رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في خضم هذا العالم المتصارع، حيث لا مكان إلا للأقوياء، تبرز الحاجة الملحة إلى قوة جماعية تصون الوجود، وتحمي المصالح، وتواجه التحديات الكبرى.
هذه القوة، في سياقنا العربي والإسلامي، لا يمكن أن تنبع من الكيانات المجزأة، بل من الأمة بمفهومها الواسع: أمة تجمعها اللغة، ويشدّها الدين، وتوحدها المصالح، ويربطها التاريخ والمصير. لقد كانت هذه الأمة، في لحظات نادرة من وعيها، قادرة على أن تهز أركان الطغيان وتلهم الشعوب. لكنها سرعان ما تراجعت وتبعثرت في زحام ما سُمي بـ”الأوطان”، حتى أصبحت الفواصل السياسية والجغرافية حاجزاً دون أبسط أشكال التضامن. فالوطنية، التي كان يمكن أن تكون ركيزة للبناء الداخلي، تحولت في التجربة العربية إلى أداة لتفكيك الأمة لا لتعزيزها. وبدلاً من أن تكون خطوة في طريق نهضة الأمة، أصبحت نقيضاً لها.لقد طُبِّع هذا الواقع في الثقافة والإعلام والسياسات، فصار كل شعب ينظر إلى قضاياه وكأنها تخصه وحده، وتحوّل الألم الجماعي إلى صدى خافت لا يتجاوز حدود الوطن. حتى القضايا الكبرى التي تمس الكل، كالقضية الفلسطينية والعدوان على غزة، لم تعد قادرة على استنهاض الجماهير كما كانت من قبل، ولا على تحريك أنظمة سُجنت داخل حدودها، واكتفت بالبيانات والمناشدات.
وربما لا يمكن إنكار أن جزءاً من فقدان الثقة بمفهوم الأمة يعود إلى التجارب المريرة التي خضناها مع أنظمة رفعت شعار (الأمة)! من قادة أو أحزاب أو تجمعات. لكنها استخدمت الشعار، في كثير من الأحيان، كأداة للتعبئة العاطفية، لا كمرجعية فعلية لبناء مشروع حضاري جامع. بل تم توظيفه لخدمة أجندات سلطوية وتطلعات شخصية، أو أيديولوجيات ضيقة، أو مغامرات سياسية غير محسوبة، دفعت الأمة ثمناً باهظاً لها من حاضرها ومستقبلها. وهكذا، تآكل المفهوم في الوعي الشعبي، وصار يُنظر إليه بريبة أو سخرية، بعد أن أفرغته الممارسة من مضمونه، واستُخدم كغطاء للهزائم بدل أن يكون منارة للنهضة!.
لكن فشل الأشخاص لا يعني فشل الفكرة، كما ان الخذلان الذي أصابنا من تجارب مشوهة لا يجب أن يدفعنا لدفن المعنى النبيل للأمة، بل لإعادة بنائه على أسس صلبة: من الصدق، والمسؤولية، والتكامل، والتشاركية، لا على الشعارات الجوفاء والولاءات الشخصية.وما يغيب عن كثيرين أن العالم لا يحترم إلا القوي، والقوة لا تصنعها الصدفة ولا الشعارات، بل تصنعها العصبة، والتكتل، والتحالف، والشعور بالانتماء إلى كيان أكبر من حدود رسمها الاستعمار وقنّنها الواقع المفروض. والغرب، الذي يتقن أدوات الهيمنة، يعرف ذلك جيداً، فيصنع تكتلاته (كالناتو، والاتحاد الأوروبي)، بينما نحن لازلنا نحتفظ بالجامعة العربية، وحتى بمنظمة التعاون الإسلامي وغيرها ونحتفي عادة بالقمم العربية او الإسلامية، لكن دون فعالية أو أثر.
إن ضياع الأمة لم يكن قدراً، بل نتيجة خيارات سياسية وثقافية وتربوية، ربما حان وقت مراجعتها، في زمن تعاظمت فيه التحديات وانحسرت فيه خيارات التصدي والمواجهة، فما أحوجنا اليوم إلى صحوة تعيد للأمة مكانتها وسط هذا الضجيج، لا لتذيب الأوطان فيها، بل لتجعل من كل وطن لبنة معتبرة في صرح الأمة القوية.
لقد آن الأوان لنُعيد تعريف مفهوم الانتماء، فالوطن عزيز، نعم، لكن الوطن بلا أمة، بلا سند أوسع، بلا عمق استراتيجي في الأرض والوجدان، يظل مكشوف الظهر ويغري المهووسين بالقوة إلى التعدي والارهاب. أما الأمة، فهي الحضن الذي يعطي للوطن قيمة ومعنى وقدرة على البقاء، ببساطة الأمة هي الرؤية، أما الوطن فهو الموقع، ولا قيمة بالطبع للموقع إن لم يتصل برؤية في افقها الواسع الرحيب.
لاشك المخاطر الداهمة تتخطى الأوطان إلى الأمة ووجودها، وبضمنها الاقليم والمنطقة العربية الخليجية، لهذا اصبح كل بيت وكل فرد فينا سواء كان في القاهرة، او بغداد، والرياض، والجزائر، او دمشق، والرباط معنياً بهذا التهديد، كما لو أن الصواريخ تسقط على جدرانه، والحال بعد العدوان على قطر في التاسع من ايلول سبتمبر ليس كما كان قبله، وقد برهن مجرم الحرب نتنياهو الفالت من العقوبة عملياً على مدى جديته وبكل صلافة في رسم الشرق الأوسط وفق رؤيته التوراتية! بل واصل تهديداته حتى بعد فشل الغارة الغادرة بقوله «رسالتي إلى الدول التي تؤوي (من وصفهم بالإرهابيين) أن يطردوا هؤلاء او يقدموهم للمحاكمة او سنفعل ذلك بأنفسنا»، ليس هذا فحسب، بل إن رئيس الكنيست الاسرائيلي أمير روحانا لم يتردد هو الآخر في إطلاق تصريح مشابه على العدوان الغادر على قطر بقوله «إنه يحمل رسالة للشرق الأوسط بأسره»!، لهذا ليس مقبولاً عد العدوان الهمجي على غزة كأنه قضية تخص الفلسطينيين، ولا العدوان الإرهابي على قطر يخص القطريين وحدهم، وهذا الناطق الرسمي باسم مجرم الحرب نتنياهو يؤكد ذلك وهو يسخر من الانتقادات التي وجهت إلى العدوان «الفاشل» بقوله «إن إسرائيل استعادت قوتها وقدرتها على الردع وإن جميع جيراننا في الشرق الأوسط يراقبون المشهد بخوف بالغ».
غدا وبعد غد يلتقي القادة في العالمين العربي والإسلامي في الدوحة في مؤتمر طارئ للتشاور في الرد المناسب على الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على دولة قطر وهي ليست مناسبة بروتوكولية او احتفالية عادية، بل فرصة واعدة للاتفاق على مسار جديد يردع الكيان الغاصب من التمادي في صلفه واستهتاره، وهو المطلوب الذي افتقدته القمم العربية الإسلامية سابقا.
أيها القادة والزعماء
شعوبكم تنتظر منكم موقفاً صلباً موحداً، يعيد الثقة بمؤتمرات القمة، يتضمن رسالة واضحة لا لبس فيها أن:
* دولة قطر ليست وحدها بل نحن معها في المنشط والمكره.
* لا نتخلى عن ثوابت الأمة ولا نساوم على أرض الرباط (فلسطين).
* لا تراجع عن مطلبنا في وقف العدوان على غزة فوراً.
* لابد أن يدفع المعتدي الإسرائيلي ثمن عدوانه وإرهابه.
فلا تخذلوهم.... فلا تخذلوهم …..
في خطابه السنوي أمام مجلس الشورى استهل حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد... اقرأ المزيد
198
| 22 أكتوبر 2025
لم يعد مشهد الاحتجاجات والحراك الشبابي مفاجئًا لنا وللمراقبين في عالمٍ يتغير بسرعة مذهلة، وحيث تتقاطع الأزمات الاقتصادية... اقرأ المزيد
276
| 22 أكتوبر 2025
جاء خطاب حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، في افتتاح دور الانعقاد... اقرأ المزيد
114
| 22 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
● سياسي من العراق
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين لم يتقنوا الجلوس في أماكنهم. كم من مقعدٍ امتلأ جسدًا، وظلّ فارغًا فكرًا، وإحساسًا، وموقفًا. الكرسي لا يمنح الهيبة، بل من يجلس عليه هو من يمنح المكان معناه. المدرب… حين يغيب التأثير: المدرب الذي لا يملأ مقعده، هو من يكرّر المعلومات دون أن يُحدث تحولًا في العقول. يشرح بجمود، ويتحدث بثقة زائفة، ثم يغادر دون أن يترك بصمة. الحل أن يفهم أن التدريب رسالة لا مهنة، وأن حضوره يقاس بتغيير الفكر والسلوك بعده. وعندما يغيب هذا الإدراك، يتحول التدريب إلى ترفٍ ممل، ويفقد المجتمع طاقاته الواعدة التي تحتاج إلى من يشعل فيها شرارة الوعي. المدير… حين يغيب القرار: المدير الذي لا يملأ كرسيه، يهرب من المسؤولية بحجة المشورة، ويُغرق فريقه في اجتماعات لا تنتهي. الحل: أن يدرك أن القرار جزء من القيادة، وأن التردد يقتل الكفاءة. وعندما يغيب المدير الفاعل، تُصاب المؤسسة بالجمود، وتتحول بيئة العمل إلى طابور انتظار طويل بلا توجيه. القائد… حين يغيب الإلهام: القائد الذي لا يملك رؤية، لا يملك أتباعًا بل موظفين. الحل: أن يزرع في فريقه الإيمان لا الخوف، وأن يرى في كل فرد طاقة لا أداة. غياب القائد الملهم يعني غياب الاتجاه، فتضيع الجهود، ويضعف الولاء المؤسسي، ويختفي الشغف الذي يصنع التميز. المعلم… حين يغيب الوعي برسالته: المعلم الذي يجلس على كرسيه ليؤدي واجبًا، لا ليصنع إنسانًا، يفرغ التعليم من رسالته. الحل: أن يدرك أنه يربّي أجيالًا لا يلقّن دروسًا. وحين يغيب وعيه، يتخرّج طلاب يعرفون الحروف ويجهلون المعنى، فيُصاب المجتمع بسطحية الفكر وضعف الانتماء. الإعلامي… حين يغيب الضمير: الإعلامي الذي لا يملأ كرسيه بالمصداقية، يصبح أداة تضليل لا منبر وعي. الحل: أن يضع الحقيقة فوق المصلحة، وأن يدرك أن الكلمة مسؤولية. وعندما يغيب ضميره، يضيع وعي الجمهور، ويتحول الإعلام إلى سوقٍ للضجيج بدل أن يكون منارة للحق. الطبيب… حين يغيب الإحساس بالإنسان: الطبيب الذي يرى في المريض رقمًا لا روحًا، ملأ كرسيه علمًا وفرّغه إنسانية. الحل: أن يتذكر أن الطب ليس مهنة إنقاذ فقط، بل مهنة رحمة. وحين يغيب هذا البعد الإنساني، يفقد المريض الثقة، ويصبح الألم مضاعفًا، جسديًا ونفسيًا معًا. الحاكم أو القاضي… حين يغيب العدل: الحاكم أو القاضي الذي يغفل ضميره، يملأ الكرسي رهبة لا هيبة. الحل: أن يُحيي في قراراته ميزان العدالة قبل أي شيء. فحين يغيب العدل، ينهار الولاء الوطني، ويُصاب المجتمع بتآكل الثقة في مؤسساته. الزوج والزوجة… حين يغيب الوعي بالعلاقة: العلاقة التي تخلو من الإدراك والمسؤولية، هي كرسيان متقابلان لا روح بينهما. الحل: أن يفهما أن الزواج ليس عقداً اجتماعياً فحسب، بل رسالة إنسانية تبني مجتمعاً متماسكاً. وحين يغيب الوعي، يتفكك البيت، وينتج جيل لا يعرف معنى التوازن ولا الاحترام. خاتمة الكرسي ليس شرفًا، بل تكليف. وليس مكانًا يُحتل، بل مساحة تُملأ بالحكمة والإخلاص. فالمجتمعات لا تنهض بالكراسي الممتلئة بالأجساد، بل بالعقول والقلوب التي تعرف وزنها حين تجلس… وتعرف متى تنهض.
4803
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل في ترتيبِ الأولويات؛ لأن المفارقةَ تجرحُ الكرامةَ وتؤلمُ الروحَ أكثرَ من الموت. ففي الوقتِ الذي كانتْ فيهِ الأمهاتُ يبحثنَ بينَ الركامِ عن فلذاتِ أكبادِهِنَّ أو ما تبقّى منهُم، كانتْ إسرائيلُ تُحصي جثثَها وتُفاوِضُ العالمَ لتُعيدَها قبلَ أن تسمحَ بعبورِ شاحنةِ دواءٍ أو كيسِ طحينٍ. وكأنَّ جُثثَ جنودِها تَستحقُّ الضوء، بينما أَجسادُ الفلسطينيينَ تُدفنُ في العتمةِ بلا اسمٍ ولا وداعٍ ولا حتى قُبلةٍ أَخيرةٍ. فكانتِ المفاوضاتُ تُدارُ على طاولةٍ باردةٍ، فيها جُثثٌ وجوعٌ وصُراخٌ ودُموعٌ، موتٌ هنا وانتظارٌ هناك. لم يكنِ الحديثُ عن هدنةٍ أو دواءٍ، بل عن أشلاءٍ يُريدونَها أولًا، قبلَ أن تَعبُرَ شُحنةُ حياةٍ. أيُّ منطقٍ هذا الذي يجعلُ الجُثّةَ أَكثرَ استحقاقًا من الجائعِ، والنّعشَ أسبقَ من الرّغيف؟ أيُّ منطقٍ ذاك الذي يُقلِبُ موازينَ الرحمةِ حتى يُصبحَ الموتُ امتيازًا والحياةُ جريمةً؟ لقد غدتِ المساعداتُ تُوزَّعُ وفق جدولٍ زمنيٍّ للموتى، لا لاحتياجاتِ الأحياء، صارَ من يُدفنُ أَسرعَ ممن يُنقذُ، وصارتِ الشواهدُ تُرفَعُ قبلَ الأرغفةِ. في غزّةَ لم يَعُدِ الناسُ يَسألونَ متى تَصلُ المساعداتُ، بل متى تُرفَعُ القيودُ عن الهواء. فحتى التنفّسُ صارَ ترفًا يَحتاجُ تصريحًا. في كلِّ زُقاقٍ هناكَ انتظارٌ، وفي كلِّ انتظارٍ صبرُ جبلٍ، وفي كلِّ صبرٍ جُرحٌ لا يندملُ. لكنَّ رغمَ كلّ ذلك ما زالتِ المدينةُ تَلِدُ الحياةَ من قلبِ موتِها. هُم يَدفنونَ موتاهم في صناديقِ الخشبِ، ونحنُ نَدفنُ أحزانَنا في صدورِنا فتُزهِرُ أملًا يُولَدُ. هُم يَبكونَ جُنديًّا واحدًا، ونحنُ نَحمِلُ آلافَ الوُجوهِ في دَمعَةٍ تُسقي الأرضَ لتَلِدَ لنا أَحفادَ من استُشهِدوا. في غزّةَ لم يكنِ الوقتُ يَتَّسِعُ للبُكاءِ، كانوا يَلتقطونَ ما تَبقّى من الهواءِ لِيَصنَعوا منه بروحِ العزِّ والإباء. كانوا يَرونَ العالمَ يُفاوِضُ على موتاهُ، ولا أَحدَ يَذكُرُهم بكلمةٍ أو مُواساةٍ، بينما هُم يُحيونَ موتاهُم بذاكرةٍ لا تَموتُ، ومع ذلك لم يَصرُخوا، لم يَتوسَّلوا، لم يَرفَعوا رايةَ ضعفٍ، ولم يَنتظروا تلكَ الطاولةَ أن تَتكلَّمَ لهم وعَنهُم، بل رَفَعوا وُجوهَهم إلى السماء يقولون: إن لم يكن بك علينا غضبٌ فلا نُبالي. كانتِ إسرائيلُ تَحصُي خَسائِرَها في عَدَدِ الجُثَث، وغزّة تَحصُي مَكاسِبَها في عَدَدِ مَن بَقوا يَتَنفَّسون. كانت تُفاخر بأنها لا تَترُكُ قَتلاها، بينما تَترُكُ حياةَ أُمّةٍ بأَكملها تَختَنِقُ خلفَ المَعابِر. أيُّ حضارةٍ تلكَ التي تُقيمُ الطقوسَ لِموتاها، وتَمنَعُ الماءَ عن طفلٍ عطشان؟ أيُّ دولةٍ تلكَ التي تُبجِّلُ جُثَثَها وتَتركُ الإنسانيّةَ تحتَ الرُّكام؟ لقد كانتِ المفاوضاتُ صورةً مُكثَّفةً للعالمِ كُلِّه؛ عالمٍ يَقِفُ عندَ الحدودِ يَنتظر “اتِّفاقًا على الجُثَث”، بينما يَموتُ الناسُ بلا إِذنِ عُبورٍ. لقد كشفوا عن وجوهِهم حينَ آمَنوا أن عودةَ جُثّةٍ مَيتةٍ أَهمُّ من إِنقاذِ أرواحٍ تَسرِقُ الأَنفاس. لكن غزّة كالعادة كانتِ الاستثناءَ في كلِّ شيءٍ وصَدمةً للأعداءِ قبل غيرِهم، وهذا حديثهم ورأيهم. غزّة لم تَنتظر أَحدًا ليُواسيَها، ولم تَسأَل أَحدًا ليَمنَحَها حَقَّها. حينَ اِنشَغَلَ الآخرونَ بعدَّ الجُثَث، كانت تُحصي خُطواتها نحو الحياة، أَعادت تَرتيبَ أَنقاضِها كأنها تَبني وطنًا جديدًا فوقَ عِظامِ مَن ماتوا وُقوفًا بشموخ، وأَعلَنَت أنَّ النَّبضَ لا يُقاس بعددِ القلوبِ التي توقَّفَت، بل بعددِ الذين ما زالوا يَزرَعونَ المستقبل، لأنَّ المستقبل لنا. وهكذا، حين يَكتُب التاريخُ سطره الأخير، لن يَقول من الذي سلّم الجُثَث، بل من الذي أَبقى على رُوحه حيّة. لن يَذكُر عددَ التوابيت، بل عددَ القلوب التي لم تَنكسِر. دولةُ الكيان الغاصب جَمَعَت موتاها، وغزّة جمَعَت نَفسها. هم دَفَنوا أَجسادَهم، وغزّة دَفَنَت بُذورَ زيتونِها الذي سَيُضيء سَنا بَرقه كل أُفق. هم احتَفلوا بالنِّهاية، وغزّة تَفتَح فَصلًا من جديد. في غزّة، لم يَكُنِ الناس يَطلُبون المعجزات، كانوا يُريدون فقط جُرعةَ دواءٍ لِطفلٍ يحتضر، أو كِسرةَ خُبزٍ لامرأةٍ عَجوز. لكن المعابِر بَقِيَت مُغلَقة لأن الأَموات من الجانب الآخر لم يُعادوا بعد. وكأنَّ الحياة هُنا مُعلَّقة على جُثّة هناك. لم يَكُن العالم يسمع صُراخَ الأَحياء، بل كان يُصغي إلى صَمتِ القُبور التي تُرضي إسرائيل أكثر مما تُرضي الإنسانية.
3561
| 21 أكتوبر 2025
المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء. فالتعليم يمنح الإطار، بينما التدريب يملأ هذا الإطار بالحياة والفاعلية. في الجامعات تحديدًا، ما زال كثير من الطلاب يتخرجون وهم يحملون شهادات مليئة بالمعرفة النظرية، لكنهم يفتقدون إلى الأدوات التي تمكنهم من دخول سوق العمل بثقة. هنا تكمن الفجوة بين التعليم والتدريب. فبدلاً من أن يُترك الخريج يبحث عن برامج تدريبية بعد التخرج، من الأجدى أن يُغذّى التعليم الجامعي بجرعات تدريبية ممنهجة، وأن يُطرح مسار فرعي بعنوان «إعداد المدرب» ليخرّج طلابًا قادرين على التعلم وتدريب الآخرين معًا. تجارب ناجحة: - ألمانيا: اعتمدت نظام التعليم المزدوج، حيث يقضي الطالب جزءًا من وقته في الجامعة وجزءًا آخر في بيئة العمل والنتيجة سوق عمل كفؤ، ونسب بطالة في أدنى مستوياتها. - كوريا الجنوبية: فرضت التدريب الإلزامي المرتبط بالصناعة، فصار الخريج ملمًا بالنظرية والتطبيق معًا، وكانت النتيجة نهضة صناعية وتقنية عالمية. -كندا: طورت نموذج التعليم التعاوني (Co-op) الذي يدمج الطالب في بيئة العمل خلال سنوات دراسته. هذا أسهم في تخريج طلاب أصحاب خبرة عملية، ووفّر على الدولة تكاليف إعادة التأهيل بعد التخرج. انعكاسات التعليم بلا تدريب: 1. اقتصاديًا: غياب التدريب يزيد الإنفاق الحكومي على إعادة التأهيل. أما إدماج التدريب، فيسرّع اندماج الخريج في السوق ويضاعف الإنتاجية. 2. مهنيًا: الطالب المتدرب يتخرج بخبرة عملية وشبكة علاقات مهنية، ما يمنحه ثقة أكبر وفرصًا أوسع. 3. اجتماعيًا: حين يتقن الشباب المهارات العملية، تقل مستويات الإحباط، ويتحولون من باحثين عن وظيفة إلى صانعين للفرص. حلول عملية مقترحة لقطر: 1. دمج التدريب ضمن المناهج الجامعية: أن تُخصص كل جامعة قطرية 30% من الساعات الدراسية لتطبيقات عملية ميدانية بالتعاون مع المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص واعتماد التدريب كمتطلب تخرج إلزامي لا يقل عن 200 ساعة. 2. إنشاء مجلس وطني للتكامل بين التعليم والتدريب: يضم وزارتي التعليم والعمل وممثلي الجامعات والقطاع الخاص، ليضع سياسات تربط بين الاحتياج الفعلي في السوق ومخرجات التعليم. 3. تفعيل مراكز تدريب جامعية داخلية: تُدار بالشراكة مع مراكز تدريب وطنية، لتوفير بيئات تدريبية تحاكي الواقع العملي. 4. تحفيز القطاع الخاص على التدريب الميداني. منح حوافز ضريبية أو أولوية في المناقصات للشركات التي توفر فرص تدريب جامعي مستدامة. الخلاصة التعليم بلا تدريب يظل معرفة ناقصة، عاجزة عن حمل الأجيال نحو المستقبل. إنّ إدماج التدريب في التعليم الجامعي، وإيجاد تخصصات فرعية في إعداد المدربين، سيضاعف قيمة التعليم ويحوّله إلى أداة لإطلاق الطاقات لا لتخزين المعلومات. فحين يتحول كل متعلم إلى مُمارس، وكل خريج إلى مدرب، سنشهد تحولًا حقيقيًا في جودة رأس المال البشري في قطر، بما يواكب رؤيتها الوطنية ويقودها نحو تنمية مستدامة.
2871
| 16 أكتوبر 2025