رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
عاد إلى ذاكرتي ووجداني كتاب الكواكبي هذه الأيام لأن هذا الرائد المصلح الكبير هو سوري ويعيش وطنه ومسقط رأسه (الشام) منعرجا أساسيا في تاريخه الحديث حيث انهار طغيان المتوحش بشار وبزغت شمس إصلاح عميق على أيدي القائد المؤقت أحمد الشرع كما أن أزمات العرب مستمرة وحارقة وتعلمون بأن مائة عام وربع تكتمل اليوم على وفاة المصلح العربي الجريء صاحب الكتاب الحدث (طبائع الاستبداد) عبد الرحمن الكواكبي رحمة الله عليه (1854..1902) أكثر من 100 عام مرت كذلك على صدور ذلك الأثر العظيم الذي نظّر قبل كتب أوروبا لأسباب التخلف وجذور التقهقر وحللها وفك آلياتها وحدد معطياتها وشخصها وقدم للعرب علاجها.. مائة عام تمر، ولا حياة لمن تنادي، لا الحكومات العربية ولا الجامعة العربية ولا الجامعات العربية ولا مراكز البحوث الاستراتيجية اغتنمت هذه الذكرى لإحياء هذا التراث العربي المتميز وقول كلمة حق في ذلك الرجل الأمين الذي دفع حياته ثمناً لقول الحق.. لا شيء كما قال عبد الرحمن الكواكبي نفسه في توطئة كتابه: «وهي كلمات حق وصيحة في واد، ان ذهبت اليوم مع الريح، لقد تذهب غداً بالأوتاد...». أعيد هذه الأيام قراءة كتاب الكواكبي ونحن في عام 2025 ولكن بعيون مختلفة فنحن العرب والمسلمين نمر بأدق محطات تاريخنا الحديث نواجه زلازل كتلك التي وصفها الله سبحانه في الآية 214 من سورة البقرة حين قال جل من قائل:» ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ إن مجتمعات العالم كلها تحتفي بذكريات رجال أقل شأناً من الكواكبي وأقل تأثيراً، بل ان مجتمعات أوروبا وامريكا واليابان والصين تقتنص كل ذكرى لإحياء أمجادنا وكنوز ماضينا البعيد والقريب بينما نحن قطعنا الصلة مع ذلك الفيض الرائع من الفكر الحر وأصبحنا أيتام حضارة بإرادتنا! ولد عبد الرحمن الكواكبي عام 1854 لأسرة عربية كريمة في مدينة حلب الشامية وتلقى علومه في المدرسة الكواكبية وعمل في الصحافة والمحاماة كما تقلد بعض المناصب الوظيفية وبدأ يجلب لنفسه السجون والاضطهاد ومصادرة المال والدار عندما كتب عن الاستبداد في الصحف. هاجر من حلب سنة 1900 وطاف الجزيرة العربية وشرقي أفريقيا والهند وأقصى الشرق، ثم استقر في مصر وفيها كتب «طبائع الاستبداد» كما كتب «أم القرى» وتوفي بالقاهرة عام 1902 ضحية سم دُس له في فنجان قهوة.. معيدا قصة أرسطو فيلسوف الاغريق وضحية الدفاع عن الحرية هو ايضاً. مع التذكير أن منافينا نحن واضطهادنا لا يختلف كثيرا عما كابده جدنا الكواكبي كما قال حفيده (سلام الكواكبي) من منفاه ومن الغريب ـ بل من العار على العرب ومؤسساتهم الثقافية ـ ان صدور الكتاب وطبعاته المتلاحقة كانت دائما بسعي نجله أسعد الكواكبي في الثلاثينيات وبسعي حفيده الدكتور عبد الرحمن الكواكبي في السبعينيات. وكانت جميع الطبعات تنفد حال نزولها للمكتبات والمعارض. واعتنت الثقافات الغربية بالكتاب فنشر بطبعات في مختلف اللغات وأدرجته الجامعات الاوروبية والامريكية في برامج دراساتها السياسية والاجتماعية كأحد أبرز آثار الفكر العربي الاصلاحي بل تتلمذت على الكواكبي ثلة من منظري علم الاجتماع السياسي في الغرب وأبرزهم الأستاذة (حانا أرندت) صاحبة كتاب الاستبداد الذي أصبح المرجع الأساسي للعلوم السياسية وهو المؤلف بعد ثمانين عاماً من كتاب الكواكبي. وإذا تأملنا في عصر الكواكبي وجدناه عصر نهضة عربية مباركة بحيث لم يأت كتاب طبائع الاستبداد من فراغ بل كأنما هو حلقة ضرورية الى جانب حلقات نهضوية تشكل سلسلة تمهيد لانطلاقة اسلامية شاملة. فقد صدر عام 1901 كتاب المرأة الجديدة لقاسم أمين وصدر كذلك كتاب الشيخ محمد عبده «الاسلام والنصرانية مع العلم والمدنية» وكتابه «الاسلام والرد على منتقديه» وأصدر مصطفى كامل صحيفة «اللواء» وفي المغرب العربي بدأت حركة اصلاحية تنشط ضد الاستعمار. كان ذلك المناخ الفكري كالتربة الصالحة لبذرة الكواكبي.. وهي البذرة الوحيدة التي لم تتحول الى سنبلة طيلة القرن لأن حركات الاصلاح تمكنت من طرد الاستعمار والابقاء على جذوة الاسلام السليم حية لكنها فشلت فشلاً ذريعاً في تطوير فكر الشورى ـ أي الديمقراطية ـ في بلاد العرب جميعا مما تسبب في نكبات وكوارث عربية قديمة وحديثة لانزال نحمل أوزارها الى اليوم فغياب الديمقراطية في نظري المتواضع أدى على الأقل الى نكبة الهزيمة العربية يوم 5 يونيو 1967 وكارثة الاحتلال العراقي للكويت يوم 2 أغسطس 1990. الى فتنة 11 سبتمبر 2001 وكل هذه المصائب إذا ما حللناها من زوايا السياسة والتربية والثقافة وجدناها نتيجة طبيعية للاستبداد بالرأي وعدم اشراك الناس في التفكير والتخطيط والحكم. وان الذي يبقى خالدا في رسالة الكواكبي ويصلح لهذا الزمن العربي العصيب هو تركيز (طبائع الاستبداد) على أمرين: الأول مؤامرة الغرب المستمرة على العرب والمسلمين وممارسة استبداد الجنس الأبيض على ما عداه والثاني قابلية العرب والمسلمين.. واستعدادهم المريض لتقبّل ذلك الاستبداد مخالفة منهم لفلسفة تراثهم الأصيل والمنادية بالمقاومة والفداء والاستقلال. يقول عبد الرحمن الكواكبي: «انه الاستبداد الذي يظل يرافق الحياة كلها بوجه عام والحكم بوجه خاص على تباين أثره وتفاوت شره فهو يشتد أو يضعف بقدر ما يخبو الوعي السياسي أو ينمو وبقدر ما يمحى التخلف أو يزداد وبقدر ما يصفو الفكر أو يتعكر وبقدر ما تظهر النزعات الوجدانية والمراحم الانسانية ومكارم الاخلاق أو تضمر..». ثم يتطرق المؤلف الى موضوع العلاقة بين الاستبداد والمال فيكون الكواكبي سباقا لعصرنا الراهن مستطلعا آفاق ارتباط الاستبداد كسلوك سياسي وثقافي بالمال كعصب محرك للمجتمعات. وبعد ذلك يحلل الكواكبي محور الاستبداد والاخلاق من منظور فلسفي عميق قل ان يدركه عالم متخصص، ثم يحلل علاقة الاستبداد بالتربية فالتربية لديه هي خميرة المجتمع وأساسه وعليها مسئولية تخريج جيل رافض للاستبداد. ثم هو في فصل الاستبداد والترقي وبعده في فصل الاستبداد والتخلص منه يقدم وصفة الحكيم المتمرس الأمين لتحقيق نهضة عربية واسلامية ديمقراطية تعتمد احترام رأي الأغلبية والحكم بفضائل الأخلاق وتجسيد المحاسبة والمراجعة والعزل كأدوات لمراقبة الحاكم حتى لا يستبد. وقد ختم الرجل كتابه بحكمة لابد ان نوردها «ان الله جلت حكمته قد جعل الأمم مسئولة من أعمال من تُحكمه عليها وهذا حق. فإذا لم تحسن أمة سياسة نفسها أذلها الله لأمة أخرى تحكمها كما تفعل الشرائع بإقامة القيّم على القاصر أو السفيه وهذه حكمة. ومتى بلغتْ أمة رشدها وعرفت الحرية قدرها استرجعت عزها.. وهذا عدل..». فكيف نعذر العرب على نسيان هذا الرجل وكتابه ونحن لم نجب على الأسئلة التي طرحها الكواكبي منذ قرن؟ وظللنا نعاني العلل نفسها بدرجات متفاوتة الى يوم الناس هذا.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن ما فعلته منصة (إكس) مؤخرًا مجرّد تحديثٍ تقني أو خطوةٍ إدارية عابرة، بل كان دون مبالغة لحظةً كاشفة. فحين سمحت منصة (إكس) بقرارٍ مباشر من مالكها إيلون ماسك، بظهور بيانات الهوية الجغرافية للحسابات، لم تنكشف حسابات أفرادٍ فحسب، بل انكشفت منظوماتٌ كاملة، دولٌ وغرف عمليات، وشبكات منظمة وحسابات تتحدث بلسان العرب والمسلمين، بينما تُدار من خارجهم. تلك اللحظة أزاحت الستار عن مسرحٍ رقميٍّ ظلّ لسنوات يُدار في الخفاء، تُخاض فيه معارك وهمية، وتُشعل فيه نيران الفتنة بأيدٍ لا نراها، وبأصواتٍ لا تنتمي لما تدّعيه. وحين كُشفت هويات المستخدمين، وظهرت بلدان تشغيل الحسابات ومواقعها الفعلية، تبيّن بوضوحٍ لا يحتمل التأويل أن جزءًا كبيرًا من الهجوم المتبادل بين العرب والمسلمين لم يكن عفويًا ولا شعبيًا، بل كان مفتعلًا ومُدارًا ومموّلًا. حساباتٌ تتكلم بلهجة هذه الدولة، وتنتحل هوية تلك الطائفة، وتدّعي الغيرة على هذا الدين أو ذاك الوطن، بينما تُدار فعليًا من غرفٍ بعيدة، خارج الجغرافيا. والحقيقة أن المعركة لم تكن يومًا بين الشعوب، بل كانت ولا تزال حربًا على وعي الشعوب. لقد انكشفت حقيقة مؤلمة، لكنها ضرورية: أن كثيرًا مما نظنه خلافًا شعبيًا لم يكن إلا وقودًا رقميًا لسياسات خارجية، وأجندات ترى في وحدة المسلمين خطرًا، وفي تماسكهم تهديدًا، وفي اختلافهم فرصةً لا تُفوّت. فتُضخ التغريدات، وتُدار الهاشتاقات، ويُصنع الغضب، ويُعاد تدوير الكراهية، حتى تبدو وكأنها رأي عام، بينما هي في حقيقتها رأيٌ مُصنَّع. وما إن سقط القناع، حتى ظهر التناقض الصارخ بين الواقع الرقمي والواقع الإنساني الحقيقي. وهنا تتجلى حقيقة أعترف أنني لم أكن أؤمن بها من قبل، حقيقة غيّرت فكري ونظرتي للأحداث الرياضية، بعد ابتعادي عنها وعدم حماسي للمشاركة فيها، لكن ما حدث في قطر، خلال كأس العرب، غيّر رأيي كليًا. هنا رأيت الحقيقة كما هي: رأيت الشعوب العربية تتعانق لا تتصارع، وتهتف لبعضها لا ضد بعضها. رأيت الحب، والفرح، والاحترام، والاعتزاز المشترك، بلا هاشتاقات ولا رتويت، بلا حسابات وهمية، ولا جيوش إلكترونية. هناك في المدرجات، انهارت رواية الكراهية، وسقط وهم أن الشعوب تكره بعضها، وتأكد أن ما يُضخ في الفضاء الرقمي لا يمثل الشعوب، بل يمثل من يريد تفريق الأمة وتمزيق لُحمتها. فالدوحة لم تكن بطولة كرة قدم فحسب، بل كانت استفتاءً شعبيًا صامتًا، قال فيه الناس بوضوح: بلادُ العُرب أوطاني، وكلُّ العُربِ إخواني. وما حدث على منصة (إكس) لا يجب أن يمرّ مرور الكرام، لأنه يضع أمامنا سؤالًا مصيريًا: هل سنظل نُستدرج إلى معارك لا نعرف من أشعلها، ومن المستفيد منها؟ لقد ثبت أن الكلمة قد تكون سلاحًا، وأن الحساب الوهمي قد يكون أخطر من طائرةٍ مُسيّرة، وأن الفتنة حين تُدار باحتراف قد تُسقط ما لا تُسقطه الحروب. وإذا كانت بعض المنصات قد كشفت شيئًا من الحقيقة، فإن المسؤولية اليوم تقع علينا نحن، أن نُحسن الشك قبل أن نُسيء الظن، وأن نسأل: من المستفيد؟ قبل أن نكتب أو نشارك أو نرد، وأن نُدرك أن وحدة المسلمين ليست شعارًا عاطفيًا، بل مشروع حياة، يحتاج وعيًا، وحماية، ودراسة. لقد انفضحت الأدوات، وبقي الامتحان. إما أن نكون وقود الفتنة أو حُرّاس الوعي ولا خيار ثالث لمن فهم الدرس والتاريخ.. لا يرحم الغافلين
873
| 16 ديسمبر 2025
يترقّب الشارع الرياضي العربي نهائي كأس العرب، الذي يجمع المنتخبين الأردني والمغربي على استاد لوسيل، في مواجهة تحمل كل مقومات المباراة الكبيرة، فنيًا وبدنيًا وذهنيًا. المنتخب الأردني تأهل إلى النهائي بعد مشوار اتسم بالانضباط والروح الجماعية العالية. كما بدا تأثره بفكر مدربه جمال السلامي، الذي نجح في بناء منظومة متماسكة تعرف متى تضغط ومتى تُغلق المساحات. الأردن لم يعتمد على الحلول الفردية بقدر ما راهن على الالتزام، واللعب كوحدة واحدة، إلى جانب الشراسة في الالتحامات والقتالية في كل كرة. في المقابل، يدخل المنتخب المغربي النهائي بثقة كبيرة، بعد أداء تصاعدي خلال البطولة. المغرب يمتلك تنوعًا في الخيارات الهجومية، وسرعة في التحولات، وقدرة واضحة على فرض الإيقاع المناسب للمباراة. الفريق يجمع بين الانضباط التكتيكي والقوة البدنية، مع حضور هجومي فعّال يجعله من أخطر منتخبات البطولة أمام المرمى. النهائي يُنتظر أن يكون مواجهة توازنات دقيقة. الأردن سيحاول كسر الإيقاع العام للمباراة والاعتماد على التنظيم والضغط المدروس، بينما يسعى المغرب إلى فرض أسلوبه والاستفادة من الاستحواذ والسرعة في الأطراف. الصراع في وسط الملعب سيكون مفتاح المباراة، حيث تُحسم السيطرة وتُصنع الفوارق. بعيدًا عن الأسماء، ما يجمع الفريقين هو الروح القتالية والرغبة الواضحة في التتويج. المباراة لن تكون سهلة على الطرفين، والأخطاء ستكون مكلفة في لقاء لا يقبل التعويض. كلمة أخيرة: على استاد لوسيل، وفي أجواء جماهيرية منتظرة، يقف الأردن والمغرب أمام فرصة تاريخية لرفع كأس العرب. نهائي لا يُحسم بالتوقعات، بل بالتفاصيل، والتركيز، والقدرة على الصمود حتى اللحظة الأخيرة.
717
| 18 ديسمبر 2025
يوماً بعد يوم تكبر قطر في عيون ناظريها من كأس العالم الذي أبهر وأدهش وأتقن، الى احتضان فعاليات كأس العرب. نعم نجحت قطر في جمع العرب في ملتقى استثنائي، بدأ بافتتاح مهيب وأسطوري اجتمعت فيه حضارة العرب وعاداتهم وأحلامهم ونجحت في تقديم فلسفة الاستاد خلال الأيام الماضية على أنه البيت العربي الكبير الذي يجمع العرب متجاوزين الحدود والفوارق. لقد تبيّن لنا أن هناك الكثير مما يجمع العرب، وليس حرف الضاد وحده، فها هي كرة قدم أظهرت أنهم يقفون ويستطيعون البناء وتقديم الأفضل، وأن هناك جيلا متفائلا يؤمن بالمستقبل وبأنه قادر على أن ينهض من تحت الركام، جيل جديد يتنفس عطاءً ويضع لبنات البناء الذي يعيد المجد لهذه الأمة. أما فلسطين فكانت حاضرة في هذا المهرجان الكروي، في تضامن ليس جديدا أو غريبا على قطر وشعبها، ولعل الأوبريت المؤثر حين جمع قصص الاناشيد الوطنية للدول العربية عبّر لكل الحاضرين والمشاهدين أن تحريرها ممكن وان وحدتنا ممكنة. قطر ومن جديد تجمع العرب في كأس العرب للمرة الثانية من المحيط الى الخليج في هذه الاحتفالية الكروية التي تعد الأكبر في العالم العربي، والسؤال الذي يطرح نفسه عن سرّ نجاح قطر مرة تلو الأخرى؟ لقد وضعت قطر بصمتها على خريطة العرب والعالم فأصبح يشار إليها بالبنان لما تمتلكه من قدرات استثنائية على استضافة الأحداث الرياضية الكبرى وتمثل كأس العرب فصلاً جديداً في هذا الإرث الرياضي الغني والمتنوع. قطر وخلال أعوام مضت وضعت رؤيتها، وحددت هدفها وسخرت امكاناتها، وبذلت كل ما تستطيع لتحقيق ما رأيناه من ترتيبات لإقامة كأس العالم على أرض صغيرة حجما، كبيرة بالفعل فكان لها ما أرادت واستقر الهدف وجاءت في هذه البطولة لتبني على ما تم انجازه وتعطي أكثر وأكثر. تمتلئ ملاعب قطر بالجماهير التي تحول ملاعب المونديال الأيقونية إلى مسرح جديد للإثارة الكروية العربية يستفيد فيها المشاركون والجماهير من منظومة متكاملة، أسست على أرقى المعايير البيئية العالمية، فهي لم تعتمد بناء ملاعب يطلق عليها مصطلح الأفيال البيضاء ببناء أبنية ضخمة لا داعي لها بل شيدت على مبدأ الاستدامة واستخدام أدوات صديقة للبيئة بحيث يمكن تفكيك وإعادة استخدام الملاعب وفق خطة مدروسة بمجرد الانتهاء منها سواء بإعادة تدويرها في مشروعات داخلية أو بالتبرّع بها وإهدائها إلى دول أخرى لرفع كفاءة منشآتها الرياضية إضافة الا أنها ملاعب بلا تدخين وملاعب يصدح فيها صوت الأذان انجاز مختلف ومقدر. يضاف إلى هذه الملاعب المونديالية، أنها استفادت من البنية التحتية الرياضية الواسعة التي أولت قطر اهتماما كبيرا بها بما في ذلك مرافق التدريب الحديثة، ومناطق المشجعين التي توفر تجربة ترفيهية متكاملة وفي نقطة تحسب لهذه الجهود تتضمن الملاعب خيارات أماكن مخصصة للمشجعين من ذوي الإعاقة. وهنا لا بد من ذكر تسهيلات حركة المشجعين من خلال شبكة منظمة من المواصلات فنجاحها يعد حجر الزاوية في انجاح البطولة فهي توفر شبكة نقل حديثة ومتكاملة تتمتع بسلاستها وفعاليتها مع وجود مترو الدوحة العمود الفقري للدوحة الذي يربط غالبية الملاعب والمناطق الحيوية في قطر خلال دقائق معدودة، بجانب منظومة نقل عام فعالة سلسة الحركة خلال الفعاليات الكبرى، فضلا عن طرق حديثة تساهم بصورة كبيرة في تقليل الازدحام وتعزيز انسيابية حركة الجماهير. وإلى جانب ذلك، يتوفر أسطول حديث من الحافلات الكهربائية الصديقة للبيئة لتقليل الانبعاثات الكربونية، وكذلك خدمة نقل عام مستدامة وفعالة تشمل "مترولينك"، والتي تتمثل في شبكة حافلات فرعية مجانية تربط بين محطات المترو والأماكن المحيطة. لقد ركزت قطر على الاستدامة عبر استخدام حافلات كهربائية وتقليل الاعتماد على السيارات الخاصة، وتوفير تجربة سلسة في نقل المشجعين مع الأخذ في الاعتبار احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة عند تصميم وسائل النقل والمحطات، وهو الأمر الذي يساعد على ترك إرث مستدام لقطر يعزز من مكانتها كمركز للفعاليات العالمية. وبينما تدار المباريات من جهة تقام مجموعة من الفعاليات الثقافية والترفيهية لتعزيز تجربة المشجعين وخلق أجواء إيجابية وبناء جسور بينهم حيث ترحب قطر بهم بطريقتها وبحسن وكرم الاخلاق والضيافة. أي انجاز هذا، خطوة ٌتحسب وتقدر ونقطةٌ بألف هدف، فقطر تربط استثمارها بالرياضة بتحقيق نمو اقتصادي وسياحي وفي نفس الوقت وفي هذا المحفل العربي الاخوي تزيل اسباب الفرقة وتقرب المسافات في تجمع لم نكن نراه او يشهد له في من سبقها من فعاليات لكأس العرب. أي انجازٍ هذا في أكبر تجمع عربي، إذا هي الارادة الجادة والحقيقية المنتمية، تغلفها الشجاعة والاقتدار الساعية لبث الخير. قطر لا تمتلك المال فقط، إنما هي تتبع قواعد النجاح وتركز على الإنسان وفكره وتطويره، لا تترك جهدا ً في الاستفادة من خبرات الآخرين والتعلم منها والبناء عليها، وتعطي الفرص وتمنح المساحات للعطاء لمن يريد من القطريين أو غيرهم ممن يعيشون على أرضها. من استاد ملعب البيت كان الافتتاح، ولن تكون النهاية، لقد أصبحت قطر على الدوام البيت الذي يجمع ولا يفرق يلم الجراح ويبث الطمأنينة. الأمل يحدونا لأن نزيد ما تم بناؤه فكريا وروحيا ومعنويا في قطر، وفي غيرها من شقيقاتها من الدول العربية والإسلامية، حتى نغدو منارة يهتدى بنا.
678
| 15 ديسمبر 2025