رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في خضم هذا العالم المتصارع، حيث لا مكان إلا للأقوياء، تبرز الحاجة الملحة إلى قوة جماعية تصون الوجود، وتحمي المصالح، وتواجه التحديات الكبرى.
هذه القوة، في سياقنا العربي والإسلامي، لا يمكن أن تنبع من الكيانات المجزأة، بل من الأمة بمفهومها الواسع: أمة تجمعها اللغة، ويشدّها الدين، وتوحدها المصالح، ويربطها التاريخ والمصير. لقد كانت هذه الأمة، في لحظات نادرة من وعيها، قادرة على أن تهز أركان الطغيان وتلهم الشعوب. لكنها سرعان ما تراجعت وتبعثرت في زحام ما سُمي بـ”الأوطان”، حتى أصبحت الفواصل السياسية والجغرافية حاجزاً دون أبسط أشكال التضامن. فالوطنية، التي كان يمكن أن تكون ركيزة للبناء الداخلي، تحولت في التجربة العربية إلى أداة لتفكيك الأمة لا لتعزيزها. وبدلاً من أن تكون خطوة في طريق نهضة الأمة، أصبحت نقيضاً لها.لقد طُبِّع هذا الواقع في الثقافة والإعلام والسياسات، فصار كل شعب ينظر إلى قضاياه وكأنها تخصه وحده، وتحوّل الألم الجماعي إلى صدى خافت لا يتجاوز حدود الوطن. حتى القضايا الكبرى التي تمس الكل، كالقضية الفلسطينية والعدوان على غزة، لم تعد قادرة على استنهاض الجماهير كما كانت من قبل، ولا على تحريك أنظمة سُجنت داخل حدودها، واكتفت بالبيانات والمناشدات.
وربما لا يمكن إنكار أن جزءاً من فقدان الثقة بمفهوم الأمة يعود إلى التجارب المريرة التي خضناها مع أنظمة رفعت شعار (الأمة)! من قادة أو أحزاب أو تجمعات. لكنها استخدمت الشعار، في كثير من الأحيان، كأداة للتعبئة العاطفية، لا كمرجعية فعلية لبناء مشروع حضاري جامع. بل تم توظيفه لخدمة أجندات سلطوية وتطلعات شخصية، أو أيديولوجيات ضيقة، أو مغامرات سياسية غير محسوبة، دفعت الأمة ثمناً باهظاً لها من حاضرها ومستقبلها. وهكذا، تآكل المفهوم في الوعي الشعبي، وصار يُنظر إليه بريبة أو سخرية، بعد أن أفرغته الممارسة من مضمونه، واستُخدم كغطاء للهزائم بدل أن يكون منارة للنهضة!.
لكن فشل الأشخاص لا يعني فشل الفكرة، كما ان الخذلان الذي أصابنا من تجارب مشوهة لا يجب أن يدفعنا لدفن المعنى النبيل للأمة، بل لإعادة بنائه على أسس صلبة: من الصدق، والمسؤولية، والتكامل، والتشاركية، لا على الشعارات الجوفاء والولاءات الشخصية.وما يغيب عن كثيرين أن العالم لا يحترم إلا القوي، والقوة لا تصنعها الصدفة ولا الشعارات، بل تصنعها العصبة، والتكتل، والتحالف، والشعور بالانتماء إلى كيان أكبر من حدود رسمها الاستعمار وقنّنها الواقع المفروض. والغرب، الذي يتقن أدوات الهيمنة، يعرف ذلك جيداً، فيصنع تكتلاته (كالناتو، والاتحاد الأوروبي)، بينما نحن لازلنا نحتفظ بالجامعة العربية، وحتى بمنظمة التعاون الإسلامي وغيرها ونحتفي عادة بالقمم العربية او الإسلامية، لكن دون فعالية أو أثر.
إن ضياع الأمة لم يكن قدراً، بل نتيجة خيارات سياسية وثقافية وتربوية، ربما حان وقت مراجعتها، في زمن تعاظمت فيه التحديات وانحسرت فيه خيارات التصدي والمواجهة، فما أحوجنا اليوم إلى صحوة تعيد للأمة مكانتها وسط هذا الضجيج، لا لتذيب الأوطان فيها، بل لتجعل من كل وطن لبنة معتبرة في صرح الأمة القوية.
لقد آن الأوان لنُعيد تعريف مفهوم الانتماء، فالوطن عزيز، نعم، لكن الوطن بلا أمة، بلا سند أوسع، بلا عمق استراتيجي في الأرض والوجدان، يظل مكشوف الظهر ويغري المهووسين بالقوة إلى التعدي والارهاب. أما الأمة، فهي الحضن الذي يعطي للوطن قيمة ومعنى وقدرة على البقاء، ببساطة الأمة هي الرؤية، أما الوطن فهو الموقع، ولا قيمة بالطبع للموقع إن لم يتصل برؤية في افقها الواسع الرحيب.
لاشك المخاطر الداهمة تتخطى الأوطان إلى الأمة ووجودها، وبضمنها الاقليم والمنطقة العربية الخليجية، لهذا اصبح كل بيت وكل فرد فينا سواء كان في القاهرة، او بغداد، والرياض، والجزائر، او دمشق، والرباط معنياً بهذا التهديد، كما لو أن الصواريخ تسقط على جدرانه، والحال بعد العدوان على قطر في التاسع من ايلول سبتمبر ليس كما كان قبله، وقد برهن مجرم الحرب نتنياهو الفالت من العقوبة عملياً على مدى جديته وبكل صلافة في رسم الشرق الأوسط وفق رؤيته التوراتية! بل واصل تهديداته حتى بعد فشل الغارة الغادرة بقوله «رسالتي إلى الدول التي تؤوي (من وصفهم بالإرهابيين) أن يطردوا هؤلاء او يقدموهم للمحاكمة او سنفعل ذلك بأنفسنا»، ليس هذا فحسب، بل إن رئيس الكنيست الاسرائيلي أمير روحانا لم يتردد هو الآخر في إطلاق تصريح مشابه على العدوان الغادر على قطر بقوله «إنه يحمل رسالة للشرق الأوسط بأسره»!، لهذا ليس مقبولاً عد العدوان الهمجي على غزة كأنه قضية تخص الفلسطينيين، ولا العدوان الإرهابي على قطر يخص القطريين وحدهم، وهذا الناطق الرسمي باسم مجرم الحرب نتنياهو يؤكد ذلك وهو يسخر من الانتقادات التي وجهت إلى العدوان «الفاشل» بقوله «إن إسرائيل استعادت قوتها وقدرتها على الردع وإن جميع جيراننا في الشرق الأوسط يراقبون المشهد بخوف بالغ».
غدا وبعد غد يلتقي القادة في العالمين العربي والإسلامي في الدوحة في مؤتمر طارئ للتشاور في الرد المناسب على الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على دولة قطر وهي ليست مناسبة بروتوكولية او احتفالية عادية، بل فرصة واعدة للاتفاق على مسار جديد يردع الكيان الغاصب من التمادي في صلفه واستهتاره، وهو المطلوب الذي افتقدته القمم العربية الإسلامية سابقا.
أيها القادة والزعماء
شعوبكم تنتظر منكم موقفاً صلباً موحداً، يعيد الثقة بمؤتمرات القمة، يتضمن رسالة واضحة لا لبس فيها أن:
* دولة قطر ليست وحدها بل نحن معها في المنشط والمكره.
* لا نتخلى عن ثوابت الأمة ولا نساوم على أرض الرباط (فلسطين).
* لا تراجع عن مطلبنا في وقف العدوان على غزة فوراً.
* لابد أن يدفع المعتدي الإسرائيلي ثمن عدوانه وإرهابه.
فلا تخذلوهم.... فلا تخذلوهم …..
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
● سياسي من العراق
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4200
| 05 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
1839
| 07 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1758
| 04 ديسمبر 2025