رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لست بصدد الكتابة، عن فيلم «حياة الماعز»، الذي استحوذ على مساحة واسعة، من الهرج والمرج، لأنه يحمل في ظاهره دفاعاً مزيفاً عن «حقوق الإنسان»، استناداً إلى حالة فردية فوضوية شيطانية إجرامية استبدادية استعلائية لا تخلو معظم المجتمعات، التي تدعي أنها «ديمقراطية» من أشكالها وإشكالياتها.
ولن أخوض مع الخائضين في سلوك هذه الشخصية المريضة، بداء العداء للآخرين التي تدور أفعالها غير القانونية في حلقة مفزعة من العنف والقسوة والسادية وإثارة الكراهية ضد الإنسان الآخر، والاستخفاف بحياته وحقوقه وحريته وكرامته.
ولكن مع حلول الذكرى السنوية الأولى للحرب الوحشية، التي تشنها الحكومة اليمينية الصهيونية على الشعب الفلسطيني، أكتب عن «الحالة الماعزية»، التي تحاول إسرائيل أن تفرضها على الفلسطينيين، وتمارس خلالها كل أنواع الجرائم ضد الإنسانية.
أكتب عن حرب الإبادة الجماعية والاعتداءات الهمجية والانتهاكات الحقوقية والممارسات العنصرية والسياسات القمعية، التي تطبقها إسرائيل على الفلسطينيين في قطاع غزة، والمداهمات العسكرية التي تستهدف الإنسان الفلسطيني في مخيمات وبلدات الضفة الغربية المحتلة.
أكتب عن معنى أن تكون إنساناً فلسطينياً تعيش محاصراً ومستهدفاً في وطن محتل، في إطار وضع مختل، تحاول إسرائيل أن تفرض عليك «حياة الماعز»، لتعيش على هامش الدنيا بلا حقوق وبلا سيادة وبلا حرية وبلا دولة وبلا استقلال، وسط «ظروف ماعزية» صعبة، ينظر لك الغرب في إطارها أنك «إرهابي»، لمجرد أنك تقاوم الاحتلال وتسعى لتغيير الاختلال وتمارس حقك المشروع في النضال.
أكتب عن العدوان الوحشي الهمجي البربري الصهيوني على أهلنا في غزة، الذي دخل عامه الثاني، وما زالت إسرائيل ترتكب خلالها جرائم إبادة جماعية ضد الفلسطينيين، وتستخدم في سبيل ذلك كل أذرعها العسكرية وكل وسائلها الإجرامية وكل أدواتها الشيطانية، والاستيطانية والدموية والاستخباراتية والتهويدية والتهديدية بشكل يتنافى مع القيم الإنسانية والمواثيق الدولية والقواعد الحقوقية والمبادئ القانونية.
أكتب عن الغارات الصهيونية المتواصلة والاعتداءات الإسرائيلية المتصلة على مختلف المناطق والبلدات والقرى و«الضيعات» اللبنانية، وتأثيرها الكارثي على الشعب اللبناني، دون احترام سيادة «بلد الأرز»، ودون التزام إسرائيل بسلامة شعبه وشعابه وتشعباته الشعبية.
أكتب عن «الهدهد»، الذي قامت إسرائيل باصطياده، بعد اختراق الدائرة المغلقة المحيطة به، عبر العملاء الذين يعملون لصالح «الموساد»، وهذه حقيقة لا تحتاج إلى إسناد، لأنها مسنودة بالوقائع التي يعرفها الأشهاد، وخصوصاً أن الاختراقات الاستخباراتية الإسرائيلية، أصبحت وتيرتها في لبنان أكثر وأكبر وأخطر من المعتاد.
أكتب عن مأساة اللبنانيين الذين يتألمون من بشاعة العمليات العدوانية الصهيونية المسعورة، وكارثة الفلسطينيين الذين يحترقون بنيران الحرب المستعرة.
أكتب عن المنطقة التي تتأرجح في هذه اللحظة الحرجة على حد السكين، حيث لا تهدأ فيها الأوضاع ولا تستكين.
أكتب عن العدوان الوحشي الصهيوني الذي ينتقل من ساحة عربية إلى أخرى، ومن مدينة فلسطينية إلى بلدة لبنانية، محاولاً توسيع دائرة الحرب وإشعال الحرائق في المنطقة والتعامل مع حواضرها وكأنها «حظائر»، لا تختلف حياة الساكنين فيها المسكونين بحبها، عن «حياة الماعز».
أكتب عن أحداث «المقصب الآلي» الإسرائيلي الذي يستهدف الإنسان الفلسطيني واللبناني، بدعم وتشجيع وإسناد وتغطية وتدمير وتدبير وتمرير وتبرير من «الكفيل الأمريكي».
وبالنسبة لذلك «الوكيل»، المتخصص في صناعة «الويلات»، لشعوب المنطقة، وأقصد تحديداً الولايات المتحدة، فإن كل ما تفعله إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني مباح، في إطار ما تسميه واشنطن «الدفاع عن النفس».
وكل عدوان لها متاح، ويحظى بالقبول والسماح والتعبير الدبلوماسي بالارتياح، سواء كان الهدف مقاتلا مقاوما أو المستهدف مواطنا مسالما.
وهكذا، فإن كل جرائم إسرائيل البشعة، ضد المدنيين الفلسطينيين، والأبرياء اللبنانيين، تدخل في إطار «الدفاع عن النفس» وفقاً للمنطوق الأمريكي الغربي الرسمي الذي يفتقد إلى المنطق.
ويبقى «الزلمة» الفلسطيني هو الإنسان الوحيد في الدنيا الذي ليس له الحق في الدفاع عن نفسه وعن حريته وكرامته، وفقاً لوجهة النظر الغربية الغريبة المنحازة لإسرائيل.
مع إنكار حق الفلسطينيين في الدفاع عن أنفسهم وعن أرضهم المحتلة وعن حقوقهم المغتصبة وعن حريتهم المسلوبة وعن سيادتهم المنزوعة وعن كرامتهم المنتهكة وعن قطاعهم المستهدف وعن مخيماتهم المضروبة وبلداتهم المدمرة و«بياراتهم» المخربة وعن طموحاتهم المرفوضة بإقامة دولتهم المستقلة، وعاصمتها القدس.
ومع استمرار الحرب الإسرائيلية الوحشية، يبحث الأهالي في قطاع غزة عن أي طعام يسدون به رمقهم، فلا يجدون شيئاً يأكلونه، سوى الشعير المخصص لعلف الحيوانات، والعشب الذي لا تأكله سوى المواشي.
هناك في غزة، تتواصل أزمة الجوع الكارثي، وتتضاعف موجات الوجع النفسي والألم الجسدي بين الأهالي الذين يضطرون إلى تناول طعام لا يصلح للاستخدام الآدمي.
هناك يعيش أهل غزة وأصحابها وسكانها المسكونون بحبها، بين أنياب الفقر ومخالب القهر ويواجهون نقصاً كارثياً في الغذاء والدواء ورشفة الماء، فلا يجدون، وكأنهم في بيداء تبيد ساكنها، لا مسار فيها إلا نحو الموت ولا طريق فيها إلا نحو الهلاك، ولا اتجاه فيها إلا نحو السراب.
وفي سياق ذلك «السراب السياسي»، تتعامل إسرائيل مع مبدأ «حل الدولتين»، الذي يحظى بإجماع دولي، وكأنه نوع من الوهم البصري، الذي لا وجود له وراء الأفق الفلسطيني.
ولهذا نجد حكومة التطرف الصهيوني تتحسس منه ولا تتحمس له، وتحاول من خلال انتهاكاتها وجرائمها واعتداءاتها وأفعالها العدوانية، إظهار أنها غير معنية به وأنها غير مكترثة بتطبيقه.
وما من شك في أن رئيس حكومة التطرف الصهيوني، عندما يواصل عدوانه على قطاع غزة، ولا يلتزم بتنفيذ قرارات القانون الدولي.
وعندما ينتهك بغاراته الوحشية المتواصلة على الشعبين الفلسطيني واللبناني، مواد القانون الدولي.
وعندما لا يعترف بقواعد الحرب، التي ينص عليها القانوني الإنساني الدولي، وفي مقدمتها عدم استهداف المدنيين، وعدم الإضرار بالآمنين، وعدم محاصرتهم وتجويعهم، وتقييد فرصهم في الحصول على المواد الحياتية والمواد الغذائية والإعاشية والدوائية الأساسية، فهذا يعني أن نتنياهو يتصرف، وكأن الأمم المتحدة مجرد «حظيرة».
وها هو يتعامل مع «مجلس الأمن» وكأنه «حضيرة».
والشرعية الدولية، يعتبرها مجرد «حصيرة»، يستطيع أن يدوس عليها، وعلى قراراتها، ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، وآخرها، قرار «الجمعية العامة»، الذي يطالب إسرائيل بإنهاء وجودها غير القانوني في الأراضي المحتلة، الصادر بموافقة 124 دولة، يمثلون أكثر من ثلثي الدول الأعضاء، في المنظمة الأممية.
ولا أنسى القرار الأممي رقم «2735»، الذي يطالب بالوقف الفوري التام والكامل لإطلاق النار في قطاع غزة،
مع إطلاق سراح الأسرى وعودة المدنيين إلى ديارهم، فضلاً عن التوزيع الآمن والفعال للمساعدات الإنسانية على نطاق واسع، في جميع أنحاء القطاع، وفقاً للصفقة المقترحة، التي أعلنها الرئيس بايدن في (31 مايو) الماضي.
ورغم المقترحات الإيجابية في «الصفقة»، ما زالت إسرائيل تواصل «الصفاقة»، وها هو العدوان الصهيوني ينتقل من جبهة إلى أخرى، ومن جهة إلى غيرها، ليبقى القطاع مشتعلاً والحريق متأججاً والوضع ملتهباً والظلم مستعراً والضيم مسعوراً ضد الفلسطينيين.
وفي سياق هذه الأوضاع العدوانية والأحوال العنصرية المدانة قانونياً وحقوقياً وإنسانياً تتعامل حكومة الاحتلال، مع الفلسطينيين، بمنتهى الاختلال، ليس بصفتهم كائنات إنسانية لهم حقوق وطنية أصلية واجبة النفاذ واستحقاقات قانونية متأصلة واجبة التنفيذ، ولكنها تتعامل معهم وكأنهم «حيوانات بشرية»، وتسعى أن تفرض عليهم «الحالة الماعزية» بالقوة العسكرية.
ولا يحتاج هذا الأمر الثابت إلى إثبات، لأنه مثبوت في تصريحات علنية عنصرية، أطلقها وزير العدوان الصهيوني «غالانت»، وكررها أكثر من مرة قائلاً:
«لقد أمرت بفرض حصار كامل على غزة، لن يكون هناك كهرباء ولا ماء ولا طعام، نحن نقاتل الحيوانات البشرية، ونتصرف وفقاً لذلك»!
ووسط هذا «الواقع الماعزي» الماثل، والظرف السياسي المائل، في قطاع غزة، تبقى جهود وقف الحرب التي دخلت عامها الثاني بلا طائل.
ويبقى الفلسطيني يعاني في قطاعه المحتل من دمار هائل وإجرام غائر، وتجويع قاتل.
ويبقى مصير «المحتجزين» في كلا الطرفين معلقاً عند مواقف أشد المتطرفين، وهم عتاة المجرمين في حكومة الائتلاف الصهيوني، وأقصد أحمقهم الأحمق «بن غفير»، والأخرق «سموتيرتش».
وثالثهم الأخفق «نتنياهو»، الذي يسعى بشتى الوسائل الخبيثة، والمخططات الخسيسة، لإعادة احتلال قطاع غزة وابتلاع الضفة الغربية المحتلة وفرض «الحياة الماعزية» على المنطقة، بقيادة «الراعي» الإسرائيلي ودعم «الكفيل» الأمريكي.
وكل هذا، يدخل في صميم مخططات نتنياهو الشيطانية، الساعي لتغيير العقيدة السياسية للمواطن العربي، المرتكزة على مبدأ «أن فلسطين هي قضيتنا المركزية وأن تحريرها واجب قومي».
لكن تغيير هذا الأمر الأخطر يشكل هدفاً استراتيجياً صهيونياً، في سياق المخطط الأكبر، لتغيير الواقع الحالي في الشرق الأوسط، وإعادة تشكيل المنطقة، ليصبح الإنسان العربي «مطبعاً» ومطيعاً ومطواعاً، وتابعاً للسياسات الصهيونية، على حساب تصفية القضية الفلسطينية وتفكيك ثوابتها ومواصلة انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني المهمش سياسياً والمهشم حقوقياً وإجباره على أن يعيش في وطنه المحتل «حياة الماعز».
بالإضافة إلى إخضاع العالم العربي، ليصبح تحت الهيمنة الإسرائيلية.
ومن يدري، ربما بعد نهاية هذه الحرب الوحشية، تطالب إسرائيل، بالانضمام إلى جامعة الدول العربية.
ونقل مقر «الجامعة» إلى تل أبيب.
وتعيين المتطرف «بن غفير»، أو المتعجرف «سموتيرتش»، أميناً عاماً للجماعة.. عفوا أقصد «الجامعة».
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4041
| 05 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1731
| 04 ديسمبر 2025
في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه أكثر مما ينظر إلى ما يملكه. ينشغل الإنسان بأمنياته المؤجلة، وأحلامه البعيدة ينشغل بما ليس في يده، بينما يتجاهل أعظم ما منحه الله إياه وهي موهبته الخاصة. ومثلما سأل الله موسى عليه السلام: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى﴾، فإن السؤال ذاته موجّه لكل إنسان اليوم ولكن بطريقة أخرى: ما هي موهبتك؟ وما عصاك التي بيدك؟ جوهر الفكرة ان لكل إنسان عصا. الفكرة الجوهرية لهذا المفهوم بسيطة وعميقة، لا يوجد شخص خُلق بلا قدرة وبلا موهبة وبلا شيء يتميز به، ولا يوجد إنسان وصل الدنيا فارغ اليدين. كل فرد يحمل (عصاه) الخاصة التي وهبه الله ليتكئ عليها، ويصنع بها أثره. المعلم يحمل معرفته. المثقف يحمل لغته. الطبيب يحمل علمه. الرياضي يحمل قوته. الفنان يحمل إبداعه. والأمثلة لا تنتهي ….. وحتى أبسط الناس يحملون حكمة، أو صبرًا، أو قدرة اجتماعية، أو مهارة عملية قد تغيّر حياة أشخاص آخرين. الموهبة ليست مجرد ميزة… إنها مسؤولية في عالم الإعلام الحديث، تُقدَّم المواهب غالبًا كوسيلة للشهرة أو الدخل المادي، لكن الحقيقة أن الموهبة قبل كل شيء أمانة ومسؤولية. الله لا يمنح إنسانًا قدرة إلا لسبب، ولا يضع في يدك عصا إلا لتفعل بها ما يليق بك وبها. والسؤال هنا: هل نستخدم مواهبنا لصناعة القيمة، وترك الأثر الجميل والمفيد أم نتركها مدفونة ؟ تشير الملاحظات المجتمعية إلى أن عددًا كبيرًا من الناس يهملون مواهبهم لعدة أسباب، وليس ذلك مجرد انطباع؛ فبحسب تقارير عالمية خلال عام 2023 فإن نحو 80% من الأشخاص لا يستخدمون مواهبهم الطبيعية في حياتهم أو أعمالهم، مما يعني أن أغلب البشر يعيشون دون أن يُفعّلوا العصا التي في أيديهم. ولعل أهم أسباب ذلك هو التقليل من قيمة الذات، ومقارنة النفس بالآخرين، والخوف من الفشل، وأحيانا عدم إدراك أن ما يملكه الشخص قد يكون مهمًا له ولغيره، بالإضافة إلى الاعتقاد الخاطئ بأن الموهبة يجب أن تكون شيئًا كبيرًا أو خارقًا. هذه الأسباب تحوّل العصا من أداة قوة… إلى مجرد منحوتة معلقة على جدار الديوان. إن الرسالة التي يقدمها هذا المقال بسيطة ومباشرة، استخدم موهبتك فيما يخدم الناس. ليس المطلوب أن تشق البحر، بل أن تشقّ طريقًا لنفسك أو لغيرك. ليس المطلوب أن تصنع معجزة، بل أن تصنع فارقًا. وما أكثر الفروق الصغيرة التي تُحدث أثرًا طويلًا، تعلُم وتعليم، أو دعم محتاج، خلق فكرة، مشاركة خبرة، حل مشكلة… كلها أعمال نبيلة تُجيب على السؤال الإلهي حين يُسأل الإنسان ماذا فعلت بما أعطيتك ومنحتك؟ عصاك لا تتركها تسقط، ولا تؤجل استخدامها. فقد تكون أنت سبب تغيير في حياة شخص لا تعرفه، وقد تكون موهبتك حلًّا لعُقدة لا يُحلّها أحد سواك. ارفع عصاك اليوم… فقد آن لموهبتك أن تعمل.
1575
| 02 ديسمبر 2025