الموقف حتى تبدأ الأقنعة بالسقوط وتبدأ الحقيقة تتكشف شيئا فشيئا رغم مرارتها التي ليتني لم أتذوقها.»

..وتستطرد صاحبة الرسالة « إلا أن الحياة تجبرك على الاستمرار، في ظل مجتمعات شرقية تنظر إلى الطلاق وصمة عار، بل وفضيحة أتت بها الفتاة لأهلها ولقبيلتها !، مع العلم أن الطلاق شُرِّع كالزواج، إلا أن وقوع الطلاق هو مسؤولية المرأة دوماً، فهي المتهم الأول في هدم المنزل، لأنها لم تستطع تحمل نزق زوجها ! مما يدفع السواد الأعظم من الفتيات لتحمل أعباء حياة بائسة أشبه بالموت، حياة تخلو من الود والوئام لتنجو من لقب مطلقة، ولتنجو من نظرات المحيطين بها قبل مجتمعها.»

.. فهذه النظرة تنعكس على الأسرة فقد يزداد عدد الأطفال، ويضاعف من استمراء الزوج سوء معاملة زوجته، ليضع الزوجة تحت ضغط أسري واجتماعي قد يؤدي بها إلى المصحات النفسية والتي تضطر إليها لعدم قدرتها على البوح بما يعتمل بها وينهش من روحها ومن رونقها.

ختاما..

أيها الآباء والأمهات لا تجعلوا من بيوت بناتكم قبورا، فرسالتكم بزواج بناتكم لم تنته بعد، بل عليكم التأكيد لها قبل أن تطأ قدماها عتبة منزل الأسرة أنَّ والدها وإخوانها سيبقون سنداً وحماية من غدر حياة لا تليق بها، وأن المشاكل المعقدة لها حل، وأن الطلاق ليس عيبا ولا حراما، بل العيب والحرام أن تصل بإحداهن أن تزهق حياتها للخلاص من عيشة بائسة مع زوج لم يكن سوى ذكر.

 

مساحة إعلانية