رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

أيمن عبد الرازق

مساحة إعلانية

مقالات

366

أيمن عبد الرازق

متى يعيد التاريخ نفسه؟ من عين جالوت إلى أطماع «إسرائيل الكبرى»

14 أغسطس 2025 , 02:35ص

أكثر من 760 عامًا تفصلنا عن نصر المماليك على المغول في معركة عين جالوت، لكن أصداء التاريخ تعود اليوم مع إعلان بنيامين نتنياهو «مهمته التاريخية» لإقامة «إسرائيل الكبرى». فهل تجد الأمة قائدًا جديدًا يعيد مجد الماضي؟

النصر الذي غيّر وجه التاريخ

في الثالث من سبتمبر/أيلول عام 1260، كانت سهول عين جالوت في فلسطين مسرحًا لحدث تاريخي حاسم. نجح السلطان المملوكي سيف الدين قطز في تحقيق نصر ساحق على جيش المغول بقيادة كتبغا، ليوقف المدّ المغولي الذي كان يهدد بابتلاع العالم الإسلامي.

جاء هذا النصر بعد سلسلة من الكوارث التي عصفت بالمنطقة. فقد سقطت بغداد عام 1258 وقُتل آخر خلفاء بني العباس، ثم اجتاح المغول بقيادة هولاكو خان معظم مدن الشام. وفي ذروة التهديد، أرسل هولاكو رسالة تهديد متغطرسة إلى قطز، جاء فيها: «إنا نحن جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه، وسلطنا على من حلّ عليه غضبه».

لكن قطز، الذي أدرك أن المواجهة حتمية، رفض الاستسلام وأعدم رسل المغول، مُعلنًا بذلك عزمه على المقاومة حتى النهاية. لقد كان هذا القرار بمثابة نقطة تحوّل، ليس فقط لمصر، بل للأمة الإسلامية بأسرها.

استراتيجية النصر

لم يكن انتصار قطز وليد الصدفة، بل نتاج استراتيجية محكمة قامت على عدة عوامل رئيسية:

 * التعبئة الشاملة: حوّل التهديد المغولي إلى قضية مصيرية للأمة، مما مكّنه من حشد كافة الموارد البشرية والعسكرية المتاحة.

 * الوحدة العسكرية: نجح في توحيد الإمارات الأيوبية المتفرقة في الشام تحت القيادة المملوكية، متجاوزًا الخلافات السابقة.

 * القيادة الميدانية: قاد المعركة بنفسه، مما رفع من معنويات جنوده وأكد على جدية المواجهة.

 * الذكاء الاستخباراتي: اعتمد على شبكة معلومات دقيقة مكنته من اختيار التوقيت والمكان المناسبين لخوض المعركة الحاسمة.

أطماع «إسرائيل الكبرى»

بعد أكثر من سبعة قرون ونصف، تتردد أصداء مماثلة اليوم. فقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن اعتقاده بأنه في «مهمة تاريخية وروحية»، مؤيدًا «رؤية إسرائيل الكبرى». ووفقًا للمزاعم الإسرائيلية، تشمل هذه الرؤية مناطق واسعة تضم الأراضي الفلسطينية المحتلة وأجزاء من الأردن ولبنان وسوريا ومصر.

تأتي هذه التصريحات في سياق تصعيد متواصل، حيث أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجديد إيال زامير أن عام 2025 «سيكون عام حرب». وفي خطوة تعكس هذا التوجه، أوصت لجنة ناغيل بزيادة الإنفاق العسكري بـ15 مليار شيكل سنويًا، في دلالة واضحة على الاستعداد لمواجهات قادمة.

واقع معقّد وتحديات جديدة

لكن الواقع المعاصر يكشف عن تعقيدات لم تكن موجودة في عهد قطز. فبينما كان الأخير يقود دولة موحدة تعبر عن إرادة شعبها، نجد اليوم بعض الأنظمة في المنطقة تتبنى سياسات لا تتوافق مع تطلعات شعوبها ومصالحها التاريخية. هذا الانفصال بين الإرادة الشعبية والسياسات الرسمية يخلق فجوة عميقة، ويجعل الحاجة ماسّة إلى قيادة جديدة تعبّر عن ضمير الأمة وتطلعاتها نحو التحرر والكرامة.

الشعوب في انتظار التغيير

على الرغم من التحديات المعقدة، فإن الأمل في الشعوب العربية والإسلامية لا يزال متقدًا. ففيها تكمن قوة متجددة ووعي متزايد، كما يثبت التاريخ أن الخير باقٍ في هذه الأمة إلى يوم الدين. إن روح المقاومة التي جسّدها قطز في الماضي لم تنطفئ، بل هي حاضرة في قلوب الملايين وتطلعاتهم للحرية والكرامة. لقد أظهرت الشعوب مرارًا وتكرارًا، عبر مواقف التضامن والرفض، أنها قادرة على قلب الموازين متى ما وجدت من يوحدها ويستثمر طاقتها الكامنة. وكما جمع قطز الصفوف المشتتة لمواجهة الخطر المغولي، فإن الأمة اليوم تنتظر قائدًا يدرك هذه القوة الشعبية ويجمع شتاتها تحت راية واحدة لتحقيق النصر.

خلاصة

التاريخ لا يعيد نفسه بالضبط، لكنه يكرر دروسه الأساسية. وكما تحطمت أحلام الهيمنة المغولية على صخرة عين جالوت، فإن مشاريع «إسرائيل الكبرى» قد تواجه مصيرًا مشابهًا عندما تجد الأمة قيادتها الحقيقية التي تعبّر عن إرادتها وتوحّد صفوفها.

إن الشعوب العربية والإسلامية تنتظر، والتاريخ يُكتب كل يوم من جديد، وتبقى عين جالوت شاهدة على أن النصر ممكن عندما تتوحد الإرادة وتصدق العزيمة. فهل ستعيد الأمة كتابة التاريخ؟

مساحة إعلانية