رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. فاتن الدوسري

مساحة إعلانية

مقالات

978

د. فاتن الدوسري

الدول الصغيرة والتكنولوجيا العسكرية المتقدمة

12 يناير 2025 , 02:00ص

يمثل هاجس البقاء الأولوية الرئيسية للدول الصغيرة، فهي بسبب محدودية مقدراتها الوطنية، وافتقارها إلى عمق استراتيجي، في الأغلب الأعم غير قادرة على الدفاع عن نفسها ضد تهديدات خارجية من دول كبرى. وعادة أيضا عرضة لأطماع وتدخلات خارجية لا تنقطع. ومن ثم، تتبع عادة الدول الصغيرة استراتيجيات محددة أبرزها التحالف مع قوى كبرى لحماية بقائها وأمنها. فدول بحر الصين الجنوبي الصغيرة معظمها منخرط في تحالفات عسكرية مع الولايات المتحدة لحماية نفسها من الصين.

تشهد التكنولوجيا العسكرية طفرة هائلة مطردة، وستشهد طفرة أخرى أكثر تقدما في ظل التنامي المطرد لتقنيات الذكاء الاصطناعي. وتلك الطفرة-وفقا للخبراء العسكريين والاستراتيجيين- ستقلب موازين القوة العسكرية رأسا على عقب. إذ من ضمن ما سوف تحدثه هو رفع الكفاءة الدفاعية والردعية للدول الصغيرة بصورة غير مسبوقة. بل ربما ستساهم في تغيير ميزان القوى العسكرية بين بعض الدول الصغيرة وجيرانها الأقوياء، لصالح الأولى.

فالتطور التقني العسكري هو بمثابة أسلحة أو أدوات تعويضية للدول الصغيرة التي تفتقر بطبيعة الحال لعامل «الكم» لتكوين جيش كبير وقوي. إذ على سبيل المثال لا الحصر، تستطيع الدول الصغيرة تعويض نقص القوة البشرية أو قوة المشاة لديها عبر استخدام «الروبوتات المتقدمة المقاتلة» و «الطائرات دون طيار». وأحد الأمثلة الحديثة على ذلك كان عملية تفجيرات «أجهزة البيجر» التي نفذتها إسرائيل ضد حزب الله، والتي يراها الخبراء مؤشراً على بدء ما يسمى الجيل الخامس للحروب التي ستكون عبر الأسلحة التكنولوجية وفي إطار الفضاء التكنولوجي والسيبرانى.

وربما الأهم من ذلك، أن استحواذ الدول الصغيرة على التقنيات التكنولوجية والمعلوماتية الفائقة، وتكيفها عسكريا واستراتيجيا عبر خطة محكمة؛ سيساهم في تعزيز قوتها الدفاعية والردعية ضد أعدائها الأقوياء، وتعويض افتقارها عن العمق الاستراتيجي. إذ مثلا عبر التوظيف الفعال لتقنيات الهجوم والمراقبة من عن بعد؛ تستطيع الدول الصغيرة شل الأنظمة الصاروخية لأعدائها، أو تدميرها. وأيضا عبر التقنيات المتطورة في الفضاء السيبرانى، تستطيع اختراق الأنظمة الدفاعية المحصنة لأعدائها وإفساد الخطط العسكرية أو نوايا الهجوم بصورة استباقية.

وبالتالي، في إطار التطور التقني العسكري الفائق، أصبح التفوق يستند على الكيف أو المعيار النوعي، وليس «الكمي». فامتلاك دولة لأسطول محدود كهولندا والدنمارك لكنه مزود بأحدث التقنيات العسكرية، أكثر فاعلية وكفاءة من دول تمتلك أسطولا تقليديا يتكون من مئات السفن والبوارج الحربية.

وبدأت عدة دول صغيرة مؤخراً الانتباه لتلك المسألة وفي مقدمتها سنغافورة التي قامت بعملية تحديث شامل لقوتها العسكرية منذ 2009 تستند على توظيف أحدث التكنولوجيات المتطورة، وفي 2023، اعتمدت خطة موسعة لتوظيف الذكاء الاصطناعي في كل أجهزتها العسكرية. تايوان أيضا وبمساندة قوية من الولايات المتحدة، تفطنت إلى فاعلية الاعتماد على أحدث التكنولوجيات المتطورة، كخيار رئيسي ضد أية مساع صينية لضم تايوان بالقوة. وربما تدرك تايوان أن هذا التوظيف لن يردع الصين القوية تماماً عن خططها لضم الجزيرة، لكنه سيرفع من كلفة هذا الضم بصورة فادحة، وربما ستتمكن تايوان من ضرب منشآت صينية حساسة من عن بعد.

* خلاصة القول، سيقلب التطور التكنولوجي المطرد موازين القوة العسكرية رأسا على عقب، إذ أصبح التفوق العسكري مرهونا بمدى امتلاك التكنولوجيا المتقدمة وتطويرها بصورة مطردة، وليس بمدى امتلاك الأصول العسكرية التقليدية. ويتضح ذلك من الصراع المحتدم العنيف بين الدول الكبرى خاصة بين الصين والولايات المتحدة على التكنولوجيا. ومن ثم، قد اصبح بمقدور جميع الدول الصغيرة، لاسيما دول الخليج الغنية، تحقيق تفوق عسكري مطرد، وردع أعدائها بفاعلية عبر التركيز على التكنولوجيا المتقدمة وتوظيفها. وعليه أيضا، سيساهم ذلك في تخلص الدول الصغيرة من عبء الاستراتيجيات الأمنية التقليدية التي تنتقص من سيادتها وقرارها الخارجي.

مقالات ذات صلة

مساحة إعلانية