رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كثيراً ما نقرأ أو نسمع على وسائل الإعلام العالمية محاولات فهم المواقف القطرية تجاه الملفات الحارقة والأزمات المهددة بالتوسع ونشعر طبعا بالارتياح لما نسجله من موضوعية وأمانة في هذه المقاربات - إذا استثنينا القلة القليلة من الأبواق المأجورة ذات النوايا الهدامة التي لا تخفى على المتأمل الحصيف - ولفت نظري شرح قدمه أحد الأساتذة الخليجيين الدكتور محمد ظافر العجمي الأستاذ الكويتي للعلوم السياسية في جامعة الكويت في فيديو قال فيه: «قطر هي الوحيدة التي تشرع نوافذها لحركات التحرير فهي التي فتحت قبل انتهاء الحرب مكتبا لحركة طالبان مثلا بينما تصنف هذه الحركة لدى دول كثيرة على أنها منظمة إرهابية كما أن قطر هي الوحيدة من الجيران العرب التي فتحت في الدوحة مكتبا لحركة حماس قبل سنوات من الطوفان وانظروا إلى النتيجة حين مالت واشنطن للانسحاب من أفغانستان والتفاوض مع طالبان لم تجد سوى القناة القطرية ودبلوماسيتها النشيطة لتيسير تلك المفاوضات وإنقاذ الآلاف من الضحايا المحتملين من الأمريكان والأفغان (عشرون ألف قتيل أمريكي خلال عشرين سنة من الحرب مع خسارة الخزانة الأمريكية من أموال دافعي الضرائب لأكثر من 46 مليار دولار واستشهاد حوالي المليون أفغاني أغلبهم من سكان الجبال المزارعين وليسوا من المقاتلين المسلحين). وأضاف د. ظافر مؤكدا بأن الدوحة كانت دائما تطلع جميع الجهات على هذه العلاقات وهي تؤمن أن تلك النوافذ المفتوحة لا تصب في خانة طرف دون آخر، بل غاية قطر هي خدمة السلام والأمن الدوليين لا غير والحث على اتباع نهج المفاوضات والوفاق عوض الإسراع للحرب والحلول العسكرية وشهد الرأي العالمي على المباشر بفضل تلفزيون الجزيرة بقنواتها الخمسة مشاهد الانفراج بينما كانت الأزمة منذرة بالانفجار وحصد المزيد من الأرواح والمليارات المهدرة في حرب بلا نصر وبلا هزيمة أي مرشحة للتأبيد وحصد المزيد من الضحايا». ونحن نعتقد أن الذي يقوي المواقف القطرية ويكتب لها السلامة هو تمسك دولة قطر بمبادئ الشرعية الدولية والقانون الأممي الذي رغم هناته وزلاته يبقى السبيل الوحيد للخروج من دوامة العنف العبثية بأقل التكاليف مع حقن الدماء وتجفيف منابع العنف والإرهاب وهما اليوم يتسعان ويتعولمان (من العولمة) بسرعة الضوء بواسطة وسائل الاتصال الاجتماعية وتطور التكنولوجيا المذهل وانتشار المعلومة في حينها من أدنى الأرض إلى أقصاها بشكل آني مدهش.
** نحن نعلق على كلام الدكتور ظافر بالتذكير بتاريخ مشرف للدبلوماسية القطرية بتوجيه من قيادة الدولة بنفس المواقف أيام توسطت قطر في أزمة لبنان عام 2008 حين كان لبنان بلا رئيس بسبب استحالة توافق جميع الفصائل فدعا صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني كل الأطراف اللبنانية إلى اجتماع في الدوحة وتم ذلك في فندق شيراتون وكنت شخصيا مدعوا وعشت ذلك الجو من النقاشات والترددات والمطالبات حتى أن بعض الزملاء الإعلاميين كانوا يتندرون في قاعة الاتصال بالفندق زاعمين بأن سمو الأمير أمر بإغلاق أبواب الفندق إلى حين يتفقون وينتخبون رئيسا للجمهورية اللبنانية! وتم ذلك بالاتفاق على انتخاب الرئيس ميشال سليمان الذي ظل رئيسا من 2008 إلى 2014 بفضل اتفاق اللبنانيين أنفسهم وبفضل الجرأة القطرية وأميرها ووساطتهم المباركة التي يذكرها اللبنانيون بكل اعتزاز وفخر وانفرجت أزمة لبنان الشقيق واستقر اللبنانيون فترة من تاريخهم رمموا خلالها ما استطاعوا من أنقاض حرب أهلية مدمرة دامت 16 سنة وحصدت أرواحا من خيرة شباب هذه البلاد من كل الديانات والانتماءات بل وخلفت جراحا لم تندمل وذكريات لم تمح.
مع العلم بأن هذه المساندة القيمة للبنان تتواصل مع حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، حفظه الله. وكانت الزيارة التي أدتها سعادة السيدة لؤلؤة بنت راشد الخاطر وزيرة الدولة للتعاون الدولي إلى بيروت آخر المستجدات في العلاقات القطرية اللبنانية، حيث أكدت سعادتها على استمرار موقف قطر الراسخ والثابت تجاه لبنان وسيادته وحقه في المحافظة على أمنه، كما أدانت بشدة كل الاعتداءات ضد المدنيين قائلة بأن قوات الاحتلال الإسرائيلي لم تكن تستطيع توسيع رقعة الصراع لو أن المجتمع الدولي وقف وقفة جادة وحازمة أمام ما كان يحدث في غزة من مجازر وعمليات إبادة غير مسبوقة وأضافت في نفس السياق أنه تم إطلاق الجسر الجوي من الدوحة إلى بيروت وننوي خلال هذا الشهر إرسال عشر طائرات (سي 17) محملة بالمواد الطبية ومواد الإيواء والغذاء مؤكدة على أن دعم لبنان هو موقف قديم ومستمر وهو دعم كذلك لمؤسسات الدولة اللبنانية الوطنية والقوات المسلحة اللبنانية التي تلعب دورا محليا في هذا السياق.
** انتهى تصريح سعادة وزيرة الدولة في بيروت والذي نقلته قناة الجزيرة مباشرة وأعقبه الشكر الخالص الذي عبر عنه السيد نجيب ميقاتي باسم جميع اللبنانيين وتقديرهم للموقف القطري الناجع ودوره في تخفيف معاناهم اليومية ومواجهتهم لقوات الاحتلال الخارجة عن كل القوانين والأعراف ثم للحقيقة والتاريخ فدولة قطر بتوجيه من سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لا تكتفي بإعلان الموقف أو الدعم الدبلوماسي أو تفعيل الوساطة بل هي التي خصصت 100 مليون دولار لدعم الجنوب اللبناني كما كانت في فلسطين عوضت بـ 100 مليون دولار أولئك المساهمين في وكالة غوث اللاجئين (الأونروا) ثم انسحبوا منه تاركين أهل غزة في أوضاع إنسانية وصحية متردية مستجيبة في ذلك لنداء السيد الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة وهو الذي أطلق على دولة قطر اسم الدولة الأممية والشريكة الكاملة في تحقيق السلام.
** وقبل الختام لا بد أن أذكر عجائب التاريخ التي تقلب الموازين وتعيد تركيب الأحداث بمنطق نعجز عن فهمه فلبنان اليوم يجد نفسه في نفس وضع 2008 أي بلا رئيس ويكتشف اللبنانيون أن مصيرهم ليس بأيديهم بل ينتظر اتفاق باريس وواشنطن وهو أمر شبه مستحيل وهذا الوضع مريح لرئيس حكومة الاحتلال الذي يواصل قصف لبنان من شماله إلى جنوبه بجنونه العنصري وهو يهدد بمجازر شبيهة بما وقع لغزة رغم قوة حزب الله الذي هدد العدو بمخطط (هدهد).
العبرة من كل هذا هي غياب تنسيق عربي إسلامي شامل يحول أمتنا إلى قوة عظمى بين القوى تحمي مصالحها وتحرس حدودها وترفض العدوان والإذلال والخنوع. وهذا لعمري يرونه بعيدا ونراه قريبا لأن الله سبحانه قادر على نصرنا بالحق.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2292
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1200
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
792
| 10 ديسمبر 2025