رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

الدكتور محمد مصطفى كوكصو

مساحة إعلانية

مقالات

645

الدكتور محمد مصطفى كوكصو

8 سنوات بعد المحاولة الانقلابية: تعزيز الدور وترسيخ المكانة

14 يوليو 2024 , 02:00ص

تحتفل تركيا هذه الأيام بمرور 8 سنوات على انتصار الشعب التركي على المحاولة الانقلابية الفاشلة التي قامت بها منظمة فيتو الإرهابية (FETÖ)، * وهي ليست منظمة إرهابية فحسب، بل هي أيضًا منظمة تجسس «بصبغة دينية» بقيادة فتح الله غولن* في الخامس عشر من يوليو/تموز 2016، في محاولة منها للعودة بالدولة وشعبها إلى المربع الأول حيث عدم الاستقرار السياسي والأمني تحت الانقلابات العسكرية التي عانت منها البلاد عقوداً ممتدة، في ظل الممارسات التي تقوم بها هذه المنظمة تحت ستار الدين والتعليم.

كانت هذه المحاولة الغادرة تريد عزل تركيا عن محيطها الإقليمي وتحجيم دورها الكبير الذي تتطلع إليه الشعوب المظلومة، ومن ثم تعود دولة هامشية غير مؤثرة، ولم تكن خطة الانقلاب صناعة محلية فقط، فهناك العديد من الشواهد التي تشير إلى تورط العديد من الأطراف الدولية فيها، لكن وقفة الشعب التركي البطولية في تلك الليلة أجهضت هذه المؤامرة وحافظت على الدولة ومقدراتها من الانهيار.

فالشعب التركي الأبي لم ينس نتائج الحكم العسكري، كما لم ينس الآلاف من ضحايا الانقلابات السابقة بين شهيد ومعتقل، فقرر ألا يسمح بتكرار تلك المأساة، وواجه مدرعات الانقلابيين بصدور عارية، ونجح في طردها من الأماكن التي استولت عليها، مدعوما بقوات الشرطة والقوات المسلحة التي رفضت الانحياز للانقلابيين، مع وجود قيادة حازمة واعية، قادت الشعب بعزم وثبات وكانت في قلب المواجهة.

إن هذه المحاولة الفاشلة التي سقط بسببها نحو 250 شهيدًا، واكثر من 2000 مصاب ممن قدموا أرواحهم ودماءهم دفاعاً عن الوطن، كشفت للجميع أنها لم تكن تستهدف فقط شخص الرئيس رجب طيب أردوغان أو أركان حكومته فحسب، بل كانت تستهدف الديمقراطية التركية بوجه عام، تلك الديمقراطية التي أصبحت نموذجًا ملهمُا للعديد من شعوب ودول المنطقة، وهو ما شهده العالم شرقه وغربه في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي تمت في مايو/ أيار 2023، وكذلك في الانتخابات البلدية التي تمت في مارس/ آذار 2024، والتي كانت مثالاً حياً على التنافسية والتعددية والنزاهة والشفافية، بدليل تأرجح النتائج بين لحظة ولحظة، ودليلاً على وعي الشعب وقدرته على الدفاع عن حريته وحرصه على التعبير عن رأيه، في تجربة تشهد أعلى نسبة مشاركة في العالم المعاصر.

ولولا صلابة النظام السياسي والاجتماعي التركي، ومن خلفه الشعب الواعي، ما استطاعت مؤسسات الدولة إدارة تداعيات كارثة الزلزال الذي شهدته البلاد في فبراير/ 2023، والتي نالت من أمن وأمان الملايين، لكن القيادة السياسية والمدنية الواعية، وتكاتف الشعب بكل فئاته ومكوناته، كان حائط صد قويا في مواجهة الكارثة، وقبل أن يمر العام الأول بعد الكارثة كان فخامة الرئيس في مناطق الزلزال يقوم بتسليم الأهالي، مساكنهم الجديدة، وما كان هذا ليحدث بهذه السرعة والكفاءة والفاعلية لو كانت المحاولة الانقلابية قد نجحت، ودمرت منجزات الدولة ومؤسساتها.

وعلى الرغم من التداعيات السلبية للمحاولة الانقلابية، وخروج مليارات الدولارات من البلاد، وتداعيات أزمة كورونا العالمية، وكارثة الزلزال، ها هو ذا الاقتصاد التركي يواصل نموه وتطوره بين أكبر 20 اقتصادًا على مستوى العالم، وتخرج تركيا من الدائرة الرمادية في التصنيفات الاقتصادية، ورفعت المؤسسات الدولية توقعاتها لمعدل النمو في تركيا خلال العام الجاري 2024، كما قفزت الصادرات التركية خلال العام 2023 لتصل إلى 260 مليار دولار.

وعادت تركيا لتشهد تدفقًا للسياح من كل بقاع العالم، حيث كانت وستظل وجهتهم المفضلة، وخاصة مع حرص القيادة التركية على التصدي للحالات الفردية التي تسعى لتشويه صورة البلاد وتستهدف ضرب علاقات تركيا مع إخوانها العرب، الذين تربطنا بهم علاقات الدين والتاريخ والمصير المشترك، وتكشف الأرقام الرسمية أن عدد السائحين الذين زاروا تركيا خلال الأشهر الخمسة الأولى من 2024 نحو 18 مليون سائح.

وبجانب الدور الذي يقوم به قطاع السياحة في الاقتصاد التركي، مثّلت اكتشافات الغاز وبدء التشغيل، وربطه بشبكات التشغيل بارقة أمل في استقلال مصادر الطاقة وتنوعها، وتبشر الاستكشافات المستمرة بالمزيد من آبار الغاز الطبيعي الواعدة في البحر الأسود والبحر المتوسط.

وفي مجال الدفاع، تنامت الصناعات العسكرية التركية لتُؤَمِّن احتياجات البلاد، بل وتقتحم مجال التصدير، حتى أصبحت العديد من البلدان الحليفة والصديقة تسعى لامتلاك السلاح المُصنّع في تركيا، ولعل تنامي الطلب الدولي على الطائرات التركية المسيّرة (بيرقدار) أكبر شاهد على ذلك، كما تم إجراء تجارب الطيران الناجحة لمقاتلتنا الحربية الوطنية «كان « (KAAN)، التي ستدخل الخدمة في السنوات القادمة لتعزز من صقور قواتنا الجوية، كما انطلقت في سمائنا «كيزل ألما» (KIZIL ELMA) أول مسيرة نفاثة محلية الصنع، لتلحق قريبا بالمسيرات التي دخلت الخدمة فعليا في جيشنا «آقينجي» (AKINCI) و»آق صونغور» (AKSUNGUR)، كما دخلت إلى الخدمة أكبر قطعة حربية في أسطول قواتنا البحرية «تي سي جي أناضولو» (TCG Anadolu) كأول حاملة طائرات تركية محلية الصنع بتكنولوجيا فائقة التطور، وتنامت الصناعات العسكرية لتأمين احتياجات البلاد، مع التوسع الكبير في مجال التصدير.

كما شهدت تركيا في السنوات الثماني الماضية نهضة عمرانية كبيرة تخللها إطلاق العديد من المشروعات المهمة، منها اكتمال جسر تشاناكالي 1915 (Çanakkale Köprüsü 1915) كأطول جسر معلق في العالم، فوق مضيق الدردنيل، ونفق أوراسيا (Avrasya Tüneli) الذي يربط الجانبين الأوروبي والآسيوي لإسطنبول تحت مياه مضيق البوسفور، وبجانب الاهتمام بمشروعات البنية التحتية في قطاع النقل، كان الاهتمام بالصناعات التكنولوجية، وجاء تدشين أول سيارة كهربائية تركية الصنع (توغ - TOOG) نهاية العام 2023.

على الصعيد الدبلوماسي، عززت تركيا من دبلوماسيتها النشطة القائمة على أساس من الاحترام المتبادل، وإرساء مبدأ الحوار الثنائي، وتمد بلادنا يد المحبة والسلام لشعوب العالم وللحكومات والمؤسسات الدولية، حتى وصل عدد البعثات الدبلوماسية التركية في الخارج 261 بعثة، تتوزع بين 146 سفارة، و99 قنصلية عامة، و13 ممثلية دائمة، لتصبح تركيا بهذا العدد الضخم من البعثات خامس أكبر شبكة دبلوماسية في العالم، مع إعطاء أولوية وأهمية كبيرة في العمل الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي للمنطقة العربية بصفة عامة، ومنطقة الخليج بصفة خاصة، والتأكيد الدائم على أمن هذه المنطقة من أمن تركيا وإحدى الدوائر الأساسية لعمقها الاستراتيجي.

وفي إطار هذه الدبلوماسية النشطة تدعو تركيا دائمًا لتشكيل دعائم نظام عالمي جديد، ينهي الهيمنة ذات القطب الأوحد، «فقد قالها وكررها مراراّ فخامة الرئيس أردوغان: العالم أكبر من خمسة»، ويؤسس لعالم خال من بؤر الإرهاب وظلم الشعوب واحتلالها ونهب ثرواتها، وعززت تركيا هذه التوجهات باعتبارها ثاني أكبر دولة في العالم من حيث حجم المساعدات الإنسانية مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي.

وتؤكد تركيا في علاقتها دائما على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها، والتأكيد على احترام قواعد القانون الدولي، لذلك جاء انضمام تركيا إلى الدعوى التي حركتها دولة جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، حتى يكون للقانون القول الفصل فيما قامت به قوات الاحتلال من انتهاكات ضد الفلسطينيين وخاصة في قطاع غزة.

وتأكيداً على الدعم التركي الكامل لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، لم تتوقف الجهود السياسية والدبلوماسية بقيادة فخامة الرئيس ووزير خارجيتنا، على مختلف المسارات ومع كل الأطراف، سعيًا نحو الوصول إلى وقف إطلاق النار والحل الدائم للقضية الفلسطينية.

وهنا تجدر الإشارة إلى التنسيق الكامل والدائم بين تركيا وقطر منذ اندلاع الأزمة، في جهود الوساطة وعمليات الإغاثة وتبادل الأسرى، وصولاً إلى ترتيبات إعادة الإعمار.

وبجانب الجهود الدبلوماسية، كانت تركيا أكبر دولة في العالم من حيث حجم المساعدات الإنسانية التي دخلت قطاع غزة، حيث بلغت نسبتها 32% من إجمالي هذه المساعدات.

عودة لذي بدء، ومع مرور 8 سنوات على هذه المحاولة الانقلابية الفاشلة، نستذكر شهداءنا الأبرار الذين ضحوا بحياتهم من أجل وطننا العزيز، وسطّروا بدمائهم الذكية طريقا لا نحيد عنه، في الدفاع عن أمن الوطن والمواطنين، والدفاع عن حريتهم وكرامتهما.

ونستذكر أيضاً بكل التقدير والعرفان، وقفة دولة قطر الشقيقة بقيادة صاحب السمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الذي كان أول زعيم عربي يتصل بفخامة الرئيس أردوغان، مؤكدا رفضه لمحاولة الانقلاب، ودعمه الكامل لتركيا، وهو الموقف الذي تبناه الشعب القطري الأصيل، وشعر به إخوانهم الأتراك الذين يكنون لدولة قطر وشعبها مكانة خاصة، تحمل كل التقدير والعرفان والمودة والاحترام.

مساحة إعلانية