رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

الشيخ د. سعود بن ناصر آل ثاني

مساحة إعلانية

مقالات

252

الشيخ د. سعود بن ناصر آل ثاني

تسويق الخوف

26 أكتوبر 2025 , 03:48ص

عزيزي القارئ لا تخف من العنوان واطمئن. فلست أتحدث عن أعياد الهالووين الوثنية والتي تحدث مع نهاية كل شهر أكتوبر من كل عام ميلادي، وترى وجه اليقطين المخروق والمحشو بإضاءة الشموع والذي من المفترض أن يكون مُخيفاً للأطفال. وتراهم في أزيائهم التنكرية ذات الطابع المخيف. وذلك في بعض الدول التي يطوفون فيها لأخذ الحلويات، وهو طقس من الثقافة الإيرلندية انتقل إلى الولايات المتحدة ليتم انتشاره بين العالم بقدرة الآلة الإعلامية الأمريكية الضخمة. ولكن ما هو هذا الأمر الذي يحدث في الماضي والحاضر والمستقبل، أي إنه أمر اعتيادي لا يدعو للقلق والتوتر. وانما هو الهدف الرئيسي لمسوقِّيه! فتسويق الخوف إستراتيجية تستخدم لإثارة مشاعر التوتر والقلق بين الناس، وذلك للتأثير على قراراتهم، وجعلهم يتخذون قرارات محددة، مثل شراء المنتجات أو الخدمات، أو حتى تغيير السلوكيات لأسباب معينة ومقصودة وعادةً ما تكون متعلقة بأمور مصيرية. 

في كل حقبة زمنية تجد أشخاصا من الناس في هذا العالم الذي نعيش فيه، يقومون بنشر النبوءات المغلوطة دون تحقق من مصداقيتها، والتي تتحول إلى شائعات تنتشر بين الآفاق. ففي نهاية الألفية الأولى الميلادية انتشرت مخاوف بين الأوساط النصرانية الأوربية بقرب حدوث يوم القيامة! وقد حدثت أحداث مماثلة مع نهاية الألفية الثانية. وكذلك في عام ٢٠١٢م عندما فسرت خرافة عن قرب نهاية العالم بناءً على دراسة لتقويم حضارة المايا القديمة. أو حتى تسويق الخوف من خلال نبوءات كالتي كانت عن ٢٠٢٢م بنهاية الكيان! والتي لم تحدث في نهاية المطاف.

من مقاصد تسويق الخوف في العالم الأسباب الاقتصادية، فترى بعض شركات الأسهم حول العالم تبث شائعات الخوف بين المساهمين بناءً على دراسات بحثية مختلفة، وذلك وفق العوامل المؤثرة في سوق الأسهم. فقصة شراء عائلة «روتشيلد» للأسهم في إنجلترا ترتبط بشكل أساسي بحرب «نابليون» ومعركة «واترلو»، حيث استغل «ناثان ماير روتشيلد» نفوذه وسمعته المالية لتغيير مسار سوق السندات البريطانية. في عام 1815، وتسربت له الأنباء عن انتصار بريطانيا في واترلو قبل الإعلان الرسمي، فبدأ في بيع السندات. عندما تبعته السوق في هذا البيع وأدت إلى انهيار الأسعار، فقام بشراء جميع السندات بأسعار منخفضة للغاية، ليحقق ربحًا هائلاً بعد تأكيد النصر البريطاني وارتفاع الأسعار مرة أخرى، مما رسخ سيطرته على السوق المالية في لندن!

ومن ضمن المظاهر الأخرى لتسويق الخوف الظاهرة المعروفة بـ»فوموFOMO»، وهي خلق شعور نفسي بالإلحاح بالشيء، من خلال كلمات إعلانية مثل «سارع قبل فوات الأوان» أو «الكمية محدودة» لاستغلال الخوف من ضياع الفرصة. وهي عادة تكون في المنتجات التي تتناول جميع الفئات الاستهلاكية بالسوق. وذلك من خلال عرض البضائع أو الخدمات على أنها الحل الوحيد للتخلص من التهديدات أو المخاطر التي يتم تسليط الضوء عليها من قبل المتحكمين والنافذين في الأسواق الاقتصادية.

دائماً عند الكوارث والأزمات كالحروب والزلازل والأعاصير والجائحات المرضية والانهيارات الاقتصادية يكثر تسويق الخوف بين الناس، ولكن من يقود الأمر ووقوده هم الناس بأنفسهم! حيث يصدقون هذه الحملات الإعلانية والتسويقية عبر وسائل الإعلام المختلفة. وخصوصاً بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياة الإنسان. ولكن الأمر سهل عند الانتباه له، وعدم الانسياق وراء تلك الحملات المزيفة أيا كان شكلها ومظاهرها. وذلك من خلال التفريق بين ما هو حقيقي ووهم كاذب. فعندنا حواس وعقول للتفريق بين الغث والسمين. فيجب علينا أن نكون منتبهين لكل ما يعرض علينا عبر تلك الوسائل ونغربلها غربلة حكيمة وواعية دون جزع أو خوف. فعندنا من الحكمة الكثير في كتاب ربنا وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام. يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه «لستُ بالخبُ، ولا الخبُ يخدعني». قال تعالى { قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} التوبة ٥١.

مساحة إعلانية