رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. م. جاسم عبدالله جاسم ربيعة المالكي

نائب رئيس المجلس البلدي المركزي (سابقاً)

مساحة إعلانية

مقالات

1128

د. م. جاسم عبدالله جاسم ربيعة المالكي

العطر الإلكتروني في المساجد.. بين حسن النية وخطر الصحة

14 أكتوبر 2025 , 05:09ص

لا يخفى على أحد الجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في العناية بالمساجد وصيانتها وتوفير سبل الراحة للمصلين، سواء في نظافة المرافق أو تكييف الأجواء أو تجهيز المساجد بما يليق بقدسيتها ومكانتها في نفوس المسلمين. هذه الجهود المشكورة محل تقدير وامتنان من جميع رواد بيوت الله.

غير أن بعض الظواهر الجديدة بدأت تثير التساؤلات، من بينها أجهزة العطور الإلكترونية التي تُوضع في بعض المساجد، فتطلق روائح قوية ومكثفة قد تتجاوز حد الاعتدال. بعض المصلين يشكون من أن هذه الروائح تؤثر على صحتهم بشكل مباشر، حيث تسبب الصداع أو الحساسية أو ضيق التنفس، خاصة لمن يعانون من أمراض الربو أو الجيوب الأنفية.

الأثر الصحي للعطور الصناعية: العطور والروائح الصناعية تحتوي غالباً على مركبات كيميائية قد تسبب تهيج الجهاز التنفسي لدى بعض الأشخاص. الدراسات الطبية أثبتت أن التعرض لتركيزات عالية من العطور يمكن أن يؤدي إلى صداع، دوخة، حساسية في العينين، وأحياناً ضيق في التنفس. وإذا كان هذا يحدث في الأماكن المفتوحة، فإن الخطر يتضاعف في أماكن مغلقة كالمساجد حيث يجتمع عشرات أو مئات المصلين في مساحة محدودة. قدسية المسجد وحق المصلين في الراحة: المسجد مكان للطمأنينة والسكينة، وليس من المقبول أن يتحول إلى مصدر إزعاج أو أذى. الشريعة الإسلامية أكدت على إبعاد كل ما يؤذي المصلين، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن حضور المسجد لمن أكل الثوم أو البصل حتى لا يتأذى المصلون من رائحته. فإذا كان هذا الحكم الشرعي يتعلق برائحة طبيعية عابرة، فما بالنا بروائح صناعية قوية تبقى عالقة في الجو وتؤثر على صحة الناس؟

دور المتبرعين والمؤسسات: لا شك أن نية المتبرعين حسنة، إذ يسعون إلى تطييب المساجد وتعطيرها، غير أن حسن النية لا يعفي من وجوب التحقق من الأثر الصحي لهذه الممارسات. فالتبرع بوسائل قد تؤذي المصلين لا ينسجم مع مقاصد الشريعة ولا مع قيم التكافل. ومن هنا تبرز مسؤولية الوزارة المعنية بالأوقاف في مراجعة مثل هذه التبرعات والتأكد من سلامتها، بدلاً من تركها دون تنظيم واضح.

الحلول الممكنة: ينبغي أن يكون استخدام العطور أو المعطرات في المساجد مضبوطاً بضوابط واضحة:

 1- الاعتدال في الكمية والتركيز بحيث تكون الرائحة خفيفة لا تسبب ضرراً.

2- أن تكون الأجهزة تحت إشراف إدارة المسجد، لا بيد أفراد خارجيين.

3- التنسيق مع وزارة الأوقاف لاعتماد مواد عطرية طبيعية وآمنة صحياً، مثل البخور أو الزيوت العطرية الخفيفة.

4- الاستماع لشكاوى المصلين لأن راحتهم وسلامتهم جزء لا يتجزأ من وظيفة المسجد.

القضية ليست في وجود جهاز عطر إلكتروني بحد ذاته، بل في طريقة استخدامه وكثافة الرائحة المنبعثة منه. فإذا كانت هذه الروائح تسبب ضرراً محتملاً، فإن الواجب الشرعي والصحي يقتضي مراجعتها بعناية. فالمساجد بيوت الله، ومقصدها تحقيق السكينة والطمأنينة، لا أن تكون سبباً في صداع المصلين أو إصابتهم بأمراض تنفسية.

ولعل من الأفضل أن يُعاد النظر في طريقة استخدام هذه الأجهزة، بحيث يتم ضبطها بما يحقق التوازن بين جمال الرائحة وخفتها، وبين راحة المصلين وصحتهم. وبهذا نضمن أن يظل المسجد مكاناً يبعث الطمأنينة والراحة، ويجتمع فيه المصلون على العبادة في أجواء نقية هادئة تليق ببيوت الله.

مساحة إعلانية