رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. أحمد المحمدي

مساحة إعلانية

مقالات

291

د. أحمد المحمدي

نقطة نظام

15 يونيو 2025 , 03:00ص

‏ليس أعظم خديعة تُخدع بها الأمة، من أمرين:

‏١- أن يظن البعض أن الفوضى تجديد، وأن الخروج عن الوحي حرية فكر، وأن احتقار التراث شجاعة عقلية.

‏لقد مضت قرونٌ من التمكين حين كانت الأمة تهتدي بكتاب الله وتقتبس من مشكاة نبوّته، فكانت السيادة بقدر ما كان في الأمة من الإيمان والعلم والعمل.

‏٢- غفلة الأمة عن تكامل العالم والسلطان: ثغرة في جدار الحضارة

‏إن من أعظم ما يُمهد طريق النهضة أن تلتقي الإرادتان: إرادةُ العلم، وإرادةُ الحكم. فالعلم وحده لا يكفي، والحكم وحده لا يستقيم. 

‏وحين تتلاقى الراية بيدٍ تهدي وأخرى تحمي، تنشأ للدين دولة، وللأمة منعة، وللمجتمع شريعة. وهكذا كانت بدايات كل نهضة صادقة في تاريخ الإسلام… لا من صدامٍ بين السلطان والعالم، بل من تلاقيهما على صراطٍ مستقيم.

إن الفتن إنما تتكاثر حين تتنازع الكلمة، ويقف أهل العلم في معزل عن القرار، ويستقل أصحاب القوة بتدبير المصير، أما إذا تعاون المخلصون من الفريقين، عادت للأمة روحها، وارتفعت من فوقها الغشاوة، وعرفت سبيلها، ومشت إليه واثقةً مطمئنةً مهتدية  أن النهضة لا تقوم على سيفٍ منفرد، ولا على قلمٍ وحيد، بل على اجتماع البصيرة والقدرة، الشرعية والقوة. ‏وحين يصافح العالمُ يدَ السلطان، ويجلس العدل على عرش القوة، تولد النهضة، وتمضي الرسالة.

‏وفي صفحات التاريخ أمثلة باهرة، تُجسد هذا التلاقي العظيم، وتُخبر أن الأمة لا تنهض إلا إذا حمل الرسالة عالِمٌ يهدي، وسلطان يحمي ويمضي.

‏1. عبد الرحمن الناصر وأهل العلم بالأندلس

‏تولّى الخلافة عام 300هـ / 912م، وتوفي عام 350هـ / 961م، فجمع حوله نخبة من الفقهاء والقضاة والعلماء والأطباء والفلكيين. فأقام دولة علم وعدل، ونهضة عمرانية في قرطبة، وأسس مكتبة ضخمة ومراصد فلكية.

‏2. نظام الملك وملكشاه السلجوقي

‏نظام الملك (ت. 485هـ / 1092م)، ملكشاه (ت. 485هـ / 1092م)، التقاء بين وزير عبقري وسلطان فذ من دولة السلاجقة، تم من خلاله:

-تأسيس المدارس النظامية في بغداد ونيسابور وغيرها

-دعم مذهب أهل السنة أمام نفوذ الباطنية والفوضى السياسية

-إعداد جيل من العلماء وترسيخ الانضباط بين العلم والدولة.

‏3. نور الدين زنكي والعلماء المحدثون

حكم من 541هـ حتى وفاته سنة 569هـ / 1174م، وقد التف جمع حوله المحدثين والفقهاء، أبرزهم ابن عساكر والخطابي فماذا كان:

•أسس دار الحديث في دمشق لتكون منارة لنشر السنة.

‏•دعم العدل وأسس الحكم على التقوى.

‏•مهد الأرضية العلمية والدينية لصلاح الدين الأيوبي، وأوقف المد الصليبي بذكاء متوازن.

4. القاضي الفاضل وصلاح الدين الأيوبي (ت. 596هـ / 1200م)، رافق صلاح الدين حتى وفاته

، كاتب مفكر، وزير وأديب وزاهد، كان عقله ولسانه وسيفه :

•فتولّى ديوان الإنشاء، وحرّر المراسلات التي وحدت الأمة معنويًا.

‏•نظّم الحياة الإدارية والسياسية للدولة الأيوبية.

‏•قال فيه صلاح الدين: “ما فتحتُ بلدًا إلا والقاضي الفاضل معي”، وقيل: “فتحت البلاد بقلمه قبل سيفي”.

‏5. العز بن عبد السلام (ت. 660هـ / 1262م) والسلطان قطز (قُتل في 658هـ بعد عين جالوت)، تحالف بين عالم مجاهد وسلطان حاسم فكان ماذا :

•مضى قطز  مع العز إلى عين جالوت، فكانت أول هزيمة كبرى للتتار، وفتحٌ جديد للمسلمين.

‏6. السلطان المظفر (ت. 765هـ / 1364م)، والإمام الصفدي (ت. 764هـ / 1363م)  جمع السلطان بسبب الالتقاء في مجلسه العلماء والأدباء.

‏•دعم حركة التأليف والتعليم، وساهم في دعم المدارس والمكتبات.

‏•كتب الصفدي سيرًا وموسوعات خدمت التاريخ الإسلامي لقرون.

‏خلاصة سننية:

كلما اجتمع السلطان والعالِم، عادت للأمة هيبتها، ونهضت من سُباتها. وكلما افترقا، ذهبت هيبتها، واستُبيح أمرها بين فوضى الجهال واستبداد السلاطين.

‏العالِم وحده نور بلا ذراع ، والسلطان وحده سيف، ‏ولا نهضة حتى يتعانقا، ويحكمهما النور والعدل معًا.

‏وما أحوج هذه الأمة اليوم أن تفتح سجل التاريخ لتفهم: أن النهضة لا تولد من شتات، ولا تُبنى على صراع داخلي بين دوائر النور وأروقة الحكم، بل تُبنى حين يحملها الاثنان معًا، ويحكمانها بالحق، ويقودانها إلى الله، لا إلى الهوى.

مساحة إعلانية