رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

هاشم عبدالله مستريحي

مساحة إعلانية

مقالات

0

هاشم عبدالله مستريحي

«بكم تعلو ومنكم تنتظر».. عهد متجدد بين الأمير وشعبه

09 ديسمبر 2025 , 04:00ص

لتسع سنوات خلت، وفي رحاب جامعة قطر، كتب حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، بيده عبارة صارت نبراسا: «بكم تعلو ومنكم تنتظر»، تجذرت هذه العبارة عميقا، ثم امتدت في الوجدان عقدا اجتماعيا وأخلاقيا بين قيادة ترى في شعبها رأس المال، وشعب يرى في قيادته بوصلة العلو واتساع الأفق. شعار قصير الألفاظ، بعيد المدى، يجمع بين الإقرار والانتظار: إقرار بأن قطر علت بإنسانها، وانتظار بأن يواصل هذا الإنسان حمل الرسالة، صونا للمنجز وزيادة فيه.

من جذور التاريخ تستمد الدوحة علوها وارتفاعها؛ فمنذ عهد المؤسس الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني، طيب الله ثراه، تبلور معنى الدولة الجامعة التي توحد ولا تفرق، وتحفظ السيادة ولا تساوم عليها، وتستند إلى أهلها في السلم والشدة معا. ثم جاء عهد الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، ففتح أبواب النهضة على مصاريعها: تعليم ينهض بالعقول، بنية تحتية تشق الطرق إلى الغد، إعلام فاعل، حضور دولي رشيد، واقتصاد يتسع من مورد إلى موارد. وفي هذا الامتداد الطبيعي تسلم الراية سمو الأمير تميم، فثبت الأصول، وجدد الوسائل، وأعاد الإنسان القطري، رجلا وامرأة، إلى صدارة الرؤية: هو الغاية، وهو الوسيلة، وهو الاسم الذي عليه تقاس الصورة التي ترى بها قطر في العالم. «بكم تعلو» ليست مجاملة عابرة، بل حقيقة مجربة: علت قطر بعرق العامل الذي يتقن، وبعلم الطالب الذي يبدع، وببصيرة المعلم والطبيب والمهندس والجندي والدبلوماسي، وبوفاء الأسرة التي تنشئ النشء على محبة الدين واللغة والوطن. و»منكم تنتظر» ليست تكليفا مثقلا، بل أمانة الارتقاء: أن نظل على مستوى ما بلغناه؛ أداء وانضباطا وأخلاقا ورقي تمثيل.

قطر اليوم، دولة في داخلها تعمر المكان وتهذب الذائقة، منظومة صحية وتعليمية تتقدم بثبات، إدارة عامة تحسن الخدمات وتيسر العيش الكريم، وهوية عربية إسلامية تصان من غير انغلاق ولا ادعاء. هنا يكون المواطن والمقيم معا شركاء البناء؛ فصورة الوطن تنسج من تفاصيل العمل اليومي: إتقان، انضباط، وصدق خدمة للناس.

اسم قطر اليوم يجوب سماء العالم، قرين الفاعلية: في الصحة والوقاية والرعاية، في التعليم والبحث والابتكار، في الطاقة والغاز، في الرياضة واستضافة المحافل الكبرى، ، في الإعلام والثقافة، وفي العمل الإنساني الذي يبلسم الجراح حيثما كانت. هذا الحضور ليس استعراضا؛ إنه ترجمة قيمة صارت جزءا من هوية الدولة.

وعند هذا المعلم يبرز وجه جوهري للشعار: دور قطر العالمي في إحلال السلام وإطفاء بؤر العنف والصراع. فالدوحة التي تشرع أبوابها للفرقاء، وتدفع إلى الموائد حين تتراجع لغة الكلام، وتفتح الممرات الإنسانية حين تغلق المعابر، انما تفعل ذلك تأسيسا لسلام يقوم على كرامة الإنسان. هكذا يفهم الشعار على المستوى الدولي: لقد علت قطر بميزان عدل واتزان، ومن أبنائها ينتظر أن يحملوا هذه السيرة في كل محفل وموضع تمثيل، ليكون القطري، حيثما حل، مرآة لعقل دولته ورحمتها. إن العهد الذي يقطعه الشعار ليس بين فرد وجماعة، بل بين أجيال تتعاقب على خدمة المكان ومعناه: من المؤسس الذي وضع اللبنة الأولى، إلى الأمير الوالد الذي وسع المدار، إلى الأمير المفدى الذي صاغ الرسالة بيده وأطلقها: لقد علت قطر بكم… ومنكم تنتظر. وما أجمل أن يقرأ اليوم الوطني بهذه العين؛ لا باعتباره يوما لذكرى ماضية، بل بوصفه موعدا سنويا لمراجعة الضمير: ماذا قدمنا لرفعة الدوحة؟ وهل كنا على قدر ما تنتظره منا؟

نحب قطر، لا لأنها قدر جغرافي ساقنا إليه الميلاد، بل لأنها معنى نبيل نختاره كل صباح: معنى العدل والرحمة والعلو بالعلم والعمل، معنى الكرامة التي لا تشترى، والسيادة التي لا تساوم، والانفتاح الذي لا يذيب الأصالة. ومن هذا الحب تصان الأمانة: أن يبقى علمها عاليا بعملنا، وأن تبقى صورتها زاهية بأخلاقنا، وأن يظل الغد الذي ننشده امتدادا مستقيما لـ «اليد التي كتبت» والقلوب التي لبت. هكذا يتجلى الشعار عهدا متجددا: «بكم تعلو ومنكم تنتظر» إقرارا بما كان، وتوسيما لما يكون، ووعدا بأن هذه الأرض ستظل تخرج من أبنائها ما يليق باسمها… وأن انتظارها منا لن يطول.

مساحة إعلانية